بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 31 يوليو 2018

أهمية الأدلة العقلية في الدفاع عن الدين

الحمد لله خالق الليل والنهار، رافع السموات بغير عمد العزيز القهار، والصلاة والسلام على سيدنا محمد المختار وعلى ءاله وأصحابه الطيبين الأطهار.

إن للأدلة والبراهين العقلية أهمية كبيرة في الإسلام، وقد أرشد إلى أهميتها القرءان واستعملها الأنبياء والعلماء على مر الزمان مع قومهم لبيان الحق والرد على الملحدين الذين لا يأخذون بكلام الله في الكتب المنزلة على الأنبياء.

قال الله تعالى في القرءان الكريم: {ألم تر إلى الذي حاجَّ إبراهيم في ربه أن ءاتاه الله الملك إذ قال إبراهيم ربي الذي يُحي ويميت قال أنا أُحي وأميت قال إبراهيم فإنّ الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب فبهت الذي كفر والله لا يهدي القوم الظالمين} [سورة البقرة ءاية 258].

انظروا إلى حُجة إبراهيم عليه السلام القوية وكيف كسر النمرود الذي ادّعى الألوهية وزعم أنه يُحيي ويميت، فقد أحضر النمرود رجلين قتل أحدهما وأرسل الآخر أي أطلقه حرًّا ولم يقتله، على زعمه أنه أمات وأحيا، قال له إبراهيم عليه السلام فإنّ الله يأتي بالشمس من المشرق فأتِ بها من المغرب فبهت الذي كفر، أي على زعمك أيها النمرود إن كنت أنت الخالق ولست كذلك فأتِ بالشمس من المغرب، ولكنك لا تستطيع ذلك لأنك لستَ الخالق، فأنت لست خالق الحياة والموت، وإنما هذا منك لعب على الكلام، فالصلاة والسلام عليك يا سيدي يا إبراهيم، صلوات الله وسلامه عليك وعلى نبينا وسائر النبيين، وليُعلم أن كلمة "الظالمين" في القرءان في كثير من المواضع معناها "الكافرون" ليس المسلمين الذين يظلمون، أولئك الظالمون الذين علم الله أنهم يموتون على الكفر، الله تبارك وتعالى لا يهديهم مهما رأوا من المعجزات والعظات من الأنبياء عليهم السلام، وهذا معنى قوله تعالى: {والله لا يهدي القوم الظالمين}.

فمن فكر بعقله علم أنه كان بعد أن لم يكن وما كان بعد أن لم يكن فلا بدّ له من مكون أي خالق خلقه، الإنسان يُخلق في بطن أمه ثم يخرج وهو لا يعلم شيئًا ولا يتكلم ولا يمشي، فيتطور شيئًا فشيئًا فتحصل له قوة مشي وكلام ويحصل له علم يتجدد له شيئًا فشيئًا... نشأ طفلاً ثم صار شابًا ثم كهلاً ثم شيخًا ثم هرمًا. انتقل من ضعفٍ إلى قوة ثم إلى ضعف، فلا يعقل أن يكون طوّر نفسه بنفسه، أما تراقب طفلك في البيت كيف يتنقل في أول مشيه شيئًا فشيئًا وكيف يتعود الكلام، يتعود النطق شيئًا فشيئًا، وكيف يكبر شيئًا فشيئًا!.

مَن الذي خلقه؟ هو الله تعالى، مَن الذي أوجده من العدم؟ هو الله تعالى، مَن الذي جعل فيه القوة على المشي والكلام وغير ذلك؟ هو الله تعالى. فالعالم يتغير باختلاف الأحوال عليه من حيّ يموت ومتفرق يجتمع وصغير ينمو وخبيث يطيب وقوي يضعف وضعيف يقوى. نجد الإنسان ينتقل من ضعفٍ إلى قوةٍ ثم من قوة إلى ضعف، فمنهم من يضعف تفكيره من ضعف جسمه حتى يخرف فيصير كالطفل لا يميز بين الحسن والقبيح، لا يقوم بتجنب القذر كحاله حين كان قبل التمييز، قدل ذلك على أن الإنسان مخلوق لله تبارك وتعالى الذي خلقنا وأوجدنا. قال الله تبارك وتعالى: {وفي أنفسكم أفلا تبصرون}. تأمل في نفسك أخي المسلم، تأمل في مخلوقات الله.

تأمل في رياض الأرض وانظر *** إلى ءاثار ما صنع المليك
عيونٌ من لُجينٍ شاخصات *** وأحداقٌ لها ذهب سبيك
على قُضُبِ الزبرجد شاهداتٌ *** بأنّ الله ليس له شريك

يقول الله تعالى في القرءان المعجزة العظيم في سورة الرعد{وفي الأرض قطعٌ متجاورات وجناتٌ من أعنابٍ وزرعٌ ونخيلٌ صنوانٌ وغير صنوان يسقى بماءٍ واحد ونفضِّلُ بعضها على بعض في الأكل إنّ في ذلك لآيات لقومٍ يعقلون} [سورة الرعد ءاية 4].

تأمل أنه حصل في الأرض قطع مختلفة بالطبيعة، وأن القطعة الواحدة من الأرض تسقى بماءٍ واحد، وتأثير الشمس فيها متساوٍ، والثمار التي تجيء منها مختلفة في الطعم وللون والطبيعة والشكل والرائحة والمنافع والخاصية مع العلم أن الأرض واحدة والماء واحد! {إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون}[سورة الرعد ءاية 4] أي أنّ في اختلاف الألوان والروائح والطعوم لحججًا ودلالاتٍ لقوم يعقلون أي يعلمون الأدلة فيستدلون بها على وحدانية الصانع الخالق القادر الحكيم المدبر للأشياء كلها، وليس الطبيعة هي التي دبرت ذلك أو أن الحوادث حدثت بنفسها بدون صانع، وقيل المراد بهذه الآية المثل، ضربه الله تعالى لبني ءادم، أصلهم واحد وهم مختلفون في الخير والشر والإيمان والكفر، كاختلاف الثمار التي تسقى بماء واحد، ومنه قول الشاعر:

الناسُ كالنبت أشكال وألوان *** منها الصنوبر والكافور والبانُ
بعضٌ يفوح بطيبٍ إن مررتَ به *** ونضحُ بعض بطول الدهر قطرانُ

أخي المؤمن تأمل في ورقة التوت، كيف أن ريحها وطعمها ولونها واحد، فتأكل منها الغزالة فيخرج منها المسك، وتأكل منها دودة القز فيخرج الحرير، ويأكل منها الجمل فيخرج البعر، ويأكل منها النحل فيخرج العسل ويأكل منها الماعز فيخرج اللبن أي الحليب، تبارك الله الخلاق العظيم.

وقال الله تعالى في محكم كتابه: {إنّ في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآياتٌ لأولي الألباب، الذين يذكرون الله قيامًا وقعودًا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السموات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلاً سبحانك فقنا عذاب النار}[سورة ءال عمران ءاية 190-191].

رسول الله محمد صلوات ربي وسلامه عليه قال بعدما قرأ هذه الآية: ويل لمن قرأها ولم يتفكر فيها.

فمن هنا يعلم أن على الإنسان أن يتفكر أي ينظر في أحوال هذا العالم حتى يزداد يقينًا بوجود الله الخالق الذي خلق هذا العالم كله.

لذلك سنسلط الضوء على البرهان العقلي أو الدليل العقلي أو الأدلة العقلية وعلى أهمية التمكن بهذه الأدلة فعلماء التوحيد عندهم العقل شاهد للدين.

فالعالم سمي عالمًا لأنه علامة على وجود الله، فهذا العالم دليل على وجود الله تبارك وتعالى لأنه لا يصح في العقل وجود فعل ما من غير فاعل، كما لا يصح وجود نسخ وكتابة من غير ناسخ وكاتب. الكتابة والنسخ من جملة هذا العالم.

إذًا، هذا العالم لا بد له من خالق من باب أولى وهو الله تعالى.

فهذا الإمام أبو حنيفة رضي الله عنه أقام الحجة على ملحد ينكر وجود الله بالدليل العقلي، بالبرهان العقلي.

يُروى أن رجلاً من منكري وجود الله أتى إلى أحد الخلفاء وقال له: "إنّ علماء عصرك يقولون إن لهذا الكون صانعًا وأنا مستعد أن أثبت لهم أن هذا الكون لا صانع له". يعني على زعمه هذا العالم لا خالق له والعياذ بالله تعالى.

فبعث الخليفة إلى عالم كبير هو الإمام أبو حنيفة يعلمه بالخبر ويأمره بالحضور، ولكنّ الإمام أبا حنيفة تعمّد أن يتأخر قليلاً عن الوقت، ثم حضر فاستقبله الخليفة وأجلسه في صدر المجلس وكان قد اجتمع العلماء وكبار الناس، فقال الرجل الملحد للإمام أبي حنيفة لم تأخرت في مجيئك؟

فقال الإمام: ماذا تقول لو أخبرتك أنه قد حصل لي أمر عجيب فتأخرت، وذلك أن بيتي وراء نهر دجلة فجئت لأعبر النهر فلم أجد سوى سفينة عتيقة قد تكسرت ألواحها الخشبية، ولما وقع نظري عليها تحركت الألواح واجتمعت واتصل بعضها ببعض، وصارت سفينة صالحةً للسير بلا مباشرة نجار ولا عمل عامل، فقعدت عليها وعبرت النهر، وجئت إلى هذا المكان. أتصدقني؟

فقال الرجل: "اسمعوا أيها الناس ما يقول عالمكم، فهذا لا يصدق! كيف توجد السفينة بدون أن يصنعها نجار؟ هذا كذب محض". فقال أبو حنيفة رضي الله عنه: أيها الملحد إذا لم يُعقل أن توجد سفينة بلا صانع ولا نجار فكيف تقول بوجود العالم بلا صانع؟ فسكت الرجل ولزمته الحجة.

وهاكم حجة إبراهيم عليه السلام التي استدل بها على أن الخالق هو الله تعالى وليس هذه الكواكب التي يعبدها قومه، ولا القمر ولا الشمس لتغيّر الشمس والقمر والكوكب، قال: {لا أحبُّ الآفلين} [سورة الأنعام ءاية 76]. فمعنى كلام سيدنا إبراهيم عليه السلام أن الشئ الذي يتغير لا يصلح أن يكون إلهًا مدبرًا للعالم لأن قومه كانوا على هذا الدين على هذا الاعتقاد أن الكواكب والشمس والقمر هي تدبر العالم. كانوا ينسبون تدبير الأرض وما فيها إلى الشمس والقمر والكواكب، فإبراهيم عليه السلام كان عالمًا بالله تعالى وأنه لا يشبه شيئًا لكن قومه كانوا في جهل عميق، كانوا يعتقدون أن الشمس والقمر والكواكب هي ءالهتهم التي تُدبر الأرض وما عليها، فدلهم إبراهيم عليه السلام على غباوتهم حيث أعلمهم أنهم يعبدون هذه الأشياء التي تتغير. والشئ الذي يتغير لا يصلح أن يُعبد. لا يجوز في العقل أن يُعبد.

قال نبي الله إبراهيم عليه الصلاة والسلام: {لا أحبُّ الآفلين} فهذه حجة عقلية، برهان عقلي، معناه كيف يجوز عبادة الشئ الذي يتغير! معناه اتركوا هذا الرأي الذي أنتم عليه واعبدوا الله الموجود الأزلي الذي لا يتغير. لكنهم من فساد قلوبهم لم يفهموا لأنه طُبعَ الكفر على قلوبهم. كانت قلوبهم بعيدة عن الفهم، عن فهم الحق. أما سيدنا إبراهيم عليه السلام فكان يعلم قبل ذلك أن الله تعالى موجود وأنه لا يشبه شيئًا وأنه خالق الكوكب والقمر والشمس. لأن الله تبارك وتعالى قال: {وقد ءاتينا إبراهيم رشده من قبل} [سورة الأنبياء ءاية 51].

ويدل على اعتبار واستحسان الحجة العقلية النافعة أن الله تعالى قال: {وتلك حجتنا ءاتيناها إبراهيم على قومه}.

وقد استدل إبراهيم عليه السلام بأفول الكوكب –أي تغيره من حال إلى حال- وهذا أي التغير أقوى علامات الحدوث ومن هذا يستدل على أن الله تعالى موجود بلا مكان ولا جهة ولا يتغير سبحانه.

وهذا الذي ذكرناه من البراهين العقلية التي استدل بها أنبياء الله والعلماء العاملون غيض من فيض. فعليكم بعلم الدين، فعلمُ الدين هو حياة الإسلام، واسمعوا قول أبي العتاهية:

فيا عجبًا كيف يُعصى الإلهُ *** أم كيف يجحده الجاحدُ
وفي كل شئٍ له ءايةٌ *** تدل على أنه واحدُ
وفي كل تحريكةٍ ءايةٌ *** وفي كل تسكينةٍ توجدُ

اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علمًا، وءاخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

حسن التفهم والدرك لمسئلة الترك

  حسن التفهم والدرك لمسئلة الترك تأليف: أبي الفضل عبد الله محمد الصديقي الغماري تقديم الترك ليس بحجة في شرعنا … لا يقتضي منعًا ولا إيجابا فم...