بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 29 يوليو 2018

التوبة وأركانها

التوبة وأركانها
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم
أما بعدُ فإنّ التوبة معناها الرجوع وهي في الغالب تكون من ذنب سبق للخلاص من المؤاخذة به في الآخرة. وقد تُطلَقُ التوبة لغير ذلك.
تَجِبُ التوبة من الذنوب فورًا على كلّ مُكَلَّف. أي تجب التوبة من الذنوب الكبيرة فورًا وكذلك التوبة من الصغيرة واجبة عَينًا على كُلّ مكلّف.
ثم إنّ التوبة لها أركان، فالذي لا بُدّ منه في النوعين، نوع المعصية التي لا تَعَلُّقَ لها بحقوقِ بني ءادم اي تَبِعَتِهِم ولا هي بتركِ فَرْضٍ والنوع الذي له تعلّقٌ بحقوق بني ءادم، النَدَم أسَفًا على عدم رِعاية حقِّالله. فالندم لِحَظٍّ دُنيَوِيٍّ كَعارٍ أو ضياعِ مالٍ أو تَعَبِ بَدَنٍ أو لِكَونِ مَقْتولِهِ وَلَدَهُ لا يُعتَبَر. فالنَدَمُ هو الرُكنُ الأعظم لأنه متعلّقٌ بالقلب والجوارحُ تَبَعٌ لهُ. والندم أن يقول في قلبه: "ليتني ما فَعَلْتُ ذلك".
والإقلاعُ أي الإقلاعُ عن الذنبِ في الحال كشَخصٍ أثناء شُربِ الخَمرِ قال في قَلبِهِ: "نَدِمْتُ على ذلك وتُبْتُ" فهذا ما صَحَّتْ توبَتُهُ. كذلك غيرُ المسلم إذا قال: "أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنّ محمدًا رسول الله" وفي قلبه اعتقاد فاسِد فهذا ما صَحَّ إسلامُه.
والعزمُ وهو أن يُصَمِّمَ تصميمًا مُؤَكَّدًا على أن لا يعودَ إليها أي إلى المعصية. فهذه الثلاثة هي التوبة المُجزِئَة أي إذا حَصَلَتْ هذه الأركانُ الثلاثة غُفِرَ لَهُ. فإن عادَ إلى المعصية لا يعود عليه الذنبُ القديم بل تُسَجَّلُ عليهِ معصِيَةٌ جديدة ولو عصى مِائة مرّة وتابَ مِائة مرّة وإن كان الذنبُ تَركَ فَرضٍ قَضاهُ أو تَبِعَةً لآدَمِيٍّ قَضاهُ أو استرضاه. وما التوبة من المعصية التي حَصَلَتْ لِتَركِ فرضٍ أو تَبِعَةٍ فَيُزدادُ فيها قَضاءُ ذلك الفرض. فإن كان المتروك صلاةًَ أو نَحوَها قَضَى فورًا وإن كان تَرْكَ نَحْوِ زَكاةٍ وكَفّارَةٍ ونَذْرٍ مع الإمكانِ تَتَوَقَّفُ صِحَّةُ تَوبَتِهِ على ايصالِهِ لِمُستَحِقّيه أي فيُخرِجُ الزكاةَ والكفّارةَ وَيَفِي بالنذر. وإن كانت المعصيةُ تَبِعَةً لآدَمِيٍّ رَدَّ تِلكَ المَظلَمَة فَيَرُدُّ عَيْنَ المالِ المَغصوب إن كان باقِيًا وإلا فَبَدَلَهُ لِمالِكِهِ أو نائبِ المالِك أو الوَرَثَة بعدَ موتِه فإن لم يَكُن لَهُ وارِثٌ أو انقطع خَبَرُهُ دَفَعَهُ إلى الخليفَةِ لِيَجعَلَهُ في بيتِ المال أو لِحاكِمٍ مأذونٍ لهُ في التصرُّف بمالِ المصالِح فإن تَعَذَّرَ ذلِك تَصَدَّقَ بِهِ عنهُ بِنِيَّةِ الغُرْمِ إن ظَهَرَ المُستَحِقّ.
روى مُسلمٌ في الصحيح مرفوعًا: "مَن كان لأخيهِ عِندَهُ مَظلَمَة في عِرضٍ أو مالٍ فليَستَحِلَّهُ اليومَ قبل أن لا يكون دينارٌ ولا دِرهَم". فإن كان له عَمَلٌ أُخِذَ مِنهُ يومَ القِيامَةِ بِقَدْرِ مَظْلَمَتِهِ وإلا أُخِذَ من سَيِّئاتِ صاحِبِهِ فَحُمِلَ عليه إلا أن يُوَفِّيَ اللهُ عنهُ مِن خَزائِنِهِ. ثُمَّ إن كان حَقُّ الذي عَلَيهِ قِصاصًا مَكَّنَ المُستَحِقَّ من استيفائِهِ منه أي يقولُ لهُ : "خُذْ حَقَّكَ منّي أي اقتُلني وإنْ شِئْتَ فَاعْفُ" فإن امتَنَعَ المُستَحِقُّ من الأمرَيْنِ صَحَّتِ التَّوبَة. ولو تَعَذّرَ الوصولُ إلى المُستَحِقّ نَوَى تَمكينَهُ إذا قَدَرَ. ثمّ لا يُشتَرَطُ الاستِغفارُ اللساني أي قول: "أستغفر الله" للتوبة وقَوْلُ بعضٍ بِأنَّهُ شَرْطٌ غَلَطٌ سواءٌ جَعَلَ ذلِكَ مُطلَقًا أو جَعَلَهُ خاصًّا لِبَعضِ الذُنوب.
والحمد لله رب العالمين

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

لا يصح الصوم كله فرضه ونفله مقيّده ومطلقه إلا بنية

 قال شيخ المالكية أبو القاسم بن الجلاب في التفريع في فقه الإمام مالك بن أنس رحمه الله، باب النية في الصوم، (فصل) النية (ولا يصح الصوم كله فر...