4- تفسير انوار التنزيل واسرار التأويل للبيضاوي
{ ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء } قصد إليها بإرادته، من قولهم استوى إليه كالسهم المرسل، إذا قصده قصداً مستوياً من غير أن يلوي على شيء. وأصل الاستواء طلب السواء، وإطلاقه على الاعتدال لما فيه من تسوية وضع الأجزاء، ولا يمكن حمله عليه لأنه من خواص الأجسام . وقيل استوى أي: استولى ومَلَكَ ، قال الشاعر:
قَدِ اسْتَوَى بِشْرٌ على العِرَاق مِنْ غَير سَيْفٍ ودَمٍ مُهْرَاقِ
والأول أوفق للأصل والصلة المعدى بها والتسوية المترتبة عليه بالفاء، والمراد بالسماء هذه الأجرام العلوية، أو جهات العلو، و {ثُمَّ } لعله لتفاوت ما بين الخلقين وفضل خلق السماء على خلق الأرض كقوله تعالى: {ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ ءامَنُواْ } لا للتراخي في الوقت ، فإنه يخالف ظاهر قوله تعالى: {وَ الاْرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَـاهَا } فإنه يدل على تأخر دحو الأرض المتقدم على خلق ما فيها عن خلق السماء وتسويتها، إلا أن تستأنف بدحاها مقدراً لنصب الأرض فعلاً آخر دل عليه {أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ } مثل تعرف الأرض وتدبر أمرها بعد ذلك لكنه خلاف الظاهر.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق