بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 31 يوليو 2018

التأويل فى القرءان والحديث موضوعٌ مهم ينبغى فهمُه جيداً

 التأويل فى القرءان والحديث موضوعٌ مهم ينبغى فهمُه جيداً

لأنَّ من القواعد المقررة عند أهل السنة والجماعة أنَّ الله لا يُشبه شيئاً من مخلوقاته

الله الذى خلق الأجسام والألوان والحركات والناس والجن والملائكة والنار والهواء والماء لا يُشبِهُ شيئاً من ذلك، فهو سبحانه وتعالى ليس جسماً ولاضوءاً ولا ظُلمةً ولا يشبه شيئاً من مخلوقاته، ليس له حجم ولا شكل ولا أحد يستطيع أن يتخَيَلَه سبحانه ولا أن يتصورَه، لأن كلَّ ما تتخيلُه فى بالك فهو مخلوق والخالق لا يشبه المخلوق، وإنما الأمر كما قال ربنا عز وجل: {ليس كمثله شىء}.

وكما قال أحمد بن حنبل وذو النون المصرى:
مهما تصورت ببالك فالله بخلاف ذلك

هذه قاعدة مقررة عند أهل السنة والجماعة المسلمون كلهم هذا اعتقادُهم ومن خالف هذا الاعتقاد فلا يكون مسلماً، الذى يقول إن الله تبارك وتعالى يشبه الإنسان مثلاً، أو يعتقد ان الله كُتلة نورانية أو يعتقد أن الله تبارك وتعالى مثلُ شيخٍ كبير قاعد على العرش فوق هذا لا يكون مسلماً هذا عقيدته تكون شبيهة بعقيدة اليهود والنصارى.


منذ مئات من السنين ظهر بعض الناس الذين ادعوا الإسلام، لكن فى قلوبهم يحملون هذه العقيدة الفاسدة التى تشبه عقيدة اليهود، ثم حتى يؤيدوا عقيدتهم صاروا يرجعون إلى ءايات فى القرءان تحتمل أكثر من معنى، أو إلى أحاديث تحتَمِل أكثر من معنى ويقولون نحن هذه الآيات والأحاديث لا نؤولها، يحملونها على المعنى الظاهر الذى يناقض ءايات أخرى فى القرءان، لكن هم فعلوا ذلك لينصروا بدعتهم، وصاروا ينشرون بين الناس أنه حرام تأويل أى ءاية فى القرءان أو أى حديث للرسول، وصاروا يقولون السلف ما كانوا يؤولون بالمرة

وذلك حتى يجروا الناس إلى الوقوع فى وُحُولِ عقيدتهم الفاسدة، حتى إذا سمع الناس إنساناً يفسر الآية على الوجه الصحيح يقولون هذا يؤولها والتأويل ممنوع السلف ما كانوا يؤولون فلا يستمعون إليه، وهم يعرفون أن الناس فى هذه الأيام معرفتُهم بلغة العرب ضعيفة من حيث الإجمال


فيقولون للناس إذا قرأنا مثلَ قولِ الله: {الرحمنُ على العرشِ استوى} نأخذُه على ظاهره لا نشتغل بتفسيره نأخذه على ظاهره، وماذا أغلب الناس مع ضعفهم فى لغة العرب إذا سمعوا كلمة استوى فأرادوا متابعة هؤلاء فى المشى على منهاجهم ماذا يفهمون من كلمة استوى؟ لا يفهمون إلا جلس، لأن هذا هوالمعنى الظاهر لكلمة استوى

فإذا اعتقد الإنسان أن معنى استوى جلسَ وأن الله جلس على العرش يكون شبَّه الله بخلقه، وهذا الذى يريدُه هؤلاء، لذلك هم يقولون لا يجوزالتأويل

حتى إذا سمع مثل هذا الشخص العامّى عالماً من العلماء أو إنساناً عندَه علم فى المسئلة يقول له استوى فى لغة العرب لها معانى عديدة من معانيها كذا وكذا وجلس لا يليق نسبَتُها إلى الله إما استوى هنا معناها قهر إذا سمع مثلَ ذلك يقول: هذا يشتغل بالتأويل والتأويل ممنوع السلف ما فعلوه فلا يستمع إليه، وهذا ما يريدونه لأنهم يعرفون أنه إذا استمع إليهم سيسمع الحُجج الشرعية، فيظهر له أن أولئك شذَّاذ ليس لهم حجة.
هؤلاء الناس لما ظهروا أهل العلم اهتموا بمكافحتهم، ومنعوهم من نشر فتنتهم، لكن هذه الأيام يتحركون لنشر فتنتهم.

لذلك كان من المهم أن يكون عند الواحد منا فكرة واضحة فى هذا الموضوع، حتى يستطيع الواحد منا أن يُوضِح هذا الأمر كما ينبغى، دفاعاً عن دين الله تعالى ولحماية عقائد المسلمين من أن يُدخل عليها أحد مما يخالفُها تحت اسم الإسلام.

قال الله تعالى: {هُوَ الَّذِى أَنزَلَ عَلَيْكَ الكِتَابَ مِنْهُ ءَايَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِيْنَ فِى قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيِتْبَعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابتِغَاءَ الفِتْنَةِ وَابتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِى العِلْمِ يَقُولُونَ ءَامَنَّا بِهِ كُلٌّ مّـِنْ عِنْدِ رَبّـِنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ} (ءال عمران/7).


هذه الآية التى هى من سورة ءال عمران أخبرنا الله تعالى فيها أن القرءان فيه ءايات محكمات هن أم الكتاب الله تعالى قال{مِنْهُ ءَايَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الكِتَابِ} {أُمُّ الكِتَابِ} أى أصل الكتاب الأم معناه الأصل ليس دائما الأم معناه الوالدة الأم معناه الأصل أى هذه الآيات هى أصلُ الكتاب، وأن فى القرءان ءايات متشابهات، لا بد ليفهم معناها من ردها إلى المحكم من إرجاعها إلى الآيات المحكمات.

والآيات المحكمة: هى ما لا يحتمل من التأويل بحسب وضعِ اللغة إلاَّ وجهاً واحداً، الآية المحكمة هى التى لا تحتمل بحسب لغة العرب إلا معنىً واحداً بحسب لغة العرب لا تحتمل إلا تفسيراً واحداً هذا هوالمحكم.
أو بعبارة أخرى ما عُرِفَ بوضوحِ المعنى المرادِ مِنْهُ كقولِه تعالى:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءٌ} (سورة الشورى/11) هذا بحسب لغة العرب لا يحتمل إلا معنىً واحداً وهو أن الله لا يشبهه شىءٌ من الأشياء لا يحتمل إلا هذا المعنى.

ومثل قوله تعالى: {ولم يكن له كفواً أحد} (سورة الإخلاص/4)

أيضاً هذا معناه واضح معناه ليس أحد شبيهاً لله ليس أحد مساوياً لله، لا يحتمل بحسب لغة العرب أى معنى ءاخر .
ومثل قوله تعالى: {هل تعلم له سمياً} (سورة مريم/65) السمىّ المثيل يعنى هل تعلم لله مثيلاً معناه لا مثيلَ لله هذا أيضاً واضح ليس له فى لغة العرب إلا هذاالمعنى، هذا هو المحكم.

وأما المتشابِه: فهو ما لم تتضح دِلالتُه يعنى بحسب وضع اللغة العربية يحتمل أكثر من معنى فيُحتاج إلى ردِّه إلى إرجاعه إلى الآيات المحكمة حتى يُعرَف ما هو المعنى المراد منه، لا بد من إرجاعه إلى الآية المحكمة حتى يُعرَف ما هو المراد من هذه الآية، يعنى يُحتاج فيه إلى النظر إلى التفكر لحمله على الوجه المطابق مثل قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى العَرْشِ استَوَى} (سورةطه/5) استوى فى لغة العرب لها معانِى كثيرة، استوى بمعنى جلسَ؛ واستوى بمعنى استقر؛ وعلا بالمعنيين للعلو علو المكان وعلو المكانة والقدر؛ وكذلك استوى بمعنى قهر؛ واستوى بمعنى بلغ أشُدَه؛ وغير ذلك فحتى تُفسَر الآية على الوجه الصحيح لا بد فيها من التفكر بردها إلى المحكم وإعطاء المعنى الصحيح لها.

الله تعالى أخبرنا فى الآية التى ذكرناها من سورة ءال عمران أنَّ فى القرءان هذين النوعين من الآيات، وأنَّ الآيات المحكمة هى أصل الكتاب الذى ترد إليه الآيات المتشابهة.

قال تعالى: {فَأَمَّا الَّذِيْنَ فِى قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيِتْبَعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُابتِغَاءَ الفِتْنَةِ وَابتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ} الله تعالى أخبرنا فى هذه الآية أن الذين فى قلوبهم زيغ فى قلوبهم مرض فى العقيدة ماذا يلحقون؟ يلحقون الآيات المتشابهة يتبعونها، ويتبعونها ابتغاء تأويلها يعنى ليحملوها على مَحْمَلٍ فاسد، {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ} وما يعلم تأويل هذه الآيات على الوجه الصحيح إلا اللهُ والراسخون فى العلم.

يقولون أى هؤلاء الراسخون فى العلم: {يَقُولُونَ ءَامَنَّا بِهِ كُلٌّ مّـِنْ عِنْدِ رَبّـِنَا} المحكم والمتشابه كلاهما منزل من عند الله نحن نؤمن به.

هنا فى هذه الآية مسئلة دقيقة وهى أن هذه الآية لها قراءتان أنزلت على النبى بقرائتين، القراءة الأولى: الوقف فيها عند لفظ الله {إِلاَّ اللَّهُ}، والقراءة الثانية: الوقف فيها عند لفظ {العلم} فبحسب القراءة الأولى تقرأ {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ} تقف ثم: {وَالرَّاسِخُونَ فِى العِلْمِ يَقُولُونَ ءَامَنَّا بِهِ} تكون ابتدأتَ جملةً ثانية الواو لا تكون للعطف تكون الواو لابتداء جملةٍ ثانية.

وبحسب القراءة الثانية تقرأ {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِى العِلْمِ} هنا الواو للعطف يعنى الله يعلم والراسخون فى العلم يعلمون، بحسب القراءة الثانية لا إشكال فى فهم الأمر لأن معنى الآية يكون أن الآيات المتشابهات لا يعلمُ تأويلها إلا الله والراسخون فى العلم معناه الله يعلم معناها والراسخون فى العلم يعلمون تأويلها يعلمون معناها.

أما بحسب القراءة الأولى يعنى بالوقفِ عند لفظ الجلالة يكون معنى الآية أنه لا يعلمُ تأويلَهُ إلا الله، الله فقط يعلم تأويلَهُ. فهنا بحسب هذه القراءة الأولى التأويل هنا لا يكون معناه إعطاء معنى الآية المعنى المراد الذى هو غير المعنى الظاهر لأنه لو كان هذا معناه لكان هذا فيه دليل أن هذا ممنوع علينا.

معناه يكون نحن ممنوعين من تأويل الآيات من إعطائها غير المعنى الظاهر، لكن هذا يناقض القراءةَ الثانِية، وقراءاتُ القرءان لا يناقض بعضها بعضا لو كان معنى التأويل إعطاء معنى غير المعنى الظاهر بحسب ما تقتضيه لغة العرب لكانت هذه القراءة تدل على المنع منه والقراءة الثانية تدل على السماح به وأن الراسخين فى العلم يعلمونه لكان يوجد هناك تناقض والقرءان ليس فيه تناقض.

لأنَّ القرءان لا يناقض بعضه بعضاً قراءات القرءان لا يناقض بعضها بعضاً، كلُّها بوحىٍ من الله.

إذاً كلمة تأويل هنا لها معنى ءاخر، ما هو معناها؟ معناها موعد الحصول، فماذا يكون معنى الآيةكُلّـِهَا؟ يكون معناها أن فى القرءان ءايات محكمة وءايات متشابهة، فالناس الذين فى قلوبهم زيغ يتَّبِعُون المتشابَه محاولين أن يستخرجوا منها مواعيد حصول بعض الأمور التى استأثر اللهُ بعلمها محاولين أن يستخرجوا منها مواعيد حصول بعض الأشياء التى لم يُطْلِع ربُنا أحداً من خلقه على موعد حصولِها، مثل موعد خروج الدجال ووَجْبَة القيامة وهذا لا يعلمه أحد إلا الله، فيكون هذا معنى الآية لا يعلم أحدٌ موعد حصول ذلك إلا الله، أما الذين هم راسخون فى العلم فيقولون نحن نؤمن بالمتشابه والمحكم كل من عند الله لو كان هناك أشياء لا نعرف موعد حصولِها.

فليس فى هذه القراءة الأولى، القراءة على الوقف عند لفظ الجلالة ليس فيه دليل للمشبهة الذين يريدون منعَ تأويلِ بعض ءايات القرءان.

فَهْم هذه الآية على وجهها مع معرفة القرائتين فيها ومعناهما أمرٌ مهم.

إذا لم تفهم هذا الموضوع جيداً إذا كلمك إنسان فى عقيدته زيغ قد لا تعرف كيف تجيبُه، فهم هذا الأمر مهم، لا سيما الذى لا يعرف العربية يحتاج أن يبذل وقتاً حتى يعلم تماماً الفرق بين القراءات المختلفة.
قال القشيرى فى التذكرة الشرقية: وأما قول الله عز وجل: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ} يعنى بقراءة الوقف عند لفظ الجلالة إنما يريد به وقتَ قيام الساعة، فإن المشركين سألوا عن الساعة أيان مُرسَاهَا ومتى وقُوعُها، فالمتشابِهُ إشارة إلى علم الغيب، فليس يعلم عواقب الأمور إلا الله لا أحد يعلم ماذا يكون على اليقين نتائج الأمور إلا الله ولهذا قال تعالى: {هَل يَنْظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ يَومَ يَأْتِى تَأْوِيلُهُ} (سورة الأعراف/53). أى يومَ يأتى موعد حصوله زمن حصوله.

أى هل ينتظرون إلا قيامَ الساعة هذا رد على الكفار.

وكيف يسوغ لقائلٍ أن يقول فى كتابِ الله ما لا سبيلٌ لمخلوقٍ إلى معرفتِه ولا يعلمُ تأويلَهُ إلا الله
يقول القشيرى: كيف يتجرأ هؤلاء أن يقولوا إن هذه الآيات المتشابهة التى فى القرءان لا يعلم أحد تفسيرها على الوجه الصحيح، كيف يسوغ لقائل كيف يجوز لإنسان أن يقول: إن الله أنزل فى القرءان هذه الآيات ولا أحد بالمرة يستطيع أن يعرف معناها؟!!. قال: أليس هذا من أعظم القدحِ فى النبوات؟!! وأن النبى -يعنى على زعمهم- ما عرف تأويل ما ورد فى صفات الله تعالى، ودعا الخلقَ إلى علم ما لا يُعْلَم يعنى على زعمهم النبى جاء الناس بآيات وقال لهم هذه الآيات لا أنا أعرف معناها ولا أنتم تعرفون معناها ءامنوا بها من غير أن تعرفوا معناها كما جاءت، قال: أليس هذا هو قدح فى النبى ولا سيما وهذه الآيات متعلقة بصفات الله عز وجل قال: أليس الله يقول: {بِلِسَانٍ عَرَبِـىٍّ مُبِـيـنٍ} (سورة الشعراء/195) مبين يعنى واضح.


فإذاً على زعمهم يجب أن يقولوا كَذَب، إذاً على زعمِهم هناك كَذِب فى الوحى فى القرءان حيث: {بِلِسَانٍ عَرَبِـىٍّ مُبِـيـنٍ} إذْ لم يكن معلوما عندهم

يقول: القشيرى إذا زعموا أن هذه الآيات لا سبيل لأحد من الخلق إلى معرفتها إذاً لكان قول الله تعالى: {بِلِسَانٍ عَرَبِـىٍّ مُبِـيـنٍ} لكان هذا كذباً لأنه لا يكون معلوماً المعنى عندهم فكيف يكون بلسان عربى مبين؟!!. يقول: وإلا فأين هذا البيان الله تعالى قال: {بِلِسَانٍ عَرَبِـىٍّ مُبِـيـنٍ} مبين يعنى واضح البيان فيه ظاهر، أين البيان إذاً؟!!. وإذا كان بلغة العرب يعنى بما أن القرءان بلغة العرب فكيف يدَّعى أنه مما لا تعلمه العرب لما كان ذلك الشىءُ عربياً، بما أن القرءان أنزل بلغة العرب وبما أن الآيات بلغة العرب لأنها من القرءان فكيف يجوز لإنسان أن يقول لا أحد من العرب يستطيع معرفة معناه هذا لا يستقيم.

يقول القشيرى فما قولٌ ماذا نقول -يعنى هذا للذم- فما قولٌ فى مقالٍ مآلُه إلى تكذيب الله عز وجل ماذا يقال فى مثل هذا القول الذى يؤدى إلى تكذيب القرءان معناه هذا القول قبيح جداً.

يقول -يكمل كلامَه- ثم (( دعا )) النبىُّ الناس إلى عبادة الله تعالى فلو كان فى كلامِه وفى ما يُلقِيه إلى أمته شىء لايَعْلم تأويله إلا اللهُ تعالى لو كان ذلك لكان للقوم -أى الكفار- أن يقولوا بيّن لنا أولاً معنى الذى تقولُه أنت تدعونا إلى شىء أنت لا تفهم معناه كانوا قالوا له أولاً بيّن لنا معنى ما تقولُه فإِن الإيمانَ بما لا يُعلم أصلُه غيرُ مُتَأَتٍ كيف يؤمنُ الإنسان بشىءٍ لا يعلم حتى أصله هذا لا يكون لكانوا قالوا له ذلك.

ونسبةُ النبي صلى الله عليه وسلم إلى أنه دعا إلى ربٍّ موصوفٍ بصفاتٍ لا تُعْقَلُ أمرٌ عظيمٌ ...........
يعنى إذا قال الإنسان وأنْ ينسب إلى النبى أنه دعا الناس إلى الإيمان بإله موصوفٍ بصفات مجهولة لا يُعلم أصل معناها هذا شىء لا يتخيلُهُ مسلم، فإنَّ الجهل بالصفاتِ يؤدِى إلى الجهلِ بالموصوف، إذا قلتُ لك أن هناك شىء لا تُعْلَمُ صفاتِهِ هناك شىء لا أصِفُهُ لك بشىء لا أذكر لك شيئاً من صفاته أو أَذكر لك كلمات لا تَفهم من معناها شيئاً هل تكون عرفت هذا الشىء لا تكون عرفتَهُ الجهل بالصفات يؤدى إلى الجهل بالموصوف.

يقول القشيرى: والغرض أن يستبين -أن يعرف- من معه مُسكَةٌ من العقل من هو عاقل لو عقلُه كان غير قوى من فيه أدنى العقل، من كان معه مسكة من العقل أنَّ قولَ من يقولُ استواؤه صفة ذاتية لا يُعقل معناها واليد صفة ذاتية لا يعقل معناها والقدم صفة ذاتية لا يعقل معناها تمويه ضِمْنُهُ تكييف وتشبيهٍ ودعاءٌ إلى الجهل، يعنى يقول: هؤلاء الذين يشبهون الله بمخلوقاته ماذا يقولون للناس؟ يقولون استواء الله على العرش صفة ذاتية لا يُعقَل معناها يقولون إِياك أن تستمع إلى إنسان يقول لك الاستواء معناه القهر كل من يقول لك الاستواء معناه كذا لا تستمع إليه فقط عليك بالظاهر لا تستمع إلى من يقول اليد معناها النعمة لا عليك بالظاهر لا تستمع هذه الصفة ذاتية لله لا يُعقل معناها لا يُعرَف {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّاللَّهُ} هكذا يقولون تأويلها لا يُعرَف إياك أن تستمع وكذا غيرُ ذلك. يقول القشيرى: هذا تمويه تلاعب على الشخص من ضِمْنِهِ تكيّيفٌ وتشبيه ودعاء إلى الجهل؛ المراد منه المقصِد أن يصل هذا الإنسان بمن يحدِثُه إلى تشبيه الله بمخلوقاته.
وقد وَضَحَ الحقُ لذى عينين -يعنى من له فهم ما ذكرناه كافٍ لإيضاح الحق له- قال: وليت شعرى هذا الذى ينكر التأويل يطردُ هذا الإنكار فى كلِّ شىءٍ وفى كل ءاية أم يقنعُ بترك التأويل فى صفات الله تعالى، يعنى يقول ثم أنا أريد أن أعرف هذا الذى ينكر التأويل هل ينكره فى كل الآيات هل يجعل هذا مطَّرِداً فى كل الآيات أم فقط يقول هذا فى صفات الله تعالى؟!!، فإن امتنع من التأويل أصلاً -يعنى إذا قال: لا تأويل فى كل الآيات- فقد أبطل الشريعة والعلوم، إذ ما من ءاية وخبر -يعنى حديثٍ- إلا ويَحتاج إلى تأويل وتصرفٍ فى الكلام إلا ما كان نحو قوله تعالى: {وَخَلَقَ كُلَّ شَىْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَىْءٍ عَلِيْمٌ} (سورة الأنعام/101). أو نحو ذلك ما كان من غير نحو هذه الآيات كل باقى الآيات والأحاديث لا بد فيها من شىء من التأويل ما لم يكن صريحاً تماماً لا بد فيه من شىءٍ من التأويل.

لأنَّ ثَمَّ أشياء -لأن هناك أشياء- لا بدّ من تأويلها لا خلاف بين العقلاء فيه، إلا الملحدة الذين قصدُهم التعطيل للشرائع، والاعتقاد لهذا -إذا اعتقد هذا- يؤدى إلى إبطال ما هو عليه من التمسك بالشرع بزعمه، إذا اعتقد أنه لا تأويل بالمرة هذا يؤدى إلى إبطال الشرع إذاً هذا هو ضد ما هو يزعمُه من أنه متمسك بالشرع.

إيضاح: مثالٌ لتوضيح هذا الأمر: إذا إنسان قال لا يُنظر إلى المعانى المختلفة للكلام ولا ترد الآية إلى الآيات المحكمات ولا يُرجع إلى لغة العرب للنظر فى المعانى المختلفة إذا منع من ذلك فى كل شىء فى كل الآيات هذا يؤدى إلى إبطال الشرع بالمرة، الصلاة فى اللغة فى الأصل ما معناها؟ معناها الدعاء، إذا إنسان صار يقول نحن لا نرجع إلى أى شىء لتحديد معنى الصلاة التى فى القرءان، الصلاة التى فى القرءان بحسب أصل اللغة لا ننظر إلى التصرف وماذا صار المعنى فى العرف وماذا صار المعنى فى عُرفِ الشرع فيها، إلى ماذا يؤدى هذا؟ يؤدى هذا إلى أن يُبطل فرضية الصلوات الخمس، وكذلك الزكاة، لأن الزكاة فى أصل اللغة معناها التطهير والنماء، إلى ما شابه ذلك. مَن تبنى هذا المنهج يصل به هذا إلى إبطال الشريعة.


وإن قال يجوز التأويل على الجملة إلا فيما يتعلق بالله وبصفاته فلا تأويلَ له -يعن إذا قال: لا أنا لا أقول ذلك لا بد من التأويل على الجملة لكن فيما يتعلق بالله وبصفاته لا تأويل-، فهذا مصِيرٌ منه، معنى هذا أنه هو يصيرُ إلى أن ما يتعلق بغير الله تعالى يجبُ أن يُعلَم وما يتعلق بالصانع وصفاتِه يجبُ التقاصى عنه يجبُ تركُهُ، وهذا لا يرضى به مسلم، وسرُ الأمرِ أنَّ هؤلاء الذين يمتنعون عن التأويل معتقدون حقيقة التشبيه، حقيقةً هم مشبِهة، غيرَ أنَّهم يدلسون يُخفون الأمر، ويقولون له يد لا كالأيدى وقدم لا كالأقدام واستواءٌ بالذات لا كما نعقِل فيما بيننا، معناه هكذا يبدؤن مع الشخص، ثم يريدون أن يوصلوه إلى ترك التأويل حتى يوقعوه فى التشبيه


يقول القشيرى: فليقل المحقق -الإنسان الفطن- ليقل لهم هذا كلامٌ لا بد من استيبانِهِ لا بد من أن تبينوا لنا ماذا تقصدون به، قولُكُم نُجرى الأمر على الظاهر وقولكم لا نعقل معناه متناقض، أنتم تقولون هذه الآيات لا نعرف معناها لا نعقل معناها وتقولون نجريها على الظاهر كيف هذا؟!! هذا تناقض.

وإذا كنت تريد أن تُجرى على الظاهر فظاهر الساقِ فى قولِه تعالى: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ} (سورة القلم/42) هو العضو المشتملُ على الجلد والعظم واللحم والعظم والعصب والمخ، أليس هذا هو الظاهر لما تقول الساق ظاهر المعنى المتبادر فوراً إلى الذهن أليس هو هذا العضو المشتمل على الجلد واللحم والعظم والمخ الذى فى داخل العظم هذا هو، فإن أخذت بهذا الظاهر والتزمتَ الإقرار بهذه الأعضاء فهو كفر، إذا قلت نعم هذا هو المعنى تكون كفرتَ، يعنى لأنه يكون شبه الله بخلقه، وإن لم يُمْكِنكَ الأخذُ بها -يعنى بالظاهر- فأين الأخذ بالظاهر؟ إذا قلت لا أنا لا أقول هذا فأين الأخذ بالظاهر؟! ألستَ قد تركت الظاهر؟!، ألستَ قد تركت الظاهر وعَلِمْتَ تقدُسَ الرب تعالى عما يوهم الظاهر فكيف يكون أخذاً بالظاهر؟!!.


قال القشيرى: وإن قال الخصم هذه الظواهر لا معنى لها أصلاً، هذا الإنسان المعاند إذا قال: نقول نأخذ بالظاهر لكن لا معنى لها أصلاً بالمرة، فالجواب عليه: أن هذا حكمٌ بأنها ملغاة هذه يعنى كأنها ملغاة وما كان فى إبلاغها إلينا فائدة لأنه لا معنى لها على زعمهم، على زعمك هى هدَر وهذا محال لا يجوز أن يُنسب إلى القرءان، قال: وفى لغةِ العربِ ما شئتَ -يعنى فيها الكثير- من التَجَوّزِ والتوسُعِ فى الخطاب -يعنى لغة العرب فيها أبوب واسعة للمجاز ولتوسيع طُرُق الكلام- وكانوا -أى العرب الأوائل الصحابة- يعرفون مواردَ الكلام ويفهمون المقاصد لأن عرَبيَتَهم كانت صافية، فمن تجافى عن التأويل -من ابتعد عن التأويل بالمرة- فذلك لقلة فهمه بالعربية، ومن أحاط بطرقٍ من العربية -من توسعت معرفته بلغة العرب- هان عليه مُدْرَكُ الحقائق، هان عليه أن يدرك الحقائق،وقد قيل -يعنى وقد قال الله تعالى-: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِى العِلْمِ} (سورة ءال عمران/7) فكأنه قال: والراسخون فى العلم يعلمونه أيضاً ويقولون ءامنا به فإن الإيمان بالشىء إنما يتصور بعدَ العلمِ بهِ أمَّا لا يُعلَم فالإيمان به غيرُ متأتٍ شىء لا يعلم كيف تؤمن به؟. ولهذا قال ابنُ عباس: أنا من الراسخين فى العلم، إنتهى كلام القشيرى.


خلاصة كلام القشيرى: أن هذه الآيات أُنزلت بلغة العرب، إذاً لا بد أن تكون معانيها معلومة، لأن الله تعالى قال: {بِلِسَانٍ عَرَبِـىٍّ مُبِـيـنٍ} (سورة الشعراء/195) ولأن الرسول دعا الناس للإيمان بها، ولا يعقل أن يدعوهم إلى الإيمان بشىء لا يعلموا معناه، كانوا قالوا له بين لنا المعنى حتى نؤمن، لكن هؤلاء الذين يمنعون التأويل مقصَدُهم من ذلك إيقاع الشخص فى التشبيه، فنقول لهم ان قلتم نمنع التأويل فى كل الآيات ابطلتم الشريعة (وهذا ضد مايزعمونه ) واذا قلتم نمنع التأويل فى الآيات المتعلقة بالله وصفاته فقط اذا على زعمكم ما لا يتعلق بالله وصفاته يجب أن يُعلم وما يتعلق بالله وصفاته يجب أن يجهل هذا لا يستقيم لا يقول به مسلم، ثم أنتم تقولون لا نؤول ونأخذ بالظاهر، فمثلُ قولِ اللهِ تعالى: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ} (سورة القلم/42) ماذا تفعلون بالنسبة لهذه الآية؟ إذا أخذتم بالظاهر تصفون الله بهذا العضو الذى هو لحم وعظم ومخ وجلد، وهذاكفرٌ لا يختلف فيه مسلمان، لأنه ضد {ليس كمثله شىء}.


وإن قلتم لا نحمِلُ الساق على هذا المعنى، إذاً تركتُم الظاهر، فماذا تنتقدون علينا على أهل السنة؟!! فإن قلتم نأخذ بالظاهر لكن هذه الظواهر ليس معناها ذلك العضو ولا نُعطى لها أى معنى ءاخر بالمرة، نقول لهم: كأنكُم تقولون أنها ملغاة غير موجودة، وأنه ليس هناك فائدة فى تبليغها إلينا، لأننا لا نفهم منها شيئاً، وهذا لا يجوز نسبته إلى القرءان،والحقيقةُ أنَّ لغةَ العرب فيها توسعٌ بالكلام واسعة، المعنى الواحد يُعَبَّرُ عنه بطرق مختلفة لمقاصد مختلفة، فمن عرَف لغة العرب هان عليه معرفة المعانى المختلفة على حقيقتها، كما كان الصحابةُ والتابعون، لذلك قال ربُنا: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِى العِلْمِ} (سورة ءال عمران/7) معناه الله يعلم والراسخون فى العلم يعلمون -أى التأويل- فهذا يدل على بطلان قولهم، ولذلك كان ابن عباس يقول: أنا من الراسخين فى العلم، لماذا كان يقول أنا من الراسخين فى العلم حتى يبين أنه يعلم أم حتى يبين أنه لا يعلم؟ طبعاً حتى يبين أنه يعلم، إذاً كلامُهم باطل. هذا مختصر معنى كلام القشيرى، وفى ثنايا كلامه فوائد أخرى ما ذكرناها فى هذا الاختصار.


والله تعالى أعلم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

حسن التفهم والدرك لمسئلة الترك

  حسن التفهم والدرك لمسئلة الترك تأليف: أبي الفضل عبد الله محمد الصديقي الغماري تقديم الترك ليس بحجة في شرعنا … لا يقتضي منعًا ولا إيجابا فم...