بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 31 يوليو 2018

تفسير ايات الاستواء 1- تفسير جامع البيان في تفسير القرآن للطبري

تفسير ايات الاستواء
 الاية الاولى في سورة البقرة   رقم 29 

: قال المفسرون      

1-  تفسير جامع البيان في تفسير القرآن للطبري


القول فـي تأويـل قوله تعالـى:{ ثُم اسْتَوَى إلـى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَوات}
قال أبو جعفر: اختلف فـي تأويـل قوله:{ ثُمَّ اسْتَوَى إلـى السَّماءِ}

1. فقال بعضهم: معنى استوى إلـى السماء ، أقبل علـيها ، كما تقول: كان فلان مقبلاً علـى فلان ثم استوى علـيّ  يشاتـمنـي واستوى إلـيّ يشاتـمنـي، بـمعنى: أقبل علـيّ وإلـيّ يشاتـمنـي. واستشهد علـى أن الاستواء بـمعنى الإقبـال بقول الشاعر:
أقُولُ وَقَدْ قَطَعْنَ بِنا شَرَوْرَى       سَوَامِدَ وَاسْتَوَيْنَ مِنَ الضَّجُوعِ    فزعم أنه عنى به أنهن خرجن من الضَّجوع، وكان ذلك عنده بـمعنى أقبلن. وهذا من التأويـل فـي هذا البـيت خطأ، وإنـما معنى قوله: «واستوين من الضجوع» عندي: استوين علـى الطريق من الضجوع خارجات، بـمعنى استقمن علـيه.

2. وقال بعضهم: لـم يكن ذلك من الله جل ذكره بتـحوّل، ولكنه بـمعنى فعله، كما تقول: كان الـخـلـيفة فـي أهل العراق يوالـيهم ثم تـحوّل إلـى الشام ، إنـما يريد تـحوّل فعله.

3. وقال بعضهم: قوله{ ثُمَّ اسْتَوَى إلـى السَّمَاءِ } يعنـي به: استوت ، كما قال الشاعر:
        أقُولُ لَهُ لَـمَّا اسْتَوَى فـي تُرَابِهِ     علـى أيّ دِينٍ قَبَّلَ الرأسَ مُصْعَبُ

4. وقال بعضهم: { ثُمَّ اسْتَوَى إلـى السَّماءِ}: عمد إلـيها. وقال: بل كل تارك عملاً كان فـيه إلـى آخره فهو مستو لـما عمد ومستو إلـيه.

5. وقال بعضهم: الاستواء: هو العلوّ، والعلوّ: هو الارتفـاع . ومـمن قال ذلك الربـيع بن أنس. حدثت بذلك عن عمار بن الـحسن، قال: حدثنا عبد الله بن أبـي جعفر عن أبـيه، عن الربـيع بن أنس:{ ثُمَّ اسْتَوَى إلـى السَّماءِ } يقول: ارتفع إلـى السماء.
ثم اختلف متأوّلو الاستواء بـمعنى العلوّ والارتفـاع فـي الذي استوى إلـى السماء ،   فقال بعضهم: الذي استوى إلـى السماء وعلا علـيها: هو خالقها ومنشئها.  وقال بعضهم: بل العالـي إلـيها الدخان الذي جعله الله للأرض سماء.
قال أبو جعفر: الاستواء فـي كلام العرب منصرف علـى وجوه:

1-   منها انتهاء شبـاب الرجل وقوّته، فـيقال إذا صار كذلك: قد استوى الرجل،

2-  ومنها استقامة ما كان فـيه أَوَدٌ من الأمور والأسبـاب، يقال منه: استوى لفلان أمره: إذا استقام له     بعد أود. ومنه قول الطرماح بن حكيـم:
                   طالَ علـى رَسْمٍ مَهْدَدٍ أبَدُهْ        وعَفـا واسْتَوَى بِهِ بَلَدُهْ        يعنـي: استقام به.
3-  ومنها الإقبـال علـى الشيء بـالفعل، كما يقال: استوى فلان علـى فلان بـما يكرهه ويسوءه بعد الإحسان إلـيه.
4- ومنها الاحتـياز والاستـيلا ء كقولهم: استوى فلان علـى الـمـملكة ، بـمعنى احتوى علـيها وحازها.
5-  ومنها العلوّ والارتفـاع، كقول القائل: استوى فلان علـى سريره، يعنـي به علوّه علـيه.
 وأولـى الـمعانـي بقول الله جل ثناؤه:{ ثُمَّ اسْتَوَى إلـى السماءِ فَسَوَّاهُنْ } علا علـيهنّ وارتفع فدبرهن بقدرته وخـلقهنّ سبع سموات.

 والعجب مـمن أنكر الـمعنى الـمفهوم من كلام العرب فـي تأويـل قول الله:{ ثُمَّ اسْتَوَى إلـى السَّماءِ } الذي هو بـمعنى العلوّ والارتفـاع هربـاً عند نفسه من أن يـلزمه بزعمه إذا تأوله بـمعناه الـمفوهم كذلك أن يكون إنـما علا وارتفع بعد أن كان تـحتها، إلـى أن تأوله بـالـمـجهول من تأويـله الـمستنكر، ثم لـم ينـج مـما هرب منه. فـيقال له: زعمت أن تأويـل قوله:{ اسْتَوَى } أقْبَلَ، أفكان مدبراً عن السماء فأقبل إلـيها ؟  فإن زعم أن ذلك لـيس بإقبـال فعل ولكنه إقبـال تدبـير، قـيـل له: فكذلك فقل: علا علـيها علوّ ملك وسلطان لا علوّ انتقال وزوال. ثم لن يقول فـي شيء من ذلك قولاً إلا ألزم فـي الآخر مثله، ولولا أنا كرهنا إطالة الكتاب بـما لـيس من جنسه لأنبأنا عن فساد قول كل قائل قال فـي ذلك قولاً لقول أهل الـحقّ فـيه مخالفـاً، وفـيـما بـينا منه ما يشرف بذي الفهم علـى ما فـيه له الكفـاية إنه شاء الله تعالـى.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

لا يصح الصوم كله فرضه ونفله مقيّده ومطلقه إلا بنية

 قال شيخ المالكية أبو القاسم بن الجلاب في التفريع في فقه الإمام مالك بن أنس رحمه الله، باب النية في الصوم، (فصل) النية (ولا يصح الصوم كله فر...