بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 31 يوليو 2018

رسالة موجزة تعريف البدعة للرد على المبتدعة الحركة الوهابية الذين يدعون البراءة من البدع.

البدعة لغةً: ما أُحدث على غير مثال سابق، وفي الشرع: المُحدَث الذي لم ينصَّ عليه القرءان ولا جاء في السنة، كما ذكر ذلك اللغوي المشهور الفيومي في كتابه "المصباح المنير" مادة "ب د ع"، وذكر ذلك أيضا الحافظ اللغوي محمد مرتضى الزبيدي في "تاج العروس" مادة "ب د ع"، وهي تنقسم على قسمين: بدعة ضلالة: وهي المحدثة المخالفة للقرءان والسنة، وبدعة هدى: وهي المحدثة الموافقة للكتاب والسنة. وكلامنا هذا موافق لكلام الأئمة المعتبرين من المذاهب الأربعة لا سيما إمامنا عالم قريش الشافعي الذي ملأ طباق الأرض علما، فقد روى الحافظ البيهقي في كتابه "مناقب الشافعي" (ج1/469) عن الإمام الشافعي أنه قال: "المحدثات من الأمور على ضربين: أحدهما ما أُحدث مما يخالف كتاباً أو سنةً أو أثراً أو إجماعاً، فهذه البدعة الضلالة، والثانية: ما أُحدث من الخير لا خلاف فيه لواحد من هذا، وهذه محدثة غير مذمومة"، انتهى. والبدعة منقسمة إلى الأحكام الخمسة وهي الواجب والمندوب والمباح والمكروه والحرام كما نص عليه العلماء من المذاهب الأربعة، ولنذكر الآن من نص على هذا التقسيم من علماء المذاهب الأربعة ليتبين لك أخي المسلم حقيقة الأمر: المذهب الحنفي: 1- الشيخ ابن عابدين الحنفي حيث قال في حاشيته (1/376): "فقد تكون البدعة واجبة" كنصب الأدلة للرد على أهل الفرق الضالة، وتعلّم النحو المفهم للكتاب والسنة، ومندوبة كإحداث نحو رباط ومدرسة، وكل إحسان لم يكن في الصدر الأول، ومكروهة كزخرفة المساجد، ومباحة كالتوسع بلذيذ المآكل والمشارب والثياب"، انتهى، فانظر أخي المسلم إلى هذا الكلام من الشيخ ابن عابدين وهو الذي لا يخفى علمه وتبحره في المذهب الحنفي. 2- الإمام بدر الدين العيني حيث قال في شرحه لصحيح البخاري (ج11/126) عند شرحه لقول عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه: "نعمت البدعة" وذلك عندما جمع الناس في التراويح خلف قارىءٍ وكانوا قبل ذلك يصلون أوزاعاً متفرقين: "والبدعة في الأصل إحداث أمر لم يكن في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم" ثم البدعة على نوعين إن كانت مما تندرج تحت مستحسن في الشرع فهي بدعة حسنة وإن كانت مما يندرج تحت مستقبح في الشرع فهي بدعة مستقبحة"، انتهى. المذهب المالكي: 1- الإمام محمد الزرقاني المالكي حيث قال في شرحه للموطأ (ج1/238) عند شرحه لقول عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه: "نعمت البدعة هذه": ".. فسماها بدعة لأنه صلى اللّه عليه وسلم لم يسنّ الاجتماع لها ولا كانت في زمان الصديق، وهي لغة ما أُحدث على غير مثال سبق وتطلق شرعاً على مقابل السنة وهي ما لم يكن في عهده صلى اللّه عليه وسلم، "ثم تنقسم إلى الأحكام الخمسة"، انتهى، والأحكام الخمسة هي الواجب والمندوب والمباح والمكروه والحرام كما ذكرناه سابقاً. 2- الشيخ أحمد بن يحيى الونشريسي المالكي وقد نقل إجماع المالكية على تقسيم البدعة هذا التقسيم فقال في كتاب المعيار المعرب (ج1/357-358) ما نصه: "وأصحابنا وإن اتفقوا على إنكار البدع في الجملة فالتحقيق الحق عندهم أنها "خمسة أقسا"، ثم ذكر الأقسام الخمسة وأمثلة على كل قسم ثم قال: "فالحق في البدعة إذا عُرضت أن تعرض على قواعد الشرع فأي القواعد اقتضتها ألحقت بها". المذهب الشافعي: 1- سلطان العلماء العز بن عبد السلام حيث قال في كتابه "قواعد الأحكام" (ج2/172-174) : "البدعة منقسمة إلى: "واجبة ومحرّمة ومندوبة ومكروهة ومباحة"، ثم قال: "والطريق في ذلك أن تُعرض البدعة على قواعد الشريعة، فإن دخلت في قواعد الإيجاب فهي واجبة، أو في قواعد التحريم فهي محرمة، أو الندب فمندوبة، أو المكروه فمكروهة، أو المباح فمباحة"، انتهى. 2- الحافظ أحمد بن حجر العسقلاني أمير المؤمنين في الحديث حيث قال في الفتح (ج4/298) عند شرحه لقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "نعمت البدعة تلك": "والبدعة أصلها ما أحدث على غير مثال سابق وتطلق في الشرع في مقابل السنة فتكون مذمومة، والتحقيق أنها إن كانت مما تندرج تحت مستحسن في الشرع فهي حسنة وإن كانت مما تندرج تحت مستقبح في الشرع فهي مستقبحة وإلا فهي من قسم المباح وقد تنقسم إلى الأحكام الخمسة"، انتهى. المذهب الحنبلي: الشيخ شمس الدين محمد بن أبي الفتح البعلي الحنبلي حيث قال في كتابه "المطلع على أبواب المقنع" (ص334) من كتاب الطلاق: "والبدعة مما عُمل على غير مثال سابق، والبدعة بدعتان: بدعة هدى وبدعة ضلالة، والبدعة منقسمة بانقسام أحكام التكليف الخمسة". بعد هذه النقول من المذاهب الأربعة فلا يسوغ لقائل أن ينفي وجود بدعة حسنة، ولسائل أن يسأل: من أين أتى هؤلاء العلماء وعلى رأسهم الإمام الشافعي بهذا التقسيم للبدعة والرسول صلى الله عليه وسلم يقول في الحديث الذي رواه أبو داود: "وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة". والجواب على ذلك من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي رواه الشيخان عن عائشة رضي اللّه عنها أنها قالت: "قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد"، ورواه مسلم بلفظ: "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد"، فأَفْهَمَ رسولُ اللّه صلى اللّه عليه وسلم بقوله: "ما ليس منه" أن المحدَث إنما يكون رداً أي مردوداً إذا كان على خلاف الشريعة وأن المُحدث الموافق للشريعة ليس مردوداً. ونجيب على هذا السؤال أيضاً بقوله صلى الله عليه وسلم الذي رواه مسلم من حديث جرير بن عبد اللّه البَجَلي رضي اللّه عنه أنه قال: "قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: مَن سنّ في الإسلام سنّة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها بعده من غير أن ينقص من أجورهم شىء، ومن سنّ في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شىء". فحتى لا يقع التضارب بين أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم الثلاثة الماضية قال الإمام النووي في شرحه لصحيح مسلم (ج6/54): "قوله صلى اللّه عليه وسلم: "وكل بدعة ضلالة"، هذا عام مخصوص والمراد غالب البدع"، انتهى كلام النووي، ثم قسّم البدعة إلى خمسة أقسام: واجبة ومندوبة ومحرمة ومكروهة ومباحة، وقال: "فإذا عُرف ما ذكرته عُلِم أن الحديث من العام المخصوص وكذا ما أشبهه من الأحاديث الواردة، ويؤيد ما قلناه قول عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه في التراويح: "نعمت البدعة"، ولا يمنع من كون الحديث عاماً مخصوصاً قوله: كل بدعة، مؤكداً بـ"كل"، بل يدخله التخصيص مع ذلك كقوله تعالى: "تُدَمِّرُ كُلَّ شَىْءٍ" ، انتهى كلام النووي. ومعنى الآية: تدمر الريحُ كلَّ شىء مَرّت عليه من رجال عادٍ وأموالها، وهي مرت على الجبال والوديان ولم تدمرها. والحاصل أن حديث أبي داود لفظه عام وهو "وكل بدعة ضلالة" ومعناه مخصَّص بحديث البخاري ومسلم "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد" وحديث مسلم: "من سنّ في الإسلام سنة حسنة..."، وبهذا يكون حديث الرسول صلى الله عليه وسلم قد فُسّر بالحديث، فخير ما يُفسّر به الوارد بالوارد كما نص عليه الحافظ العراقي في ألفيته في علم الحديث فقال: وخير ما فسّرته بالوارد................كالدُّخ بالدخان لابن صائد ولإتمام الفائدة نذكر أمثلة من البدع الحسنة: - جمعُ الناس خلف قارىء واحد في صلاة التراويح كما فعل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه فيما رواه عنه البخاري في صحيحه ومالك في الموطأ، وقد قال عمر بعد أن رأى اجتماعهم: "نعمت البدعة تلك". - ومنها الأذان الثاني الذي زاده عثمان بن عفان رضي الله عنه في فترة خلافته، ففي "صحيح البخاري" ما نصه: "عن السائب بن زيد قال: كان النداء يوم الجمعة أوّله إذا جلس الإمام على المنبر، على عهد النبي صلى اللّه عليه وسلم وأبي بكر وعمر رضي اللّه عنهما، فلما كان عثمان رضي اللّه عنه وكثر الناس زادَ النداء الثالث على الزوراء". - ومنها أيضاً تنقيط المصاحف ففي كتاب "المصاحف" (ص158) للحافظ أبي داود السجستاني وبسنده عن هارون بن موسى أنه قال: "أوّل من نقط المصاحف يحيى بن يعمر"، وكان قبل ذلك يُكتب بلا نقط، فلما فعل هذا لم يُنكر عليه ذلك، مع أن الرسول صلى اللّه عليه وسلم ما أمر بنقط المصحف، فمن قال كل شىء لم يُفعل في عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بدعة ضلالة فليبدأ بكشط النقط من المصاحف. - ومنها أيضاً المآذن والمحاريب المجوفة. - ومنها أيضاً الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم من المؤذنين جهراً عقب الأذان. ونود لفت انتباهك أخي المسلم أن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم من المؤذنين جهراً عقب الأذان أمر مستحب ولكنه لم يكن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وإنما حدث بصورته المعمول بها الآن في كثير من الأقطار الإسلامية في سنة 791هـ كما بينا في موضوعنا السابق. نرجو أن نكون قد وضحنا أمر البدعة وأنها ليست دائما بدعة ضلالة وإنما يدخل عليها التقسيم إلى بدعة حسنة وبدعة سيئة. وءاخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين _________________________________________________

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

لا يصح الصوم كله فرضه ونفله مقيّده ومطلقه إلا بنية

 قال شيخ المالكية أبو القاسم بن الجلاب في التفريع في فقه الإمام مالك بن أنس رحمه الله، باب النية في الصوم، (فصل) النية (ولا يصح الصوم كله فر...