بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 31 يوليو 2018

شرح حديث: "يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وفي قلبه وزن ذرة من إيمان"

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الخلق والمرسلين سيّدنا محمد وعلى ءاله وصحبه أجمعين.

أما بعد، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: "يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وفي قلبه وزن ذرة من إيمان"، رواه البخاري.


الذرّةُ تُطلق على هذا الشيء الذي هو كالغبار الذي يُرى من ضوء الشمس الداخل من الكوّه، وتطلق الذرة ايضاً على النملة الصغيرة. في كل حال المعنى أنّ الذي مات وفي قلبه الإيمان مهما كان قد فعل من المعاصي إذا دخل النار لا بد أن يخرج منها بعد ذلك، لأنه مات على الإيمان. وقد ورد في ذلك أحاديث وءايات كثيرة. ومن المذنبين العُصاة من يُسامحهُم الله تعالى فلا يعذّبهم في النار بشفاعةِ النبي صلى الله عليه وسلم وبشفاعة الشافعين. هذا الذي ذكرناه هو ما أجمع عليه أهل السنه والجماعه وخالف في ذلك طائفتان، طائفةٌ قالوا: من فعل ذنباً من الكبائر ومات من غير توبة فهو خالدٌ في نار جهنم، وطائفةٌ قالوا: اذا كان الشخص مسلماً لا يضرّه مهما فعل ذنوب، والطائفتان شاذتان. الطائفةُ الاولى فرقتان المعتزلةُ والخوارج. الخوارج يقولون: من إرتكب ذنباً كبيراً فقد كفر بذلك، فعندهم من شرب الخمر كافر من ترك الصلاة كافر من آذى مسلماً بغير حق كافر وهكذا، وهذا مخالفٌ لما علّمه رسول الله عليه الصلاة والسلام.

روى مسلم عن أبي ذر قال: أتيتُ النبي صلى الله عليه وسلم وهو نائم وعليه ثوبٌ أبيض، يعني فلم يُوقظه فذهب ثم رجع فوجده بعد نائم، ثم ذهب ثم رجع فوجده قد استيقظ قال: فجلستُ إليه، فقال: "ما من عبدٍ قال لا إله إلا الله ثم مات على ذلك دخل الجنه" قال ابو ذر قلتُ : وإن زنا وإن سرق؟ قال: "وإن زنا وإن سرق" قال: وإن زنا وإن سرق؟ قال: "وإن زنا وإن سرق" ثم سأله الثالثة، ليس لشكّه فيما يقول النبي وانما ليتأكّد انه يفهم جيداً من الرسول ليزداد تأكداً فقال له النبي: "وإن زنا وإن سرق" وقال له في الرابعة: [على رغم أنف أبي ذر] فكان أبو ذر بعد ذلك إذا روى هذا الحديث يقول: من قال لا إله إلا الله ومات على ذلك دخل الجنه وإن رغُمَ أنفُ أبي ذر. وهذا الحديث بمعنى ما رواه ابن حبان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو: "من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنةَ يوماً من الدهر وإن أصابه قبل ذلك ما أصابه" يعني لو عذّب في النار مدّة. ودليل أهل السنه من القرآن واضح قال ربنا: {إن الله لا يغفر ان يُشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشآء} أي أن الله يغفر ما دون الكفر من الذنوب لمن يشاء من عباده. هذا الدليل من القرءان ومن السنّة.


وأقوال الائمة في هذا المعنى كثيرة: قال الامام ابو حنيفه في "الفقه الاكبر": ولا نكفّر مسلماً بذنب من الذنوب وإن كان كبيرةً ما لم يستحلّه. وقال الامام الشافعي عن بعض أهل الكبائر: ينالون عقاب الله إلا إن عفا عنهم ، وذكر التميمي في "الفرق بين الفِرق" إجماع الأُمّةِ على ذلك. وكذلك ذكر الامام النووي وغيرهما فلا عِبرة بخلاف الخوارج في هذا المسألة لا سيما انّ النبي عليه الصلاة والسلام أخبر عنهم قبل ظهورهم وذمّهم ذمّاً كبيراً وسمّاهم : [كِلاب النار] وذكر عنهم اشياء عديده غير هذا. وأما المعتزله ففي هذه المسأله لهم قولٌ عجيب، قالوا: المسلم اذا ارتكب ذنباً من الكبائر خرج من الاسلام، قالوا لكن لا يصير كافراً، قالوا: فهو في منزلةٍ بين المنزلتين بين الكفر والايمان وعلى كل حال هو خالدٍ في النار كالكفار وهؤلاء خالفوا قول الله تعالى: {أفـنـجعلُ المسلمين كالمُجرمين مالَكُم كيفَ تحكُمُون} معناه لا يكون عذاب المسلم مثل عذاب الكافر، وقد رد على هاتين الطائفتين علماء المسلمين عندما ظهرتا، فأما المعتزله فانقرضو ما بقي أحد يقول بكل مقالاتهم، وأما الخوارج فبقي منهم بقيّةٌ قليلة بقي قِلّةٌ جماعة في موضعٍ يقال له "عُمان" في جنوب الجزيرةِ العربيه وطائفةٌ قليله في "ليبيا" و"تونس" و"الجزائر" هذا بالنسبة للفرقة الاولى الذين قالوا: بأن أهل المعصية يخلدون بالنار كالكفار، وأما الطائفةُ الثانية الذين خالفوا عقيدة اهل السنه في هذا المسأله يقال لهم "المرجئه" المرجئه قالوا: لا يضر مع الايمان ذنب، يعني على زعمهم المؤمن مهما فعل من الذنوب هذا لا يضره شيئاً وهذا ايضاً تكذيب للشرع وقد اخبر عنهم رسول الله عليه والصلاة والسلام ايضاً قبل ظهورهم فقد روى الطبري عنهم انه صلى الله عليه وسلم ذكرهم وقال: "ليس لهم في الاسلام نصيب" وقد رد عليهم ايضاً علماء اهل السنه، فلم يبقى منهم أحد. وأما عقيدة اهل السنه فهي عقيدةٌ وسط معتدلة، لم يجعلوا العاصي مثل المطيع ولا جعلوا المسلم كالكافر إنما قالوا: المسلم أدى أعظم حقٍّ على العبيد وهو توحيده تعالى فلا يخلد كالكافر في النار ولو مات على المعصية لأنه ءامن بالله وهذا أعظم فرض، ومن عصى الله من المسلمين يستحق عقاب الله فيُعذّب مدّةً في نار جهنم على ذنوبه ثم يخرج منها ويدخل الجنه خالداً فيها بسبب ايمانه. فإيمانُه نفعه وذنوبه ضرّته لكن قسماً من المسلمين يسامحهُمُ الله بمنّه وعفوه وكرمه فلا يعذبون في نار جهنم مع أنهم ماتوا من غير التوبة.


فهكذا يكون المسلم دائماً بين الخوف والرجاء يخاف عِقاب الله ويرجو رحمةَ الله.

والله تعالى أعلم وأحكم

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

حسن التفهم والدرك لمسئلة الترك

  حسن التفهم والدرك لمسئلة الترك تأليف: أبي الفضل عبد الله محمد الصديقي الغماري تقديم الترك ليس بحجة في شرعنا … لا يقتضي منعًا ولا إيجابا فم...