بحث هذه المدونة الإلكترونية

السبت، 28 يوليو 2018

قَالَ العُلَماءُ يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ لِلهِ يَدٌ لاَ كأَيْدِيْنَا وَوَجْهٌ لا كَوُجُوْهِنَا وعَيْنٌ لا كأَعْيُنِنَا علَى مَعْنَى الصِـّفَةِ لاَ علَى مَعْنَى الجَارِحَةِ

قَالَ العُلَماءُ يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ لِلهِ يَدٌ لاَ كأَيْدِيْنَا وَوَجْهٌ لا كَوُجُوْهِنَا وعَيْنٌ لا كأَعْيُنِنَا علَى مَعْنَى الصِـّفَةِ لاَ علَى مَعْنَى الجَارِحَةِ
العلماءَ يقولونَ: نؤمنُ بإثْباتِ ما وَرَدَ في القُرءَانِ والحَديثِ الصَّحيح كالوَجْهِ واليَدِ والعَيْنِ والرِّضَا والغَضَبِ وغَيْرِه علَى أنّها صِفَاتٌ يَعلَمُها اللهُ لاَ علَى أنَّها جَوارِحُ وانْفِعالاتٌ كأَيْدِيْنا وَوُجُوْهِنَا وعيُونِنَا وغَضَبِنا.
فَإِنَّ الجَوَارِحَ مُسْتَحِيْلَةٌ علَى اللهِ لِقَوْلِه تَعَالى: {لَيْسَ كَمثْلِه شَىءٌ}([1]) وقوله: {وَلَم يكُنْ لَهُ كُفُواً أحدٌ}([2]).
قَالَ العُلَماءُ يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ لِلهِ يَدٌ لاَ كأَيْدِيْنَا وَوَجْهٌ لا كَوُجُوْهِنَا وعَيْنٌ لا كأَعْيُنِنَا علَى مَعْنَى الصِـّفَةِ لاَ علَى مَعْنَى الجَارِحَةِ ولاَ يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ اللهُ جَالِسٌ لا كجُلوسِنا لأَنَّ ذلِكَ لَم يَرِدْ لاَ في القُرءانِ ولاَ في الحَدِيْثِ والجُلُوسُ لاَ يُوْصَفُ بِه إلاَّ المَخْلوقُ، قال الامام الباقلاّني "ما أطلق الله على نفسه أطلقناه عليه وما لا فلا"
فَالعَيْنُ تَأْتِي بمَعْنَى الحِفْظِ كَما في قَوْلِه تَعَالى: {تَجْرِي بأَعْيُنِنَا}([3]) وقَولِه: {ولِتُصْنَعَ علَى عَيْنِي}([4]) أي علَى حِفْظِي، واليَدُ تَأتي بمعنَى القُدْرَةِ والقدرة هي القوة كَمَا في قَولِه تَعالى: {والسَّماءَ بنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ}([5]) وتَأْتِي بِمَعْنَى العَهْدِ كَما في قَولِه تَعَالى: {يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيْهِم}([6]).
وأَمَّا قَولُه تَعَالى: {بَلْ يدَاه مَبْسُوطَتَان يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ}([7]) فمعناهُ غَنِيٌّ واسِعٌ الكَرَمِ.
واللهُ تَعَالى يَغْضَبُ ويَرْضَى لاَ كأَحَدٍ مِنَ الوَرَى كَما نَطَقَ بِه القُرْءَانُ بِقَوْلِه تَعَالى: {رَضِيَ اللهُ عَنْهُم}([8]) وفي حَقِّ الكُفَّارِ {وغَضِبَ الله عَلَيْهِم ولَعَنَهُم}([9])
والأَصْلُ أَنَّ اللهَ تَعَالى يُوْصَفُ بِمَا وصَفَ بِه نَفْسَهُ في كِتَابِه العَزِيْزِ وبِمَا صَحَّ أنَّ الرّسولَ صلى الله عليه وسلّم وصَفَهُ بِه منْ غَيْرِ أَنْ يَكُوْنَ لأَحَدٍ شِرْكَةٌ مَعَ اللهِ تَعَالى لاَ في ذَاتِه ولاَ في صِفَاتِهِ،
مَالِكُ بنُ صَاحِب البَنْدَر واللَّيْثُ بنُ سَعْدٍ وسُفيانُ الثَّورِيُ والأَوْزَاعِيُّ هَؤُلاَءِ لَمَّا يَذْكُرُونَ الصِـّفاتِ التي وَرَدَت في حَقِّ اللهِ تَعَالى مِمَّا يتَوَهَّمُ بَعْضُ النّاسِ أنَّها كصِفَاتِ المَخْلُوقِيْنَ لِقِصَرِ أَفْهَامِهم، كَانُوا يَقُولُونَ بلاَ كَيْفٍ.
ثُمَّ الغَضَبُ بالنِـّسْبَةِ للخَلْقِ تَغَيُّرٌ يَحْصُلُ عِنْدَ غَلَيَانِ الدَّمِ في القَلْبِ بإِرَادَةِ إيْصَالِ الضَّرَرِ إلى المَغْضُوْبِ عَلَيْهِ.
والغَضَبُ إذا وُصِفَ اللهُ بِه يَكُونُ بِمَعْنَى الغَايَةِ أَيْ إِرَادَةِ الانْتِقَامِ، وإرَادَةُ الانْتِقَامِ أزَلِيَّةٌ هَذَا المَعْرُوفُ عِنْدَ الأَشَاعِرَةِ في عبَاراتِهم، وإذَا وُصِفَ المَخْلُوقُ بالغَضَبِ يُوْصَفُ باعْتِبَارِ المُبْتَدَأ وهُو التّغيُّر أي الاِنْفِعَالُ النَّفْسَانِيُّ.
والرِّضَا عِبَارَةٌ عَنْ إرَادةِ إنْعَامِه عَلى عِبَادِه أو عن نَفْسِ إنْعَامِه عَلَيْهم وهَذَا هُوَ مَعْنَى الرَّحْمةِ أَيضًا وليسَتْ رَحمَتُه رِقّةَ القلبِ.
وأمّا ما وردَ في حديث الشفاعة الذي رواه مسلم. من أنّ ءادم وغيرَهُ يقولونَ: "إنّ الله غضِبَ اليومَ غضبًا لم يَغضبْ مثلَه ولا يغضَبُ بعدَهُ مثلَه" فهذا يُقصَدُ به أثَرُ الغضب ليس الغضب الذي هو صفةٌ ذاتيّةٌ لله.
السَّلَفُ إذا أرَادُوا اختِصَار العِبَارَةِ يَقُولُونَ اللهُ يَغْضَبُ ويَرْضَى بِلاَ كَيْفٍ، أَمَّا الخَلَفُ وبَعْضُ السَّلَفِ فَيقُولُونَ رِضَا اللهِ إرَادَتُهُ الرَّحْمةَ وغَضَبُهُ إرَادَتُهُ الانْتِقَامَ، أَوَّلُوا، أَرْجَعُوا الصِـّفَتَيْنِ إلى الإِرَادَةِ، وكِلاَ القَولَيْنِ صَحِيْحٌ.
[1]- سورة الشورى/11.
[2]- سورة الاخلاص/4.
[3]- سورة القمر/14.
[4]- سورة طه/39.
[5]- سورة الذاريات/47.
[6]- سورة الفتح/10.
[7]- سورة المائدة/64.
[8]- سورة المائدة/119، سورة التوبة/100، سورة المجادلة/22، سورة البينة/8.
[9]- سورة الفتح/6.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

حسن التفهم والدرك لمسئلة الترك

  حسن التفهم والدرك لمسئلة الترك تأليف: أبي الفضل عبد الله محمد الصديقي الغماري تقديم الترك ليس بحجة في شرعنا … لا يقتضي منعًا ولا إيجابا فم...