الذي يَسُبُّ الله أو القرءانَ أو الصَّلاةَ أو الصِّيامَ أو الزَّكاةَ أو الحَجَّ أو أحدَ أنبياء الله كموسى وعيسى وءادمَ يكونُ كافرًا . إذا لم يَكُنْ مُكْرَهًا على هذا السَّبِّ بالقتلِ ففعلَ هذا في حال الرِّضى أو في حال الغَضَبِ يكونُ كافرًا ، وسواءٌ أَقَصَدَ الخروجَ من الإسلامِ أم لا ، وسواءٌ أَنْشَرَحَ صدرُه لهذا السَّبِّ أم لا ، فإنه كافرٌ بإجماعِ العلماء بلا شَكٍّ . هذه هي الفتوى التي عليها المسلمونَ جميعُهم ، مَنْ رَدَّهَا فهو كافر .
فأينَ دليلُ ما زَعَمَهُ سيِّد سابق في كتابهِ[(فِقْهُ السُّـنَّة)/باب الرِّدَّة]:" إنَّ المسلمَ لا يُعْتَبَرُ خارجًا من الإسلامِ ولا يُحْكَمُ عليه بالرِّدَّةِ إلَّا إذا كانَ مُنْشَرِحَ الصَّدْرِ لِمَا يقولُه من الكُفْرِ واطْمَأَنَّ قلبُه به " .
نعوذُ بالله من فتنةِ هذا الرَّجُلِ الدَّجَّال . أَلَمْ يَعْلَمْ أنَّ غيرَ الْمُكْرَهِ على كلامِ الكُفْرِ بالقتلِ ليسَ شرطًا لوُقُوعهِ في الكفرِ انشراحُ صَدْرِهِ لِمَا يقولُه من الكُفْرِ ولا اطمئنانُ القلبِ إليه ؟!. لقد سَوَّى سيِّد سابق في حُكْمِ الْمُتَلَفِّظِ بالكُفْرِ بينَ الْمُكْرَهِ عليه بالقتلِ وبينَ غيرِه .. وهذا غيرُ مستقيم ..
.
قال مُلَّا عليٌّ القاري في[(شرحِ الفِقْهِ الأكبرِ)/ص165]ما نصُّه :" ففي (حاوي الفتاوى) :" مَن كَفَرَ باللِّسانِ وقلبُه مُطْمَئِنٌّ بالإيمانِ فهو كافرٌ وليس بمؤمنٍ عندَ الله " .. "ا.هـ.
.
هذا حُكْمُ غيرِ الْمُكْرَهِ على كلامِ الكُفْرِ بالقتلِ . وأمَّا الْمُكْرَهُ على كلامِ الكُفْرِ بالقتلِ فإذا نَطَقَ بكلامِ الكُفْرِ بلسانهِ وقلبُه مُطْمَئِنٌّ بالإيمانِ فلا ضَرَرَ عليه وهو عندَ الله مؤمن ..
.
وأمَّا قولُ الله تعالى في سورة النحل (( مَنْ كَفَرَ بالله مِنْ بعدِ إيمانهِ إلَّا مَنْ أُكْرِهَ وقلبُه مُطْمَئِنٌّ بالإيمانِ ولكنْ مَنْ شَرَحَ بالكُفْرِ صدرًا فعليهم غَضَبٌ من الله ولهم عذابٌ عظيم )) فليس فيهِ دليلٌ على ما ادَّعَاهُ سيِّد سابق لأنَّ هذا واردٌ في الْمُكْرَهِ على كلمةِ الكفرِ بالقتلِ فإنه لا يَكْفُرُ إنْ كانَ نُطْقُهُ بالكفرِ من دون أنْ يَنْشَرِحَ صدرُه لذلك الكُفْرِ ، وإنما يَكْفُرُ هذا الْمُكْرَهُ إذا انشرحَ صدرُه حالَ النُّطْقِ بالكفرِ لِمَا قاله من الكُفْرِ .
والمشهورُ أنَّ الآيةَ المذكورةَ نَزَلَتْ في عَمَّارِ بنِ ياسرٍ كما جاء من طريقِ أبي عُبَيْدَةَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَمَّارِ بنِ ياسرٍ قال : أَخَذَ المشركونَ عَمَّارًا فعذَّبوهُ حتى قاربَهم في بعضِ ما أرادوا فشكَى ذلكَ إلى النبيِّ ، صلَّى الله عليه وسلَّم ، فقالَ رسولُ الله لعَمَّار :" كيف تجدُ قلبَك ؟ " ، فقال عَمَّارُ بنُ ياسر :" مطمئنًّا بالإيمان " ، فقال له رسولُ الله :" إنْ عادوا فعُدْ " .
والحديثُ مُرْسَلٌ ، ورجالُه ثِقَاتٌ .. أَخْرَجَهُ الطَّبريُّ في (تفسيره) وابنُ المنذرِ في كتابهِ (الإشراف) . كما رَوَاهُ أيضًا البيهقيُّ في[(سننه)/كتاب المرتد/باب قتل من ارتدَّ عن الإسلام].. ورواه الحاكمُ في[(المستدرَك)/كتاب التفسير]وقال :" هذا حديثٌ صحيحٌ على شرطِ الشَّيْخَيْن " ..
معناهُ إنْ عادَ الكُفَّارُ إلى إكراهكَ على التَّلَفُّظِ بكلمةِ الكُفْرِ بالقتلِ فقُلْـتَهَا فلا شيءَ عليكَ لأنك مُؤْمِنٌ . فحَرَّفَ هذا الرَّجُلُ الذي يَدَّعِي العِلْمَ كلامَ الله وقال مالم يَقُلْهُ عَالِمٌ قَطُّ .
فاعلم ، أخي المسلمَ ، أنَّ الضميرَ في قولهِ تعالى :" ولكنْ مَنْ شَرَحَ " يعودُ إلى الْمُكْرَهِ بالقتلِ الذي انشَرَحَ صَدْرُهُ لكلمةِ الكُفْرِ التي أُكْرِهَ عليها . هذا هو الذي يَكْفُرُ . فإنْ لم ينشرحْ صدرُه لكلمةِ الكفرِ التي أُكْرِهَ عليها فلا يَكْفُرُ . أما غيرُ الْمُكْرَهِ بالقتلِ فإنه يَكْفُرُ إذا نطقَ بكلامِ الكُفْرِ في حال صَحْوِهِ على غيرِ وَجْهِ سَبْقِ اللِّسان ، سواءٌ أَنْشَرَحَ صدرُه لِمَا تَلَفَّظَ بهِ من الكُفْرِ أم لا ، وسواءٌ أَقَصَدَ الخروجَ من الإسلامِ أم لا . ولقد ذَكَرَ الفقهاءُ الحنفيُّونَ والشَّافعيُّونَ أمثلةً كثيرةً تُثْبِتُ كُفْرَ غيرِ الْمُكْرَهِ بالقتلِ إذا نطقَ بكلامٍ كُفْرِيٍّ مُتَعَمِّدًا وهو غضبانُ من غيرِ انشراحِ صَدْرِهِ لِمَا يقولُ ومن غيرِ أنْ ينويَ الخروجَ من الإسلام كأنْ سَبَّ الله أو النبيَّ أو الإسلامَ ، وكَفَّرُوا مَنْ لم يُكَفِّرْهُ .
.
واعلمُوا أنَّ من عبادِ الله عبادًا دخلوا في الإسلام ثمَّ بعد ذلكَ صاروا يَنْطِقُونَ بكلماتٍ قبيحةٍ خرجوا بسببها من الإسلامِ إلى الكفرِ وهم لا يدرونَ بأنهم صاروا كافرينَ وذلك لشدَّة جهلِهم بالأحكامِ الشَّرْعِيَّةِ . وليسَ جهلُهم هذا عذرًا يُنْجِيهِمْ من الوقوعِ في الكُفْرِ ..
ولمزيدٍ من التفصيلِ نقول : إنَّ مَنْ سَبَّ الله تعالى في حال الغضب أو نبيًّا من أنبيائهِ أو الإسلامَ فهو كافر . هذا هو الحُكْمُ الشَّرْعِيُّ . يجبُ علينا تكفيرُه . وليس شرطًا لتكفيرِه أنْ يكونَ الشَّاتِمُ عَالِمًا بهذا الحكم الشَّرْعِيِّ ولا أنْ يكونَ قاصدًا الخروجَ من الإسلام ولا أنْ يكونَ معتقدًا معنى ما يقول ولا أنْ يكونَ منشرحَ الصَّدْرِ لِمَا يقول ، بل يكفي لتكفيرِه أنْ يكونَ في حال صَحْوِهِ ومِنْ غيرِ سَبْقِ لسانٍ ومن غيرِ أن يكونَ مُكْرَهًا على كلامِ الكفرِ بالقتل .
فقد جاء في الحديثِ الذي رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ في (سننهِ) عن أبي هريرةَ وحَسَّنَهُ وأقرَّ الحافظُ ابنُ حَجَرٍ تحسينَه أنه ، صلَّى الله عليه وسلَّم ، قال :" إنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بالكلمةِ لا يَرَى بها بأسًا يَهْوِي بها سبعينَ خريفًا في النَّارِ " .. أي سبعينَ سنة ..
فأفهمَنا رسولُ الله ، صلَّى الله عليه وسلَّم ، بقوله :" لا يَرَى بها بأسًا " أنه ليس شرطًا للوُقُوعِ في الكُفْرِ أنْ يكونَ النَّاطِقُ بكلامِ الكُفْرِ عَالِمًا بحُكْمِ هذا الكلامِ ولا أنْ يكونَ معتقدًا لمعناه . وإنما يكفي أنْ يكونَ الشخصُ يَفْهَمُ معنى ما يقولُ من غيرِ أنْ يكونَ مُكْرَهًا بالقتلِ ومنْ غيرِ سبقِ اللِّسَانِ .
ورَوَى هذا الحديثَ أيضًا البخاريُّ ومسلمٌ في (صحيحَيهما) عن أبي هريرةَ عن النبيِّ ، صلَّى الله عليه وسلَّم ، بلفظ :" إنَّ العبدَ لَيَتَكَلَّمُ بالكلمةِ ما يَتَبَيَّنُ فيها يَهْوِي بها في النَّارِ أبعدَ مِمَّا بينَ المشرقِ والمغرب " .
وهذا يعني أنَّ من النَّاسِ مَنْ يَتَكَلَّمُ بالكلمةِ المخرجةِ من الإسلام من غير أنْ يعرفَ أنها تُخْرِجُ من الإسلام . وهذه المسافةُ المذكورةُ في الحديثِ هي نهايةُ قَعْرِ جَهَنَّمَ .
فقد ثَبَتَ أنَّ النبيَّ كانَ مَعَ بعضِ أصحابهِ فسمعوا وَجْبَةً . فقال :" أتدرونَ ما هذا ؟؟" .. فقيلَ له :" الله ورسولُه أعلم " .. قال :" هذا حَجَرٌ رُمِيَ بهِ في النَّارِ منذ سبعينَ خريفًا فهو يَهْوِي في النَّارِ الآنَ حتى انتهى إلى قعرِها " .. ثَبَتَ هذا في (صحيح مسلم) عن أبي هريرة ..
قال الحافظُ ابنُ حَجَرٍ في الكلامِ الذي يُوجِبُ الوُصُولَ إلى قعرِ جَهَنَّمَ :" وذلكَ ما كانَ فيه استخفافٌ بالله تعالى أو بشريعته ".
وليس جهلُ الإنسان بالكلامِ الْمُخْرِج من الإسلامِ عُذْرًا . ففي كتاب[(الفتاوى الهندية)/ج2/ص261]أنه قد رُفِعَ سؤالٌ إلى الإمامِ المجتهدِ مُحَمَّدِ بنِ الحَسَنِ عن رجلٍ شوهِد على معصيةٍ ظاهرةٍ فقيل له :" أَلَا تخاف الله ؟؟" فقال :" لا أخافُه " . فأفتى الإمامُ مُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ بأنه كافرٌ غيرُ مسلم ، ولا يمكن تأويلُ كلامهِ .. بهذا أفتى الإمامُ مُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ .. فلو كان جَهْلُ الإنسانِ بالكلامِ الْمُخْرِجِ من الإسلامِ عذرًا لَتَرَكَ الإمامُ تكفيرَه ولم يُفْتِ بما أفتى به .
.
وقال الإمامُ الحافظُ ابنُ حَجَرٍ في كتابه[(فتح الباري)/ج2/ص300]ما نصُّه :" إنَّ من المسلمينَ مَنْ يخرجُ من الدِّينِ من غيرِ أنْ يَقْصِدَ الخروجَ منه ومن غير أن يختار دينًا على دينِ الإسلام " .
وقال القَوْنَوِيُّ ما نصُّه :" ومَنْ تَلَفَّظَ بكلمةِ الكفرِ طائعًا غيرَ معتقدٍ له فقد كَفَرَ ولا يُعْذَرُ بالجهلِ "ا.هـ.
نقلَ ذلكَ عنه مُلَّا عليٌّ القاري في[(شرح الفقه الأكبر)/ص163]..
---------------------------------------------------
1) هذا الذي أَكْرَهَهُ الكُفَّارُ بالقتلِ على سَبِّ النبيِّ محمَّد ، صلَّى الله عليه وسلَّم ، بلفظ[[محمَّد ملعون]]ليس فرضًا عليه أنْ يُضْمِرَ توريةً ، ولا يجوزُ له أنْ يَقْصِدَ النبيَّ مُحَمَّدًا . إذا قصَده يَكْفُرُ ولو كان قلبُه كارهًا لسبِّ النبيِّ محمَّد . ليس لهذا الْمُكْرَهِ عذرٌ في أنْ يَقْصِدَ النبيَّ مُحَمَّدًا صلَّى الله عليه وسلَّم . الكُفَّارُ أَكْرَهُوا لسانَه ولم يُكْرِهُوا قلبَه .. الْمُكْرَهُ بالقتلِ على التَّلَفُّظِ بهذا اللَّفْظِ ليس فرضًا عليه أنْ يُضْمِرَ توريةً . أيْ أنه ليس فرضًا عليه أنْ ينويَ بهذا اللَّفْظِ رَجُلًا كافـرًا يعرفُه اسمُه محمَّد . وإنما يجوزُ للمُكْرَهِ أنْ يَقْصِدَ بقلبهِ إجراءَ هذا اللَّفْظِ على لسانهِ مع كراهيتهِ لسبِّ النبيِّ وليس له أنْ يَقْصِدَ النبيَّ مُحَمَّدًا صلَّى الله عليه وسلَّم . قَصْدُ النبيِّ محمَّد شَيْءٌ وكراهيةُ الطَّعنِ فيه شيءٌ ءاخَر . كِـلا الأمرَين مختلفانِ منفصلان . إذا قَصَدَهُ يَكْفُرُ لأنه لا عذرَ له في أنْ يَقْصِدَ النبيَّ مُحَمَّدًا . الكُفَّارُ لَمَّا طلبوا منه أنْ يقول[[محمَّد ملعون]]لم يُكْرِهُوا قلبَه على أنْ يَقْصِدَ النبيَّ مُحَمَّدًا ، وليسوا بقادرين على ذلك . فإذا عَزَمَ هذا المسلمُ على أنْ يَنْطِقَ بهذا اللَّفْظِ ليَتَخَلَّصَ من القتلِ من غيرِ قَصْدِ كافرٍ مُعَيَّنٍ فليقصِد إجراءَ هذا اللَّفْظِ على لسانهِ فقط .. ثمَّ إنَّ الذي كانَ يَظُنُّ أنه يجوزُ لمنْ أَكْرَهَهُ الكفَّار بالقتلِ على قول[[محمَّد ملعون]أنْ يَقْصِدَ النبيَّ مُحَمَّدًا فإنَّ هذا يكونُ كافـرًا خاطئًا ..
.
2) الْمُكْرَهُ على الكُفْرِ بالقتلِ يجوزُ له أنْ يَنْطِقَ بكلمةِ الكُفْرِ . وهذا الحُكْمُ واردٌ في شرعِ سيِّدنا محمَّد وفي شَرْعِ الأنبياء الذينَ مَضَوْا قبلَ نبيِّنا محمَّد عليهم الصَّلاة والسَّلام . وأمَّا مَنْ قال إنه لم يكنْ في الشَّرائع السَّابقة جائزًا للمُكْرَهِ أنْ يَنْطِقَ بكلمةِ الكُفْرِ فقد غَلِطَ غَلَطًا كبيرًا ، فإنْ كانَ ممَّن يخفَى عليه الحُكْمُ فلا يَكْفُرُ وأمَّا الذي لا يخفَى عليه الحُكْمُ وقال هذا فإنه يَكْفُرُ .
والحمدُ للهِ رَبِّ العالَمين
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق