بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 31 يوليو 2018

تفسير ايات الاستواء 3- تفسير الجامع لأحكام القرأن للقرطبي

 3-  تفسير الجامع لأحكام القرأن للقرطبي

الخامسة: قوله تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى} «ثم» لترتيب الإخبار لا لترتيب الأمر في نفسه.
 والاستواء في اللغة: الارتفاع والعلوّ على الشيء  ؛  قال الله تعالى:  {فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنتَ وَمَن مَّعَكَ عَلَى الْفُلْكِ  }  (المؤمنون: 28) ، وقال { لِتَسْتَوُواْ عَلَى ظُهُورِهِ}  (الزخرف: 13)، وقال الشاعر:
 فأوردتهم ماء بفَيْفاء قَفرة        وقد حلّق النجم اليمانيّ فاستوى  :   أي ارتفع وعلا ،  واستوت الشمس على رأسي واستوت الطير على قِمّة رأسي، بمعنى علا.
 
وهذه الآية من المشكلات، والناس فيها وفيما شاكلها على ثلاثة أوجه:1- قال بعضهم: نقرؤها ونؤمن بها ولا نفسرها؛ وذهب إليه كثير من الأئمة، وهذا كما روي عن مالك رحمه الله أن رجلاً سأله عن قوله تعالى: {الرَّحْمَـنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى  } (طه: 5)   قال مالك: الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة ،  وأراك رجل سَوْء أخرجوه.
2- وقال بعضهم: نقرؤها ونفسّرها على ما يحتمله ظاهر اللغة. وهذا قول المشبّهة.
3- وقال بعضهم: نقرؤها ونتأوّلها ونُحيل حَمْلها على ظاهرها.
l     وقال الفرّاء في قوله عزّ وجلّ: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَآءِ فَسَوَّاهُنَّ}  قال: الاستواء في كلام العرب على وجهين:
1-   أحدهما: أن يَسْتَوِي الرجل وينتهي شبابه وقوته ،
2-   أو يستوي عن اعوجاج. فهذان وجهان.
3-   ووجه ثالث أن تقول: كان فلان مقبلاً على فلان ثم استوى عليّ وإليّ يشاتمني . على معنى أقبل إليّ وعليّ . فهذا معنى قوله: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَآءِ} والله أعلم.
قال-  اي الفرّاء- وقد قال إبن عباس: ثم استوى إلى السماء  صعِد . وهذا كقولك: كان قاعداً فاستوى قائماً، وكان قائماً فاستوى قاعداً؛ وكل ذلك في كلام العرب جائز.
وقال البيهقي أبو بكر أحمد بن عليّ بن الحسين: قوله: «استوى» بمعنى أقبل صحيح ، لأن الإقبال هو القصد إلى خلق السماء ؛ والقصد هو الإرادة ، وذلك جائز في صفات الله تعالى . ولفظة «ثم» تتعلق بالخلق لا بالإرادة. وأما ما حُكي عن ابن عباس فإنما أخذه -  اي الفرّاء- عن تفسير الكلبيّ، والكلبيّ ضعيف. وقال سفيان بن عُيينة وابن كَيسان في قوله: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَآءِ}: قصد إليها، أي بخلقه واختراعه،  فهذا قول . وقيل: على دون تكييف ولا تحديد ؛ واختاره الطبري . ويُذكر عن أبي العالية الرّياحيّ في هذه الآية أنه يقال: استوى بمعنى أنه ارتفع . قال البيهقي : ومراده من ذلك ـ والله أعلم ـ ارتفاع أمره ، وهو بخار الماء الذي وقع منه خلق السماء. وقيل: إن المستوى الدخان. وقال ابن عطية: وهذا يأباه وصف الكلام. وقيل: المعنى استولى ؛ كما قال الشاعر:
  قد اسْتَوَى بِشْرٌ على العِراق        مِن غيرِ سَيْفٍ ودَمٍ مُهْراق
قال ابن عطية: وهذا إنما يجيء في قوله تعالى: {أَأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّمَآءُ بَنَاهَا}. قلت: قد تقدّم في قول الفرّاء عليّ وإليّ بمعنىً. وسيأتي لهذا الباب مزيد بيان في سورة «الأعراف» إن شاء الله تعالى. والقاعدة في هذه الآية ونحوها منع الحركة والنقلة.  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

حسن التفهم والدرك لمسئلة الترك

  حسن التفهم والدرك لمسئلة الترك تأليف: أبي الفضل عبد الله محمد الصديقي الغماري تقديم الترك ليس بحجة في شرعنا … لا يقتضي منعًا ولا إيجابا فم...