بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 31 يوليو 2018

معنى قول الفقهاء "لا معبود بحق إلا الله"

معنى قول الفقهاء "لا معبود بحق إلا الله"
=======================
ومعنى قول الفقهاء "لا معبود بحق إلا الله" أي لا يستحق أحدٌ أن يُعبَد أي أن يُتذلل له نهاية التذلل إلا الله كما قال بذلك الإمام الحافظ الفقيه اللغوي تقي الدين علي بن عبد الكافي السبكي وغيره كأبي منصورٍ في كتاب "تهذيب اللغة" وابن منظور صاحب كتاب "لسان العرب" والفراء، ولفظ السبكي: "العبادة أقصى غاية الخشوع والخضوع"، ذكر ذلك الإمام اللغوي الحافظ محمد مرتضى الزبيدي في شرح القاموس، وممن فسَّر العبادة بذلك أيضًا الراغب الأصبهاني وهو لغوي مشهورٌ يُكثر النقل عنه صاحب شرح القاموس محمد مرتضى الزبيدي قال في تأليفه مفردات القرءان: "العبادة غاية التذلل".
وقد قال الحافظ السيوطي عن السبكي: إنه حافظٌ فقيهٌ أصولي لغوي نحوي متكلم، وقال الذهبي فيه: [الوافر]:
ليَـــــــــهنَ المنبرُ الأموي لمَّا ********* علاهُ الحاكمُ البحرُ التقي
شيوخ العصر أحفظهم جميعًا ********* وأخطبهم وأقضاهم علي
ولو كان معنى العبادة مطلق الطاعة لمخلوق في أي شيء طاعة أو معصية لكان عمال الحكام الجائرين كفارًا، فهل يقول هؤلاء الذين يكفرون المتوسلين بالأنبياء والأولياء في هؤلاء العمال إنهم مشركون، أليس هؤلاء أنفسهم يُطيعون الحكام في بعض المعاصي، فعلى مقتضى قولهم يكونون حكموا على أنفسهم بالكفر، وهؤلاء هم الوهابية أتباع محمدٍ بن عبد الوهاب كفَّروا أنفسهم وإن لم يشعروا.
فهؤلاء الذين يكفرون المستغيثين بالأولياء والأنبياء ليتعلموا معنى العبادة في لغة العرب قبل إطلاق ألسنتهم بالتكفير، وهذا معنى العبادة المرادة بقوله تعالى: {لا إله إلا الله فاعبدون} [سورة الأنبياء] وبقوله تعالى {إياك نعبُدُ} [سورة الفاتحة]، وهذه هي العبادة المختصة له تعالى التي من صرفها لغيره صار مُشركًا، وليس معناها مجرد النداء أو الاستعانة أو الاستغاثة أو الخوف أو الرجاء كما زعم بعض الناس أنَّ مجرد نداء شخص ميتٍ أو غائب شركٌ، وكذلك استعانته به إلا بالحي الحاضر، حتى لو قال قائل "يا محمد" صار عندهم كافرًا، وكذا لو قال قائل "يا رسول الله المدد" صار كافرًا عندهم، وهؤلاء جاهلون بمعنى العبادة في لغة العرب، قال الليثُ وهو إمامٌ من أئمة اللغة متقدم "ويقال للمشركين هم عبدة الطاغوت – أي الشيطان- ويقال للمسلمين عباد الله يعبدون الله، وقال الله عزَّ وجل: {اعبُدوا ربَّكُم} [سورة البقرة] أي أطيعوا ربكم، وقوله: {إيَّاك نعبد وإياك نستعين} [سورة الفاتحة] أي نطيع الطاعة التي يُخضع معها". ا.هـ.
وقال ابن الأثير: "والعبادة في اللغة الطاعة مع أقصى الخضوع"، وفي المصباح للفيومي أحد مشاهير اللغويين: "عبدت الله أعبدُه عبادةً وهي الانقياد والخضوع"، وفي تاج العروس شرح القاموس للحافظ اللغوي محمد مرتضى الزبيدي: "والعبادة بالكسر الطاعة".
فإن قال هؤلاء وأمثالهم: أليس ورد في تفسير {اتَّخَذوا أحبارَهُم ورُهبانهم أربابًا مِن دون الله والمسيحَ ابنَ مريمَ} [سورة التوبة] أنَّ عبادتهم لهم طاعتهم فيما حرَّموا وحللوا من تلقاء أنفسهم فالجواب: أنَّ ذلك داخلٌ تحت هذا التعريف "الانقيادُ والتذلل" فإنهم انقادوا وتذللوا لهم في ذلك لأنهم كانوا يعتقدون أنهم يستحقون أن يطاعوا في ذلك حقيقة، وليس الذي حصل منهم مجرد أنهم أطاعوهم فإنَّ المسلم قد يطيع من له عليه رئاسة في المعصية لكنَّه لا يطيعه على الوجه الذي أطاعته النصارى أحبارهم ورهبانهم فلا يكونون عابدين لرؤسائهم كأولئك، وكذلك مجرد الطاعة لمخلوق في المعصية ليس عبادة له وإشراكًا بالله، وإنما الطاعة الذي يكفر فاعلُها هي الطاعة التي مع غاية التذلل والتعظيم وهذا مراد من قال من اللغويين العبادة الطاعةُ فكأنهم قالوا الطاعةُ المخصوصة.
ومعنى الآية أنهم كما عبدوا المسيح بقولهم هو الله أو هو ابنُه وهو بريءٌ من ذلك كذلك القرءان أخبرنا بأنهم اتخذوا أحبارهم أي علماءهم ورهبانهم أي الذين اتخذوا صوامعَ بعيدةً عن الناس أربابًا من دون الله أي عبدوهم من دون الله لأنهم اعتقدوا أنه لهم حق التحليل والتحريم، لأن الذي يقول لشخص اعترف عندي بذنوبك أنا أغفرها لك فقد ادَّعى الألوهية لنفسه لأنَّ ذلك لا يكون إلا لله والله يقول: {ومن يغفِرُ الذنوبَ إلا الله} [سورة ءال عمران] معناه لا أحد يستطيع أن يغفر الذنوب لمن عصى إلا الله، لأنَّ دعوى الربوبية لها وجوهٌ من جملتها أن يعتقد الإنسان أنَّ للعبد حق التحليل والتحريم أو مغفرة الذنوب أو الإيجاد لبعض الأشياء قال الله تعالى: {قُل هل نُنَبِّئكم بالأخسرين أعمالاً * الذين ضلَّ سعيُهم في الحياة الدنيا وهم يَحسبون أنهم يُحسنون صُنعًا} [سورة الكهف] تعني أصحاب الصوامع النصارى الذين يظنون أنهم يحسنون العمل وهم ليس لهم في الآخرة إلا النار لكونهم عبدوا غير الله أي تذللوا لغير الله غاية التذلل.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

حسن التفهم والدرك لمسئلة الترك

  حسن التفهم والدرك لمسئلة الترك تأليف: أبي الفضل عبد الله محمد الصديقي الغماري تقديم الترك ليس بحجة في شرعنا … لا يقتضي منعًا ولا إيجابا فم...