الرد على نسبتهم الصورة إلى الله تعالىومن هنا تعلم فساد اعتقاد المشبهة الذين يزعمون بأن الله على صورة ءادمي وقد كتب بعضهم وهو حمود التويجري الوهابي كتابا أسماه (عقيدة أهل الإيمان في خلق ءادم على صورة الرحمن) فإنه يقول فيه (ص/76) من الطبعة الثانية التي قرظها زعيمهم ابن باز ما نصه: ((وأيضا فهذا المعنى عند أهل الكتاب من الكتب المأثورة عن الأنبياء كالتوراة فإن في السفر الأول منها: [سنخلق بشرًا على صورتنا يشبهنا])). اهـ انظروا كيف ينقل من التوراة المحرفة التي قال الله في شأنها: {قُلْ فَأْتُواْ بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ}.
وقد قال التويجري أوّل كتابه المذكور ما نصه: ((الحمد لله الذي خلق ءادم بيديه وخلقه على صورته ونفخ فيه من روحه..الخ)). اهـ فانظروا إلى هذا الكلام وكيف يسعى الكاتب إلى إيهام القارىء بأن لله تعالى صورة وأنه خلق ءادم على هذه الصورة وغير ذلك من تشبيههم لله بخلقه والعياذ بالله.
فهذه عقيدة هؤلاء القوم من أتباع ابن تيمية فتأملوا يا ذوي الأبصار. والله تعالى يقول:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَئٌ} ويقول: {وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ} والنبيّ صلى الله عليه وسلم أقر لمن قال: "يا من لا تراه العيون ولا تخالطه الظنون ولا يصفه الواصفون" في الحديث الصحيح. وقول الله تعالى: {هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الأَرْحَامِ} يوجب تنـزيه الله تعالى عن الصور لأنه هو المصوّر.
ولذلك أجمع العلماء على تنـزيه الله عن الصورة فقد قال الإمام أبو منصور البغدادي في الفرق بين الفرق (ص/256) ما نصه: (وأجمعوا على إحالة وصفه بالصورة والأعضاء). اهـ
وقال الحافظ مرتضى الزبيدي في إتحاف السادة المتقين (2/35) ما نصه: (وقد أجمع أهل السنة أن الله تعالى خالق الصور كلها ليس بذي صورة ولا يشبه شيئًا).اهـ
بل نقل القاضي عياض المالكي في كتابه الشفا ( /282ـ283) الإجماع على كفر من يزعم بأن الله تعالى محدثٌ أو مصوَّر، حيث قال ما نصه: (وكذلك من اعترف بإلاهية الله ووحدانيته ولكنه اعتقد أنه غير حي أو غير قديم وأنه محدث أو مصوَّر أو ادعى له ولدا أو صاحبة أو والدا أو متَوَلّد من شىء أو كائن عنه أو أن معه في الأزل شيئًا قديمًا غيره أو أن ثم صانعا للعالم سواه أو مدبِّرا غيره فذلك كله كفرٌ بإجماع المسلمين). اهـ
وقال العلامة الكوثري فيما علقه على السيف الصقيل (ص/156) ما نصه: (وقال أبو بكر بن العربي في القواصم والعواصم ( 2/28) فيمن يحمل حديث: ((….. فيأتيهم في صورة ثم يأتيهم في صورة أخرى….)) على التبدل والانتقال والتحول: إنه ليس من أهل القبلة بل حكم بخروجه أصلا وفرعا من الملة. وحمل الصورة على ظاهرها فضيحة ليس فوقها فضيحة، والله الهادي). اهـ
وقال المحدث الشيخ عبد الله الغماري في كتابه فتح المعين (ص/34ـ35) في معرض الرد على مؤلف كتاب الأربعين ما نصه: (وروى حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خلق الله ءادم عليه السلام على صورته طوله ستون ذراعا" وهذا حديث مختصر من حديث في الصحيحين، والاستدلال به لإثبات الصورة لله عز وجل غلو في الإثبات مذموم، فإن الضمير في صورته يعود على ءادم لأنه أقرب مذكور، ويؤيد ذلك قوله: "طوله ستون ذراعا"، وقوله في ءاخر الحديث عن أهل الجنة: "على خلق رجل واحد على صورة أبيهم ءادم ستون ذراعا في السماء" فالحديث كما ترى يـبين أن الضمير في صورته يعود على ءادم.
قال الحافظ في الفتح: والمعنى أن الله تعالى أوجده على الهيئة التي خلقه عليها، ولم ينتقل في النشأة أحوالا، ولا تردد في الأرحام أطوارًا كذريته، بل خلقه الله رجلا كاملا سويًا من أول ما نفخ فيه الروح، ثم عقب ذلك بقوله: "وطوله ستون ذراعًا"، فعاد الضمير أيضًا على ءادم، وقيل معنى قوله: "على صورته" أي لم يشاركه في خلقه أحد إبطالا لقول أهل الطبائع، وخص بالذكر تنبيهًا بالأعلى على الأدنى. اهـ كلام الحافظ
قلت: وعود الضمير في "صورته" على ءادم يشير لإبطال زعم دارون أن الإنسان أصله قرد، فأفاد الحديث أن ءادم خلق من أول مرة إنسانًا لا أصل له غير ذلك، وهذه معجزة عظيمة تؤخذ من الحديث. أما جعل الضمير في صورته يعود على الله فهو خطأ من تصرف بعض الرواة، وقد استنكره كثير من العلماء. وأخذ بظاهره ابن قتيبة فقال: لله صورة لا كسائر الصور، وهذا خطأ أيضًا، لأن الصورة تتوقف على مصوِّر، كما قال الله تعالى: {هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ} وقال سبحانه: { يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ(6) الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ(7) فِي أَيِّ صُورَةٍ مَّا شَاء رَكَّبَكَ(8)}. فوصف الله بالصورة لا يجوز لأنها محدثة والله تعالى لا يوصف بالمحدث، تعالى الله عن ذلك، وتأويل الصورة بالصفة لا يجدي في هذا المقام.
قال البيهقي في الأسماء والصفات (2/17) وذهب بعض أهل النظر إلى أن الصور كلها لله تعالى على معنى الملك والفعل، ثمّ ورد التخصيص في بعضها بالإضافة تشريفًا وتكريما، كما يقال ناقة الله، وبيت الله، ومسجد الله.اهـ وهو كلام حسن). انتهى كلام الغماري.
وأما حديث الصحيحين الذي فيه: "فيأتيهم بغير صورته" ثم فيه: "فيأتيهم بصورته التي يعرفونها" فلا دليل فيه لإثبات الصورة لله عز وجل لأسباب منها: أن من تتبع الحديث في الصحيحين وغيرهما من كتب السنن والمسانيد وغيرها، وجد أن لفظ الصورة غير مذكور في بعضها، مما يؤكد أن لفظ الصورة من تصرف الرواة، ثم قوله في الحديث: "فيأتيهم بغير صورته" وقوله: "فيأتيهم بصورته التي يعرفونها" ظاهره يفيد أن الله يتشكل بصور مختلفة وذلك باطل قطعا، وهو مردود بقوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَئٌ}.
قال الحافظ في الفتح ( 5/229) ما نصه: (وقد أخرج البخاري في الأدب المفرد وأحمد من طريق ابن عجلان عن سعيد عن أبي هريرة مرفوعًا: "لا تقولن قبّح الله وجهك ووجه من أشبه وجهك فإن الله خلق ءادم على صورته" وهو ظاهر في عود الضمير على المقول له ذلك، وكذلك أخرجه ابن أبي عاصم أيضاً من طريق أبي رافع عن أبي هريرة بلفظ: "إذا قاتل أحدكم فليجتنب الوجه فإن الله خلق ءادم على صورة وجهه"). اهـ
ويتحقق مما ذكرناه أن هذه الطائفة التي تثبت لله تعالى عن قولهم الصورة ينطبق عليهم ما رواه مسلم في الصحيح عن السيدة عائشة رضي الله عنها أنها قالت عند قوله تعالى: ( {فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ ءَامَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ} قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا رأيتم الذين يتّبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سماهم الله فاحذروهم". ورواه والبخاري (انظر الفتح 8/265) وأحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه.
قال الحافظ في الفتح ( 8/266) ما نصه: (وقيل المحكم ما عرف المراد منه إما بظهور وإما بالتأويل والمتشابه ما استأثر الله بعلمه كقيام الساعة وخروج الدجال والحروف المقطعة في أوائل السور… وذكر الأستاذ أبو منصور البغدادي أن الأخير هو الصحيح عندنا). اهـ
وأما الحديث الذي ذكره فقد رواه مسلم ونصه: "والذي نفسي بيده ما من رجل يدعو امرأته إلى فراشه فتأبى عليه إلا كان الذي في السماء ساخطا عليها حتى يرضى عنها". فيحمل على الملائكة بدليل الرواية الثانية الصحيحة التي رواها البخاري ( أنظر الفتح 6/386 و 9/366) وابن حبان وغيرهما والتي هي أشهر من هذه الرواية وهي: "لعنتها الملائكة حتى تصبح".
يتبع بإذن الله
بحث هذه المدونة الإلكترونية
السبت، 28 يوليو 2018
الأدلة المقومة لاعوجاجات المجسمة(16)
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
حسن التفهم والدرك لمسئلة الترك
حسن التفهم والدرك لمسئلة الترك تأليف: أبي الفضل عبد الله محمد الصديقي الغماري تقديم الترك ليس بحجة في شرعنا … لا يقتضي منعًا ولا إيجابا فم...
-
إرشاد الأوَّاه الى تحريمِ لفظِ الجلالة ِ باسم ِ ءاه إرشاد الأوَّاه الى تحريمِ لفظِ الجلالة ِ باسم ِ ءاه تأليف أبي المكارم الشاذلي ...
-
الادلة على جواز الاحتفال بالمولد النبوي الشريف بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على خير خلق الله سيدنا محمد وعلى اله وصحبه وسلم اما ...
-
يقول المجسمة والعياذ بالله: إن من يتصف بأنه لا خارج العالم ولا داخله فهو معدوم، لأنه لا يتصور وجود شيء لا داخل العالم ولا خارجه .فمن حيث ال...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق