بيان أنه لا يجوز أن يقال: إن الله تعالى في كل مكان
اعلم أنه لا يجوز أن يقال: بأن الله تعالى في كل مكان كما ذهبت إليه المعتزلة والجهمية، فأما أن يقال: إنه في كل مكان بذاته فذلك كفر، وأما أن يقال: إنه بكل مكان على معنى أنه عالم بكل شىء وليس على معنى الحلول فهذا ليس بكفر، ولكن لا يجوز أن يعبر بهذه العبارة ولو كان على المعنى الثاني.
فقد العلامة المتكلم أبو بكر بن فورك في كتابه مشكل الحديث وبيانه (ص/ 63و65ـ66) ما نصه: (اعلم أن الثلجي كان يذهب مذهب النجار في القول بأن الله في كل مكان زهو مذهب المعتزلة، وهذا عندنا منكر من أجل أنه لا يجوز أن يقال إن الله تعالى في مكان أو في كل مكان). أهـ
ثمّ رد ابن فورك على من أطلق هذه العبارة مريداً بها أن الله عالم بكل شىء، فقال ما نصه: (فمتى ما رجعوا في معنى إطلاق ذلك إلى العلم والتدبير كان معناهم صحيحاً واللفظ ممنوعاً، ألا ترى أنه لا يسوغ أن يقال أن الله تعالى مجاور لكل مكان أو مماس له أو حال أو متمكن فيه على معنى أنه عالم بذلك مدبرٌ له). أهـ
وقال الحافظ أبو بكر البيهقي في الاعتقاد والهداية (ص/70) ما نصه: (وفيما كتبنا من الآيات دلالة على إبطال قول من زعم من الجهمية: أن الله سبحانه وتعالى بذاته في كل مكان، وقوله عز وجل:{وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ} (سورة الحديد/4) إنما أراد به بعلمه لا بذاته). أهـ
وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني في فتح الباري ( 1/ 669) ما نصه: (وقد نزع به بعض المعتزلة القائلين بأن الله في كل مكان وهو جهل واضح…. وفيه الرد على من زعم أنه على العرش بذاته). أهـ
وقال شيخنا الحافظ الفقيه المتكلم الشيخ عبد الله الهرري حفظه الله في كتابه إظهار العقيدة السنية بشرح العقيدة الطحاوية (ص/140ـ141) ما نصه: (ثم المعتزلة وجمهور النجارية قالوا: إنه تعالى بكل مكان بالعلم والقدرة والتدبير دون الذات، وهذا باطلٌ لأن من يعلم مكاناً لا يقال إنه في ذلك المكان بالعلم، فما شاع عند بعض من ينتسب للتصوف من قول: إن الله تعالى بكل مكان، لا يجوز، فقد نقل الشعراني عن علي الخواص أنه قال: لا يجوز أن يقال إنه تعالى بكل مكان. قال صاحب روح البيان في تفسيره: إنه قول جهلة المتصوفة. على أن أولئك ما قالوا: موجود بكل مكان، بل قالوا: إنه تعالى بكل مكان من دون أن يضيفوا كلمة موجود، وبين قول القائل: إن الله بكل مكان، وقول القائل: إن الله موجود بكـل مكان، فرق كبير لأن كلمة موجود إثبات للتحيز في المكان صريح، اللهم إلا أن يكون بعض الأشخاص لا يفهمون من قولهم موجود التحيزَ، فهؤلاء ينظر في حالهم إن كانوا لا يعتقدون تحيز الذات في الأماكن فلا يكفرون، لكن كلامهم هذا كلام فاسد، أصله إلى المعتزلة والجهمية، فوضح أن الذي قالها بالباء أو بحرف في إن كان يفهم من هذه العبارة تحيز الذات القديم الأزلي المقدس في الأماكن كلها فهو كافر من أكفر الكفار، لأنه إذا كان الذي يعتقد أن الله متحيز بمكان واحد كالعرش كافراً لأنه أثبت لله المشابهة لخلقه وذلك لأن فوق العرش كتاباً كتب الله فيه "إن رحمتي تغلب غضبي" رواه البخاري وابن حبان. فلو كان الله متحيزاً فوق العرش لكان ذلك الكتاب مثلا لله، وكذلك اللوح المحفوظ على القول بأنه فوق العرش، فتبين بطلان ظن المشبهة أن كون الله فوق العرش تنـزيه له عن المثل، فكيف الذي يعتقد في الله التحيز في كل مكان فقد جعله منتشراً منبثاً في الأماكن النظيفة والأماكن القذرة، لكن هؤلاء العوام حالهم يدل على أنهم لا يقصدون التحيز إنما يقصدون أنه تعالى محيط بخلقه قدرة وعلماً، إلا أن بعضهم يعتقد ذلك الاعتقاد الفاسد وهو أن ذاته منتشر). اهـ
وقال الشيخ عبد الوهّاب الشعراني في كتابه اليواقيت والجواهر ( 1/ 65) ما نصه: (وسمعت شيخنا سيدي علياً الخواص رحمه الله يقول: لا يجوز أن يقال إنه تعالى في كل مكان كما تقوله المعتزلة والقدرية محتجين بنحو قوله تعالى: {وَهُوَ اللّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الأَرْضِ} لإيهامه أنه يحل بذاته في ذلك المكان). اهـ
يتبع بإذن الله
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق