أعظم الناس حقاً على الرجل والمرأة
الحمدّ لله والصلاة والسلام على رسول اللهأما بعد ففي كتاب المستدرك للحاكم من حديث عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أعظم الناس حقاً على المرأة زوجها وأعظم الناس حقاً على الرجل أمه"
حديث صحيح صححه الحاكم وغيره وفيه بيان أعظمية حق الزوج على المرأة على حقّ غيره لذلك حرّم الله عليها أن تخرج من بيته بلا إذنه لغير ضرورة وحرّم عليها أن تُدخل بيته من يكرهه سواء كان قريبا لها أو بعيدا وحرّم عليها أيضا أن تمنعه حقّه من الاستمتاع وما يدعو إلى ذلك من التزين إلا في حالة لها فيها عذر جسمانيّ أو شرعي.
العذر الجسمانيّ كأن تكون مريضة لا تطيق أن تعطيه ما يطلب منها والعذر الشرعي كأن تكون حائضا أو نفساء أو تكون في حالة يضيق وقت الصلاة عليها إن أجابته إلى ما طلب منها.
وفيه أيضا عظم حقّ الأم على الرجل لأنها أعظم الناس حقا عليه فهي أولى بالبر من سائر الناس وفي حكم الرجل المرأة غير ذات الزوج فأمها أولى الناس عليها بطاعتها فهي أي المرأة غير ذات الزوج والرجل في هذا سواء فيفهم من ذلك أنّه إذا لم يستطع الرجل أن ينفق على أبيه وأمّه الفقيرين قدّم الأم أي أنفق على الأم لعجزه عن نفقة الأب مع الأم أما من كان مستطيعا للإنفاق عليهما أنفق عليهما جميعا فرضا ووجوبا.
ولا يسقط برّ الأب والأم عن الولد لكونهما أساءا إلى الولد في الصغر، فمن أضاعه أبوه أو أمّه في حال صغره فقطع عنه الإحسان والنفقة ثمّ كبر الولد فليس له أن يقابل تلك الإساءة بالإساءة لا يجوز له أن يقول هما لم يرحماني وأنا صغير بل أضاعاني وسلّماني للجوع والعطش والعري فأنا اليوم أعاملهما بالمثل فمن فعل ذلك وقع في وزر كبير وهو وزر العقوق الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثلاثة لا يدخلون الجنّة العاقّ لوالديه والدّيوث ورَجُلَةُ النساء" فهذا الذي أضاع والديه في حال كبرهما واحتياجهما إليه لفقرهما لأنهما كانا أضاعاه في صغره فلم يعطفا عليه إذا عاملهما بالمثل يكون في جملة العاقين ويستحق هذا العذاب الشديد وهو أنه لا يدخل الجنة مع الأولين بل يدخلها بعد العذاب مع الآخرين هذا إن ختم له بالإسلام وإلا فلا يدخل الجنة البتة ولا فرق في هذا بين الرجل والأنثى فالخير الذي يكسب الانسان البرّ الأعظم للوالدين هو أن يخالف نفسه ويبرّهما مع أنهما كانا ضيّعاه في صغره هذا أعظم ثوابا من الولد الذي يبرّ أبويه في حال كبرهما وفقرهما معاملة لهما بالمثل أي لأنهما كانا يحسنان ويعطفان ويرعيانه بالشفقة والرحمة والرفاه أي التوسيع عليه بالنفقة والملبس وغير ذلك وكذلك سائر الرحم فمن وصل رحمه التي كانت تقطعه فهو أعظم أجرا من صلة الرحم التي تصله.
ثم الرحم من كان ذا قرابة من الشخص وأولى الرحم هم الأبوان ثم الجد والجدة والبنون وأولاد البنين والبنات وأولاد البنات ثمّ الأخوال والخالات والعمات والأعمام.
ثم من مداخل الشيطان التي يدخل منها إلى الانسان لإهلاكه أنّه إذا حصل شقاق بين الأبوين وكان أحدهما ظالما يحمله الشيطان على التحزّب لمن هو ظالم منهما فيقول هذا لازم عليّ أن أنتصر لأمي على أبي فيظلم أباه مع أمه وهذا يقول العكس لازم أن أنتصر لأبي وأتحزب له وهو الظالم وكلا الأمرين من موجبات اللعنة، فالناجي من سلم من ذلك كلّه.
ومن الحكايات التي تدّل على عظم بر الأم أنّ رجلا من الصالحين المشهورين يعرف ببلال الخوّاص قال: "كنت في تيه بني إسرائيل فوجدت رجلا يماشيني فألهمت أنه الخضر فسألته عن مالك بن أنس فقال: هو إمام الأئمة، ثم سألته عن الشافعيّ فقال: هو من الأوتاد، ثم سألته عن أحمد بن حنبل فقال: هو صدّيق، قال فسألته عن بشر الحافي (كان يمشي بلا حذاء من شدة الزهد كان الناس المؤمنون ملئت قلوبهم من محبته وتعظيمه) قال: ذاك لم يخلق مثله بعده قال: فقلت له: ما هي الوسيلة التي رأيتك لها قال: بِرُّك بأمك المعنى أنّ الفضيلة التي جعلتك أهلا لرؤيتي هي كونك بارا بأمك، وكان قال له بلال الخواص أسألك بحق الحق من أنت فقال: أنا الخضر.
وتيه بني إسرائيل مفازة برية واسعة يخشى على الذي يكون منفردا فيها بلا زاد الهلاك وكان قوم موسى يتيهون فيه لمّا خالفوه أربعين سنة هناك ظلوا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق