بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد الأمين وبعد ،
يقول الله تبارك وتعالى في القرءان الكريم : { وَإِنَّ لُوطًا لَّمِنَ الْمُرْسَلِينَ } [سورة الصَّافَّات /133].
نَبِيُّ اللّه لُوط عَليْه السّلاَم نبيٌّ عَظيمٌ كريم ذكره الله تعالى في القرءان الكريم سبعًا وعشرين مرَّة.
فهو لوط بن هاران بن تارخ يعني ءازر وقد بعثه الله تعالى في زمن إبراهيم عليه الصلاة والسلام وهو ابن أخيه لأن هاران هو أخو إبراهيم.
واعلموا إخوة الإيمان أن اسم لوط أعجميّ ليس عربيًّا وليس مشتقًّا من اللواط لأن اللواط لفظ عربي ولا يليق بمنصب الأنبياء أن يكون اسم أحدهم مشتّقا من لفظ معناه خبيث، فأسماء الأنبياء ليست خبيثة ولا مشتّقة من خبيث ولا يشتق منها خبيث.
ولوط عليه السلام كان قد هاجر مع عمه إبراهيم عليه السلام ثم بعثه الله تعالى إلى أهل سدوم في الأردن قرب البحر الميت، وكان قوم سدوم من أكفر الناس وأفجرهم وابتدعو ا جريمة نكراء وذنبا شنيعا اشتهروا به ولم يسبقهم إليه أحد وهو إتيان الذكور أي اللواط والعياذ با لله. قال الله تعالى : { كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ {160} إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلَا تَتَّقُونَ {161} إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ {162} فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ {163} وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ {164} أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ {165} وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُم بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ {166} قَالُوا لَئِن لَّمْ تَنتَهِ يَا لُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ {167} قَالَ إِنِّي لِعَمَلِكُم مِّنَ الْقَالِينَ {168} رَبِّ نَجِّنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ {169} فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ {170} إِلَّا عَجُوزًا فِي الْغَابِرِينَ {171} ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ {172} وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَرًا فَسَاء مَطَرُ الْمُنذَرِينَ {173} إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ {174} وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ {175} } [سورة الشعراء/ 165-166].
فالله تعالى بعث إليهم لوطًا عليه السلام الذي دعاهم إلى دين الإسلام وعبادة الله وحده لا شريك له ونهاهم عن تعاطي المحرمات والمنكرات وتلك الأفاعيل المستقبحة، ولكنهم استمروا على كفرهم وإشراكهم وتمادوا في ضلالهم وطغيام وفي المجاهرة بفعل اللواط والعياذ بالله.
يقول الله تعالى : { وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّنَ الْعَالَمِينَ {28} أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنكَرَ فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَن قَالُوا ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ {29} } [سورة العنكبوت].
أراد الله تعالى نصر نبيه لوط وإهلاك أولئك الكفار الخبثاء فأرسل الله عز وجل إلى قوم لوط ملائكة كراما لإهلاكهم وهم جبريل وميكائيل وإسرافيل ليَقْلَبُوا قراهم عاليها سافلها وينزلوا العذاب بهم وكانت لهم مدائن أربع. وجاؤوا إلى سيدنا لوط عليه السلام أي الملائكة بصور شبان جميلي الصورة اختبارا من الله لقوم لوط وإقامةً للحجة عليهم.
وللملاحظة إن الملائكة ليسوا ذكورا ولا إناًثا إنما يتشكلون بهَيئة الذكر من دون ءالة الذكورية.
فلما وصلوا القرية عند الظهيرة جاؤوا إلى نبي الله لوط فدخلوا عليه في صورة شبان مرد (أي بلا لحى) جميلين تشرق وجوههم بنضارة الشباب والجمال ولم يخبروه في البداية بحقيقتهم.
فلما أتوه ورأى هيئام وجمالهم سيء بهم أي أحزن لأنه حسب أنهم إنس فخاف عليهم خبث قومه وأن يعجز عن مقاومتهم ومدافعتهم وضاق بهم ذرعا أي ضاق بمكانهم صدره وقال هذا يوم عصيب أي شديد، وروي أن الله تعالى أمر الملائكة : “أن لا يهلكوهم حتى يشهد عليهم لوط أربع شهادات” .
فلما مشى لوطٌ معهم أي مع الملائكة منطلًقا بهم إلى منزله قال له لهم : أما بلغكم أمر هذه القرية ؟ قالوا وما أمرهم ؟ قال: “أشهد بالله إنّها لشرّ قرية في الأرض عملاً” قال ذلك أربع مرات.
فدخلوا معه منزله ولم يعلم بذلك أحد فخرجت امرأته فأخبرت بهم قومها ، كانت امرأته خبيثة كافرة تتبع هوى قومها فأخبرت قومها وقالت لهم إن في بيت لوط رجالاً ما رأيت مثل وجوههم قط وجاء قومه يهرعون إليه أي يسرعون كأنما يدفعون دفعا، فقال لوط عليه السلام عارضا على قومه الزواج من بنات القرية : هؤلاء بناتي أي بنات القرية فتزوجوهن، وكان تزويج المسلمات من الكفار جائزا في ذلك الوقت، قال لوط : فاتقوا الله بإيثارهن عليهم أي ولا تهينوني في ضيفي أليس منكم رجل رشيد أي رجل واحد يهتدي إلى طريق الحق وفعل الجميل والكف عن السوء ؟ قالوا إنك لتعلم ما نريد عنوا إتيان الذكور وما لهم فيه من الشهوة والعياذ بالله تعالى.
فقال لوطٌ عليه السلا م: “لو أن لي بكم قوة أو ءاوي إلى ركن شديد” والمعنى لو قويت عليكم بنفسي لمنعتكم بالقوة من الفاحشة أو أويت إلى قوي أستند إليه وأتمنع به فيحميني منكم.
وروي أنه أغلق بابه حين جاؤوا وجعل يردهم ويجادلهم، فلما رأت الملائكة ما لقي لوط من الكرب قالو ا: “يا لوط إنّ رُكنَكَ لشديد إناَّ رُسُلُ ربِّك فافتح الباب ودعنا وإياهم” ففتح الباب فدخلوا، ولكن دخلوا على من ؟ دخلوا على جبريل وميكائيل وإسرافيل، فاستأذن جبريل عليه السلام ربّه في عقوبتهم فَأَذِن له، فضرب بجنَاحِه وجوهَهُم فَطَمَسَ أَعْيُنَهُم فَأَعْمَاهُم.
وروي أنّ لوطًا قال للملائكة متى موعد هلاكهم ؟ قالوا إن موعدهم الصبح، فقال أريد أسرع من ذلك، فقالوا أليس الصبح بقريب ؟ أمر رُسُلُ الله الملائكُة نبيَّ الله لوطًا أن يخرج من أَرْضِ قَومِهِ مع أهله ليْلًا قبل طلوع الشمس وأمروه بترك الالتفات لئلا يرى عظيم ما سينزل بقومه الكافرين من عذاب وأن امرأته ستلتفت ويصيبها ما أصاب قومها.
وجاء قومَ لوط من أمر الله ما لا يرد ومن العذاب الشديد ما لا يُصد، يقول الله تعالى : { وَلَمَّا جَاءتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالَ هَـذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ {77} وَجَاءهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِن قَبْلُ كَانُواْ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ قَالَ يَا قَوْمِ هَـؤُلاء بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُواْ اللّهَ وَلاَ تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنكُمْ رَجُلٌ رَّشِيدٌ {78} قَالُواْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ {79} قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ {80} قَالُواْ يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَن يَصِلُواْ إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِّنَ اللَّيْلِ وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ إِلاَّ امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ {81} فَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ مَّنضُودٍ {82} مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ {83} } [سورة هود].
لقد أدخل جبريل عليه السلام ريشة واحدة من أجنحته في قراهم ثم رفعها إلى ما قبل السماء الأولى حتى سمع أهل السماء نباح الكلاب وصياح الديكة ثم قلبها وُأتِبعوا الحجارَة من فوقهم وذلك معنى قوله تعالى : { وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ مَّنضُودٍ } أي طِينٍ منضود أي متتاِبعِ أو مجموعٍ مُعَدٍّ للعذابِ.{ مُّسَوَّمَةً } أي معلَّمًة للعذابِ قيل مكتوبٌ على كل واحد اسم من يرمى به.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق