معتقد أهل الحق من السلف والخلف هو تنـزيه الله عن مشابهة خلقه المأخوذ من الآية المحكمة ليس كمثله شىء
فمهما تصورت ببالك فالله بخلاف ذلك كما قال الإمام ذو النون المصري رضي الله عنه،
وقد قال الإمام الشافعي رضي الله عنه:
ءامنت بما جاء عن الله على مراد الله وءامنت بما جاء عن رسول الله على مراد رسول الله.
إن المعتقد الحق ليس مبنياً على ما تذهب إليه الأوهام والظنون، كما حصل لأناس أهملوا العقل واتبعوا الوهم
فشذوا عن معتقد أهل الحق، فعمدوا إلى الآيات والأحاديث المتشابهة فحملوها على ظواهرها فوقعوا في التجسيم والتشبيه
ونسبوا إلى الخالق تعالى الجلوس والاستقرار على العرش والجهة والمكان والحركة ونحو ذلك من صفات المخلوقات الحادثات،
تعالى الله عما يقول الكافرون علواً كبيراً.
تمسكوا بتعليم الناس حمل الآيات المتشابهة والأحاديث المتشابهة على ظواهرهها ليفتنوهم عن دينهم،
وبدأوا بتوزيع المنشورات والكتيبات التي فيها عن هذه الآيات، فيقولون "هذا باب في الوجه" و "باب في اليد" و "باب في الإصبع" و "باب في العين" و "باب في المشي" و "باب في المجيء" ونحو ذلك،
ثم يقولون "هذه هي صفات الله تعالى على ظاهرها لا يجوز تأويلها ومن أوّلها فهو ضال"،
لذلك يجب أن نبين أن منهج السلف والخلف هو التنـزيه مع اعتقاد أن هذه المتشابهات لا تحمل على ظواهرها.
في بيان معنى الآيات المتشابهة والآيات المحكمة
لفهم الموضوع كما ينبغي يجب معرفة أن القرءان توجد فيه ءايات محكمات وءايات متشابهات
قال الله تعالى هو الذى أَنزلَ عليكَ الكتابَ منه ءاياتٌ محكماتٌ هنَّ أمُّ الكتاب وأُخَرُ متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون ءامنا به كل من عند ربنا وما يذّكر إلا أولوا الألباب [سورة ءال عمران/ءاية 7
هو الذي أنزل عليك يا محمد الكتاب أي القرءان منه من الكتاب ءايات محكمات أحكمت عبارتها بأن حفظت من الاحتمال والاشتباه
هن أم الكتاب أصل الكتاب الذي يرجع إليه،
فتحمل المتشابهات عليها وترد إليها وأُخَرُ وءايات أخر متشابهات متشابهات، محتملات.
فأما الذين في قلوبهم زيغ ميل عن الحق وهو أهل البدع فيتبعون ما تشابه فيتعلقون بالمتشابه الذي يحتمل ما يذهب إليه المبتدع
مما لا يطابق المحكم ويحتمل ما يطابقه من قول أهل الحق،
وفسر بعض العلماء فأما الذين في قلوبهم زيغ يتبعون ما تشابه منه باليهود الذين كانوا يأخذون فواتح السور
كـ: الم-كهيعص وغيرهما فيستعملونها في حساب الجمل على زعمهم
حتى يعلموا متى زوال هذه الأمة المحمدية،
وحساب الجمل على: "أبجد هوز حطي كلمن سعفص قرشت ثخذ ضظغ".
ابتغاء الفتنة طلب أن يفتنوا الناس عن دينهم ويضلوهم معناه الإيقاع في الأمر المحظور
لأن المشبهة غرضهم في جدالهم أن يوقعوا الناس باعتقادهم الباطل.
وقد حصل في زمن عمر رضي الله عنه أن رجلاً يقال له صبيغ بن عِسْل كان يسأل عن المتشابه على وجه يخشى منه الفتنة،
فضربه عمر ثم نفاه وأمر أن لا يختلط الناس به.
أخرج مسلم عن السيدة عائشة رضي الله عنها قالت:
تلى رسول الله هو الذي أنزل عليك الكتاب إلى وما يذّكر إلا أولوا الألباب قالت قال رسول الله
«إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمّاهم الله فاحذروهم».
قال الإمام النووي رحمه الله: "وفي هذا الحديث التحذير من مخالطة أهل الزيغ وأهل البدع ومن يتبع المشكلات للفتنة فأما من سأل عما أشكل عليه وجوابه واجب وأما الأول فلا يجاب بل يزجر ويعزر كما عزر عمر بن الخطاب رضي الله عنه صبيغ بن عِسْل. حين كان يتبع المتشابه.
و ما يعلم تأويله إلا الله
وأما المتشابه الذي أريد بقوله تعالى: وما يعلم تأويله إلا الله على قراءة الوقف على لفظ الجلالة،
فهو كوجبة القيامة وخروج الدجال على التحديد، وليس من قبيل ءاية الاستواء.
وأما السور التي تبدأ بـ الم ونحو ذلك
فلا تدخل تحت الآية وما يعلم تأويله إلا الله
بعض العلماء يقولون هذه أوائل أسماء إلهية.
وبعضهم يقولون أنها أسماء هذه السور التي صدّرت بهذه الحروف،
وبعضهم يقولون إنها أقسام أقسم الله بها.
يقولون ءامنا به كل من عند ربنا أي كل من المحكم والمتشابه وما يذّكر أي يتعظ بالمحكم والمتشابه إلا أولوا الألباب
أي ذوو العقول السليمة الناظرون في وجوه التأويلات والاحتمالات،
الحاملون ذلك على ما اقتضاه لسان العرب في الحقيقة والمجاز مع النظر فيما يجوز وما يستحيل.
فيتبين مما سبق أن ءايات القرءان نوعان
1. الآيات المحكمة: هي ما لا يحتمل من التأويل بحسب وضع اللغة إلا وجهاً واحداً
أو ما عرف بوضوح المعنى المراد منه كقوله تعالى ليس كمثله شىء [سورة الشورى
وقوله: ولم يكن له كفواً أحد [سورة الإخلاص وقوله تعالى
هل تعلم له سميًا [سورة مريم سمياً أي مِثلا.
2. الآيات المتشابهة: المتشابه هو ما لم تتضح دلالته،
أو يحتمل أوجهاً عديدة من حيث اللغة واحتيج إلى النظر لحمله على الوجه المطابق
كقوله تعالى : الرحمن على العرش استوى [سورة طه
وقوله تعالى إليه يصعدُ الكَلِمُ الطيبُ والعملُ الصالح
[سورة فاطر أي أن العمل الصالح يصعد إلى محل كرامته وهو السماء وهذا منطبق ومنسجم مع الآية الكريمة المحكمةليس كمثله شىء
فتفسير الآيات المتشابهة بجب أن يرد إلى الآيات المحكمة.
هذا من المتشابه الذي يجوز للعلماء أن يعلموه كآية الرحمن على العرش استوى.
فالاستواء هنا بمعنى الاستيلاء والقهر كما نص كثير من العلماء.
وقد ورد عنه «اعملوا بمحكمه وءامنوا بمتشابهه» ضعيف ضعفاً خفيفاً.
وهاكم بعض كتب التفسير التي تشهد بصحة ما ذكرنا.
1- ففي تفسير الجامع لأحكام القرءان للقرطبي ج4 ص 13-14 ما نصه:
قوله تعالى: فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله متبعو المتشابه لا يخلو أن يتبعوه ويجمعوه
طلباً للتشكيك في القرءان وإضلال العوام أو طلباً لاعتقاد ظواهر المتشابهة كما فعلته المجسمة
الذين جمعوا ما في الكتاب والسنة مما ظاهره الجسمية حتى اعتقدوا أن البارئ تعالى جسم مجسم وصورة مصورة
ذات وجه وعين ويد وجنب ورجل وإصبع، تعالى الله عن ذلك.
ثم قال القرطبي بتكفير هؤلاء إذ لا فرق بينهم وبين عبّاد الأصنام والصور.
ثم قال في تفسير وما يعلم تأويله إلا الله ما نصه:
يقال إن جماعة من اليهود منهم حيي بن أخطب دخلوا على رسول الله وقالوا:
بلغنا أنه نزل عليك ألم فإن كنت صادقاً في مقالتك فإن ملك أمتك يكون إحدى وسبعين سنة
لأن الألف في حساب الجمل واحد واللام ثلاثون والميم أربعون فنـزل وما يعلم تأويله إلا الله.
ثم قال في تفسير الراسخون في العلم:
فقد روى ابن عباس أن الراسخون معطوف على اسم الله عز وجل وأنهم داخلون في علم المتشابه
وأنهم مع علمهم به يقولون ءامنا به وقاله الربيع ومحمد بن جعفر بن الزبير والقاسم بن محمد وغيرهم،
واحتج قائلوا هذه المقالة أيضاً بأن الله سبحانه مدحهم بالرسوخ في العلم فكيف يمدحهم وهم جهال!
وقد قال ابن عباس "أنا ممن يعلم تأويله" حكاه عنه إمام الحرمين أبو المعالي.
قال القرطبي: ورجح ابن فورك أن الراسخين يعلمون التأويل وأطنب في ذلك.
وفي قوله عليه السلام لابن عباس
«اللهم فقّهه في الدين وعلّمه التأويل»
ما بيّن ذلك أي علمه معاني كتابك،
والوقف على هذا يكون عند قوله والراسخون في العلم
قال شيخنا أبو العباس أحمد بن عمر وهو الصحيح أن تسميتهم راسخين يقتضي أنهم يعلمون أكثر من المحكم الذي يستوي في علمه جميع من يفهم كلام العرب وأي شيء هو رسوخهم إذا لم يعلموا إلا ما يعلم الجميع.
لكن المتشابه يتنوع،
فمنه لا يُعلم البتة كأمر الروح والساعة مما استأثر الله بغيبه
وهذا لا يتعاطى علمه أحد لا ابن عباس ولا غيره.
فمن قال من العلماء الحذاق بأن الراسخين لا يعلمون علم المتشابه فإنما أراد هذا النوع،
وأما ما يمكن حمله على وجوه في اللغة ومناح في كلام العرب فيتأول ويُعلم تأويله المستقيم
ويُزال ما فيه مما عسى أن يتعلق من تأويل غير مستقيم
كقوله في عيسى وروحٌ منه إلى غير ذلك
فلا يسمى أحد راسخاً إلا بأن يعلم من هذا النوع كثيراً بحسب ما قُدّر له. اهـ.
قال العارف بالله السيد محمد عثمان الميرغني (توفي سنة 1268)عن الله:
"ولا يوصف بالصغر ولا بالكبر (أي حجماً) ولا بالحلول في الأمكنة ولا بالاتحاد ولا بالاتصال ولا بالانفعال".