بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 31 يوليو 2018

تفسير قوله تعالى: وإذا الوحوش حشرت

قال تعالى {وإذا الوحوشُ حُشرت} سورة التكوير/5. وقال الله تعالى {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَىْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ} سورة الأنعام /38. إن هاتين الآيتين تدلان على أن البهائم لها أرواح. فمعلوم عند أهل اللغة أن معنى الحيوان هو كل ذي روح. فالآية الأولى بينت أن الدواب التي تدب على الأرض وكذلك الطيور إنما هي أمم مثل أمم البشر وأنهم يحشرون يوم القيامة كالبشر، وكذلك أكدت الآية الأخرى أن الوحوش وهي من البهائم لها أرواح بدليل أنها تحشر. فلا أصل لما يقوله بعض الجهلاء "إن البهائم لا أرواح لها".
هذا وقد روى مسلم في صحيحه في "كتاب الصيد" عن سعيد بن جبير قال [مرَّ ابن عمر بفتيان من قريش قد نصبوا طيرًا وهم يرمونه وقد جعلوا لصاحب الطير كل خاطئة من نبلهم فلما رأوا ابن عمر تفرقوا فقال ابن عمر: مَنْ فعل هذا؟ لعن الله من فعل هذا، إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن من اتخذ شيئًا فيه الروح غَرَضًا]. وعند البخاري [لعن النبي صلى الله عليه وسلم مَنْ مَثَّلَ بالحيوان]، ورواه زيادة على البخاري ومسلم الترمذي في كتاب الصيد وابن ماجه في كتاب الذبائح والنسائي في كتاب الضحايا وأحمد في المسند والبخاري في تاريخه. وقد قال ابن حجر في "فتح الباري" ج9 ص644: 
ولأحمد من وجه ءاخر عن أبي صالح الحنفي عن رجل من الصحابة أراه عن ابن عمر رفعه "من مثَّل بذي روحٍ ثم لم يتب مَثَّلَ الله به يوم القيامة" رجاله ثقات. 
فبعد هذا لا يلتفت إلى كل مخالف -لذلك من قال إن البهائم لا أرواح لها فقد كذّب القرءان والحديث.
ملاحظة: لا بد هنا من فائدتين مهمتين:
الفائدة الأولى: لقد درج بعض العصريين على تسمية الكائن المنوي بالحيوان المنوي وهذه التسمية مضادة لشرع الله تعالى فالحيوان كما بينا هو كل ذي روح وهذا الكائن المنوي لا روح فيه البتة وإلا فما معنى ما ورد في الحديث الصحيح أن المَلَكَ ينفخ فيه الروح (أي في الجنين) بعد أربعة أشهر في بطن أمه؟ فلو كانت المادة المنوية فيها روح فما معنى نفخ الروح في الحديث؟! ولو قال قائل "لو نظر شخص بمجهر لوجد كائنات تتحرك" فالجواب: إن الزرع والشجر يتحرك وينمو نموًا عظيمًا ومع ذلك لا روح فيه.
الفائدة الثانية: كذلك درج كثير من أهل العصر على قول "إن المرأة لا منيَّ لها إنما عندها بويضة، والتقاء مني الرجل مع بويضة المرأة في الرحم يجعل المرأة تحمل" وهذا الكلام مضاد لشرع الله تعالى أيضًا فالله تعالى أخبرنا في القرءان أن الإنسان يُخلق من ماء الرجل وماء المرأة وذلك في قوله تعالى {فلينظر الإنسان ممَ خُلق * خُلق من ماء دافق * يخرج من بين الصلب والترائب}. فالصُّلب هو عظام ظهر الرجل والترائب عظام صدر المرأة.  

هذا وقد ثبت حديثًا عند أطباء العصر أن المرأة تقذف المني كما يقذف الرجل وقد أثبت ذلك الدكتور سبيرو فاخوري في كتابه "موسوعة المرأة الطبية" الصادر بتاريخ 1999 حيث قال في الطبعة الأولى ص545:كان هناك اعتقاد بأن مرحلة الرعشة غير موجودة لدى المرأة كون المرأة لا تقذف السائل الذي يقذفه الرجل عند وصوله للرعشة ولكن هذا الاعتقاد قد تغيّر وخرج علم الجنس بحقائق تثبت أن المرأة تحدث لها الرعشة القصوى وأنها تقذف في قمة الرعشة

معنى قول الفقهاء "لا معبود بحق إلا الله"

معنى قول الفقهاء "لا معبود بحق إلا الله"
=======================
ومعنى قول الفقهاء "لا معبود بحق إلا الله" أي لا يستحق أحدٌ أن يُعبَد أي أن يُتذلل له نهاية التذلل إلا الله كما قال بذلك الإمام الحافظ الفقيه اللغوي تقي الدين علي بن عبد الكافي السبكي وغيره كأبي منصورٍ في كتاب "تهذيب اللغة" وابن منظور صاحب كتاب "لسان العرب" والفراء، ولفظ السبكي: "العبادة أقصى غاية الخشوع والخضوع"، ذكر ذلك الإمام اللغوي الحافظ محمد مرتضى الزبيدي في شرح القاموس، وممن فسَّر العبادة بذلك أيضًا الراغب الأصبهاني وهو لغوي مشهورٌ يُكثر النقل عنه صاحب شرح القاموس محمد مرتضى الزبيدي قال في تأليفه مفردات القرءان: "العبادة غاية التذلل".
وقد قال الحافظ السيوطي عن السبكي: إنه حافظٌ فقيهٌ أصولي لغوي نحوي متكلم، وقال الذهبي فيه: [الوافر]:
ليَـــــــــهنَ المنبرُ الأموي لمَّا ********* علاهُ الحاكمُ البحرُ التقي
شيوخ العصر أحفظهم جميعًا ********* وأخطبهم وأقضاهم علي
ولو كان معنى العبادة مطلق الطاعة لمخلوق في أي شيء طاعة أو معصية لكان عمال الحكام الجائرين كفارًا، فهل يقول هؤلاء الذين يكفرون المتوسلين بالأنبياء والأولياء في هؤلاء العمال إنهم مشركون، أليس هؤلاء أنفسهم يُطيعون الحكام في بعض المعاصي، فعلى مقتضى قولهم يكونون حكموا على أنفسهم بالكفر، وهؤلاء هم الوهابية أتباع محمدٍ بن عبد الوهاب كفَّروا أنفسهم وإن لم يشعروا.
فهؤلاء الذين يكفرون المستغيثين بالأولياء والأنبياء ليتعلموا معنى العبادة في لغة العرب قبل إطلاق ألسنتهم بالتكفير، وهذا معنى العبادة المرادة بقوله تعالى: {لا إله إلا الله فاعبدون} [سورة الأنبياء] وبقوله تعالى {إياك نعبُدُ} [سورة الفاتحة]، وهذه هي العبادة المختصة له تعالى التي من صرفها لغيره صار مُشركًا، وليس معناها مجرد النداء أو الاستعانة أو الاستغاثة أو الخوف أو الرجاء كما زعم بعض الناس أنَّ مجرد نداء شخص ميتٍ أو غائب شركٌ، وكذلك استعانته به إلا بالحي الحاضر، حتى لو قال قائل "يا محمد" صار عندهم كافرًا، وكذا لو قال قائل "يا رسول الله المدد" صار كافرًا عندهم، وهؤلاء جاهلون بمعنى العبادة في لغة العرب، قال الليثُ وهو إمامٌ من أئمة اللغة متقدم "ويقال للمشركين هم عبدة الطاغوت – أي الشيطان- ويقال للمسلمين عباد الله يعبدون الله، وقال الله عزَّ وجل: {اعبُدوا ربَّكُم} [سورة البقرة] أي أطيعوا ربكم، وقوله: {إيَّاك نعبد وإياك نستعين} [سورة الفاتحة] أي نطيع الطاعة التي يُخضع معها". ا.هـ.
وقال ابن الأثير: "والعبادة في اللغة الطاعة مع أقصى الخضوع"، وفي المصباح للفيومي أحد مشاهير اللغويين: "عبدت الله أعبدُه عبادةً وهي الانقياد والخضوع"، وفي تاج العروس شرح القاموس للحافظ اللغوي محمد مرتضى الزبيدي: "والعبادة بالكسر الطاعة".
فإن قال هؤلاء وأمثالهم: أليس ورد في تفسير {اتَّخَذوا أحبارَهُم ورُهبانهم أربابًا مِن دون الله والمسيحَ ابنَ مريمَ} [سورة التوبة] أنَّ عبادتهم لهم طاعتهم فيما حرَّموا وحللوا من تلقاء أنفسهم فالجواب: أنَّ ذلك داخلٌ تحت هذا التعريف "الانقيادُ والتذلل" فإنهم انقادوا وتذللوا لهم في ذلك لأنهم كانوا يعتقدون أنهم يستحقون أن يطاعوا في ذلك حقيقة، وليس الذي حصل منهم مجرد أنهم أطاعوهم فإنَّ المسلم قد يطيع من له عليه رئاسة في المعصية لكنَّه لا يطيعه على الوجه الذي أطاعته النصارى أحبارهم ورهبانهم فلا يكونون عابدين لرؤسائهم كأولئك، وكذلك مجرد الطاعة لمخلوق في المعصية ليس عبادة له وإشراكًا بالله، وإنما الطاعة الذي يكفر فاعلُها هي الطاعة التي مع غاية التذلل والتعظيم وهذا مراد من قال من اللغويين العبادة الطاعةُ فكأنهم قالوا الطاعةُ المخصوصة.
ومعنى الآية أنهم كما عبدوا المسيح بقولهم هو الله أو هو ابنُه وهو بريءٌ من ذلك كذلك القرءان أخبرنا بأنهم اتخذوا أحبارهم أي علماءهم ورهبانهم أي الذين اتخذوا صوامعَ بعيدةً عن الناس أربابًا من دون الله أي عبدوهم من دون الله لأنهم اعتقدوا أنه لهم حق التحليل والتحريم، لأن الذي يقول لشخص اعترف عندي بذنوبك أنا أغفرها لك فقد ادَّعى الألوهية لنفسه لأنَّ ذلك لا يكون إلا لله والله يقول: {ومن يغفِرُ الذنوبَ إلا الله} [سورة ءال عمران] معناه لا أحد يستطيع أن يغفر الذنوب لمن عصى إلا الله، لأنَّ دعوى الربوبية لها وجوهٌ من جملتها أن يعتقد الإنسان أنَّ للعبد حق التحليل والتحريم أو مغفرة الذنوب أو الإيجاد لبعض الأشياء قال الله تعالى: {قُل هل نُنَبِّئكم بالأخسرين أعمالاً * الذين ضلَّ سعيُهم في الحياة الدنيا وهم يَحسبون أنهم يُحسنون صُنعًا} [سورة الكهف] تعني أصحاب الصوامع النصارى الذين يظنون أنهم يحسنون العمل وهم ليس لهم في الآخرة إلا النار لكونهم عبدوا غير الله أي تذللوا لغير الله غاية التذلل.

التفويض عند السلف والتأويل عند الخلف

-بسم الله الرحمن الرحيم



الحمد لله رب العالمين الذي لا حول ولا قوة الا به ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن بيده الهدى والضلال يهدي من يشاء فيؤمن ويضل من يشاء فيكفر ليس إلي من ذلك شيء فالله يؤتي الحق من يشاء وإن كان ضعيفا ويحرمه من يشاء وإن كان قويا غنيا



وبعد



لا بد أن نبين لك أخي القارئ ما هو مذهب السلف والخلف في ايآت الصفات لمعرفة الحق ولنصرة السنة واهلها والدفاع عن عقيدة أهل السنة والجماعة سلفا وخلفا ولكسر عين الحاقدين والذين يتسترون تسترا بالسلف والخلف وينادون بأسمائهم فيظن العوام بأنهم علماء أخر الزمان.





ليعلم أن أهل السنة هم جمهور الأمة المحمدية وهم الصحابة ومن تبعهم في المعتقد أي أصول الاعتقاد، وهي الأمور الستة المذكورة في حديث جبريل الذي قال فيه الرسول: "الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره". وأفضل هؤلاء أهل القرون الثلاثة المرادون بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم" والقرن معناه مائة سنة كما رجح ذلك الحافظ أبو القاسم بن عساكر وغيره،



وهم المرادون أيضًا بحديث الترمذي وغيره: "أوصيكم بأصحابي ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم" وفيه قوله: "عليكم بالجماعة وإياكم والفرقة فإن الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد، فمن أراد بحبوحة الجنة فليلزم الجماعة" صححه الحاكم وقال الترمذي: حسن صحيح،



وهم المرادون أيضًا بالجماعة الواردة فيما رواه أبو داود من حديث معاوية: "وإن هذه الملة ستفترق على ثلاث وسبعين، اثنتان وسبعون في النار وواحدة في الجنة وهي الجماعة". والجماعة هم السواد الأعظم ليس معناه صلاة الجماعة، كما يوضح ذلك حديث زيد بن ثابت ان الرسول صلى الله عليه وسلم قال: "ثلاث لا يُغَل عليهن قلب المؤمن: إخلاص العمل، والنصيحة لولي الأمر، ولزوم الجماعة، فإن دعوتهم تكون من وراءَهم". قال الحافظ ابن حجر: حديث حسن.



ثم حَدَثَ بعد مائتين وستين سنة انتشار بدعة المعتزلة وغيرهم فقيَّضَ الله تعالى إمامين جليلين أبا الحسن الأشعري وأبا منصور الماتريدي رضي الله عنهما فقاما بإيضاح عقيدة أهل السنة التي كان عليها الصحابة ومن تبعهم بإيراد أدلة نقلية وعقلية مع رد شبه المعتزلة وهم فرق عديدة بلغ عددهم عشرين فرقة، فقاما بالرد على كل هذه الفرق أَتَم القيام برد شبههم وإبطالها فنُسب إليهما أهل السنة، فصار يقال لأهل السنة أشعريون وماتريديون.



فيجب الاعتناء بمعرفة عقيدة الفرقة الناجية الذين هم السواد الأعظم، وأفضل العلوم علم العقيدة لأنه يبين أصل العقيدة التي هي أصل الدين، وهذا العلم سماه أبو حنيفة الفقه الأكبر. فيا طلاب الحق لا يُهَوِّلَنَّكُم قدح المشبهة المجسمة في هذا العلم بقولهم إنه علم الكلام المذموم لدى السلف، ولم يدروا أن علم الكلام المذموم هو ما ألفه المعتزلة على اختلاف فرقهم والمشبهة على اختلاف فرقهم من كرَّامِيَّةٍ وغيرها فإنهم قد افترقوا إلى عدة فرق بيّنها من ألفوا في بيان الفرق كالإمام أبي منصور عبد القاهر بن طاهر البغدادي.



مذهب السلف والخلف في الايات المتشابهات



استوى على العرش



العرش جسم عظيم نوراني علوي محيط بجميع الأجسام لا قطع لنا بتعيين حقيقته على المعتمد يجب الإيمان به



استوى أي بالقهر ملك قاهر وإله قادر ويلزم من قهره تعالى أعظم الأشياء وأعلاها قهر ما دونه ولفظ الاستواء من جملة المتشابه كاليد والوجه فتكون والأصابع ونحو ذلك مما ظاهره مستحيل على الباري سبحانه ولا يعلم معناه على القطع إلا الله سبحانه وتعالى .





وأما العلماء فقد اتفق السلف والخلف على وجوب اعتقاد حقيقة وروده على وجوب تنزيه الباري عن ظاهره المستحيل





ثم بعد اتفاقهما على صرف المتشابه عن ظاهره



ذهب السلف كابن شهاب ومالك الإمام ومن وافقهما من السلف الصالح منع تأويلها عن التفصيل والتعيين وقال أهلها انقطع بأن مراد ونعتقد أن له تعالى استواء ويدا وغير ذلك مما ورد به الشرع لا يعلم معناه على التفصيل إلا الله وكذلك تسمى المعنوية .



فالسلف وهم أهل القرون الهجرية الثلاثة الأولى، مذهبهم التنزيه والتفويض، فإنهم لا يتكلمون في معاني آيات الصفات وأحاديث الصفات، بل يقولون يجب علينا أن نؤمن بها، ونعتقد لها معنى يليق بجلال الله تعالى وعظمته، مع إعتقادنا الجازم أن الله تعالى ليس كمثله شيء، وأنه منزه عن التجسيم وعن سائر صفات المخلوق، فهم يقولون باثبات الوجه، واليد، والعين لله تعالى على أنها صفات يعلمها الله تعالى، لا على أنها جوارح ، ذلك لأن الجوارح مستحيلة على الله تعالى.



قال يونس بن عبد الاعلى: سمعت الشافعي يقول: نُثبت هذه الصفات التي جاء بها القرءان، ووردت بها السنة، وننفي التشبيه عن الله كما نفاه عن نفسه فقال { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ }. وقال الامام ابو حنيفة: "يده صفته بلا كيف".





وذهب الخلف إلى حمل اللفظ على معنى يسوغ في اللغة، ويليق بالله تعالى.



والتأويل التفصيلي وإن كان عادة الخلف فقد ثبت أيضا عن غير واحد من أئمة السلف وأكابرهم كابن عباس من الصحابة، ومجاهد تلميذ ابن عباس من التابعين، والإمام أحمد ممن جاء بعدهم، وكذلك البخاري وغيره.



أما ابن عباس فقد قال الحافظ ابن حجر في شرح البخاري: "وأما الساق فجاء ابن عباس في قوله تعالى: (يوم يكشف عن ساق) (سورة القلم:42) قال: عن شدة من الأمر، والعرب تقول قامت الحرب على ساق إذا اشتدت، ومنه:  قد سنّ أصحابك ضرب الأعناق وقامت الحرب بنا على ساق

وأسند البيهقي الأثر المذكور عن ابن عباس بسندين كل منهما حسن



وأما مجاهد فقد قال البيهقي: "و أخبرنا عبد الله الحافظ وأبو بكر القاضي قالا: ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، حدثنا الحسن بن علي بن عفان، ثنا أبو أسامة، عن النضر، عن مجاهد في قوله عز وجل: (فأينما تولوا فثمّ وجه الله) (سورة البقرة:115) قال: قبلة الله، فأينما كنت في شرق أو غرب فلا توجهن إلا إليها". ا.هـ.  - الأسماء والصفات، البيهقي ص /309.



وأما الإمام أحمد: فقد روى البيهقي في مناقب أحمد عن الحاكم، عن أبي عمرو بن السماك، عن حنبل أن أحمد بن حنبل تأول قول الله تعالى: (وجآء ربك) (سورة الفجر:22) أنه جاء ثوابه. ثم قال البيهقي: وهذا إسناد لا غبار عليه، نقل ذلك ابن كثير في تاريخه - البداية والنهاية (19/327)



وفي رواية أخرجها البيهقي في كتاب مناقب أحمد تأويل: (وجآء ربك) (سورة الفجر:22) بمجيء قدرته.



قال البيهقي في كتاب مناقب أحمد أنبانا الحاكم، قال حدثنا أبو عمرو بن السماك، قال: حدثنا حنبل بن إسحاق، قال: سمعت عمي أبا عبد الله _ يعني أحمد _ يقول: احتجوا عليّ يومئذ_يعني يوم نوظر في دار أمير المؤمنين _ فقالوا تجيء سورة البقرة يوم القيامة وتجيء سورة تبارك فقلت لهم: إنما هو الثواب قال الله تعالى: (وجآء ربك) (سورة الفجر:22) إنما يأتي قدرته وإنما القرءان أمثال ومواعظ.



قال البيهقي: وفيه دليل على أنه كان لا يعتقد في المجيء الذي ورد به الكتاب والنزول الذي وردت به السنة انتقالا من مكان إلى مكان كمجيء ذوات الأجسام ونزولها، وإنما هو عبارة عن ظهور ءايات قدرته، فإنهم لما زعموا أن القرءان لو كان كلام الله وصفة من صفاته ذاته لم يجز عليه المجيء والإتيان، فأجابهم أبو عبد الله بإنه إنما يجيء ثواب قراءته التي يريد إظهارها يومئذ فعبر عن إظهاره إياها بمجيئه. اهـ.



وقد روى البيهقي في الأسماء والصفات عن أبي الحسن المقرئ، قال: انا أبو عمرو الصفار، ثنا أبو عوانة، ثنا أبو حسن الميموني قال: خرج إلي يوما أبو عبد الله أحمد بن حنبل فقال: ادخل، فدخلت منزله فقلت: أخبرني عما كنت فيه مع القوم وبأي شيء كانوا يحتجون عليك؟ قال: بأشياء من القرءان يتأولونها ويفسرونها، هم احتجوا بقوله: (ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث) (سورة الأنبياء:2) قال: فقلت: قد يحتمل ان يكون تنزيله إلينا هو المحدث لا الذكر نفسه هو المحدث. قلت: _ أي قال البيهقي_ والذي يدل على صحة تأويل أحمد بن حنبل رحمه الله ما حدثنا أبو بكر محمد بن الحسن بن فورك، أنا عبدالله بن جعفر، ثنا يونس بن حبيب، ثنا أبو داود، ثنا شعبة، عن عاصم، عن أبي وائل عن عبد الله _ هو ابن مسعود _ رضي الله عنه قال: "أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلمت عليه فلم يرد عليّ فأخذني ما قَدُم وما حَدَث، فقلت: يا رسول الله أحدث فيّ شيء؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله عز وجل يحدث لنبيه من أمره ما شاء، وإن مما أحدث ألا تكلموا في الصلاة".ا.هـ.



- الأسماء والصفات (ص/235).



وفي صحيح البخاري في قوله تعالى: (كل شىء هالك إلا وجهه) (سورة القصص:88) قال البخاري :كل شيء هالك إلا وجهه إلا ملكه ويقال إلا ما أريد به وجه الله. ا.هـ.



وأوّل البخاري الضحك الوارد في الحديث بالرحمة نقل ذلك عنه الخطابي، قال: وقد تأوّل البخاري الضحك في موضع ءاخر على معنى الرحمة وهو قريب وتأويله على معنى الرضا أقرب. ا.هـ.



- فتح الباري (7/120).





وطريق الخلف تؤول المتشابه على وجه التفصيل قصدا للإيضاح ولذلك تسمى المؤولة فأولوا الاستواء بالقهر واليد بالقدرة فتكون بالبصر والأصابع بإرادات القلب وإلى طريق السلف والخلف أشار صاحب الجوهرة بقوله



وكل نص أوهم التشبيها أوله أو فوض ورم تنزيها



و قال السُّبكي في تأويل المتشابه: أجمع السلف والخلف على تأويله تأويلا إجماليا، لقيام الأدلة القاطعة على أنه تعالى مخالف للحوادث.



وقال البيهقي: أما الخلف، وهم من جاء بعد القرون الهجرية الثلاثة الأولى، فمذهبهم التنزيه والتأويل، فهم يؤلون آيات الصفات، وأحاديث الصفات المتشابهة تأويلا تفصيليا بمعنى يسوغ لغة، ويليق بالله تعالى شرعا، ففسروا اليد بالنعمة أو القدرة، والعين بالحفظ والرعاية، والوجه بالذات.



قال النَّووي: وإنما يسوغ تأويلها لمن كان من أهله، بأن يكون عارفا بلسان العرب، وقواعد الأصول والفروع، ذا رياضة في العلم. وقال العلماء في التأويل التفصيلي، لا بأس بسلوكه، ولا سيما عند الخوف من تزلزل العقيدة، حفظا من التشبيه.







فعلم بما ذكرنا أن كلا من أهل الطريقتين تؤول المتشابه يصرفه عن ظاهره لاستحالته وافترقا بعد صرفه عن ظاهره المستحيل في بيان معناه على التعيين والتفصيل



فالسلف يفوضون علم ذلك لله تعالى



والخلف تؤوله تأويلا تفصيليا بحمل كل لفظ على شيء معين خاص كما قدمنا





قال العلامة ابن أبي شريف ومذهب السلف أسلم فهو أولى بالاتباع كما قال بعض المحققين ويكفيك في الدلالة على أنه أولى بالاتباع ذهاب الأئمة الأربعة إليه



فإن مالكا رضي الله تعالى عنه لما سئل عن الاستواء قال الاستواء معلوم والكيف مرفوع والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة



ولما سئل عنه الشافعي رضي الله تعالى عنه قال استوى بلا تشبيه وصدقت بلا تمثيل واتهمت نفسي في الإدراك وأمسك عن الخوض في ذلك كل الإمساك



ولما سئل عنه الإمام أحمد بن حنبل قال استوى كما أخبر لا كما يخطر للبشر



ولما سئل عنه الإمام أبو حنيفة رضي الله عنه قال من قال لا أعرف الله في السماء أم في الأرض كفر لأن هذا القول يوهم أن للحق مكانا ومن توهم أن للحق مكانا فهو مشبه



ومعنى قول مالك الاستواء معلوم أن عقولنا دلتنا على أن الاستواء اللائق بالله هو القهر دون الاستقرار والجلوس لأنفسهما من صفات الأجسام



وقوله والكيف مرفوع معناه أن ذات الله لا توصف بالأحوال المتعلقة والهيئات الحسية من التربع ونحوه



والإيمان به واجب لوروده في الكتاب



والسؤال عنه بدعة لأنه لم تجر العادة بالسؤال عنه من السلف بل يفوضون معرفته على التحقيق إلى الله





وأما طريق الخلف فهي أحكم بمعنى أكثر إحكاما أي إثباتا لما فيها من إزالة الشبه عن الإفهام وبعضهم عبر بأعلم بدل أحكم بمعنى أن معها زيادة علم ببيان المعنى التفصيلي





ومال إلى ترجيحها العز بن عبد السلام حيث قال هي أقرب الطريقين إلى الحق وإمام الحرمين مال مرة إلى طريق الخلف ومرة إلى طريق السلف وهذا الخلاف



حيث لا تدعو ضرورة إلى التأويل وإلا اتفق على وجوب التأويل التفصيلي وذلك بأن تحصل شبهة لا ترتفع إلا به



والخلاف بين الخلف والسلف مبني على الخلاف في الوقف في الآية هل على قوله والراسخون في العلم أو على قوله إلا الله



فمن جعل الوقف على إلا المتشابه بأنه الذي استأثر الله بعلمه كمدة بقاء الدنيا ووقت قيام الساعة ومن قدر الوقف على والراسخون في المتشابه وأوله تأويلا تفصيليا وجملة يقولون آمنا به استئناف موضح لحال الراسخين أو حال منهم أو خبر إن جعلته مبتدأ.



قال النسفي في تفسيره: فالاستواء يكون بمعنى الجلوس، وبمعنى القدرة والاستيلاء، ولا يجوز الأول على الله تعالى بدليل المحكم وهو قوله تعالى {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءٌ }. وقال البيضاوي في "تفسيره" عند قوله تعالى { ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ } سورة الأعراف الآية (54)، استوى، أي استولى.



والخلف يقولون : معنى الاية: "جاء أمر ربك"، قال النَّسفي في تفسيره: { وَجَاء رَبُّك }، عن ابن عباس "أمره وقضاؤه"، وقال البيضاوي في تفسيره: { وَجَاء رَبُّك } أي أذا ظهرت آيات قدرته، وآثار قهره،



وقال المتولي: { وَجَاء رَبُّك } المراد به جاء أمر ربك، والدليل عليه أن الله تعالى ذكر في سورة الأنعام إخبارا عن إبراهيم عليه السلام أنه استدل بأفول الشمس والقمر، والكواكب على أنها ليست بآلهة، وتبرأ منها، ولو كان الباري يجوز عليه الاتيان والمجيء - الحسي كالانتقال - لبطلت الدلالة.



وأول أبن كثير الوجه في قوله تعالى : (( كل شيء هالك إلا وجهه)) قال ما نصه (( فعبر بالوجه عن الذات وهكذا قوله ههنا كل شيء هالك إلا وجهه أي إلا إياه )) - تفسير ابن كثير ج: 3 ص: 404





قال النَّووي عن حديث (( ينزل ربنا)) : "هذا الحديث من أحاديث الصفات، وفيه مذهبان مشهوران للعلماء، وقال" ومختصرهما، أن أحدهما، وهو مذهب جمهور السلف، وبعض المتكلمين، أنه يؤمن بأنها حق على ما يليق بالله تعالى، وأن ظاهرهما المتعارف في حقنا غير مراد، ولا يُتكلَّم في تأويلها مع اعتقاد تنزيه الله تعالى عن صفات المخلوق، وعن الانتقال والحركات، وسائر سمات الخلق، والثاني، مذهب أكثر المتكلمين، وجماعات من السلف، وهو مَحكيٌّ هنا عن مالك والاوزاعي، انها تُتَأوَّل على ما يَليقُ بها بحسب مواطنها، فعلى هذا، تأولوا هذا الحديث تأولين: أحدهما تأويل مالك بن أنس، وغيره، معناه تنزل رحمته وأمره وملائكته. والثاني انه على الاستعادة، ومعناه الاقبال على الداعين بالاجابة واللطف.





وبالختام نبين لكم عقيدة الوهابية



الوهابية يقولون لا يجوز تأويل القران بل يجب أمرار الايات على وجهها وماذا تفهم منها هذا هو معناها الاصلي ويفسرون ايات الصفات بأن لله صفات مثل صفات المخلوقات والعياذ بالله



نقول لهم هل نترك السلف والخلف الذين كتبوا لنا هذا العلم في كتبهم ؟؟؟



لماذا كتبوه حتى نخالفه أم حتى نتبع قولهم ؟؟



نترك السلف والخلف ونتبع أعتقادكم الجديد ؟؟؟



دينكم يا وهابية متصل أم منفصل ؟؟؟



الوهابية المجسمة يقولون لله فوق العرش متحيز ومستقر



نقول للوهابية الرجل إذا كان قائما، المسافة من رأسه إلى العرش تكون أقرب



على معنى أعتقادكم يكون الرجل أقرب إلى الله إذا كان قائما



ها أنتم جعلتم العرش حيزا لله وحديث الرسول صلى الله عليه وسلم ينقض عليكم ما زعمتموه



فقد روى مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :[ أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا الدعاء.]



وأنتم قولون:[ التأويل تعطيل.] أي نفي لوجود الله وصفاته فعلى قولكم من مَنعِ التأويل انتقض عليكم معتقدكم.



أما نحن أهل السنة نؤول قول الله تعالى:{ الرحمن على العرش استوى } سورة طه / 5. ونؤول كل أية أو حديث ظاهره أن الله متحيز في الجهة والمكان أو أن له أعضاء أو حدا أو حركة وانتقالا أو أي صفة من صفات الخلق تأويلا إجماليا أو تأويلا تفصيليا كما ثبت ذلك عن السلف وتبعهم الخلف،



ونقول: ليس المراد ظواهرها بل المراد بها معانٍ تليق بالله تعالى كما قال بعضهم:[ بلا كيف ولا تشبيه.] يعني أهل السنة بقولهم ( بلا كيف ) أن هذه الأيات والأحاديث ليس المراد بها الجسمية ولوازمها، هذا مراد السلف والخلف من أهل السنة بقوله:[ بلا كيف ] ليس مرادهم كما تموهون على الناس فتقولون لفظا:[ بلا كيف ] وتعتقدون الكيف.



أما حديث مسلم هذا فنؤوله ونقول: القرب في هذا الحديث لا يراد به القرب المسافي، وكذلك في كل حديث وأية ظاهره أن الله متحيز في جهة فوق يؤوّل ولا يحمل على الظاهر، فأين أنتم من قولكم:[ التأويل تعطيل.] ومن قولكم:[ التأويل إلحاد.]



حديث مسلم هذا إن لم تحملوه على الظاهر بل أوّلتموه فقد ناقضتم أنفسكم فإنكم تقولون:[ التأويل تعطيل.] ثم تفعلونه فتؤولون.



قال تعالى :{ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نولّه ما تولى ونصلِه جهنّم وساءت مصيرًا}



والله أعلم وأحكم.


معتقد أهل الحق

معتقد أهل الحق من السلف والخلف هو تنـزيه الله عن مشابهة خلقه المأخوذ من الآية المحكمة ليس كمثله شىء 
فمهما تصورت ببالك فالله بخلاف ذلك كما قال الإمام ذو النون المصري رضي الله عنه، 
وقد قال الإمام الشافعي رضي الله عنه: 
ءامنت بما جاء عن الله على مراد الله وءامنت بما جاء عن رسول الله على مراد رسول الله.

إن المعتقد الحق ليس مبنياً على ما تذهب إليه الأوهام والظنون، كما حصل لأناس أهملوا العقل واتبعوا الوهم 
فشذوا عن معتقد أهل الحق، فعمدوا إلى الآيات والأحاديث المتشابهة فحملوها على ظواهرها فوقعوا في التجسيم والتشبيه
ونسبوا إلى الخالق تعالى الجلوس والاستقرار على العرش والجهة والمكان والحركة ونحو ذلك من صفات المخلوقات الحادثات، 
تعالى الله عما يقول الكافرون علواً كبيراً. 

تمسكوا بتعليم الناس حمل الآيات المتشابهة والأحاديث المتشابهة على ظواهرهها ليفتنوهم عن دينهم، 
وبدأوا بتوزيع المنشورات والكتيبات التي فيها عن هذه الآيات، فيقولون "هذا باب في الوجه" و "باب في اليد" و "باب في الإصبع" و "باب في العين" و "باب في المشي" و "باب في المجيء" ونحو ذلك، 
ثم يقولون "هذه هي صفات الله تعالى على ظاهرها لا يجوز تأويلها ومن أوّلها فهو ضال"، 
لذلك يجب أن نبين أن منهج السلف والخلف هو التنـزيه مع اعتقاد أن هذه المتشابهات لا تحمل على ظواهرها.

في بيان معنى الآيات المتشابهة والآيات المحكمة

لفهم الموضوع كما ينبغي يجب معرفة أن القرءان توجد فيه ءايات محكمات وءايات متشابهات 
قال الله تعالى هو الذى أَنزلَ عليكَ الكتابَ منه ءاياتٌ محكماتٌ هنَّ أمُّ الكتاب وأُخَرُ متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون ءامنا به كل من عند ربنا وما يذّكر إلا أولوا الألباب [سورة ءال عمران/ءاية 7 
هو الذي أنزل عليك يا محمد الكتاب أي القرءان منه من الكتاب ءايات محكمات أحكمت عبارتها بأن حفظت من الاحتمال والاشتباه 
هن أم الكتاب أصل الكتاب الذي يرجع إليه، 
فتحمل المتشابهات عليها وترد إليها وأُخَرُ وءايات أخر متشابهات متشابهات، محتملات.

فأما الذين في قلوبهم زيغ ميل عن الحق وهو أهل البدع فيتبعون ما تشابه فيتعلقون بالمتشابه الذي يحتمل ما يذهب إليه المبتدع 
مما لا يطابق المحكم ويحتمل ما يطابقه من قول أهل الحق، 
وفسر بعض العلماء فأما الذين في قلوبهم زيغ يتبعون ما تشابه منه باليهود الذين كانوا يأخذون فواتح السور 
كـ: الم-كهيعص وغيرهما فيستعملونها في حساب الجمل على زعمهم 
حتى يعلموا متى زوال هذه الأمة المحمدية، 
وحساب الجمل على: "أبجد هوز حطي كلمن سعفص قرشت ثخذ ضظغ".
ابتغاء الفتنة طلب أن يفتنوا الناس عن دينهم ويضلوهم معناه الإيقاع في الأمر المحظور 
لأن المشبهة غرضهم في جدالهم أن يوقعوا الناس باعتقادهم الباطل.

وقد حصل في زمن عمر رضي الله عنه أن رجلاً يقال له صبيغ بن عِسْل كان يسأل عن المتشابه على وجه يخشى منه الفتنة، 
فضربه عمر ثم نفاه وأمر أن لا يختلط الناس به. 
أخرج مسلم عن السيدة عائشة رضي الله عنها قالت: 
تلى رسول الله هو الذي أنزل عليك الكتاب إلى وما يذّكر إلا أولوا الألباب قالت قال رسول الله 
«إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمّاهم الله فاحذروهم».

قال الإمام النووي رحمه الله: "وفي هذا الحديث التحذير من مخالطة أهل الزيغ وأهل البدع ومن يتبع المشكلات للفتنة فأما من سأل عما أشكل عليه وجوابه واجب وأما الأول فلا يجاب بل يزجر ويعزر كما عزر عمر بن الخطاب رضي الله عنه صبيغ بن عِسْل. حين كان يتبع المتشابه.
و ما يعلم تأويله إلا الله
وأما المتشابه الذي أريد بقوله تعالى: وما يعلم تأويله إلا الله على قراءة الوقف على لفظ الجلالة، 
فهو كوجبة القيامة وخروج الدجال على التحديد، وليس من قبيل ءاية الاستواء.
وأما السور التي تبدأ بـ الم ونحو ذلك 
فلا تدخل تحت الآية وما يعلم تأويله إلا الله 
بعض العلماء يقولون هذه أوائل أسماء إلهية. 
وبعضهم يقولون أنها أسماء هذه السور التي صدّرت بهذه الحروف، 
وبعضهم يقولون إنها أقسام أقسم الله بها.
يقولون ءامنا به كل من عند ربنا أي كل من المحكم والمتشابه وما يذّكر أي يتعظ بالمحكم والمتشابه إلا أولوا الألباب 
أي ذوو العقول السليمة الناظرون في وجوه التأويلات والاحتمالات، 
الحاملون ذلك على ما اقتضاه لسان العرب في الحقيقة والمجاز مع النظر فيما يجوز وما يستحيل.

فيتبين مما سبق أن ءايات القرءان نوعان


1. الآيات المحكمة: هي ما لا يحتمل من التأويل بحسب وضع اللغة إلا وجهاً واحداً 
أو ما عرف بوضوح المعنى المراد منه كقوله تعالى ليس كمثله شىء [سورة الشورى 
وقوله: ولم يكن له كفواً أحد [سورة الإخلاص وقوله تعالى 
هل تعلم له سميًا [سورة مريم سمياً أي مِثلا.
2. الآيات المتشابهة: المتشابه هو ما لم تتضح دلالته، 
أو يحتمل أوجهاً عديدة من حيث اللغة واحتيج إلى النظر لحمله على الوجه المطابق 
كقوله تعالى : الرحمن على العرش استوى [سورة طه 
وقوله تعالى إليه يصعدُ الكَلِمُ الطيبُ والعملُ الصالح 
[سورة فاطر أي أن العمل الصالح يصعد إلى محل كرامته وهو السماء وهذا منطبق ومنسجم مع الآية الكريمة المحكمةليس كمثله شىء 
فتفسير الآيات المتشابهة بجب أن يرد إلى الآيات المحكمة. 
هذا من المتشابه الذي يجوز للعلماء أن يعلموه كآية الرحمن على العرش استوى.
فالاستواء هنا بمعنى الاستيلاء والقهر كما نص كثير من العلماء. 
وقد ورد عنه «اعملوا بمحكمه وءامنوا بمتشابهه» ضعيف ضعفاً خفيفاً.

وهاكم بعض كتب التفسير التي تشهد بصحة ما ذكرنا.

1- ففي تفسير الجامع لأحكام القرءان للقرطبي ج4 ص 13-14 ما نصه:
قوله تعالى: فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله متبعو المتشابه لا يخلو أن يتبعوه ويجمعوه 
طلباً للتشكيك في القرءان وإضلال العوام أو طلباً لاعتقاد ظواهر المتشابهة كما فعلته المجسمة 
الذين جمعوا ما في الكتاب والسنة مما ظاهره الجسمية حتى اعتقدوا أن البارئ تعالى جسم مجسم وصورة مصورة 
ذات وجه وعين ويد وجنب ورجل وإصبع، تعالى الله عن ذلك.

ثم قال القرطبي بتكفير هؤلاء إذ لا فرق بينهم وبين عبّاد الأصنام والصور.

ثم قال في تفسير وما يعلم تأويله إلا الله ما نصه: 
يقال إن جماعة من اليهود منهم حيي بن أخطب دخلوا على رسول الله وقالوا: 
بلغنا أنه نزل عليك ألم فإن كنت صادقاً في مقالتك فإن ملك أمتك يكون إحدى وسبعين سنة 
لأن الألف في حساب الجمل واحد واللام ثلاثون والميم أربعون فنـزل وما يعلم تأويله إلا الله.

ثم قال في تفسير الراسخون في العلم: 
فقد روى ابن عباس أن الراسخون معطوف على اسم الله عز وجل وأنهم داخلون في علم المتشابه 
وأنهم مع علمهم به يقولون ءامنا به وقاله الربيع ومحمد بن جعفر بن الزبير والقاسم بن محمد وغيرهم، 
واحتج قائلوا هذه المقالة أيضاً بأن الله سبحانه مدحهم بالرسوخ في العلم فكيف يمدحهم وهم جهال! 
وقد قال ابن عباس "أنا ممن يعلم تأويله" حكاه عنه إمام الحرمين أبو المعالي.

قال القرطبي: ورجح ابن فورك أن الراسخين يعلمون التأويل وأطنب في ذلك. 
وفي قوله عليه السلام لابن عباس 
«اللهم فقّهه في الدين وعلّمه التأويل» 
ما بيّن ذلك أي علمه معاني كتابك، 
والوقف على هذا يكون عند قوله والراسخون في العلم

قال شيخنا أبو العباس أحمد بن عمر وهو الصحيح أن تسميتهم راسخين يقتضي أنهم يعلمون أكثر من المحكم الذي يستوي في علمه جميع من يفهم كلام العرب وأي شيء هو رسوخهم إذا لم يعلموا إلا ما يعلم الجميع. 
لكن المتشابه يتنوع، 
فمنه لا يُعلم البتة كأمر الروح والساعة مما استأثر الله بغيبه 
وهذا لا يتعاطى علمه أحد لا ابن عباس ولا غيره.

فمن قال من العلماء الحذاق بأن الراسخين لا يعلمون علم المتشابه فإنما أراد هذا النوع، 
وأما ما يمكن حمله على وجوه في اللغة ومناح في كلام العرب فيتأول ويُعلم تأويله المستقيم 
ويُزال ما فيه مما عسى أن يتعلق من تأويل غير مستقيم 
كقوله في عيسى وروحٌ منه إلى غير ذلك 
فلا يسمى أحد راسخاً إلا بأن يعلم من هذا النوع كثيراً بحسب ما قُدّر له. اهـ.

قال العارف بالله السيد محمد عثمان الميرغني (توفي سنة 1268)عن الله:
"ولا يوصف بالصغر ولا بالكبر (أي حجماً) ولا بالحلول في الأمكنة ولا بالاتحاد ولا بالاتصال ولا بالانفعال".

علم التوحيد هو أساس قواعد عقائد الاسلام وهو أشرف العلوم.

علمُ التوحيدِ لهُ شرفٌ أي مزيةٌ على غيره من العلومِ لكونه متعلقا بأشرفِ المعلوماتِ، وشرفُ العلمِ بشرفِ المعلومِ، فلما كان علمُ التوحيدِ يُفيدُ معرفةَ اللهِ على ما يليقُ بهِ، ومعرفةَ رسولهِ على ما يليقُ بهِ، وتنـزيهَ اللهِ عمَّا لا يجوزُ عليهِ، وتبرئةَ الأنبياءِ عمّا لا يليقُ بهم، كان أفضلَ من علمِ الأحكام، 


وقد خص النبيُّ صلى الله عليه وسلم نفسه بالترقي في هذا العلم فقال: إنّ أتقاكُم وأعلَمَكُم بالله أنا، رواه البخاري في كتاب الإيمان،


وورد بلفظ: أنا أعلمكم بالله وأخشاكم له


فكان هذا العلم أهمَّ العلومِ تحصيلا وأحقَّها تبجيلاً وتعظيماً؛ قال الله تعالى: {فاعلم أنّهُ لآ إله إلا اللهُ واستغفر لذنبكَ وللمؤمنينَ والمؤمنات} قدم الأمر بمعرفة التوحيد على الأمر بالاستغفار، والسبب فيه أن معرفة التوحيد إشارة إلى علم الأصول والاشتغال بالاستغفار إشارة إلى علم الفروع، لأنه ما لم يعلم وجود الصانع يمتنع الاشتغال بطاعته. 


قوله تعالى: {فاعلم أنه لا إله إلا الله} الخِطابُ للرسولِ صلى الله عليه وسلم وليسَ المعنى أمْر الرسولِ بتحصيلِ العِلْمِ باللهِ، إنما المُرادُ أَمْرُ غيرِه بتحصيلِ العلمِ باللهِ وإنما ذَكَرَه قبلَ الاستغفارِ اللفظيِ لكونِ الاستغفارِ وغيرِه ِمنَ الأعمالِ مِن صلاةٍ وصيامٍ وغيرِ ذلكَ بعدَ العلمِ باللهِ، لذلك البخاريُ قال: العلمُ قبلَ القولِ والعمل، 


والعلمُ باللهِ هو اعتقادُ وجودِه بلا تشبيهٍ له بغيرِه مِن الموجوداتِ أي إثباتُ ذاتٍ لا يُشبِهُ الذوات، لأنَّ ذاتَ اللهِ ليسَ جِسمًا كثيفًا ولا جسمًا لطِيفًا أما ذاتُ غيرِه فهو جِسمٌ كثيفٌ أو جسمٌ لطيفٌ، وهذا الجسمُ اللطيفُ والكثيفُ أحَدُ نوعَيِ العالَمِ والنوعُ الثاني مِنَ العالمِ هو العَرَضُ أي صِفةُ الجسمِ، والعرضُ ما يقومُ بالجسمِ مِن حركةٍ وسُكونٍ ونَظَرٍ ونُطْقٍ وتغيُّرٍ مِن صفةٍ إلى صفةٍ وسائرِ ما يقومُ بالجسمِ من الأمورِ الظاهرَةِ والباطنةِ كالتفكيرِ والانفِعالِ باللَّذَةِ أو الألمِ أو الانبِسَاطِ أو الانزِعاجِ فهذا العالَمُ، لا يَخرُجُ العالَمُ من هذَينِ وقد أخبرَنا اللهُ تعالى بآيةِ ( ليس كمثلِه شىء} أنه لا يُشبِهُ هذا العالَمَ بوجهٍ من الوجوهِ فمَنِ اعتقدَ أن اللهَ جسمٌ كثيفٌ أو لطيفٌ لم يَعرِفِ اللهَ فهو جاهِلٌ بخالِقِه. 


وقد حث الله تعالى عباده في كثير من ءآيات القرءآن على النظر في ملكوته لمعرفة جبروته فقال: {أولَم ينظروا في ملكوت السَّموات والأرض ا} وقال تعالى:{سنُريهِم ءآياتِنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبيَّن لهُم أنَّه الحقْ}، وقال الإمامُ أبو حنيفة في كتابه الفقه الأبسط: [اعلم أن الفقهَ في الدينِ] أي أصول الدين [أفضلُ من الفقهِ في الأحكام] أي فروع الأحكام [والفقهُ معرفة النفس ما لها وما عليها]. 


وقال أيضا: أصل التوحيد وما يصحُّ الاعتقاد عليه وما يتعلق منها بالاعتقاديات هو الفقه الأكبر. وقال الإمام الشافعي: أحكمنا هذا قبل ذاك. أي علم التوحيد قبل فروع الفقه ذكر عنه ذلك الحافظ أفضل المحدثين بالشام في عصره ابن عساكر في تبيين كذب المفتري.


وموضوع هذا العلم علم التوحيد النظر في الخلق لمعرفة الخالق، وقيل في تعريفه: إنه علم يتكلم فيه عن أسماء الله تعالى وصفاته وأفعاله وأحوال المخلوقين من الملائكة والأنبياء والأولياء والأئمة والمبدأ والمعاد، على قانون الإسلام لا على أصول الفلاسفة، فإنهم تكلموا في حق الله وفي حق الملائكة وغير ذلك اعتمادا على مجرد النظر والعقل فجعلوا العقل أصلا للدين فلا يتقيدون بين النظر العقلي وبين ما جاء عن الانبياء على أن النظر العقلي السليم لا يخرج عمّا جاء به الشرع ولا يتناقض معه.وأما علماء التوحيد لا يتكلمونَ في حق الله وفي حق الملائكة وغير ذلك اعتمادا على مجرد النظر بالعقل بل يتكلمون في ذلك من باب الاستشهاد بالعقل على صحة ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالعقلُ عند علماء التوحيد شاهد للدين وليس أصلا للدين، وأما الفلاسفة فجعلوه أصلا للدين من غير التفات إلى ما جاء عن الانبياء. 



ويسمى هذا العلم علمَ التوحيد وعلمَ أصولِ الدين ويسمى أيضا علمَ الكلام.


ويُسمَّى هذا العلمُ أيضًا معَ أدِلَّتِه العقليةِ والنقليةِ مِنَ الكتابِ والسُّنةِ علمَ الكلامِ والسببُ في تسميتِه بهذا الاسمِ كثرةُ المُخالِفِينَ فيه مِنَ المُنتسِبينَ إلى الإسلامِ وطولُ الكلامِ فيهِ مِن أهلِ السنةِ لتقريرِ الحقِ، وقيلَ لأن أشهَرَ الخلافاتِ فيه مسئلةُ كلامِ اللهِ تعالى أنه قديمٌ ـ وهو الحقُ ـ أو حادِثٌ، فالحشَوِيَةُ قالت كلامُه صوتٌ وحرفٌ، حتى بالَغَ بعضُهم فقال إن هذا الصوتَ أزليٌ قديمٌ وإن أشكالَ الحروفِ التي في المُصحفِ أزليةٌ قديمةٌ، فخرجوا عن دائرةِ العقلِ؛ وقالت طائفةٌ أُخرَى إن اللهَ تعالى مُتكلِّمٌ بمعنى أنه خالِقُ الكلامِ في غيرِه كالشجرةِ التي سَمِعَ عندَها موسَى كلامَ اللهِ، لا بمعنى أنه قامَ بذاتِ اللهِ كلامٌ هو صفةٌ من صفاتِه، وهمُ المعتزلةُ قبَّحَهُمُ اللهُ؛ وقالَ أهلُ السنةِ إن اللهَ مُتكلِّمٌ بكلامٍ ذاتيٍ أزليٍ أبديٍ ليسَ حرفًا ولا صوتًا ولا يَختلِفُ باختِلافِ اللُغاتِ. اهـ


وهذا الذي يسميهِ أهلُ السنةِ علم الكلامِ هو الكلام الممدوحُ، وأما الكلامُ المذمومُ فهو كلامُ أهلِ الأهواءِ أي أهلِ البدع الاعتقاديةِ كالمعتزلة فهو الذي ذمَّه السلفُ، قال الإمامُ الشافعيُّ رضي الله عنه: لأنْ يلقى الله العبدُ بكلِ ذنبٍ ما عدا الشركَ أهونُ من أن يلقاه بكلامِ أهل الأهواءِ. 


والأهواء جمع هوى وهو ما مالت إليه نفوس المبتدعة الخارجين عما كان علي السلف أي ما تعلق به البدعيون في الاعتقاد كالخوارج والمعتزلة والمرجئة والنجارية وغيرهم وهم الاثنتان وسبعون فرقة كما ورد في الحديث المشهور: وإنّ هذه الملة ستفترقُ على ثلاث وسبعين، ثنتان وسبعون في النار وواحدة في الجنة وهي الجماعة رواه ابو داود، 


فليس كلام الشافعي على اطلاقه إنما هو في المبتدعة القدرية وغيرهم الذين جانبوا نصوص الشريعة كتابا وسنة وتعمقوا في الاهواء الفاسدة، وأما الكلام الموافق للكتاب والسنة الموضح لحقائق الشريعة عند ظهور الفتنة فهو محمود عند العلماء قاطبة لم يذمه الشافعي وقد كان يحسنه ويفهمه وقد ناظر بشرا المريسي وحفصا الفرد فقطعهما، 


قال الامام الحافظ ابن عساكر في كتابه الذي ألفه في الدفاع عن الامام الأشعري وبين فيه كذب من افترى عليه ما نصه: والكلام المذموم كلام أصحاب الأهوية وما يزخرفه أرباب البدع الـمُردية فأما الكلام الموافق للكتاب والسنة الموضح لحقائق الاصول عند ظهور الفتنة فهو محمود عند العلماء ومن يعلمه، وقد كان الشافعي يحسنه ويفهمه وقد تكلم مع غير واحد ممن ابتدع وأقام احج عليه حتى انقطع.


ثم ذكر بإسناده إلى الربيع بن سليمان قال: حضرت الشافعي وحدثني أبو سعيد أعلم أنه حضر عبد الله بن عبد الحكم ويوسف بن عمرو بن يزيد وحفص الفرد وكان الشافعي يسميه المنفرد فسأل حفص الفرد عبدَ الله بنَ عبد الحكم فقال: ما تقول في القرءان؟ فأبى أن يجيبه فسأل يوسف بن عمرو فلم يجبه وكلاهما أشار إلى الشافعي فسأل الشافعي 


فطالت فيه المناظرة فقام الشافعي بالحجة عليه بأن القرءان كلام الله غير مخلوق، وكفر حفصا الفرد قال الربيع: فلقيتُ حفصا في المسجد بعد فقال: أراد الشافعي قتلي.


فإنْ قيلَ: قد ذمَّ علمُ الكلامِ جماعةٌ من السلفِ فرويَ عن الشعبي أنه قال: مَن طلبَ الدينَ بالكلامِ تزندق، ومَنْ طلبَ المالَ بالكيمياءِ أفلسَ ومَنْ حدَّثَ بغرائبِ الحديثِ كذب. وروي مثلُه عن الإمام مالك والقاضي أبي يوسف صاحب الإمام أبي حنيفة قلنا: أجابَ الحافظ أبو بكر البيهقي عنه بقوله: إنما أرادوا بالكلامِ كلامُ أهلِ البدعِ لأن عصرَهم إنما كان يعرفُ بالكلام فيه أهل البدعِ وأما أهلُ السنةِ فقلَّما كانوا يخوضونَ في الكلامِ حتى اضطُرَ إليه بعد؛


ويحتملُ ذمُهم له وجها ءاخر وهو أن يكونَ المرادُ به أن يقتصرَ على علمِ الكلامِ وتركَ تعلُّم علم الفقه الذي يتوصل به إلى معرفةِ الحلال والحرام ويرفض العمل بما أُمرَ بفعله من شرائع الإسلام، ولا يلتزم فعل ما أمر به الشارع وترك ما نهى عنه من الأحكام.اهـ 


فالفرقُ بينَ هذا وهذا أن علمَ الكلامِ الذي هو لأهلِ السنةِ الذي فيهِ ألّـَفوا تآليفهم أنه تقريرُ عقيدةِ السلفِ بالبراهينِ النقليةِ والعقليةِ مقرونًا بردّ شُبهِ الملاحدةِ المبتدعةِ وتشكيكاتِهم. 


ولأهل الحقِ عناية عظيمة به فقد كان أبو حنيفة يسافر من بغداد الى البصرةِ لإبطالِ شبهِهم وتمويهاتهم فقد تردد لذلك أكثَر من عشرينَ مرةً.وبينَ بغدادَ والبصرة مسافةٌ طويلةٌ، فكانَ يقطعهم بالمناظرة بكشف فسادِ شبههم وتمويهاتِهم، وهذا لا يعيبه إلا جاهلٌ بالحقيقةِ من المشبهةِ ونحوهم فإن المشبهةَ التي تحملُ الآياتِ المتشابهة والأحاديثَ المتشابهة الواردةَ في الصفاتِ على ظواهرها أعداءُ هذا العلمِ، وفي هؤلاءِ قال القائلُ وقد صدقَ فيما قالَ:


عــابَ الكلامَ أنـاسٌ لا عقولَ لهم وما عليه إذا عــابُـوهُ من ضَرَرِما ضـرَّ شمسَ الضُّحى في الأفقِ طالعةً أن ليسَ يبصرها من ليسَ ذا بـصَرِ


أما ما يُروى أنَّ الشافعيَّ قال: "لأن يلقى الله العبدُ بكلّ ذنبٍ ما عدا الشركِ خيرٌ له من أن يلقاهُ بعلمِ الكلام" فلم يثبت عنه بهذا اللفظ. 

معنى العبادة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

أما بعد،

قال الإمامُ السبكي: العِبادَةُ أَقصَى غايِةِ الخشوعِ والخضُوعِ ونقلَ ذلك الإمامُ اللغَوِيُّ مُرتَضَى الزبيدِيُّ في شَرحِ القاموسِ، مذكور في كتابه قال ابنُ الأثير معنى العبادة في اللغة الطاعة مع الخضوع (ج2/ص 410) ولو كان معنى العِبادَةِ مُطلقُ الطاعَةِ لِمَخلوقٍ في أي شيءٍ طاعَةً أو مَعصِيَةً لكان عُمَّالُ الحكّامِ الجائِرينَ كُفارًا فَهل يَقولُ هؤلاءِ الذينَ يُكفِّرونَ المتَوسِّلينَ بالأنبياءِ والأولياءِ إنَّهُم مُشرِكونَ أليسَ هؤلاءِ هم أنفُسُهُم يُطيعونَ الحكامَ في بعضِ المعاصي فيكونونَ كفَّروا أنفُسَهُم وإن لَم يَشعُروا في بِلادِهِم إذا قُتِلَ مُسلِمٌ خَطأً من غيرِ أهلِ تلك البلاد يَجعلونَ قيمَةَ الديَة مَبلغًا مِنَ المالِ، وإذا كان المقتولُ مِن أهلِ البلادِ فالمبلغُ أكثرُ بكثيرٍ، هذا ليس شرعُ اللهِ مع ذلك يُطيعونَ ملوكهم فيهِ، مثلُهُم مَثَلُ اليهود عن عائِشَةَ، أَنَّ قُرَيْشًا أَهَمَّهُمْ شَأْنُ المرْأَةِ المخْزُومِيَّةِ التي سَرَقَتْ فقالوا مَنْ يُكلِّمُ فيها رسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فقالوا ومَنْ يجْتَرِئُ عليه إلا أُسامَةُ حِبُّ رَسُولِ اللهِ صَلى الله عليه وسلم، فَكلَّمَهُ أُسَامَةُ، فقال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ((أَتَشْفَعُ في حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللهِ)) ثُمَّ قَامَ فَاخْتَطَبَ فَقال: ((أَيُّهَا النَّاسُ إنَّما أَهْلَك الَّذِينَ قَبْلَكُمْ أَنَّهُمْ كانُوا إذا سَرَقَ فِيهِمُ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ وإذا سَرَقَ فِيهِمُ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَليهِ الحَدَّ واللهِ لو أَنَّ فَاطِمَةَ بِنتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعتُ يَدَها)) مسلم.

ومِمَّن فسَّرَ العِبادَةَ بذلِك الراغِبُ الأصبَهانيُّ وهو لُغَوِيٌّ مَشهورٌ يُكثِرُ النقلَ عنهُ صاحِبُ شَرحِ القاموسِ مُرتَضى الزبيدي قال في تَأليفِهِ مُفرَداتِ القُرءانِ: "العِبادَةُ غايَةُ التَّذَلُّلِ" وقال مثله الأزهري في التهذيب. فَهؤلاءِ الذينَ يُكفِّرونَ المستَغيثينَ بالأولِياءِ والأنبِياءِ ليِتَعَلَّموا معنى العبادَةِ في لغَةِ العَربِ قبلَ إطلاق أَلسنَتِهِم بالتكفيرِ؛ وهذا معنى العِبادَةِ الـمُرادَةِ بقولِهِ تعالى: ﴿وما أرسَلنا مِن قَبلِكَ مِن رَسُولٍ إلا نُوحِي إليه أنه لا إله إلا أناْ فاعبُدُونِ (25)﴾ سورة الأنبياء، وبِقَولِهِ تعالى: ﴿ إيَّاك نَعبُدُ وإيَّاك نَستَعِينُ (5)﴾ سورة الفاتحة، ﴿نَعبُدُ﴾ معناهُ نُطيعُ، والعبادَةُ الطاعَةُ والتذَلُّل، ونِطقُ المكلفِ به إقرارٌ بالربوبِيَّةِ وتحقيقٌ لعبادَةِ اللهِ تعالى، ﴿ وإياك نَستَعينُ ﴾ أي نطلبُ العونَ والتَأييدَ والتوفيقَ، لأنهُ لا معينَ على الحقيقةِ إلا اللهُ. وهذه هي العبادَةُ المختصَّةُ للهِ تعالى التي مَن صَرَفَها لِغَيرِهِ صارَ مُشرِكًا، وليس مَعناها مُجَرَّدُ النُّداءِ أو الاستِعانَةِ أو الاستِغاثَةِ أو الخوفِ أو الرَّجاءِ كما زَعَمَ بَعضُ الناسِ أَنَّ مُجَرَّدَ نِداءِ شَخصٍ مَيتٍ أو غائِبٍ شِرك، وكذلِك استِعانَتُهُ بِه إلا بِالحيِّ الحاضِرِ حتى لو قال قائِلٌ: يا رسولَ اللهِ المدَدَ صارَ كافرًا عِندَهُم، وهؤلاءِ جاهِلونَ بِمَعنى العِبادَةِ في لُغَةِ العَرَبِ قال اللَّيثُ وهو إمامٌ مِن أَئِمَّةِ اللغَةِ مُتَقدِّمٌ: ويُقالُ للمُشرِكينَ هُم عَبَدَةُ الطاغوتِ ويُقالُ للمُسلِمينَ عِبادُ اللهِ يَعبدونَ الله.

قال اللهُ عَزَّ وجَلَّ: ﴿ اعبُدُوا رَبَّكُم (21)﴾ سورَة البَقَرَة، أي أَطِيعوا ربَّكُم، وقولُهُ: ﴿ إيَّاك نَعبُدُ وإيَّاك نَستَعِينُ (5)﴾ سورَة الفاتِحَة، أي نُطيعُ الطاعَةَ التي يُخضَعُ مَعَها. اهـ.

وفي المصباحِ للفيُّوميِّ أَحَدُ مَشاهِيرِ اللغوِيينَ: عَبَدتُ اللهَ أعبُدُهُ عِبادَةً وهي الانقيادُ والخضوعُ، فإن قال هؤلاءِ وأمثالُهُم: أليس ورَدَ في تَفسيرِ ﴿ اتَّخَذُوا أَحبارَهُم ورُهبانَهُم أَربابًا مِن دُونِ اللهِ (31)﴾ سورَة التوبَة، أنّ عِبادَتَهُم لَهُم طاعَتَهُم فيما حَرَّمُوا وحلَّلوا من تِلقَاءِ أنفُسِهِم، فالجوابُ أنّ ذلك داخِلٌ تَحتَ هذا التعريفِ: الانِقيادُ والتذلُّلُ، فَإنَّهُم انقادوا لَهم في ذلك، تذَلَّلوا لَهُم لأنَّهُم كانوا يَعتَقدونَ أنَّهُـم يَسـتَحقُّونَ أن يُطاعوا في ذلك حَقيقَةً وليس الذي حَصَلَ مِنهُم مُجَردَ أَنَّهُم أطاعوهُم فإنَّ المسلِمَ قد يُطيعُ مَن له عليه رئاسَةٌ في المعصِيَةِ لكنَّهُ لا يطيعُهُ على الوجهِ الذي أطاعَتهُ النَّصارى أحبارَهُم ورُهبانَهُم فلا يكونونَ عابِدينَ لِرُؤَسائِهِم كأُولئِك، لأَنَّ الذي يَقولُ لِشَخصٍ اعتَرِف عِندي بِذُنوبِك أَنا أَغفِرها لك فقد ادعَى الأُلوهيَّةَ لنفسِهِ لأنَّ ذلك لا يَكونُ إلا للهِ واللهُ تعالى يَقول: ﴿ ومَن يَغفِرُ الذُّنُوبَ إلا اللهُ ﴾ سورَة آل عُمران، معناه لا أَحَدَ يَستَطيعُ أَن يَغفِرَ الذُّنوبَ لِمَن عَصَى إلا الله، لأَنَّ دَعوى الرُّبوبِيَّةِ لَها وُجوهٌ مِن جُملَتِها أَن يَعتَقِدَ الإنسانُ أَنَّ للعَبدِ حَقَّ التَّحليلِ والتَّحريمِ أو مَغفِرَةِ الذنوبِ أو الإيجادِ لِبَعضِ الأَشياءِ.

قال اللهُ تعالى: ﴿ قُل هَل نُنَبِّئُكُم بالأخسَرِينَ أَعمالا (103) الذينَ ضَلَّ سَعيُهُم في الحَياةِ الدُّنيَا وهُم يَحسَبُونَ أَنَّهُم يُحسِنُونَ صُنعًا (104)﴾ سورَة الكهِف، قال سيِّدُنا عليٌّ رضيَ اللهُ عنهُ في هذه الآيةِ إنَّها تَعني أصحابَ الصَّوامِعِ النَّصارَى الذينَ يَظُنونَ أنَّهُم يُحسِنونَ العَمَلَ وهُم ليس لَهُم في الآخِرَةِ إلا النارُ لِكونِهِم عَبَدوا غيرَ اللهِ أي تَذَللوا لِغَيرِ اللهِ غايةَ التذلُّلِ.

فالذي تَزعَمُهُ الوهابِيَّة بِأَنَّ التوسُّلَ والتبرُّك عِبادَة هذا غَيرُ صَحيح فقد ورَدَ أحادِيث عن النبِيِّ والصَّحابَةِ والتابِعينَ والسَّلَفِ والخلَفِ بأنَّ التوسُّلَ والتبرُّك جائِز مِنها قِصَّة عُثمان بنَ حُنَيف مَع الأعمى الذي رَواهُ الطبَرانِي في مُعجَمَيهِ وقال الطبَراني والحديثُ صَحيحٌ أي المرفوع والموقوف. الحديثُ يُطلَقُ على المرفوعِ وعلى الموقوفِ، فإذا قال الحافِظ الحديثُ صحيحٌ وكان أَورَدَ قَبلَهُ حديثًا مرفوعًا فَهذا يَعني المرفوع والموقوف.

قال السُّيوطِيُّ: وخُذهُ حَيثُ حَافِظٌ عليه نَص أو مِن مُصَنَّفٍ في جَمعِهِ يُخَص فائِدَةٌ: قال بَعضُهُم: بادِر إلى عِلمِ الحديثِ وكتبِهِ واجهَد على تَصحيحِهِ مِن كُتبِهِ واسمَعهُ مِن أشياخِهِ نقلا كما سَمِعُوهُ مِن أشياخِهِم تَسعَد به

قال رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وآلِهِ: ((حياتي خَيرٌ لكُم تُحدِثونَ ويُحدَثُ لَكُم ووفاتي خَيرٌ لَكُم تُعرَضُ على أعمالُكُم فما رأيتُ خَيرًا حَمِدتُ اللهَ وما رأَيتُ مِن شَرٍّ استَغفَرتُ لكُم)) رواهُ البَزار وكذلك رَوى البَيهَقِيُّ بإسنادٍ صَحيحٍ عن مالكِ الدار وكان خازِنَ عُمَرَ عليه السَّلامُ قال: أصابَ الناسُ قَحط في زمانِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهُ فَجاءَ رَجلٌ إلى قبرِ النبيِّ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ واسمُهُ بِلال بن الحارِث المزَنِي فَوقَفَ عِندَ قَبرِ النبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وآلِهِ وقال: يَا رَسولَ اللهِ استَسقِ لأُمَّتِك فإنَّهُم قد هَلَكوا، فَأُتِيَ الرجُلُ في المنامِ وقيلَ له أَقرِئ عُمَرَ السَّلام وأَخبِرهُ أنَّهُم يُسقَون وقُل له عَليك الكيسَ الكيس، فَجاءَ الرَّجل إلى عُمَرَ ورَوى له ما حَصَلَ منهُ فَبَكى عُمَر وقال: يا رَبِّ ما ءالو إلا ما عَجَزتُ، أي لا أُقَصِّرُ في حَقِّ الأُمَّةِ إلا ما عَجَزتُ وكذلِك قِصَّةُ عَبد اللهِ بنِ عُمَرَ لَمَّا قال يا مُحَمَّد، وقَولُ عَبدِ اللهِ بنِ عُمَرَ يا مُحَمَّد معناه يَا مُحَمَّدُ تَوجَّه لي إلى اللهِ في شِفائِي مِن شَلَلِ رِجلِي، هذِه استغاثَةٌ، رَواهُ البُخاريُّ في الأَدَبِ المُفرَدِ.

النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ بعد مَوتِهِ لا تَبلُغُهُ تَفاصيلُ أَعمالِ أمَّتِهِ إنَّما يَبلُغُهُ بَعضُ أَحوالِ أُمَّتِهِ مِنَ الأُمورِ الحَسَنَةِ فيفرَحُ وتُبلِّغُهُ الملائِكةُ عن بَعضِ أَحوالِهِم منَ المعاصي فَيَستَغفِر لَهُم.

والله أعلم. 

علم التّوحيد هو الفقة الأكبر

الحمدُ للهِ والصلاةُ والسلامُ على رسول الله، أما بعد؛ 
فإنَّ عِلْمَ التوحيد مُقدَّمٌ على عِلْمِ الأحكامِ لأنَّ عِلْمَ التوحيد يَضمَنُ النجاةَ في الآخرَةِ أما عِلْمُ الأحكامِ فلا يَضمَنُ بِمفرَدِهِ النجاةَ في الآخرة، ولأهَمِيَّةِ هذا العلم سَمَّاهُ الإمامُ أبو حنيفةَ الفِقهَ الأكبرَ معناهُ هو أفضَلُ مِنَ الفقهِ الآخر الذي هو فقهُ الأحكامِ. وأبو حنيفةَ كانَ من السَّلَفِ لأنه ولِدَ سنةَ ثَمانينَ للهجرة، والتقى ثلاثةً من الصَّحابةِ وألَّفَ خَمْسَ رسائِلَ في العقيدةِ منها رسالةٌ سَمَّاها الفقهَ الأكبر قال فيها: ((واللهُ شىءٌ لا كالأشياءِ)) ومعنى شىءٍ إذا أُطلِقَ على الله: الموجود، ومعنى قولِهِ لا كالأشياء أنَّ اللهَ لا يُشبِهُ شيئًا من خَلقِهِ لا في ذاتِهِ أي حقيقتِهِ ولا في صفاتِهِ ولا في فعلِهِ، ومعنى فعلِ الله: إيجادُ اللهِ الأشياءَ على الوجهِ الذي أرادَ. قالَ أبو حنيفةَ والبخاريُّ: ((فِعْلُ اللهِ صِفَتُهُ في الأزل والْمفعولُ حادِثٌ)) معناهُ صِفَةُ اللهِ التخليق أزلية والْمخلوقُ هو الحادِثُ أي هو الذي حَدَثَ بعد أنْ لَم يكنْ. وفي قولِهِ: ((لا كالأشياءِ)) رَدٌّ على المشبّهَةِ القائلينَ إنَّ اللهَ مُستَقِرٌّ فوقَ العَرشِ وعلى الطائفَةِ القائلَةِ إنَّ اللهَ في جِهَةٍ فوقَ العرشِ مِنْ غيرِ أنْ يُمَاسَّ العرشَ وكِلا العقيدتينِ كُفْرٌ، لأنَّ الموجودَ في جهةٍ لا يكونُ إلا حَجمًا وكذلكَ المستَقِرُّ على شىءٍ لا يكونُ إلا حجمًا وكلُّ الأحجامِ مَخلوقَةٌ، فلو كانَ اللهُ حَجمًا لكانَ مَخلوقًا ولو كان مَخلوقًا لَمَا كان خالِقًا فَثبَتَ أنَّ اللهَ ليسَ حجمًا بالْمَرَّة، ويُفهمُ مِن ذلك إثباتُ وجودِهِ بلا مكانٍ ولا جِهَةٍ.
وقالَ أبو حنيفةَ في رسالتِهِ الفقهِ الأكبر: ((واللهُ يتكَلَّمُ لا كما نَحنُ نتكلَّم، نَحنُ نتكلَّمُ بالآلةِ والحرف، واللهُ يتكلَّمُ بلا ءالةٍ ولا حرف)) وهذا فيه إثباتُ صفةِ الكلامِ لله الذي هو ليسَ ككَلامِ غيرِهِ، فاللهُ كما أنَّ له قُدرَة واحِدَة وعِلْما واحدا وسَمْعا واحدا وبصرا واحدا، له كلامٌ واحدٌ هو أمرٌ ونَهيٌ ووَعْدٌ ووَعِيدٌ وخَبَرٌ واسْتِخْبار. وفي قولِ أبي حنيفةَ هذا نفيٌ الكَيفيّةِ عن كلامِ الله الذي هو صفتُهُ الأزلية يُفهَمُ ذلك مِنْ قولِهِ: ((واللهُ يتكلّمُ بلا ءالةٍ ولا حرف)) والآلةُ هي مَخارِجُ الحروفِ كاللّسانِ والشّفَتين، فالإنسانُ إذا أرادَ أنْ ينطِقَ بالحرْفِ الشَّفَويِّ كالميمِ والباءِ لا يستطيعُ ذلك إلا بإطباقِ الشَّفَتين لأنَّ اللهَ تعالى جَعَلَ ءالةَ النطقِ بالحرفِ الشَّفَويِّ في الإنسانِ الشَّفَتَين، فلو كانَ اللهُ مُتَكَلِّمًا كما يتكلَّمُ الإنسَانُ لصَارَ مُشبِهًا لهُ واللهُ يقول: ليس كمثله شىء. قالَ العلماءُ: ((لا يجوزُ أن يُقالَ القرءانُ مَخلوق ويُسْكَت)) إلا أن يُقالَ في مقامِ التعليمِ القرءانُ له إطلاقان: يُطلَقٌ ويُرادُ به الصِّفَةُ القائمَةُ بذاتِ الله فبهذا المعنى هو غيرُ مَخلوق وهذا معنى قولِ بعضِ الأئمةِ عندَ الكلامِ عنْ كلامِ الله بِمعنَى الصِّفَةِ القائمةِ بذاتِهِ ((والقرءانُ كلامُ اللهِ غيرُ مَخلوق)). ويطلقُ القرءانُ على معنى اللَّفْظِ الْمُنَزَّلِ على سيِّدنا مُحمَّدٍ الذي قرأَهُ عليه جبريل فبهذا المعنى هو مَخلوقٌ، لكن سُمِّيَ كلامَ اللهِ لكونِهِ ليسَ مِنْ تأليفِ مُحمَّدٍ ولا مِنْ تصنيفِ جبريل إنما أخذَهُ جبريلُ بوحيٍ مِنَ الله مِنَ اللّوحِ الْمَحفوظِ كمَا أخذَ سائِرَ الكُتُبِ التي نزَلَ بِها على الأنبياءِ كالتوراةِ والإنجيل. والدليلُ الشَّرعيُّ على إطلاقِ كلامِ اللهِ على هذا اللَّفظِ الْمُنَزَّلِ قولُهُ تعالى:{انّه لقول رسول كريم. ذي قوّة عند ذي العرش مكين. مطاع ثمّ أمين}. فمعنى قولِهِ: ﴿ انّه لقول رسول كريم إنهُ مَقْروءُ جِبريل، ولا يجوزُ أن يكونَ مقروءُ جِبريلَ هو عَينَ الكلامِ الذاتِيّ القائمِ بِذَاتِ الله. والدليلُ على أنَّ المقصودَ بالآيةِ جبريل كلمةُ: رسول كريم ﴾ لأنَّ اللهَ لا يُسمَّى رسولاً؛ ويدلُّ على ذلك أيضًا الوصفُ الذي جاءَ بعدَ هذهِ الجملَةِ ذي قوّة. أي جبريلُ له قوّة ﴿ عند ذي العرش ﴾ أي عندَ خالِقِ العرشِ، مكين﴾ أي مُتَمَكِّنٌ له درجةٌ عالية ﴿مطاع ثمّ ﴾ أي يُطاعُ هناكَ أي في السَّمٰواتِ مِنْ قِبَلِ الملائكةِ لأنَّ جبريلَ هو رسولُ الملائكةِ أي رسولُ اللهِ إلى الملائكَةِ وإلى الأنبياء. ويدُلُّ على ذلكَ أيضًا قولُهُ تعالى: ﴿وان أحد من المشركين استجارك فأجره حتّى يسمع كلام الله ﴾والرسولُ يُسْمِعُ المشْرِكَ الكلامَ الْمُنَزَّلَ الذي هو لا شكَّ مَخلوق، لكن امتنعَ الإمامُ أحمدُ رضيَ الله عنه مِنْ أنْ يقولَ القرءانَ مَخلوق حتى لا يُتَوَهَّمَ أنَّ اللهَ يوصَفُ بصِفَةٍ مَخلوقةٍ، وقد حدثت له قبلَ الفتنةِ التي عُذِّبَ فيها حادِثَةٌ أوردَها بعضُ العُلماءِ وهي أنَّ الشافعيَّ أرسلَ لأحمَدَ رسالةً لَمَّا كان ببغداد بيدِ رسولٍ فأعطى الرسولُ الرسالةَ أحمدَ فقالَ لهُ أحمد: هل قرأتَها؟ قال: لا، ففضَّ خاتَمَها وقَرَأها وصارَ يبكي، فقالَ لهُ الرسولُ: ماذا فيها؟ قال: يُخبرنِي الشافعيُّ أنه رءانِي معَ رسولِ اللهِ والرسولُ يقولُ لِي يا أحمد إنك ستمتحن فاصبر. فَقَال رسولُ الشّافِعيّ: أينَ البِشَارَة[1]؟ وكان أحمدُ يَلبَسُ قميصينِ فخلَعَ أحدَهُما وأعطاهُ فلمَّا رَجَعَ إلى الشافعيِّ قال له الشّافِعيُّ: ماذا أعطاكَ؟ قال أعطاني قميصًا، قال له: لا نَفْجَعُكَ فيهِ ولكن نبلُّهُ بالماءِ لنَتَبَرَّكَ به[2]. ولَما صارت تلكَ الفتنة التي ابتُلِيَ بِها أحمد ما قَبِلَ أنْ يقولَ القرءانُ مَخلوق، حتى إنه حُبِسَ وتوالَىٰ على تعذيبِهِ في ليلَةٍ واحِدَةٍ ثَلاثُمِائةِ جَلاد[3]. 
وقد ثَبَتَ أنَّ الإمامَ الشافعيَّ قال: ((المجسِّم كافرٌ)) رواهُ عنهُ الحافظُ السّيوطِيُّ في كتابِ الأشباهِ والنظائر. ومَنْ وصَفَ اللهَ بالجلوسِ مُجسِّم، ومَنْ وصَفَ اللهَ بالاستِقرارِ على العرشِ مُجسّم، ومَنْ وصَفَ اللهَ بأنه يَسْكُنُ السّماءَ مُجسّم، ومَنْ وصَفَ اللهَ بأنه في جِهَةِ فوق مُجسم.
ثَبَتَ أنَّ الإمامَ أحمدَ قال: ((مَنْ قالَ الله جِسمٌ لا كالأجسامِ كَفَر)) رواهُ عنه الإمامُ الحافظ المحدّثُ بدرُ الدينِ الزَّركَشِي في كتابِ تشنيفِ المسَامع، فإذا كان مَنْ قالَ اللهُ جِسْمٌ لا كالأجسامِ كَفَر فكيفَ بِمَن يقولُ اللهُ جِسمٌ ويَسكُت؟

• الإمام أحمد لَمّا كانوا يضربونَهُ وقعَت منه صُرّة فيها شعرات النبيّ ، هو كان يحمل شعرات النبيّ للتبرّك. • وحصلَ معه أمرٌ غريبٌ ءاخر وهو أنه لَمَّا حصلَ هذا شخص كان يراه وهو يُعذّب قال له رأيتُ يدًا امتدت وأمسكت بسروالِك، كان يلبسُ سِروالاً انقطعت دِكَّتَهُ فما انكشَفَت عورتُهُ، يعني الله أكرمَهُ بِهذا حتى لا تنكشفَ العورة. 
• معنى كلمة تشنيف: عندما يُسمِعُك شخصٌ شيئًا جميلاً يفرح به قلبك، يقال شَنَّفَ سمعي يعني أسعدني بالكلام الذي قالَهُ. 

[1] - يعني أنا جئتُكَ ببشارة بماذا تُكرمني؟. 
[2] - وهذا من تواضع الإمام الشافعي، وهذا فيه دليل على التبرك بين الأئمة. 
[3] - هذا في أيام الخليفة العباسي المأمون

شرح: ما شئتَ كان وإن لم أشَأ وما شئتُ إن لم تشَأ لم يكن

الله موجود بلا مكان لا يتغير. التغير مستحيل على الله.


قال شيخنا رحمه الله:
فالشّىء الذي شِئناهُ نحنُ إن كانَ سبَقَ في عِلمِ الله ومَشيئَتِه الأزليَّين أنّ هذا العبدَ يَشاءُ كَذا فيَحصُل مَشيئتُه ومُرادُه، فيَحصُل مِن هَذا العبدِ المشيئةُ ويحصُل مُرادُه، هذا معنى قولِ الإمام الشّافعيّ ما شئتَ كانَ وإنْ لم أشَأ، أمّا إذا كانَ العبدُ شاءَ لأنّ اللهَ تَعالى شَاءَ أنْ يشَاءَ هَذا العَبدُ شَيئًا وعَلِمَ اللهُ أنّ مُرادَ هذا العبدِ الذي يشَاؤه لا يَحصُل ولا يتَحَقَّقُ فلا يتَحَقّقُ، المعنى أن مَشِيئةَ العَبدِ إمّا أن تَنفُذَ وإمّا أن لا تَنفُذَ أمّا مَشيئةُ الله فَهيَ نافِذَةٌ لا مَحالَةَ، لأنّه لو كانَ لا يتَحقّق شَىءٌ مِن مُراداتِ الله تعالى أي ممّا شاءَ الله تعالى أن يتَحقَّق ويَحصُلَ لكانَ ذلكَ عَجْزًا والعَجزُ مُستَحيلٌ على الله لأنّ مِنْ شَأن الإله أن تكونَ مَشيئَتُه نافِذة في كلّ المُرادَاتِ، مِن خصَائِص الإله أن تكونَ مَشيئَتُه نَافذةً لا تتَخلّفُ أي لا بُدّ أن يَحصُلَ ما شَاءَ اللهُ دخُولَهُ في الوجُود، لا بُدّ أن يَدخُل في الوجُودِ ويَحصُل ويتَحقّقَ فلِذلكَ يَستحِيلُ على الله تبارك وتعالى أن لا تَنفُذَ مَشيئَتُه في شَىءٍ. يجبُ وجُوبًا عَقلاً وشرعاً نفاذُ مَشيئةِ الله تبارك وتعالى أي تحقُّق مُقتَضاها.

ما شِئْتَ كانَ وإن لم أشَأ

المَعنى مَشيئَتُكَ أزَلية نافذةٌ لا تتَخلّفُ وأمّا مَشِيئَتي فهيَ حادثةٌ لأنّها لا تَحصُل إلا أن تشاءَ أنتَ في الأزلِ أن تَحصُلَ مِنِّي المشيئةُ ثم إمّا أن تَنفُذ وإمّا أنْ لا تَنفُذَ، مَشيئة العَبد هَكذا منها ما هوَ نافِذٌ ومنها ما هو غيرُ نافِذ أي منها ما يتحَقّقُ فيَحصلُ ومنها ما لا يتحَقّق ، نحنُ نشَاء مشيئةً حادثةً لأنّ الله تعالى شاء في الأزل أن نَشاءَ هذه المشيئةَ الحادِثة ثم ما شِئناه أن يكونَ قَد يكونُ وقد لا يكونُ أي قدْ يَحصُل وقد لا يَحصل، فإنْ حَصَل فلأنّ الله تبارك وتعالى شاءَ في الأزل حصُوله فإن لم يَحصُل فإنّما لم يَحصل لأنّ الله تبارك وتعالى ما شَاءَ في الأزل أن يحصُلَ مُرادنا الذي تعَلقَت به مشيئَتُنا، هذا كلام الإمام المُطَّلبيِّ الشافعيّ رضي الله عنه،

ما شئتَ كان وإن لم أشَأ وما شئتُ إن لم تشَأ لم يكن،

ما ذكِرَ هو شَرح هذين الشّطرين. ثم قالَ رضي اللهُ عنه

خَلقتَ العبادَ على ما علِمتَ ففِي العِلم يَجرِي الفَتى والمسِن

معنى خَلقتَ العبادَ على ما علِمتَ معناهُ أنّ الله تبارك وتعالى يُبرِزُ عبادَه للوجُود بعدَ العَدم، يُبرِزهُم مِنَ العَدم إلى الوجُودِ على حسَبِ ما سَبَقَ في عِلمِه الأزلي لا عَلى خِلافِ عِلمِه الأزلي، لأنّ تخلّفَ العِلم في حقّ الله تبارك وتعالى مُستَحِيل، يجبُ تَنزيه الله تبارك وتعالى عن تخَلّف عِلمِه، أي أنّ مَا عَلمَ الله وجودَه لا بُدَّ أن يُوجَد، وما علِمَ اللهُ أنه لا يوجَد لا يوجَد، يَستَحيلُ دخولُه في الوجُود

خَلقتَ العبادَ على ما علِمتَ، أي على وَفْقِ عِلْمِك خَلقت َ العبادَ، لا على خِلافِ عِلمِه لأنّه يَستَحيلُ وجودُ شَىء على خِلاف عِلمِ الله تبارك وتعالى، قال رضي الله عنه، ففِي العِلم يجري الفَتى والمُسِنّ ،أي أنّ سَعْيَ الفتى أي الشّابّ والمسِنّ أي العَجُوز كلٌّ سَعيُه في عِلم الله تبارك وتعالى أي لا يَخرُج عن عِلم الله، هذا الفَتى الذي هو ذو قُوّة ونشَاط وهذا المسِنّ الذي هو ذُو عَجزٍ وضَعف كُلٌّ منهُما لا يحصُل شَىءٌ منه مِنَ الحركات والسّكنات والنّوايا والقصُود والإراداتِ إلا على حَسَبِ عِلم الله الأزليّ، أي ما عَلِم الله في الأزلِ أن يحصلَ مِن هذا الفتى يحصُل منهُ كذلك المُسِنّ وما لم يسبِق في عِلم الله تعالى أن يحصلَ مِن الفتى والمُسِنّ لا يحصُل، فكلُّ منهما على حدٍ سواءٍ لا هذا يَستطيع أن يَسعَى لعَملٍ ما على خلافِ عِلم الله الأزلي أي على خلافِ ما سَبق في علم الله ولا هذا، كلٌ منهما في العِلم يَجرِيان أي يتَقلّبانِ على حسَب مشيئةِ الله الأزليّة ويَعمَلان على حسَبِ عِلم اللهِ الأزلي.

هنا مُهمَّةٌ: الأزليُّ إذا أُطلِقَ على الله وعلى صِفاتِه معناهُ ما لا ابتداءَ لوجُودِه، أمّا في اللّغة يُطلَق الأزليّ على الشّىءِ الذي تقَادَم عَصرُه أي زَمنُه، أي مضَى عليه زمانٌ طَويل، يقالُ لهُ أزَلي، ويُطلَقُ على الذّاتِ المقَدَّس أي ذاتِ الله تبارك وتعالى وصفاته الأزلي، لكن إذا أُطلِقَ على الله الأزليُّ والقَديمُ فمعناه لا ابتداءَ لوجُودِه وأمّا إذا أُطلِقَ على شَىء مِن الحادثاتِ الأزلي أو القَديم فمعناه أنّه مضَى علَيه عَصرٌ طَويل، زَمنٌ طويلٌ، ففي القامُوس المحيط المشهُور في اللّغة، بينَ كتُب اللّغة، في باب الميم :والهرَمانِ بِناءان أزليّانِ بمِصر، هكذا يفسّرُ الهرَمين، أزلِيّانِ معناه مضَى علَيهِما زمانٌ طَويل ليسَ معناهُ أنّه لا ابتداءَ لوجُودِهما لأنهما مخلوقانِ، لأنهما مِن جملة ما في الأرض، والأرضُ حادثةٌ وُجِدت بقُدرةِ الله وعِلمه وتَقدِيره.

س: في كتاب الاعتقاد والهداية مَكتوبٌ قَدّرَ الله المقاديرَ قبلَ خَلقِ السماواتِ والأرض بخمسِينَ ألفَ سنة ما تفسيره.

ج: هذا كتابتُه في اللوح المحفوظِ، ليس معناهُ تقدير الله الذي هو صفة ذاتيةٌ للهِ مؤرَّخ بهذا التاريخ، عِلم الله لا يؤرَّخ بتاريخ وتقديرُه لا يؤرّخ بتاريخ كذلكَ مشيئتهُ وسمعُه وبصَرُه وكلامُه الذّاتي لا يؤرَّخ بتاريخ. فتقديرُ الله الذّاتي لا ابتداءَ لوجودِه أمّا ما وَردَ في صحيح مسلم:"كَتَبَ اللهُ مقادِيرَ الخلائِق قَبلَ خَلقِ السّماوات والأرضِ بخمسِينَ ألفِ عام" فمعناه الكتابةُ على اللوح المحفوظ، وفي روايةٍ لهذا الحديث "قَدّرَ اللهُ مَقادِيرَ الخلائِق" لكنّ روايةَ كتَب اللهُ هي أَقوى ومَن رَواه بلفظِ قَدّر اللهُ فمُرادُه كتَبَ .

شرح حديث: "يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وفي قلبه وزن ذرة من إيمان"

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الخلق والمرسلين سيّدنا محمد وعلى ءاله وصحبه أجمعين.

أما بعد، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: "يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وفي قلبه وزن ذرة من إيمان"، رواه البخاري.


الذرّةُ تُطلق على هذا الشيء الذي هو كالغبار الذي يُرى من ضوء الشمس الداخل من الكوّه، وتطلق الذرة ايضاً على النملة الصغيرة. في كل حال المعنى أنّ الذي مات وفي قلبه الإيمان مهما كان قد فعل من المعاصي إذا دخل النار لا بد أن يخرج منها بعد ذلك، لأنه مات على الإيمان. وقد ورد في ذلك أحاديث وءايات كثيرة. ومن المذنبين العُصاة من يُسامحهُم الله تعالى فلا يعذّبهم في النار بشفاعةِ النبي صلى الله عليه وسلم وبشفاعة الشافعين. هذا الذي ذكرناه هو ما أجمع عليه أهل السنه والجماعه وخالف في ذلك طائفتان، طائفةٌ قالوا: من فعل ذنباً من الكبائر ومات من غير توبة فهو خالدٌ في نار جهنم، وطائفةٌ قالوا: اذا كان الشخص مسلماً لا يضرّه مهما فعل ذنوب، والطائفتان شاذتان. الطائفةُ الاولى فرقتان المعتزلةُ والخوارج. الخوارج يقولون: من إرتكب ذنباً كبيراً فقد كفر بذلك، فعندهم من شرب الخمر كافر من ترك الصلاة كافر من آذى مسلماً بغير حق كافر وهكذا، وهذا مخالفٌ لما علّمه رسول الله عليه الصلاة والسلام.

روى مسلم عن أبي ذر قال: أتيتُ النبي صلى الله عليه وسلم وهو نائم وعليه ثوبٌ أبيض، يعني فلم يُوقظه فذهب ثم رجع فوجده بعد نائم، ثم ذهب ثم رجع فوجده قد استيقظ قال: فجلستُ إليه، فقال: "ما من عبدٍ قال لا إله إلا الله ثم مات على ذلك دخل الجنه" قال ابو ذر قلتُ : وإن زنا وإن سرق؟ قال: "وإن زنا وإن سرق" قال: وإن زنا وإن سرق؟ قال: "وإن زنا وإن سرق" ثم سأله الثالثة، ليس لشكّه فيما يقول النبي وانما ليتأكّد انه يفهم جيداً من الرسول ليزداد تأكداً فقال له النبي: "وإن زنا وإن سرق" وقال له في الرابعة: [على رغم أنف أبي ذر] فكان أبو ذر بعد ذلك إذا روى هذا الحديث يقول: من قال لا إله إلا الله ومات على ذلك دخل الجنه وإن رغُمَ أنفُ أبي ذر. وهذا الحديث بمعنى ما رواه ابن حبان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو: "من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنةَ يوماً من الدهر وإن أصابه قبل ذلك ما أصابه" يعني لو عذّب في النار مدّة. ودليل أهل السنه من القرآن واضح قال ربنا: {إن الله لا يغفر ان يُشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشآء} أي أن الله يغفر ما دون الكفر من الذنوب لمن يشاء من عباده. هذا الدليل من القرءان ومن السنّة.


وأقوال الائمة في هذا المعنى كثيرة: قال الامام ابو حنيفه في "الفقه الاكبر": ولا نكفّر مسلماً بذنب من الذنوب وإن كان كبيرةً ما لم يستحلّه. وقال الامام الشافعي عن بعض أهل الكبائر: ينالون عقاب الله إلا إن عفا عنهم ، وذكر التميمي في "الفرق بين الفِرق" إجماع الأُمّةِ على ذلك. وكذلك ذكر الامام النووي وغيرهما فلا عِبرة بخلاف الخوارج في هذا المسألة لا سيما انّ النبي عليه الصلاة والسلام أخبر عنهم قبل ظهورهم وذمّهم ذمّاً كبيراً وسمّاهم : [كِلاب النار] وذكر عنهم اشياء عديده غير هذا. وأما المعتزله ففي هذه المسأله لهم قولٌ عجيب، قالوا: المسلم اذا ارتكب ذنباً من الكبائر خرج من الاسلام، قالوا لكن لا يصير كافراً، قالوا: فهو في منزلةٍ بين المنزلتين بين الكفر والايمان وعلى كل حال هو خالدٍ في النار كالكفار وهؤلاء خالفوا قول الله تعالى: {أفـنـجعلُ المسلمين كالمُجرمين مالَكُم كيفَ تحكُمُون} معناه لا يكون عذاب المسلم مثل عذاب الكافر، وقد رد على هاتين الطائفتين علماء المسلمين عندما ظهرتا، فأما المعتزله فانقرضو ما بقي أحد يقول بكل مقالاتهم، وأما الخوارج فبقي منهم بقيّةٌ قليلة بقي قِلّةٌ جماعة في موضعٍ يقال له "عُمان" في جنوب الجزيرةِ العربيه وطائفةٌ قليله في "ليبيا" و"تونس" و"الجزائر" هذا بالنسبة للفرقة الاولى الذين قالوا: بأن أهل المعصية يخلدون بالنار كالكفار، وأما الطائفةُ الثانية الذين خالفوا عقيدة اهل السنه في هذا المسأله يقال لهم "المرجئه" المرجئه قالوا: لا يضر مع الايمان ذنب، يعني على زعمهم المؤمن مهما فعل من الذنوب هذا لا يضره شيئاً وهذا ايضاً تكذيب للشرع وقد اخبر عنهم رسول الله عليه والصلاة والسلام ايضاً قبل ظهورهم فقد روى الطبري عنهم انه صلى الله عليه وسلم ذكرهم وقال: "ليس لهم في الاسلام نصيب" وقد رد عليهم ايضاً علماء اهل السنه، فلم يبقى منهم أحد. وأما عقيدة اهل السنه فهي عقيدةٌ وسط معتدلة، لم يجعلوا العاصي مثل المطيع ولا جعلوا المسلم كالكافر إنما قالوا: المسلم أدى أعظم حقٍّ على العبيد وهو توحيده تعالى فلا يخلد كالكافر في النار ولو مات على المعصية لأنه ءامن بالله وهذا أعظم فرض، ومن عصى الله من المسلمين يستحق عقاب الله فيُعذّب مدّةً في نار جهنم على ذنوبه ثم يخرج منها ويدخل الجنه خالداً فيها بسبب ايمانه. فإيمانُه نفعه وذنوبه ضرّته لكن قسماً من المسلمين يسامحهُمُ الله بمنّه وعفوه وكرمه فلا يعذبون في نار جهنم مع أنهم ماتوا من غير التوبة.


فهكذا يكون المسلم دائماً بين الخوف والرجاء يخاف عِقاب الله ويرجو رحمةَ الله.

والله تعالى أعلم وأحكم

شرحُ قول الله تعالى (( إلَّا مَنْ أُكْرِهَ وقلبُه مُطْمَئِنٌّ بالإيمان ))ا

الذي يَسُبُّ الله أو القرءانَ أو الصَّلاةَ أو الصِّيامَ أو الزَّكاةَ أو الحَجَّ أو أحدَ أنبياء الله كموسى وعيسى وءادمَ يكونُ كافرًا . إذا لم يَكُنْ مُكْرَهًا على هذا السَّبِّ بالقتلِ ففعلَ هذا في حال الرِّضى أو في حال الغَضَبِ يكونُ كافرًا ، وسواءٌ أَقَصَدَ الخروجَ من الإسلامِ أم لا ، وسواءٌ أَنْشَرَحَ صدرُه لهذا السَّبِّ أم لا ، فإنه كافرٌ بإجماعِ العلماء بلا شَكٍّ . هذه هي الفتوى التي عليها المسلمونَ جميعُهم ، مَنْ رَدَّهَا فهو كافر .
فأينَ دليلُ ما زَعَمَهُ سيِّد سابق في كتابهِ[(فِقْهُ السُّـنَّة)/باب الرِّدَّة]:" إنَّ المسلمَ لا يُعْتَبَرُ خارجًا من الإسلامِ ولا يُحْكَمُ عليه بالرِّدَّةِ إلَّا إذا كانَ مُنْشَرِحَ الصَّدْرِ لِمَا يقولُه من الكُفْرِ واطْمَأَنَّ قلبُه به " .
نعوذُ بالله من فتنةِ هذا الرَّجُلِ الدَّجَّال . أَلَمْ يَعْلَمْ أنَّ غيرَ الْمُكْرَهِ على كلامِ الكُفْرِ بالقتلِ ليسَ شرطًا لوُقُوعهِ في الكفرِ انشراحُ صَدْرِهِ لِمَا يقولُه من الكُفْرِ ولا اطمئنانُ القلبِ إليه ؟!. لقد سَوَّى سيِّد سابق في حُكْمِ الْمُتَلَفِّظِ بالكُفْرِ بينَ الْمُكْرَهِ عليه بالقتلِ وبينَ غيرِه .. وهذا غيرُ مستقيم ..
.
قال مُلَّا عليٌّ القاري في[(شرحِ الفِقْهِ الأكبرِ)/ص165]ما نصُّه :" ففي (حاوي الفتاوى) :" مَن كَفَرَ باللِّسانِ وقلبُه مُطْمَئِنٌّ بالإيمانِ فهو كافرٌ وليس بمؤمنٍ عندَ الله " .. "ا.هـ.
.
هذا حُكْمُ غيرِ الْمُكْرَهِ على كلامِ الكُفْرِ بالقتلِ . وأمَّا الْمُكْرَهُ على كلامِ الكُفْرِ بالقتلِ فإذا نَطَقَ بكلامِ الكُفْرِ بلسانهِ وقلبُه مُطْمَئِنٌّ بالإيمانِ فلا ضَرَرَ عليه وهو عندَ الله مؤمن ..
.
وأمَّا قولُ الله تعالى في سورة النحل (( مَنْ كَفَرَ بالله مِنْ بعدِ إيمانهِ إلَّا مَنْ أُكْرِهَ وقلبُه مُطْمَئِنٌّ بالإيمانِ ولكنْ مَنْ شَرَحَ بالكُفْرِ صدرًا فعليهم غَضَبٌ من الله ولهم عذابٌ عظيم )) فليس فيهِ دليلٌ على ما ادَّعَاهُ سيِّد سابق لأنَّ هذا واردٌ في الْمُكْرَهِ على كلمةِ الكفرِ بالقتلِ فإنه لا يَكْفُرُ إنْ كانَ نُطْقُهُ بالكفرِ من دون أنْ يَنْشَرِحَ صدرُه لذلك الكُفْرِ ، وإنما يَكْفُرُ هذا الْمُكْرَهُ إذا انشرحَ صدرُه حالَ النُّطْقِ بالكفرِ لِمَا قاله من الكُفْرِ .
والمشهورُ أنَّ الآيةَ المذكورةَ نَزَلَتْ في عَمَّارِ بنِ ياسرٍ كما جاء من طريقِ أبي عُبَيْدَةَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَمَّارِ بنِ ياسرٍ قال : أَخَذَ المشركونَ عَمَّارًا فعذَّبوهُ حتى قاربَهم في بعضِ ما أرادوا فشكَى ذلكَ إلى النبيِّ ، صلَّى الله عليه وسلَّم ، فقالَ رسولُ الله لعَمَّار :" كيف تجدُ قلبَك ؟ " ، فقال عَمَّارُ بنُ ياسر :" مطمئنًّا بالإيمان " ، فقال له رسولُ الله :" إنْ عادوا فعُدْ " .
والحديثُ مُرْسَلٌ ، ورجالُه ثِقَاتٌ .. أَخْرَجَهُ الطَّبريُّ في (تفسيره) وابنُ المنذرِ في كتابهِ (الإشراف) . كما رَوَاهُ أيضًا البيهقيُّ في[(سننه)/كتاب المرتد/باب قتل من ارتدَّ عن الإسلام].. ورواه الحاكمُ في[(المستدرَك)/كتاب التفسير]وقال :" هذا حديثٌ صحيحٌ على شرطِ الشَّيْخَيْن " ..
معناهُ إنْ عادَ الكُفَّارُ إلى إكراهكَ على التَّلَفُّظِ بكلمةِ الكُفْرِ بالقتلِ فقُلْـتَهَا فلا شيءَ عليكَ لأنك مُؤْمِنٌ . فحَرَّفَ هذا الرَّجُلُ الذي يَدَّعِي العِلْمَ كلامَ الله وقال مالم يَقُلْهُ عَالِمٌ قَطُّ .
فاعلم ، أخي المسلمَ ، أنَّ الضميرَ في قولهِ تعالى :" ولكنْ مَنْ شَرَحَ " يعودُ إلى الْمُكْرَهِ بالقتلِ الذي انشَرَحَ صَدْرُهُ لكلمةِ الكُفْرِ التي أُكْرِهَ عليها . هذا هو الذي يَكْفُرُ . فإنْ لم ينشرحْ صدرُه لكلمةِ الكفرِ التي أُكْرِهَ عليها فلا يَكْفُرُ . أما غيرُ الْمُكْرَهِ بالقتلِ فإنه يَكْفُرُ إذا نطقَ بكلامِ الكُفْرِ في حال صَحْوِهِ على غيرِ وَجْهِ سَبْقِ اللِّسان ، سواءٌ أَنْشَرَحَ صدرُه لِمَا تَلَفَّظَ بهِ من الكُفْرِ أم لا ، وسواءٌ أَقَصَدَ الخروجَ من الإسلامِ أم لا . ولقد ذَكَرَ الفقهاءُ الحنفيُّونَ والشَّافعيُّونَ أمثلةً كثيرةً تُثْبِتُ كُفْرَ غيرِ الْمُكْرَهِ بالقتلِ إذا نطقَ بكلامٍ كُفْرِيٍّ مُتَعَمِّدًا وهو غضبانُ من غيرِ انشراحِ صَدْرِهِ لِمَا يقولُ ومن غيرِ أنْ ينويَ الخروجَ من الإسلام كأنْ سَبَّ الله أو النبيَّ أو الإسلامَ ، وكَفَّرُوا مَنْ لم يُكَفِّرْهُ .
.
واعلمُوا أنَّ من عبادِ الله عبادًا دخلوا في الإسلام ثمَّ بعد ذلكَ صاروا يَنْطِقُونَ بكلماتٍ قبيحةٍ خرجوا بسببها من الإسلامِ إلى الكفرِ وهم لا يدرونَ بأنهم صاروا كافرينَ وذلك لشدَّة جهلِهم بالأحكامِ الشَّرْعِيَّةِ . وليسَ جهلُهم هذا عذرًا يُنْجِيهِمْ من الوقوعِ في الكُفْرِ ..
ولمزيدٍ من التفصيلِ نقول : إنَّ مَنْ سَبَّ الله تعالى في حال الغضب أو نبيًّا من أنبيائهِ أو الإسلامَ فهو كافر . هذا هو الحُكْمُ الشَّرْعِيُّ . يجبُ علينا تكفيرُه . وليس شرطًا لتكفيرِه أنْ يكونَ الشَّاتِمُ عَالِمًا بهذا الحكم الشَّرْعِيِّ ولا أنْ يكونَ قاصدًا الخروجَ من الإسلام ولا أنْ يكونَ معتقدًا معنى ما يقول ولا أنْ يكونَ منشرحَ الصَّدْرِ لِمَا يقول ، بل يكفي لتكفيرِه أنْ يكونَ في حال صَحْوِهِ ومِنْ غيرِ سَبْقِ لسانٍ ومن غيرِ أن يكونَ مُكْرَهًا على كلامِ الكفرِ بالقتل .
فقد جاء في الحديثِ الذي رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ في (سننهِ) عن أبي هريرةَ وحَسَّنَهُ وأقرَّ الحافظُ ابنُ حَجَرٍ تحسينَه أنه ، صلَّى الله عليه وسلَّم ، قال :" إنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بالكلمةِ لا يَرَى بها بأسًا يَهْوِي بها سبعينَ خريفًا في النَّارِ " .. أي سبعينَ سنة ..
فأفهمَنا رسولُ الله ، صلَّى الله عليه وسلَّم ، بقوله :" لا يَرَى بها بأسًا " أنه ليس شرطًا للوُقُوعِ في الكُفْرِ أنْ يكونَ النَّاطِقُ بكلامِ الكُفْرِ عَالِمًا بحُكْمِ هذا الكلامِ ولا أنْ يكونَ معتقدًا لمعناه . وإنما يكفي أنْ يكونَ الشخصُ يَفْهَمُ معنى ما يقولُ من غيرِ أنْ يكونَ مُكْرَهًا بالقتلِ ومنْ غيرِ سبقِ اللِّسَانِ .
ورَوَى هذا الحديثَ أيضًا البخاريُّ ومسلمٌ في (صحيحَيهما) عن أبي هريرةَ عن النبيِّ ، صلَّى الله عليه وسلَّم ، بلفظ :" إنَّ العبدَ لَيَتَكَلَّمُ بالكلمةِ ما يَتَبَيَّنُ فيها يَهْوِي بها في النَّارِ أبعدَ مِمَّا بينَ المشرقِ والمغرب " .
وهذا يعني أنَّ من النَّاسِ مَنْ يَتَكَلَّمُ بالكلمةِ المخرجةِ من الإسلام من غير أنْ يعرفَ أنها تُخْرِجُ من الإسلام . وهذه المسافةُ المذكورةُ في الحديثِ هي نهايةُ قَعْرِ جَهَنَّمَ .
فقد ثَبَتَ أنَّ النبيَّ كانَ مَعَ بعضِ أصحابهِ فسمعوا وَجْبَةً . فقال :" أتدرونَ ما هذا ؟؟" .. فقيلَ له :" الله ورسولُه أعلم " .. قال :" هذا حَجَرٌ رُمِيَ بهِ في النَّارِ منذ سبعينَ خريفًا فهو يَهْوِي في النَّارِ الآنَ حتى انتهى إلى قعرِها " .. ثَبَتَ هذا في (صحيح مسلم) عن أبي هريرة ..
قال الحافظُ ابنُ حَجَرٍ في الكلامِ الذي يُوجِبُ الوُصُولَ إلى قعرِ جَهَنَّمَ :" وذلكَ ما كانَ فيه استخفافٌ بالله تعالى أو بشريعته ".
وليس جهلُ الإنسان بالكلامِ الْمُخْرِج من الإسلامِ عُذْرًا . ففي كتاب[(الفتاوى الهندية)/ج2/ص261]أنه قد رُفِعَ سؤالٌ إلى الإمامِ المجتهدِ مُحَمَّدِ بنِ الحَسَنِ عن رجلٍ شوهِد على معصيةٍ ظاهرةٍ فقيل له :" أَلَا تخاف الله ؟؟" فقال :" لا أخافُه " . فأفتى الإمامُ مُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ بأنه كافرٌ غيرُ مسلم ، ولا يمكن تأويلُ كلامهِ .. بهذا أفتى الإمامُ مُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ .. فلو كان جَهْلُ الإنسانِ بالكلامِ الْمُخْرِجِ من الإسلامِ عذرًا لَتَرَكَ الإمامُ تكفيرَه ولم يُفْتِ بما أفتى به .
.
وقال الإمامُ الحافظُ ابنُ حَجَرٍ في كتابه[(فتح الباري)/ج2/ص300]ما نصُّه :" إنَّ من المسلمينَ مَنْ يخرجُ من الدِّينِ من غيرِ أنْ يَقْصِدَ الخروجَ منه ومن غير أن يختار دينًا على دينِ الإسلام " . 
وقال القَوْنَوِيُّ ما نصُّه :" ومَنْ تَلَفَّظَ بكلمةِ الكفرِ طائعًا غيرَ معتقدٍ له فقد كَفَرَ ولا يُعْذَرُ بالجهلِ "ا.هـ.
نقلَ ذلكَ عنه مُلَّا عليٌّ القاري في[(شرح الفقه الأكبر)/ص163]..
---------------------------------------------------
1) هذا الذي أَكْرَهَهُ الكُفَّارُ بالقتلِ على سَبِّ النبيِّ محمَّد ، صلَّى الله عليه وسلَّم ، بلفظ[[محمَّد ملعون]]ليس فرضًا عليه أنْ يُضْمِرَ توريةً ، ولا يجوزُ له أنْ يَقْصِدَ النبيَّ مُحَمَّدًا . إذا قصَده يَكْفُرُ ولو كان قلبُه كارهًا لسبِّ النبيِّ محمَّد . ليس لهذا الْمُكْرَهِ عذرٌ في أنْ يَقْصِدَ النبيَّ مُحَمَّدًا صلَّى الله عليه وسلَّم . الكُفَّارُ أَكْرَهُوا لسانَه ولم يُكْرِهُوا قلبَه .. الْمُكْرَهُ بالقتلِ على التَّلَفُّظِ بهذا اللَّفْظِ ليس فرضًا عليه أنْ يُضْمِرَ توريةً . أيْ أنه ليس فرضًا عليه أنْ ينويَ بهذا اللَّفْظِ رَجُلًا كافـرًا يعرفُه اسمُه محمَّد . وإنما يجوزُ للمُكْرَهِ أنْ يَقْصِدَ بقلبهِ إجراءَ هذا اللَّفْظِ على لسانهِ مع كراهيتهِ لسبِّ النبيِّ وليس له أنْ يَقْصِدَ النبيَّ مُحَمَّدًا صلَّى الله عليه وسلَّم . قَصْدُ النبيِّ محمَّد شَيْءٌ وكراهيةُ الطَّعنِ فيه شيءٌ ءاخَر . كِـلا الأمرَين مختلفانِ منفصلان . إذا قَصَدَهُ يَكْفُرُ لأنه لا عذرَ له في أنْ يَقْصِدَ النبيَّ مُحَمَّدًا . الكُفَّارُ لَمَّا طلبوا منه أنْ يقول[[محمَّد ملعون]]لم يُكْرِهُوا قلبَه على أنْ يَقْصِدَ النبيَّ مُحَمَّدًا ، وليسوا بقادرين على ذلك . فإذا عَزَمَ هذا المسلمُ على أنْ يَنْطِقَ بهذا اللَّفْظِ ليَتَخَلَّصَ من القتلِ من غيرِ قَصْدِ كافرٍ مُعَيَّنٍ فليقصِد إجراءَ هذا اللَّفْظِ على لسانهِ فقط .. ثمَّ إنَّ الذي كانَ يَظُنُّ أنه يجوزُ لمنْ أَكْرَهَهُ الكفَّار بالقتلِ على قول[[محمَّد ملعون]أنْ يَقْصِدَ النبيَّ مُحَمَّدًا فإنَّ هذا يكونُ كافـرًا خاطئًا ..
.
2) الْمُكْرَهُ على الكُفْرِ بالقتلِ يجوزُ له أنْ يَنْطِقَ بكلمةِ الكُفْرِ . وهذا الحُكْمُ واردٌ في شرعِ سيِّدنا محمَّد وفي شَرْعِ الأنبياء الذينَ مَضَوْا قبلَ نبيِّنا محمَّد عليهم الصَّلاة والسَّلام . وأمَّا مَنْ قال إنه لم يكنْ في الشَّرائع السَّابقة جائزًا للمُكْرَهِ أنْ يَنْطِقَ بكلمةِ الكُفْرِ فقد غَلِطَ غَلَطًا كبيرًا ، فإنْ كانَ ممَّن يخفَى عليه الحُكْمُ فلا يَكْفُرُ وأمَّا الذي لا يخفَى عليه الحُكْمُ وقال هذا فإنه يَكْفُرُ .

والحمدُ للهِ رَبِّ العالَمين

حسن التفهم والدرك لمسئلة الترك

  حسن التفهم والدرك لمسئلة الترك تأليف: أبي الفضل عبد الله محمد الصديقي الغماري تقديم الترك ليس بحجة في شرعنا … لا يقتضي منعًا ولا إيجابا فم...