بعض الأحاديث الدالة على التنـزيه
وإليك بعض الأحاديث التي تدل على تنـزيه الله عن الجهة والمكان والحد والجسمية.
1ـ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كان الله ولم يكن شىء غيره" رواه البخاري والبيهقي وابن الجارود. ومعنى الحديث: أن الله لم يزل موجودا في الأزل ليس معه غيره، لا زمان ولا مكان، فهو تعالى موجود قبل المكان بلا مكان، وهو خالق المكان فلا يحتاج إليه.
2ـ وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اللهم أنت الأول فليس قبلك شىء، وأنت الآخر فليس بعدك شىء، وأنت الظاهر فليس فوقك شىء، أنت الباطن فليس دونك شىء" رواه مسلم.
قال الإمام الحافظ البيهقي في الأسماء والصفات (2/144) ما نصه: (واستدل بعض أصحابنا في نفي المكان عنه ـ أي عن الله ـ بقول النبيّ عليه الصلاة والسلام: "أنت الظاهر فليس فوقك شىء، وأنت الباطن فليس دونك شىء" وإذا لم يكن فوقه شىء ولا دونه شىء لم يكن في مكان). اهـ. وهذا الحديث فيه أيضا الرد على القائلين بالجهة في حقه تعالى.
وقال الحافظ ابن العربي في شرح الترمذي (12/184) ما نصه: (والمقصود من الخبر أن نسبة الباري في الجهات إلى فوق كنسبته إلى تحت إذ لا ينسب إلى الكون في واحدة منهما بذاته.
الرابعة: قد جاء تفسير ذلك في الحديث الصحيح أن النبيّ عليه الصلاة والسلام قال: "اللهم أنت الأول فليس قبلك شىء وأنت الآخر فليس بعدك شىء وأنت الظاهر فليس فوقك شىء وأنت الباطن فليس دونك شىء"). اهـ
3ـ وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو أنكم دليتم رجلا بحبلٍ إلى الأرض السفلى لهبط على الله" رواه الترمذي. اهـ مع ضعف هذا الحديث فقد استدل به العلماء على نفي المكان عن الله تعالى.
قال المحافظ ابن حجر العسقلاني في الفتاوى قسم الحديث (ص/20) ما نصه: (معناه أن علم الله يشمل جميع الأقطار، فالتقدير لهبط على علم الله،والله سبحانه وتعالى منـزه عن الحلول في الأماكن، فإنه سبحانه وتعالى كان قبل أن يحدث الأماكن). اهـ. ونقله عنه تلميذه الحافظ السخاوي في كتابه المقاصد الحسنة وأقره عليه (ص/345). وذكره أيضا الحافظ المؤرخ ابن طولون الحنفي في كتاب الشذرة في الأحاديث المشتهرة (2/72) وأقره عليه.
وقال الحافظ البيهقي في الأسماء والصفات ( 2/144) بعد ذكر هذه الرواية ما نصه: (والذي روي في ءاخر هذا الحديث إشارة إلى نفي المكان عن الله تعالى، وأن العبد أينما كان فهو في القرب والبعد من الله تعالى سواء، وأنه الظاهر فيصح إدراكه بالأدلة، والباطن فلا يصح إدراكه بالكون في مكان). اهـ
وقال الحافظ أبو بكر ابن العربي المالكي في شرحه على الترمذي (12/184) ما نصه: (والمقصود من الخبر أن نسبة الباري في الجهات إلى فوق كنسبته إلى تحت، إذ لا ينسب إلى الكون في واحدة منهما بذاته). اهـ. أي أن الله منـزه عن الجهة والمكان، فالله تعالى لا يحل في شىء ولا يشبه شيئاً. سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون علواً كبيرا.
4ـ وقال الإمام أبو المظفر الاسفرايني في التبصير في الدين ( ص/145) ما نصه: (وقد روي في الخبر عن النبيّ عليه الصلاة والسلام ما تحقق به المعنى الذي بينا على هذه الظواهر، وذلك أنه صلى الله عليه وسلم قال: "كان ملك يجيء من السماء وءاخر من الأرض السابعة فقال كل واحد منهما لصاحبه: من أين تجيء؟ قال: من عند الله". ولو كان له حد ونهاية استحال كونه في جهتين مختلفتين. فتقرر به استحالة الحد والنهاية، وأن جملة الملكوت تحت سلطانه وقدرته وعلمه ومعرفته). اهـ
5ـ وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن أحدكم إذا قام في صلاته فإنه يناجي ربّه أو إن ربّه بينه وبين القبلة" رواه البخاري في صحيحه. (باب حك البزاق باليد في المسجد).
قال الحافظ ابن حجر العسقلاني في فتح الباري ( 1/669) ما نصه: (وقد نزع به بعض المعتزلة القائلين بأن الله في كل مكان وهو جهل واضح، وفيه ـ أي في حديث : "إن أحدكم إذا قام في صلاته فإنه يناجي ربّه أو إن ربّه بينه وبين القبلة" ـ الرد على من زعم أنه على العرش بذاته). اهـ
قال البيهقي في الأسماء والصفات (2/213) (قال أبو سليمان الخطابي رحمه الله: قوله: "فإن الله تعالى قبل وجهه". تأويله أن القبلة التي أمره الله تعالى بالتوجه إليها للصلاة قبل وجهه، فليصنها عن النخامة وفيه إضمار وحذف واختصار، كقوله تعالى: {وَأُشْرِبُواْ فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ} (البقرة/93) أي حب العجل. وكقوله: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} ( يوسف/82) يريد أهل القرية، ومثله في الكلام كثير، وإنما أضيف تلك الجهة إلى الله تعالى على سبيل التكرمة، كما قيل: بيت الله وكعبة الله، في نحو ذلك من الكلام.
وقال في قوله: "ربه بينه وبين القبلة" معناه أن توجهه إلى القبلة مفض بالقصد منه إلى ربه، فصار في التقدير كأن مقصوده بينه وبين قبلته، فأمر بأن تصان تلك الجهة عن البزاق ونحوه.
وقال أبو الحسن بن مهدي فيما كتب لي أبو نصر بن قتادة من كتابه: معنى قوله صلى الله عليه وسلم: "إن الله قبل وجهه" أي أن ثواب الله لهذا المصلي ينـزل عليه من قبل وجهه، ومثله قوله: "يجىء القرءان بين يدي صاحبه يوم القيامة" أي يجىء ثواب قراءته القرءان. قال البيهقي: وحديث أبي ذر يؤكد هذا التأويل). انتهى كلام البيهقي.
6ـ ومن الأحاديث الدالة على تنـزيه الله عن الجهة والمكان ما رواه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد،فأكثروا الدعاء -فأكثروا من السجود-". رواه مسلم وأبو داود والنسائي.
قال النووي في شرحه على صحيح مسلم ( 4/167) ما نصه: (قوله صلى الله عليه وسلم:" أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا الدعاء" معناه أقرب ما يكون من رحمة ربه وفضله). اهـ
وقال الحافظ جلال الدين السيوطي في شرح سنن النسائي ( 2/226ـ227) ما نصه: (قال البدر بن الصاحب في تذكرته: في الحديث إشارة إلى نفي الجهة عن الله تعالى).
وقال أيضا عند شرحه الحديث المذكور ما نصه: (قال القرطبي: هذا أقرب بالرتبة والكرامة لا بالمسافة، لأنه منـزه عن المكان والمساحة والزمان). اهـ
وقال الحافظ مرتضى الزبيدي في الإتحاف ( 3/30ـ33) ممزوجا مع قول الغزالي ما نصه: (وقال أبو هريرة رضي الله عنه: أقرب ما يكون العبد إلى الله تعالى أي إلى رحمته إذا سجد أي حالة سجوده). اهـ
وقال اللغوي مجد الدين الفيروزأبادي في كتاب بصائر ذوي التمييز (مادة: ق ر ب) ما نصه: (وقرب الله تعالى من العبد هو الإفضال عليه والفيض لا بالمكان). اهـ
وقال اللغوي أبو القاسم المشهور بالراغب الأصفهاني في المفردات في غريب القرءان (مادة: ق ر ب، ص/415) ما نصه: (وقربُ الله تعالى من العبد هو بالإفضال عليه والفيض لا بالمكان). اهـ
وقال الحافظ اللغوي مرتضى الزبيدي في الإتحاف (2/37) ما نصه: (قال أبو إسحاق الشيرازي ـ صاحب التنبيه والمهذب ـ: فلو كان في جهة فوق لما وصف العبد بالقرب منه إذا سجد). اهـ
وقال القاضي عياض في الشفا ( 1 / 205) ما نصه: (اعلم أن ما وقع من إضافة الدنو والقرب هنا من الله أو إلى الله فليس بدنو مكان ولا قرب مدى، بل كما ذكرنا عن جعفر ابن محمد الصادق: ليس بدنو حد وإنما دنو النبي عليه الصلاة والسلام من ربه وقربه منه إبانة عظيم منـزلته وتشريف رتبته). اهـ
وقال الشيخ محمد بن عبد الهادي السّندي الحنفي في حاشيته على سنن النسائي ( 2/227) عند شرح حديث: "أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، فأكثروا من السجود" ما نصه: (قال القرطبي: هذا أقرب بالرتبة والكرامة لا بالمسافة والمساحة، لأنه تعالى منـزه عن المكان والزمان. وقال البدر بن الصاحب في تذكرته: في الحديث إشارة إلى نفي الجهة عن الله تعالى….. إلى أن قال: على أن المراد القرب مكانة ورتبة وكرامة لا مكاناً).اهـ
وقال الحافظ الزبيدي في الإتحاف (2/37) ما نصه: (وقوله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم: وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ [العلق/19] دليل على أن المراد به قرب المنـزلة لا قرب المكان كما زعمت المجسمة أنه مماس لعرشه إذ لو كان كذلك لازداد بالسجود منه بعداً لا قربًا). اهـ
وقال أبو إسحاق إبراهيم بن موسى الشاطبي في كتابه الإفادات والإنشادات (ص/ 93ـ94) ما نصه: (سألني الشيخ الأستاذ الكبير الشهير أبو سعيد فرج بن قاسم بن لُب التغلبي أدام الله أيامه عن قول ابن مالك في (تسهيل الفوائد) في باب اسم الإشارة: (وقد يغني ذو البعد عن ذي القرب لعظمة المشير أو المشار إليه) فقال: إن المؤلف مثل عظمة المشير في الشرح بقوله تعالى:{وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى} [سورة طه/17] ولم يبين ما وجه ذلك، فما وجهه؟ ففكرت فلم أجد جواباً. فقال: وجهه أن الإشارة بذي القرب هاهنا قد يُتوهم فيها القرب بالمكان، والله تعالى يتقدس عن ذلك، فلما أشار بذي البعد أعطى بمعناه أن المشير مباين للأمكنة، وبعيد عن أن يوصف بالقرب المكاني، فأتى البعد في الإشارة منبهاً على بعد نسبة المكان عن الذات العلي وإنه يبعد أن يحلَّ في مكان أو يدانيه). اهـ
7ـ ومن الأحاديث الدالة على تنـزيه الله عن المكان والجهة قوله عليه الصلاة والسلام: "ما ينبغي لعبد أن يقول: إني خيرٌ من يونس بن متى" رواه البخاري ومسلم.
قال الحافظ السيوطي في شرح سنن النسائي (1\576) ما نصه: (ويدل على ذلك أيضا ـ أي على نفي الجهة ـ ما رواه البخاري ومسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبيّ عليه الصلاة والسلام: "لا تفضلوني على يونس بن متى"). اهـ
وقال المفسّر أبو عبد الله القرطبي في تفسيره ( 11\333ـ334 و 15\ 124) ما نصه: (قال أبو المعالي: قوله صلى الله عليه وسلم: "لا تفضلوني على يونس بن متى" المعنى فإني لم أكن وأنا في سدرة المنتهى بأقرب إلى الله منه وهو في قعر البحر في بطن الحوت، وهذا يدل على أن البارىء سبحانه وتعالى ليس في جهة). اهـ
وقال الشيخ الصوفي الزاهد ابن أبي جمرة في كتابه بهجة النفوس (3/176) ما نصه: (فمحمد عليه السلام فوق السبع الطباق ويونس عليه السلام في قعر البحر، وهما بالنسبة إلى القرب من الله سبحانه على حد سواء، ولو كان عز وجلّ مقيدا بالمكان أو الزمان لكان النبيّ عليه الصلاة والسلام أقرب إليه، فثبت بهذا نفي الاستقرار والجهة في حقه جلّ جلاله). اهـ
وقال المحدث الزبيدي في إتحاف السادة المتقين ج2 ص171 ما نصه: (ذكر الإمام قاضي القضاة ناصر الدين بن المنير الإسكندري المالكي في كتابه (المنتقى في شرف المصطفى) لما تكلم على الجهة وقرر نفيها، قال: ولهذا أشار مالك رحمه الله تعالى في قوله صلى الله عليه وسلم: "لا تفضلوني على يونس بن متى" فقال مالك: إنما خص يونس بالتنبيه على التنـزيه لأنه صلى الله عليه وسلم رفع إلى العرش ويونس عليه السلام هبط إلى قاموس البحر ونسبتهما مع ذلك من حيث الجهة إلى الحق جل جلاله نسبة واحدة، ولو كان الفضل بالمكان لكان عليه السلام أقرب من يونس بن متى وأفضل ولما نهى عن ذلك، ثم أخذ الإمام ناصر الدين يبدي أن الفضل بالمكانة لأن العرش في الرفيق الأعلى فهو أفضل من السفلى، فالفضل بالمكانة لا بالمكان، هكذا نقله السبكي في رسالة الرد على ابن زفيل). اهـ
وابن زفيل هو ابن قيم الجوزية المبتدع تلميذ المجسم ابن تيمية الذي قال: بأزلية نوع العالم. وهذا كفر بالإجماع كما ذكر العلامة بدر الدين الزركشي في تشنيف المسامع.
يتبع بإذن الله
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق