عن أنس بن مالك رضي الله عنه: إن رجلاً كان عند النبي صلى الله عليه وسلم، فمر رجل به فقال: يا رسول الله! إني أحب هذا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أأعلمته؟ فقال: لا، قال: أعلمه، فلحقه فقال: إني أحبك في الله، فقال الرجل: أحبك الله الذي أحببتني له رواه ابو داود.
في الحديث بيان فضل محبة المسلم لأخيه في الله، والمحبة في الله هو أن يكون دافع الحب لأخيه ثواب الله، لا لغرض دنيوي أو قرابة أو صحبة أو نحوه، بل يميل بقلبه له ويحبه طلبا لثواب الله تعالى، والله تبارك وتعالى أخبر في الحديث القدسي أن من كانت هذه صفته فله عند الله الثواب العظيم والدرجة الرفيعة يوم القيامة.
روى الإمام مالك عن معاذ بن جبل بإسنادٍ صحيح قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يقول الله عز وجل : وجبت محبتي للمتحابين فيَّ، والمتجالسين فيَّ، والمتزاورين فيَّ، والمتباذلين فيَّ، والمتحابون في الله في ظل العرش يوم القيامة كما جاء في قوله صلى الله عليه وسلم: سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله -وذكر منهم- رجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ومعنى في ظله أي في ظل العرش لأن الله تعالى ليس جسمًا حتى يكون له ظل، فمن تحققت له هذه الصفة يكون في ظل العرش يوم القيامة معافاً من حر الشمس وزحمة الموقف.
وفي قوله صلى الله عليه وسلم أاعلمته بيان شدة نصح النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه وتعليمهم وإرشادهم لما فيه زيادة أواصل المحبة بين الإخوة، وفيه إعلام المسلم لأخيه عما في قلبه له من المحبة وإدخال السرور إلى قلبه وزيادة الإلفة والمودة بين الإخوة،وكما جاء في حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ بيده وقال: يا معاذ! والله إني لأحبك، أوصيك يا معاذ لا تدَعَنَّ في دبر كل صلاة تقول: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك رواه أبو داود، وفي إحدى روايات الحديث كما عند البخاري في الأدب المفرد: أن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال للنبيّ صلى الله عليه وسلم: وأنا والله أحبك وعن الْمِقْدَامِ بنِ مَعْدِي كَرب رضي الله عنه قال: قَال رسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا أَحَبَّ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ فَلْيُعْلِمْهُ إِيَّاهُ رواه الترمذي.
وفي لحوقه بأخيه وإخباره بحبه له تنفيذ لأمر النبي صلى الله عليه وسلم وهو علىالنَدب لا على الوجوب، وفي جواب أخيه بالدعاء له بقوله أحبك الله فهي دعوة لأمر عظيم ومنزلة عالية رفيعة القدر، فمحبة الله تبارك وتعالى فضيلةٌ وغاية يسمو إليها أهل الهمَم العالية من عباد الله الصالحين، و الله تعالى وصفَ المؤمنين بشدَّة الحُبِّ له فقال: وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ، وقال الله تعالى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ
والمحبة من الله لعبده هي إرادة الثواب للعبد المؤمن الكامل وليست إنفعالات كما هي عند البشر، الإنسان يحبُ بشعور وانفعالات وعاطفة وشفقة ونحوه، أما الله تعالى فالحب منه هو إرادة الثواب للعبد لأن الله تعالى مستحيل عليه أي صفة من صفات الخلق، والله تعالى إذا أحب عبداً لا يسخط عليه أبدًا، ولمَحَبة الله تبارك تعالى لعبده أثرٌ وهو أنَّ يوضع له القُبُولَ فِي الأَرْضِ، قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنَّ الله إذا أحبَ عبداً نادى جبريل: إنَّ الله قد أحبَ فلاناً فأحِبه ، فيحبهُ جبريل، ثم يُنادي جبريل في السماء: إنَ الله قد أحب فلانا فاحبوه، فيحبهُ أهلُ السماء، ويوضع له القبول في أهل الأرض ومعنى القبول هنا أي يجعل الله لهذا العبد الحبَ في قلوب أولياء الله الصالحين فتميلُ إليه قلوبهم فيحبونه وتكون خاتمته على خير من الله تعالى.
ولقد ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم قصة رجل أكرمه الله تعالى برؤية ملك من ملائكة السماء أرسله الله لعبد من عباده يخبره أن الله تعالى يُحِبهُ!! يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنَّ رجلاً زار أخاً له في قرية أخرى فأرصد الله على مدرجته ملكاً - مدرجته أي: طريقه- فلما أتى عليه قال: أين تريد؟ قال: أخاً لي في هذه القرية - أخ له يحبه في الله- قال: هل لك عليه من نعمة تردها؟ قال: لا. غير أني أحبه في الله، فقال المَلك: فإني رسول الله إليك أنَّ الله قد أحبك كما أحببتَه فيه رواه مسلم.
ولقد كان الصحابة رضوان الله عليهم يسألون النبي صلى الله عليه وسلم عن أسباب الوصول الى محبة الله تعالى، فعن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ، دُلّني على عمل إذا عملته أحبني الله وأحبّني الناس، فقال: ازهد في الدنيا يحبّك الله، وازهد فيما عندَ الناس يُحبّك الناس أرشدهُ عليه الصلاة والسلام أنَّ الزهد وهو ترك تعلق النفس بالدنيا وشهواتها، سبب لبلوغ هذه المرتبة العظيمة أن يحبه الله تعالى.
وممن ذكر الله تعالى في القرأن العظيم أنه يُحبهم الأتقياء قَاَل اللهُ تَعَالَى: إنَّ اللهَ يُحِبُّ المُتَّقِينَ، فأَهْلُ التَّقْوَى فازوا بِمَحَبَّةِ اللهِ تعالى، وَالتَّقْوَى هي أداء الواجبات واجتناب المحرمات ومن الواجبات تعلم الفرض العيني من علم الدين الذي منه معرفة ضروريات الإعتقاد كالعلم بالله تعالى وصفاته وانه خالق كل شي وأن الله تبارك وتعالى ليس جسماً ولا حجماً ولا كمية ولا تحويه الجهات ولا يجوز عليه أي صفة من صفات الخلق كالمكان واللون وغيرها،.
والتائبون المتطهرون الراجعون من ذنوبهم بالتوبة الصحيحة ذكرهم الله في القرأن فقال: إنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ، وأَهْلُ التَّوَكُّلِ أيضا ذكرهم الله بقوله: إنَّ اللهَ يُحِبُّ المْتُوَكِّلِينَ، والمحسنون قال الله فيهم:وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ، وكذلك الصابرون قال الله تعالى: وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ، وأهل العدل المقسطين ذكرهم الله بقوله وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ، فإذا أحب الله عبدأ فالخير الذي سيصيبه كثير، والفضل الذي سيناله عظيم، فهذا يسير من الثمرات العظيمة لمحبة الله تعالى لعبده التقي وبيان عظيم قدر حب المسلم لأخيه في الله، فاحرص على أن تحب أخاك لله، وأعلِم أخاك بحبك له .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق