علم الدين دليل الفلاح والنجاح والنجاة في الآخرة وبه يُعلم شكر الله لأن شكر الله هو طاعته، والجهل بعلم الدين مذموم. فقد قال بعض السلف: "الجاهل يريد أن يحسن فيفسد" لجهله، لأن الجاهل كالتائه في الصحراء بلا دليل يمشي لا يدري أيقترب من مبتغاه أم يبتعد، الجاهل يكون ألعوبة بيد الشيطان لأنه يوهمه أن هذا الأمر يقربه من الله وفي الحقيقة يبعده من الله، ما عنده تمييز، الجاهل لا يضمن صحة طهارته ولا صحة صلاته ولا صحة زكاته ولا صحة حجه ولا صحة صومه، كيف يضمن وهو لا يعرف الأحكام؟ كيف يضمن أن صلاته صحيحة وأن صيامه صحيح؟
قال بعض الصالحين: "مَن أنِسَ بالجهل قد يفرّ من العلم كما أنّ الْجُعُلَ يفرّ من المسك ويألف القذر".
الْجُعُل هذه الحشرة التي تدور حول الخلاء في بلاد الفلاحين، حشرة صغيرة مستديرة الشكل لمسها خنفساء هذه قوتُها القذر الذي يخرج من بني ءادم تكتّله ثم تسوقه إلى وكرها، هذه تهرب من المسك وتألف هذا القذر.
فمن أراد الرفعة والرقي إلى المقامات السنية يتعلم ويتعب ويعمل ويكن في ازدياد لعمل الآخرة ويطرح الكسل وراء ظهره لأن الدنيا زائلة والآخرة ينفع فيها التقوى وهما ضرّتان إن أرضيت إحداهما أسخطت الأخرى.
وقد بعض العلماء : "الدنيا والآخرة مثل المشرق والمغرب كلما اقتربت من واحدة ابتعدت عن الأخرى".
ويقول الله عزّ من قائل: {أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ} التوبة/38.
وقال جلت أسماؤه: {وَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ} ءال عمران 185 .
وروى مسلم عن مُطّرفٍ عن أبيه قالت: "أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ ألْهاكم التكاثر قال يقول ابن ءادم مالي مالي قال وهل لك يا ابن ءادم من مالك إلا ما أكلت فأفنيت أو لبست فأبليت أو تصدقت فأمضيت".
فقوله تعالى: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} أي شغلكم المباهاة بكثرة المال والعدد والتفاخر بالقبائل والعشائر والتشاغل بالمماشي والتجارة عن طاعة الله وعبادته.
وقيل إن سبب نزولها أن اليهود قالوا: نحن أكثر من بني فلان وبنو فلان أكثر من بني فلان فألْهاهم ذلك حتى ماتوا ضلالاً فنَزلت هذه الآية فيهم .
{حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ}: أي مفتخرين بالأموات تزورون المقابر وتعدون من فيها من موتاكم تكاثرًا وتفاخرًا.
وقيل حتى أدرككم الموت وأنتم على تلك الحال حضرتم في المقابر زوّارًا ترجعون منها إلى منازلكم في الجنة أو في النار كرجوع الزائر إلى منْزله.
{كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ}: كلا: أي ليس الأمر على ما أنتم عليه من التفاخر والتكاثر.
{ سَوْفَ تَعْلَمُونَ}: أي سوف تعلمون عاقبة هذا إذا نزل بكم الموت.
{ ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ}: هذا وعيد بعد وعيد، وتكرار ذلك إنما هو على وجه الوعيد.
{كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ}: أعاد {كلا} وهو زجر وتنبيه، والمعنى: لو تعلمون علمًا يقينًا لشغلكم ما تعلمون عن التكاثر والتفاخر.
{لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ}: أي النار، وهذا وعيد ءاخر وهو إضمار القسم.
قال القرطبي: "والخطاب للكفار الذين وجبت لهم النار".
{ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ}: أي مشاهدة.
فالمراد بقوله: {عَيْنَ الْيَقِينِ} نفس اليقين لأن عين الشىء ذاته.
{ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ}: الظاهر العموم في النعيم وهو كل ما يُتلذّذ به من مطعم ومشرب ومفرش ومركب والأمن والماء البارد العذب وصحة الأبدان والفراغ وكل شىء من لذة الدنيا ، فالكافر يسأل توبيخًا إذ لم يشكر المنعم ولم يوحده.
والمؤمن يسأل عن شكرها، والشكر أن لا يعصيه بنعمه . فقد قال الجنيد البغدادي لَما سئل عن الشكر: "أن لا يعصي الله بنعمه"
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق