بحث هذه المدونة الإلكترونية

السبت، 15 ديسمبر 2018

حكم الذكر بالاسم المفرد [الله]



ما الذكر بالاسم المفرد [الله] فجائز بدليل قول الله تعالى {واذْكُرِ اسمَ ربِّكَ وتبتَّلْ إليه تبتيلاً} [المزمل: 8]. وقوله تعالى: {واذْكُرِ اسمَ ربِّكَ بكرةً وأصيلاً} [الدهر: 25
].
وقد ورد في الحديث الشريف الذي رواه أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم: “لا تقوم الساعة حتى لا يقال في الأرض: الله، الله” [أخرجه مسلم في صحيحه في كتاب الإيمان، والترمذي في كتاب الفتن، وقال: حديث حسن، والإمام أحمد في مسنده]. فهذا اسم مفرد ورد ذكره مكرراً في هذا الحديث.

وفي رواية أخرى عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لا تقوم الساعة على أحدٍ يقول: الله، الله” [أخرجه مسلم في صحيحه في كتاب الإيمان، والترمذي في كتاب الفتن، وقال: حديث حسن، 

والإمام أحمد في مسنده]. قال العلامة علي القاري في شرح هذا الحديث: (أي لا يُذكَرُ الله فلا يبقى حكمة في بقاء الناس، ومن هذا يُعرَفُ أن بقاء العالم ببركة العلماء العاملين والعُبَّاد الصالحين وعموم المؤمنين، وهو المراد بما قال الطيبي رحمه الله: معنى حتى لا يُقالَ [الله، الله]: حتى لا يُذكَرَ اسمُ الله ولا يُعبَد) [“مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح” لملا علي القاري ج5/ص226
].
ثم إن الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة التي رَغَّبَتْ في الذكر جاءت عامة ومطلقة لم تخصص ذكراً معيناً، ولم يرد نص شرعي يُحَرِّمُ الذكرَ بالاسم المفرد [الله]
.
ومن هنا يظهر خطأ بعض المتسرعين بالاعتراض على الذكر بالاسم المفرد بحجة أنه لم يَرِدْ به نص في الكتاب والسنة، مع أن النصوص المذكورة آنفاً ظاهرة جلية كما بينا.

واعترض بعضهم أيضاً على الذكر بالاسم المفرد بحجة أنه لا يؤلف جملة تامة مفيدة كما في قولنا: الله جليل
والجواب على ذلك: أن الذاكر بهذا الاسم المفرد لا يكلم مخلوقاً فلا يُشترط أن يكون كلامه تاماً مفيداً؛ لأنه يذكر الله سبحانه الذي هو عالم بنفسه مطلع على قلبه. ولقد نص جمهور العلماء على جواز الذكر بالاسم المفرد [الله]، وإليك بعض أقوالهم

يقول العلامة ابن عابدين في حاشيته الشهيرة عند شرح البسملة وبحثه عن لفظة [الله]: (روى هشام عن محمد عن أبي حنيفة أنه [أي الله] اسم الله الأعظم، وبه قال الطحاوي، وكثير من العلماء وأكثر العارفين حتى إنه لا ذكر عندهم لصاحب مقام فوق الذكر به، كما في “شرح التحرير” لابن أمير حاج) [حاشية ابن عابدين ج1/ص5
].
وقال العلامة الخادمي: (واعلم أن اسم الجلالة [الله] هو الاسم الأعظم عند أبي حنيفة والكسائي والشعبي وإسماعيل بن إسحق وأبي حفص وسائر جمهور العلماء، وهو اعتقاد جماهير مشايخ الصوفية ومحققي العارفين، فإنه لا ذكر عندهم لصاحب مقام فوق مقام الذكر باسم [الله] مجرداً. قال الله لنبيه عليه الصلاة والسلام: {قُلِ اللـهُ ثُمَّ ذرهُمْ} [الأنعام: 91
]).
وقال العلامة المحدث المناوي شارحاً حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن الله تعالى يقول: أنا مع عبدي ما ذكرني وتحركت بي شفتاه” [أخرجه الإمام أحمد في مسنده، والحاكم في مستدركه، وابن حبان في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه]: (فهو مع من يذكره بقلبه، ومع من يذكره بلسانه، لكن معيته مع الذكر القلبي أتم، وخص اللسان لإفهامه دخول الأعلى بالأوْلى، لكن محبته وذكره لما استولى على قلبه وروحه وصار معه وجليسه. ولزوم الذكر عند أهل الطريق من الأركان الموصلة إلى الله تعالى، وهو ثلاثة أقسام: ذكر العوام باللسان، وذكر الخواص بالقلب، وذكر خواص الخواص بفنائهم عن ذكرهم عند مشاهدتهم مذكورهم، حتى يكون الحق مشهوداً لهم في كل حال.

قالوا: وليس للمسافر إلى الله في سلوكه أنفع من الذكر المفرد القاطع من الأفئدة الأغيارَ، وهو [الله] وقد ورد في حقيقة الذكر وتجلياته ما لا يفهمه إلا أهل الذوق) [“فيض القدير شرح الجامع الصغير” للعلامة المناوي ج2/ص309
].
وقال الإمام الجنيد رحمه الله: (ذاكر هذا الاسم [الله] ذاهب عن نفسه، متصل بربه، قائم بأداء حقه، ناظرٌ إليه بقلبه، قد أحرقت أنوار الشهود صفات بشريته) [“نور التحقيق” ص174
].
وقال سيدي أبو العباس المرسي رحمه الله: (ليكن ذكرك [الله، الله]، فإن هذا الاسم سلطان الأسماء، وله بساط وثمرة، فبساطه العلم، وثمرته النور، وليس النور مقصوداً لذاته؛ بل لِما يقع به من الكشف والعيان، فينبغي الإكثار من ذكره، واختياره على سائر الأذكار، لتضمنه جميع ما في [لا إله إلا الله] من العقائد والعلوم والآداب والحقائق... إلخ) [“نور التحقيق” ص 174
].
وقال العارف بالله ابن عجيبة: (فالاسم المفرد[الله] هو سلطان الأسماء، وهو اسم الله الأعظم، ولا يزال المريد يذكره بلسانه ويهتز به حتى يمتزج بلحمه ودمه، وتسري أنواره في كلياته وجزئياته... إلى أن قال: فينتقل الذكر إلى القلب ثم إلى الروح ثم إلى السر، فحينئذ يخرس اللسان ويصل إلى الشهود والعيان) [“تجريد ابن عجيبة على شرح متن الأجرومية” ص15
].
فتمسَّكْ أيها المريد الصادق بذكر الاسم المفرد [الله] إذا كنت مأذوناً به من مرشد كامل، فإنه أسرع في قلع عروق النفس من منابتها من السكين الحاد.

وأما ما يراه المريد في أول سيره أثناء ذكره لهذا الاسم من حرارة وضيق فلأن نفسه لا حَظَّ لها من هذا الذكر، حيث إن هذا الاسم يزيل عالم الخلق من القلب ويفرغه من الأكوان.

لذا نرى المربين الكمل يأمرون مريديهم بذكر [لا اللهه إلا الله] في بادىء أمرهم، فإذا تمكن النفي والإثبات من قلوبهم نقلوهم إلى ذكر الاسم المفرد، وأوصوهم بملازمته ومجاهدة النفس على تحمل مرارته.

فإن لم يصبروا على هذه المرارة في ابتداء أمرهم وأهملوا ذكر الاسم المفرد وقفوا في سيرهم وحُرِموا خيراً عظيماً بسبب فساد عزيمتهم وضعف إرادتهم.

أما إذا عزموا على ذكر هذا الاسم وصبروا واستقاموا عليه انطبع هذا الاسم في قلوبهم وارتحلت عنهم الغفلة حتى يكون الاسم سارياً في عروقهم ممزوجاً بأرواحهم، ويكون المذكور تجاههم لا يغفلون إذا غفل الناس، وعندها يتحققون بمقام الإحسان الذي أشار إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: “الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه...”.

هناك تعليقان (2):

  1. ذكر الله قد يحدث منفردا أو مع جماعة ، وقد يحدث سرا أو جهرا ، وقد يعد على الأنامل أوعلى السبحة ، وذكر الله قد يكون بالمأثور أو بغير المأثور ، فيجوز انشاء ذكر بشرط ألا يتعارض مع الدين .


    والذكر بالاسم المفرد لاشئ فيه ولا دليل على حرمته ، بل جاء الدليل على مشروعيته .

    أما ما ورد في الذكر بالاسم المفرد ( الله ) من آيات فكثيرة منها .

    - قول الله تبارك وتعالى { واذكر اسم ربك وتبتل إليه تبتيلا } المزمل 8
    - وقوله تعالى لسيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم: { قل الله ثم ذرهم } الأنعام 91
    - وقوله تعالى : { واذكر اسم ربك بكرة وأصيلا } الإنسان 25
    - وقوله تعالى { ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله }. لقمان 25


    · وقد وردت أحاديث مشروعية الذكر باسم الله الأعظم منها .

    - ما رواه أنس بن مالك رضي الله عنه خادم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : " لا تقوم الساعة حتى لا يقال في الأرض الله، الله ".
    أخرجه مسلم في صحيحه في كتاب الإيمان .

    ردحذف
  2. - وفي رواية أخرى عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : لا تقوم الساعة على أحد يقول: الله، الله . فها هو اسم الله المفرد يرد ذكره مكررا في هذا الحديث.

    - قال العلامة علي القاري في شرح هذا الحديث: أي لا يذكر الله فلا يبقى حكمة في بقاء الناس ومن هذا يعرف أن بقاء العالم ببركة العلماء العاملين والعباد الصالحين وعموم المؤمنين .
    (مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح لملا علي القاري -ج 5 ص 226 ) .

    - وفي رواية الامام أحمد في الزهد عن ثابت قال: كان سلمان في عصابة يذكرون الله فمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم فكفوا فقال: " ما كنتم تقولون؟ قلنا نذكر الله- الله قال: إني رأيت الرحمة تنزل عليكم فأحببت أن أشارككم فيها ثم قال: الحمد لله الذي جعل في أمتي من أمرت أن أصبر نفسي معهم " .

    - وقول سيدنا بلال الحبشي رضي الله عنه حين كان يعذبه أمية بن خلف أشد العذاب تحت حر شمس مكة: أحد أحد ، وسيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم يسمع قوله ولا ينكر عليه وسكوته عليه الصلاة والسلام إقرار .


    - وفى كتاب ( الفقه على المذاهب الأربعة ) فى معرض الحديث عن حكم العاجز عن قراءة الفاتحة فى الصلاة .....

    فقد اتفق الشافعية والحنابلة على أن من عجز عن قراءة الفاتحة في الصلاة فإن كان يقدر على أن يأتي بآيات من القرآن بقدر الفاتحة في عدد الحروف والآيات فإنه يجب عليه أن يأتي بذلك . فإن كان يحفظ آية واحدة أو أكثر فإنه يفترض عليه أن يكرر ما يحفظه بقدر آيات الفاتحة . بحيث يتعلم القدر المطلوب منه تكراره . فإن عجز عن الإتيان بشيء من القرآن بالمرة فإنه يجب عليه أن يأتي بذكر الله كأن يقول : الله الله . . . مثلا . بمقدار الفاتحة .
    فإن كان ذكر الله باسمه المفرد جائز فى الصلاة فما بالك بالذكر به خارج الصلاة ، أيكون فى الصلاة جائزاً ويكون خارجها بدعة وحرام !!.


    وقد يعترض البعض على الذكر باسم الله المفرد لأسباب منها .

    1- انه لم يرد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولا عن الصحابة الكرام رضى الله عنهم .

    وللاجابة عن هذا نقول أنه ليس كل ما تركه رسول الله حرام ، بل قد يكون تركه عادة كترك النبي صلى الله عليه وآله وسلم أكل الضب في حديث سيدنا خالد أنه دخل مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم بيت ميمونة فأتي بضب محنوذ فأهوى إليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بيده فقيل: هو ضب يا رسول الله فرفع يده فقلت: أحرام هو يا رسول الله؟ فقال: " لا ولكن لم يكن بأرض قومي فأجدني أعافه " قال خالد: فاجتررته فأكلته والنبي صلى الله عليه وآله وسلم ينظر. (رواه البخارى) .
    ويستفاد من هذا أن تركه للشيء ولو بعد الإقبال عليه لا يدل على تحريمه ، وأن استقذاره الشيء لا يدل على تحريمه أيضا.

    - كما أنه يجوز انشاء ذكر غير المأثور عنه صلى الله عليه وآله وسلم ، فعن رفاعة بن رافع الزرقى قال : لما رفع رسول الله رأسه من الركعة وقال " سمع الله لمن حمده " قال رجل وراءه : "ربنا ولك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه فلما انصرف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال من المتكلم آنفا لقد رأيت بضعة وثلاثين ملكا يبتدرونها أيهم يكتبها أول "
    (أحمد ، والبخارى ، والنسائى ، وابن حبان ).


    2- وقد يعترض البعض على الذكر باسم الله المفرد لأنه ليس فيه معنى التعظيم .
    ولا يؤلف جملة مفيدة تامة يحسن السكوت عليها كقولنا الله غفور مثلاً

    والجواب : أن ذكر اسم الله مفردا فيه تعظيم لله وهذا ما فهمه علماؤنا الاجلاء ،
    فها هو الامام أبو حنيفة النعمان يقرر ذلك فى مسألة : هل الشروع فى الصلاة يحدث بمجرد ذكر اسم الله المفرد ، فقد ذكر صاحب البدائع ما نصه: ( ولأبى حنيفة أن النص معلول بمعنى التعظيم ، وأنه يحصل بالاسم المفرد ، والدليل على أنه يصير شارعا بقوله : لا اله الا الله ، والشروع يحدث بقول الله لا بالنفى ) ، والذاكر باسم الله المفرد إنما يخاطب الله وحده وهو جل جلاله عالم بما في نفسه مطلع على سريرته فلا يشترط في الخطاب معه ما يشترط في الخطاب مع البشر من جعل الكلام تاما مفيدا يحسن السكوت عليه.
    - وهذه كلها أدلة على جواز الذكر بالاسم المفرد فإذا كانت قدوتنا وأسوتنا الشريعة المطهرة من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم فكيف نترك الأدلة الصريحة ونتبع عقولنا إنه لشيء عجاب!!.

    ردحذف

حسن التفهم والدرك لمسئلة الترك

  حسن التفهم والدرك لمسئلة الترك تأليف: أبي الفضل عبد الله محمد الصديقي الغماري تقديم الترك ليس بحجة في شرعنا … لا يقتضي منعًا ولا إيجابا فم...