الردُّ والتحذيرُ مِنَ الْمُسمَّينَ الرّوحانِيِّينَ والْمُنَجِّمِينَ
أمّا بعدُ عِبَادَ اللهِ، فإنِّي أوصيكُمْ ونَفْسِي بتقوَى اللهِ العَلِيِّ القَدِيرِ القَائِلِ في مُحْكَمِ كِتَابِهِ: ﴿اللهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾ سورة التغابن / 13.
التَّوَكُّلُ عَلَى اللهِ إِخْوَةَ الإِيمَانِ هُوَ الاعتِمَادُ، فَيَجِبُ عَلَى العَبْدِ أَنْ يَكُونَ اعتِمَادُهُ عَلَى اللهِ لأنَّ اللهَ هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَىْءٍ مِنَ المنافِعِ وَالمضَارِّ وَسَائِرِ مَا يَدْخُلُ في الوُجُودِ، فلا ضَارَّ ولا نَافِعَ علَى الحقِيقَةِ إلا اللهُ، فالطعامُ لا يَخْلُقُ فينَا الشِّبَعَ إنَّمَا خَالِقُ الشِّبَعِ فينَا هُوَ اللهُ، والماءُ لا يَخْلُقُ فينَا الارتِوَاءَ مِنَ العَطَشِ إنما خالقُ الارْتِواءِ منَ العَطَشِ فينا هوَ اللهُ، والدَّواءُ لا يَخْلُقُ فينا الشِّفَاءَ مِنَ المرضِ، خالقُ الشفاءِ فينَا هُوَ اللهُ، فإذا اعتَقَدَ العبدُ ذلكَ ووطَّنَ قلبَهُ عليهِ كانَ اعتمادُهُ على اللهِ في أمورِ الرِّزْقِ وَالسَّلامَةِ مِنَ المضَارِّ، وَقَدْ قَالَ الجُنَيْدُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: "التَّوَكُّلُ هُوَ تَرْكُ الاعتِمَادِ الحقِيقِيِّ علَى غَيْرِ اللهِ".
وقدْ بدأْنا خطبَتَنا اليومَ إخوةَ الإيمانِ بذِكْرِ واجبٍ مِنَ الواجباتِ القلبيّةِ وهُوَ التوكُّلُ على اللهِ لِنَحْذَرَ مِنَ الّلجُوءِ إلى المعاصي، إلى المحرّماتِ عندَ وُقوعِ المصائِبِ والبَلايا، فَمِنَ النَّاسِ إِذَا ابْتُلِيَ بِمُصِيبَةٍ بَدَلَ أَنْ يَصْبِرَ وَيَتَوَكَّلَ علَى اللهِ وَيُفَوِّضَ أَمْرَهُ إلَى اللهِ وَيُقبِلَ إلى الطاعاتِ أكثرَ فأكثرَ يَلْجَأُ إلَى الحرَامِ كَالَّذِينَ يَذْهَبُونَ إلَى السَّحَرَةِ وَالْمُشَعْوِذِينَ وَالعِيَاذُ بِاللهِ تعالَى، فَقَدْ قالَ رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلّمَ: "مَنْ أتَى كَاهِنًا أَوْ عَرَّافًا فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحمَّدٍ".
أيْ إِنِ اعتَقَدَ أَنَّهُ يَطَّلِعُ عَلَى الغَيْبِ وَلَيْسَ المُرَادُ مَنْ يَظُنُّ أنَّهُ قَدْ يُوافِقُ الواقِعَ وَقَدْ لا يُوافِقُ الوَاقِعَ فَإِنَّهُ لا يَكُونُ كَافِرًا بَلْ يَكونُ عاصيًا بسُؤالِهِ إيَّاهُمْ، والكاهِنُ هُو الذي يتعاطَى الأخْبَارَ عن الكائناتِ في المستَقْبَلِ اعتِمَادًا عَلَى النَّظَرِ في النُّجومِ أوْ غَيْرِ ذلكَ، فالحذَرَ الحذَرَ مِنَ الذينَ يقولونَ لَهمْ فُلانٌ رُوحَانِيٌّ أوْ مَعَهُ جِنٌّ رَحْمَانِيٌّ، يَقُولُ بَعْضُ الناسِ فلانٌ رُوحَانِيٌّ يَعْتَمِدُونَ كَلامَهُ ظنًّا منهم أنّ لهُ اتصالاً بالملائكةِ وإنما هوَ معتمِدٌ على فُسَّاقِ الجنِّ من كفَّارِهِمْ وغيرِهِمْ ولا يستطيعُ هؤلاءِ الدّجاجِلَةُ أن يسحبوا روحَ الكافرِ منْ مَلائكةِ العذابِ إنما الذينَ يَحضُرُونَ إلى مَجْلِسٍ هؤلاءِ همُ الجنُّ الذينَ كانوا يعرفونَ حالَ هذا الشخصِ وعاشوا معهُ إمَّا قرينُهُ أوْ واحِدٌ ءاخَرُ يعرفُ أحوالَهُ يَكْذِبُ فَيَقُولُ أَنَا رُوحُ فلانٍ، احْذَرُوهُمْ وحذِّروا الناسَ منهمْ، مِنْ هَؤُلاءِ مَنْ يُوقِعُ النَّاسَ فِي الكُفْرِ والضَّلالِ وَالعياذُ باللهِ لأنَّ الإِنسانَ إذا اعْتَقَدَ السِّحرَ حَلالاً وَأَنَّهُ شَىْءٌ حَسَنٌ يكفُرُ والعياذُ باللهِ، لأنَّ السِّحرَ أمرٌ مُحَرّمٌ مِنَ المحرّماتِ الكبائرِ، والسِّحرُ هُوَ مُزاوَلةُ أَعْمَالٍ وَأَقْوالٍ خبيثةٍ، وَمِنْهُ مَا يَكُونُ بالاستِعَانَةِ بالشياطِينِ، ولا يَجُوزُ مقابلةُ السِّحْرِ بالسِّحْرِ كما يفعَلُ بَعْضُ الجهّالِ.
ومِنْ أَعْمَالِ السَّحَرَةِ وأقوالِهمِ الخبيثَةِ أنّهم يستنْجِدُونَ بالشياطِينِ ويتكلَّمُونَ بكلامٍ قَبِيحٍ فِيهِ تَعْظِيمٌ للشيطَانِ ليُعِينَهُمْ على إِيذَاءِ هذا الشخصِ الذِي يريدونَ ايذاءَهُ.
ومِنَ الأفعالِ الخبيثةِ التي يزاوِلُونَها أنّهم أحيانًا يَأْخُذُونَ دَمَ الحَيْضِ لِيسقُوهُ الشَّخصَ الذِي يُريدُونَ ضَرَرَهُ.
ومِنْ أنواعِ السِّحْرِ سِحْرُ التسلِيطِ، يُسَلَّطُ على الشخصِ جِنِّيٌ يُمْرِضُهُ وأحيانًا هذا الجنِّيُ يقتُلُهُ.
ومِمّا ينفعُ للتحصُّنِ مِنَ السِّحْرِ أنْ يُداوِمَ الشّخصُ كُلَّ صباحٍ ومساءٍ على قراءةِ الْمُعَوِّذاتِ: قُلْ أعوذُ بِرَبِّ الناسِ وقُلْ أعوذُ بِرَبِّ الفَلَقِ وسورةِ الإخلاصِ ثلاثًا ثلاثًا.
لذلك أخي المؤمنُ، كُنْ حَرِيصًا على نفْسِكَ وأَهْلِ بَيْتِكَ، كُنْ حريصًا على زوجتِكَ وأَولادِكَ وَاصْطَحِبْهُمْ إلى مَجالِسِ علْمِ الدّينِ لأنّ مِنَ الناسِ مِنْ شدّةِ الغفْلَةِ يذهبونَ إلى السّحَرَةِ والمشعْوِذينَ.
ولْيُعلَمْ أنّ منَ الناسِ مَنْ يكتُبُ المصحَفَ بالبَوْلِ وَالعِيَاذُ بِاللهِ إِرْضَاءً للشياطينِ لأنَّ الكُفْرَ إذَا حَصَلَ مِنَ ابنِ ءادَمَ فَهَذَا عِنْدَ الشياطينِ أعظمُ شىءٍ، يَشْتَهُونَ هذا اشتهاءً.
ثُمّ مِمّا يَحْتَالونَ بِهِ لِتَرْوِيجِ عَمَلِ السِّحْرِ أنّهمْ يَخْلِطونَ بعضَ الآياتِ القُرْءَانيَّةِ بِالسِّحْرِ حتى يُوهِمُوا الناسَ أنَّ القُرءانَ لَهُ دَخْلٌ في السّحْرِ، والقرءانُ لا دَخْلَ لهُ بالسِّحْرِ لكنْ أولئكَ يَخْلِطونَ بعضَ الآياتِ القرءانيّةِ بالسِّحْرِ، يَضَعُونَ كَلامًا خَبِيثًا في الوَرَقَةِ ثُمَّ يَكْتُبُونَ قُرْبَهُ بَعْضَ الآياتِ فَيَظُنُّ الجاهِلُونَ مِنَ البشَرِ أنَّ القُرءَانَ لَهُ دخْلٌ في السحرِ فيكفرونَ والعياذُ باللهِ، فَمَنْ رأى شيئًا مكتوبًا مِنَ السِّحْرِ وإلى جَانِبِهِ ءَايَاتٌ قُرْءَانِيَّةٌ فَلْيَعْلَمْ أنَّ القُرْءَانَ لا دخْلَ لهُ إنّما الشياطينُ أَدْخَلَتْ هذا لتُضِلَّ الناسَ بأنْ يظنّوا أنّ القرءانَ فيه سحرٌ، والقرءانُ ضِدَّ السحرَ وبالقرءانِ يُفَكُّ السحرُ، والسحرُ ليسَ مِنْ عَمَلِ الأنبياءِ وليسَ مِنْ عَمَلِ الأولياءِ الصالحينَ.
فاتقوا اللهَ عبادَ اللهِ وتذكّروا قولَ اللهِ تعالى ﴿وَاتَّقُواْ يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ﴾ سورة البقرة / 281. هذا وأستغفرُ اللهَ ليْ ولكمْ.
خطبة الجمعة الثانيةُ
التحذيرُ مِنْ عبارة "كَذَبَ المنجِّمونَ ولوْ صَدَقُوا "
إنَّ الحمدَ للهِ نَحْمَدُهُ ونستعينُهُ ونستهديهِ ونشكُرُهُ ونستغفرُهُ ونتوبُ إليهِ، ونعوذُ باللهِ منْ شرورِ أنفسِنا ومنْ سيئاتِ أعمالِنا، مَنْ يهدِ اللهُ فلا مُضِلَّ لهُ ومَنْ يُضلِلْ فلا هاديَ لهُ، والصلاةُ والسلامُ على سيِّدِنا محمّدٍ وءالِهِ وصحبِهِ الفائزينَ منَ اللهِ بعُلاهُ .
أما بعدُ إخوةَ الإيمانِ، فإني أوصيكُمْ ونفسي بتقوى اللهِ العَلِيِّ القَدِيرِ وبالثَّباتِ على نَهْجِ سيِّدِنا محمّدٍ الصادقِ الوعدِ الأمينِ الذي أمرَ بالصِّدقِ وباتّباعِ الحقِّ وبالتمَسُّكِ بالصوابِ وبِنَبْذِ كُلِّ مَا هُوَ مُخَالِفٌ لِدِينِ اللهِ تعالى، لِذَلِكَ جَرَتْ عَادَتُنا أَنْ نُبَيِّنَ لَكُمْ مِنْ حِينٍ إلَى ءاخَرَ وَمَنْ علَى هذهِ المنابِرِ التي أُعِدّتْ لهذا، جَرَتِ العَادةُ أنْ نُبَيِّنَ لَكُمُ الصَّوابَ في كَثِيرٍ مِنَ المسَائِلِ، اليَوْمَ نُنَبِّهُكُمْ مِنْ عِبَارةٍ لِتُحَذِّرُوا مِنْهَا وَهِيَ "كَذَبَ المُنَجِّمُونَ وَلَوْ صَدَقُوا" فهذهِ لَيْسَتْ قُرْءَانًا وَلا حَدِيثًا وَلا كَلامَ العُلَمَاءِ إنَّمَا كَلامُ السُّفهاءِ، بعضُ الجاهِلينَ يَقُولُ: "قالَ تعالَى كَذَبَ المُنَجِّمُونَ وَلَوْ صَدَقوا".
هذه العِبَارَةُ لَيْسَتْ مِنَ القُرْءَانِ، كَيْفَ يَكُونُ الإِنْسَانُ صَادِقًا وَكَاذِبًا في لَحْظَةٍ وَاحِدَةٍ ؟! إِمَّا صَادِقٌ وَإِمَّا كاَذِبٌ، كَمَا أَنَّهُ لا يُقْبَلُ أن يَكُونَ الجِدَارُ أَبْيَضَ اللونِ وَأَسْوَدَ اللونِ في لَحْظَةٍ واحِدَةٍ، فَلَوْ قيلَ لكمْ هذا الحائطُ أَبْيَضُ وَأَسْوَدُ في لَحْظَةٍ واحِدَةٍ هَلْ تَقْبَلونَ هذا الكَلامَ ؟ لا، إِمَّا أبيضُ وَإِمَّا أسوَدُ، إذًا لا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ "كَذَبَ المُنَجِّمُونَ وَلَوْ صَدَقُوا".
واعلَموا أنَّ اللهَ أمرَكُمْ بأمْرٍ عظيمٍ، أمرَكُمْ بالصلاةِ والسلامِ على نبيِهِ الكريمِ فقالَ: ﴿إنَّ اللهَ وملائكتَهُ يصلُّونَ على النبِيِ يَا أيُّهَا الذينَ ءامَنوا صَلُّوا عليهِ وسَلّموا تَسْليمًا﴾، اللّـهُمَّ صَلّ على سيّدِنا محمَّدٍ وعلى ءالِ سيّدِنا محمَّدٍ كمَا صلّيتَ على سيّدِنا إبراهيمَ وعلى ءالِ سيّدِنا إبراهيم وبارِكْ على سيّدِنا محمَّدٍ وعلى ءالِ سيّدِنا محمَّدٍ كمَا بارَكْتَ على سيّدِنا إبراهيمَ وعلى ءالِ سيّدِنا إبراهيمَ إنّكَ حميدٌ مجيدٌ، يقول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَىْءٌ عَظِيمٌ (1) يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللهِ شَدِيدٌ (2)﴾، اللّـهُمَّ إنَّا دعَوْناكَ فبجاه محمّد استجبْ لنا دعاءَنا، اللهم بجاه محمّد اغفرِ لنا ذنوبَنا وإسرافَنا في أمرِنا، اللّـهُمَّ اغفِرْ للمؤمنينَ والمؤمناتِ الأحياءِ منهُمْ والأمواتِ ربَّنا ءاتِنا في الدنيا حسَنةً وفي الآخِرَةِ حسنةً وقِنا عذابَ النارِ، اللّـهُمَّ بجاه محمّد اجعلْنا هُداةً مُهتدينَ غيرَ ضالّينَ ولا مُضِلينَ، اللّـهُمَّ بجاه محمّد استرْ عَوراتِنا وءامِنْ روعاتِنا واكفِنا مَا أَهمَّنا وَقِنا شَرَّ ما نتخوَّفُ. عبادَ اللهِ إنَّ اللهَ يأمرُ بالعَدْلِ والإحسانِ وإيتاءِ ذِي القربى وينهى عَنِ الفحشاءِ والمنكرِ والبَغي، يعظُكُمْ لعلَّكُمْ تذَكَّرون. اذكُروا اللهَ العظيمَ يذكرْكُمْ واشكُروهُ يزِدْكُمْ، واستغفروه يغفِرْ لكُمْ واتّقوهُ يجعلْ لكُمْ مِنْ أمرِكُمْ مخرَجًا، وَأَقِمِ الصلاةَ.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق