بحث هذه المدونة الإلكترونية

الجمعة، 21 ديسمبر 2018

معنى أن السيئات تتحول إلى حسنات وهذا الاعتقاد كفر

قوله تعالى {إلا من تاب وءامن وعمل عملا صالحًا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات} (سورة الفرقان ءاية 70). فلا أصل لما يعتقده البعض أن المعنى أن السيئات تتحول إلى حسنات وهذا الاعتقاد كفر والعياذ بالله تعالى وإنما المعنى أن الكافر الأصلي إذا أسلم اللهُ يوفقه للعمل الصالح فتسجل له الحسنات وأما سيئاته فتمحى بالإسلام. وأما ما يظنه بعض الناس فهو متفشٍ الآن في مصر ولا سيما بين الفنانات المعتزلات، فقد قالت الراقصة السابقة سحر حمدي في مقابلة مع قناة "إقرأ" بتاريخ 5/3/2003 الأربعاء مساءً، قالت "إنها سألت الشيخ الشعراوي عن مالها الذي جنته من الرقص وإن هذا الأمر يقلقها جدًا" فذكر لها بحسب ما روت هي قوله تعالى {فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات} ثم قال: فكما يبدل الله السيئة حسنةً وكذلك الأموال. أي يصير المال الحرام حلالاً وإلا ماذا كان يفعل الكفار بأموالهم لما يدخلون الإسلام، وهذا كلام فاسد وتحريف للدين.

وكذلك قال عمرو خالد في إحدى محاضراته:"المتقون يوم القيامة يحسدون العصاة حيث إن العصاة تتحول معاصيهم أي القتل والزنا وشرب الخمر إلى حسنات"! فنعوذ بالله من عمرو خالد وأضاليله حيث يفتح على الناس أبواب الانحراف ليكثروا السيئات حتى تكثر حسناتهم بزعمه الفاسد.


فماذا قال المفسرون من السلف والخلف في هذه الآية؟

* روى علي بن أبي طلحة في صحيفته التي ضمنها تفسير ابن عباس رضي الله عنهما: قال ابن عباس في تفسير هذه الآية "هم المؤمنون كانوا قبل إيمانهم على السيئات فَرَغِبَ الله بهم عن ذلك فحولهم إلى الحسنات وأبدلهم مكان السيئات الحسنات". (قوله فحولهم أي وفّقهم) وقد ذكر هذه الرواية عن ابن عباس الطبريُّ وابنُ كثير والسيوطي وذلك في تفاسيرهم.

* ومما ذكر القرطبي في تفسيرها عن مجاهد والضحاك أن المعنى أن الله يبدلهم من الشرك إلى الإيمان. وروي نحوه عن الحسن، قال الحسن: قوم يقولون التبديل في الآخرة وليس كذلك إنما التبديل في الدنيا يبدلهم الله إيمانًا من الشرك وإخلاصًا من الشك وإحصانًا من الفجور (أي إيمانًا بدل الشرك وإخلاصًا بدل الشك وإحصانًا بدل الفجور).

وقال الزجاج: ليس بجعل مكان السيئة الحسنة ولكن بجعل مكان السيئة التوبة والحسنة مع التوبة. ثم قال القرطبي: وقيل التبديل عبارة عن الغفران، أي يغفر الله لهم تلك السيئات لا أن يبدلها حسنات.

* ومما ذكر الفخر الرازي في تفسير هذه الآية قول ابن عباس والحسن ومجاهد وقتادة: أن التبديل إنما يكون في الدنيا فيبدل الله تعالى قبائح أعمالهم في الشرك بمحاسن الأعمال في الإسلام فيبدلهم بالشرك إيمانًا، وبقتل المؤمنين قتل المشركين، وبالزنا عفة وإحصانًا، فكأنه تعالى يبشّرهم بأنه يوفقهم لهذه الأعمال الصالحة فينال بها الثواب.

وقال الزجاج: السيئة بعينها لا تصير حسنة ولكن التأويل أن السيئة تمحى بالتوبة وتكتب الحسنة مع التوبة.

* ومما ذكر ابن كثير في تفسيرها أنهم أبدلوا مكان عمل السيئات بعمل الحسنات.

وقال عطاء بن أبي رباح: هذا في الدنيا يكون الرجل على صفة قبيحة ثم يبدله الله بها خيرًا.

وقال سعيد بن جُبير: أبدلهم الله بعبادة الأوثان عبادةَ الرحمن، وأبدلهم بقتال المسلمين قتالَ المشركين، وأبدلهم بنكاح المشركات نكاحَ المؤمنات.

وقال الحسن البصري: أبدلهم الله بالعمل السيء العملَ الصالح، وأبدلهم بالشرك إخلاصًا، وأبدلهم بالفجور إحصانًا، وبالكفر إسلامًا. وهذا قول أبي العالية وقتادة وجماعة ءاخرين، هذا التفسير حسن جدًا.

* ومما ذكره الماوردي في تفسيره: أي في الدنيا يبدلهم بالشرك إيمانًا، وبالزنى إحصانًا، وبذكر الله بعد نسيانه، وبطاعته بعد عصيانه، وهذا معنى قول الحسن وقتادة.

وأورد الماوردي قولاً ءاخر وهو:يبدل الله عقابَ سيئاته إذا تاب منها بثوابِ حسناته إذا انتقل إليها، قاله ابن بحر.

* ومما ذكر الطبري رواية أخرى عن ابن عباس: هم الذين يتوبون فيعملون بالطاعة فيبدل الله سيئاتهم حسنات حين يتوبون ثم قال بعد سرد طويل:قال أبو جعفر وأولى التأويلين بالصواب تأويل من تأوله (فأولئك يبدل الله سيئاتهم) أعمالهم في الشرك (حسنات) في الإسلام بنقلهم عما يسخط الله من الأعمال إلى ما يرضى. وإنما قلنا ذلك أولى بتأويل الآية لأن الأعمال السيئة قد كانت مضت على ما كانت عليه من القبح، وغير جائز تحويل عين قد مضت بصفة إلى خلاف ما كانت عليه إلا بتغييرها عما كانت عليه من صفتها في حال أخرى فيجب إن فعل ذلك كذلك أن يصير شرك الكافر الذي كان شركًا في الكفر بعينه إيمانًا يوم القيامة بالإسلام ومعاصيه كلها بأعيانها طاعة وذلك ما لا يقوله ذو حِجًا. (أي ذو عقل).

* ومما ذكر الآلوسي في تفسيرها:(يبدل الله) في الدنيا (سيئاتهم حسنات) بأن يمحو سوابق معاصيهم ويثبت مكانها لواحق طاعاتهم كما يشير إلى ذلك كلام كثير من السلف.

أقول: ولا أصل لما روي عن أبي هريرة أنه قال: قال رسول الله عليه الصلاة والسلام: ليأتين ناس يوم القيامة ودوا أنهم استكثروا من السيئات، قيل: من هم قال: الذين يبدل الله تعالى سيئاتهم حسنات.
فقد قال الإمام المحدث الهرري: هذا حديث لا أصل له.
وقد قال الآلوسي عن هذا الحديث: وفي كلام أبي العالية ما هو ظاهر في إنكار تمني الاستكثار من السيئات فقد أخرج عبد بن حميد عنه أنه قيل له: إن أناسًا يزعمون أنهم يتمنون أن يستكثروا من الذنوب، فقال: ولِمَ ذلك فقيل: يتأولون هذه الآية {فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات} وكان أبو العالية إذا أخبر بما لا يعلم قال: ءامنت بما أنزل الله تعالى من كتابه فقال ذلك ثم تلا هذه الآية: {يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرًا وما عملت من سوء تودُّ لو أن بينها وبينه أَمَدًا بعيدًا}. وكأنه ظُنّ أن ما تلاه مناف لما زعموه من التمني.

نقول: وهذه الآية تكفي في الرد على المخالفين.

وأما حديث حكيم بن حزام مرفوعًا:"إنك أسلمت على ما أسلفت" الذي رواه مسلم فليس على الظاهر.
معناه: إنك إن عملتها الآن بعد إسلامك تثاب عليها.

وقال بعض: الحسنات التي لا تحتاج لصحتها إلى نية هذه يعطاه بعد أن يُسلم كإكرام الضيف والصدقة. على هذا التفسير: هذا الذي كان عمل في كفره هذه الأشياءَ يعطيه الله عليها ثوابًا بعد أن يُسلم، وهذا التفسير الثاني أقرب إلى ظاهر الحديث، لكن التفسير الأول هو القوي أي: الآن أنت تستحق أن تثاب عليها أما فيما مضى لم يكن لك ثواب عليها، هذا المعنى الصحيح.

 والحاصل: أن السيئة لا تنقلب حسنة كما توهم البعض إنما الآية في الكافر الأصلي الذي أسلم، فالله يمحو له سيئاته بالإسلام لقوله صلى الله عليه وسلم: "الإسلام  يهدمُّ ما قبله"، ثم يوفقه الله للأعمال الصالحة فتحُل هذه محل تلك.

وأخيرًا: وأما ما نسب للشعراوي بأنه قال "فكما تنقلب السيئات إلى الحسنات فكذلك أموال الحرام تنقلب إلى حلال"، والعياذ بالله من هذا الكلام، فإن صح ما نُسب إليه فهذا محض ضلال لا يقوله مؤمن.

فالقاعدة الشرعية أَنَّ من أسلم وقد اغتصب أو سرق مالاً فلا يعني أن هذا المال صار حلالاً بالإسلام بل واجب عليه أن يعيده لأصحابه وهذه قاعدة مجمع عليها، فالإسلام يمحو أعمال الكفر وسائر المعاصي إلا الحقوق فيجب عليه أن يعيدها بعينها إلى أصحابها كما بيّنا. وكذلك لو تاب مسلم عاص عليه أن يعيد الحقوق إلى أهلها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

لا يصح الصوم كله فرضه ونفله مقيّده ومطلقه إلا بنية

 قال شيخ المالكية أبو القاسم بن الجلاب في التفريع في فقه الإمام مالك بن أنس رحمه الله، باب النية في الصوم، (فصل) النية (ولا يصح الصوم كله فر...