بحث هذه المدونة الإلكترونية

السبت، 22 ديسمبر 2018

حكم المصافحة عقب الصلاة بين المصلين

بسم الله الرحمن الرحيم

المصافحة عقب الصلاة مشروعة، وهي دائرة بين الإباحة والاستحباب؛ لأنها داخلة في عموم استحباب التصافح بين المسلمين،
وهو ما يكون سببا لرضا الله تعالى عنهم، وزوالِ ما في صدورهم من ضيق وغِلّ، وتساقطِ ذنوبهم مِن بين أكفّهم مع التصافح؛
ففي الحديث: ((إذا التقى المسلمانِ فتصافحا وحمدا اللهَ واستغفراه غفر اللهُ لهما)). رواه أبو داود.


قال الإمام النووي المتوفى سنة 676 هـ في "المجموع" كتاب الصلاة، باب صفة الصلاة، التشهد الأخير فرض في الصلاة، فرع المصافحة المعتادة بعد صلاتي الصبح والعصر "وأما هذه المصافحة المعتادة بعد صلاتي الصبح والعصر فقد ذكر الشيخ الإمام أبو محمد بن عبد السلام رحمه الله أنها من البدع المباحة ولا توصف بكراهة ولا استحباب، وهذا الذي قاله حسن،
ا والمختار أن يقال: إن صافح من كان معه قبل الصلاة فمباحة كما ذكرنا، وإن صافح من لم يكن معه قبلها فمستحبة، لأن المصافحة عند اللقاء سنة بالإجماع للأحاديث الصحيحة في ذلك".
ا
وقال في "الأذكار" كتاب السلام، والاستئذان وتشميت العاطس وما يتعلق بها، بابُ في مسائل تتفرّعُ على السَّلام "واعلم أن هذه المصافحة مستحبة عند كل لقاء، وأما ما اعتاده الناس من المصافحة بعد صلاتي الصبح والعصر فلا أصل له في الشرع على هذا الوجه، ولكن لا بأس به، فإن أصل المصافحة سُنَّة، وكونُهم حافظوا عليها في بعض الأحوال وفرَّطوا فيها في كثير من الأحوال أو أكثرها لا يُخْرِجُ ذلك البعضَ عن كونه من المصافحة التي ورد الشرع بأصلها" ا هـ ، ثم نقل عن الإمام العز بن عبد السلام المتوفى سنة 660 هـ أن المصافحة عَقِيبَ الصبح والعصر من البدع المباحة .اهـ

  إن مصادر التشريع هي القرءان والسنة والإجماع والقياس وأما الإجماع والقياس فله شروط تنطبق على من هم مثل الأئمة الأربعة المعتمدين لدى أهل السنة والجماعة أبي حنيفة والشافعي ومالك وأحمد. و البخـاري في صحيحه اسند حديث عن أَبي جُحَيْفَةَ رضي الله عنـه قَـالَ : " خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم بِالْهَاجِرَةِ إِلَى الْبَطْحَاءِ ، فَتَوَضَّأَ ، ثُمَّ صَلَّى الظُّهْرَ رَكْعَتَيْنِ وَالْعَصْرَ رَكْعَتَيْنِ وَبَيْنَ يَدَيْهِ عَنَزَةٌ ، وَقَـامَ النَّاسُ فَجَعَلُوا يَأْخُذُونَ يَدَيْهِ فَيَمْسَحُونَ بِهَا وُجُوهَهُمْ " قَـالَ أبـو جحيفة : " فَأَخَذْتُ بِيَدِهِ فَوَضَعْتُهَا عَلَى وَجْهِي ، فَإِذَا هِيَ أَبْرَدُ مِنَ الثَّلْجِ وَأَطْيَبُ رَائِحَةً مِنَ الْمِسْكِ " . قال الطبري: " ويُسْتَأْنَسُ بذلك لما تطابق عليه الناس من المصافحة بعد الصلوات في الجماعات ، لا سيَّما في العصر والمغرب ، إذا اقترن به قصدٌ صالحٌ ؛ من تبركٍ أو تودُّدٍ أو نحوه " ا ه 

والمصافحة مشروعة بأصلها في الشرع الشريف ، وإيقاعُها عقب الصلاة لا يُخْرِجُها من هذه المشروعيَّة ؛ فهي مباحة أو مندوب إليها – على أحد قولي العلماء ، أو على التفصيل الوارد عن الإمام النووي في ذلك 

وعموم مشروعية المصافحة في مثل قوله صلى الله عليه وآله وسلم-: ((إذا التَقى المُسلِمانِ فتَصافَحا وحَمِدا اللهَ عَزَّ وجَلَّ واستَغفَراه غُفِرَ لَهما))، لا يجوز تخصيصه بوقت دون وقت إلا بدليل؛ و"إذا" ظرفٌ لكل مَا يُستقبَل من الزمان، فدعوى أنها مخصوصة بغير أدبار الصلوات المكتوبات دعوى لا دليل عليها، بل ورد في السنة النبوية الصحيحة ما يرُدُّها.

فإن المصافحة مشروعة بأصلها في الشرع الشريف، وإيقاعُها عقب الصلاة لا يُخرِجُها من هذه المشروعيّة؛ فهي مباحة أو مندوب إليها
على أحد قولَي العلماء، أو على التفصيل الوارد عن الإمام النووي في ذلك، مع ملاحظة أنها ليست من تمام الصلاة ولا من السُنَنِ
التي نُقِل عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم المداومةُ عليها بعد الصلاة، وعلى مَن قلَّد القول بالكراهة أن يُراعيَ أدب الخلاف في هذه
المسألة ويتجنب إثارة الفتنة وبَثَّ الفُرقة والشحناء بين المسلمين بامتناعه مِن مصافحة مَن مَدَّ إليه يده مِن المصلين عقب الصلاة،
وليَعلَم أن جَبر الخواطر وبَثَّ الألفة وجَمعَ الشمل أحبُّ إلى الله تعالى مِن مراعاة تجنب فعلٍ نُقِلَت كراهتُه عن بعض العلماء
في حين أن جمهورهم والمحققين منهم قالوا بإباحته أو استحبابه. والله سبحانه وتعالى أعلم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

حسن التفهم والدرك لمسئلة الترك

  حسن التفهم والدرك لمسئلة الترك تأليف: أبي الفضل عبد الله محمد الصديقي الغماري تقديم الترك ليس بحجة في شرعنا … لا يقتضي منعًا ولا إيجابا فم...