ا[1]الأنبياء معصومون من جميع أنواع الكَذِبِ.. حتَّى الكَذِبُ الواجبُ هم معصومون منه.. والكَذِبُ المباحُ أيضًا هم معصومون منه.. مثالُ الكَذِبِ الواجبِ أن يريدَ شخصٌ ظالِمٌ قَتْلَ شخصٍ مختبئٍ عندَك، والظالم لا يعرفُ مكانَه، وأنت تعلَم أنَّه يريد قتلَه.. ففي هذه الحال يجب عليك أن تُنْكِرَ أنَّه مختبئٌ عندَك.. هذا كَذِبٌ مطلوبٌ واجب.. وأمَّا الكَذِبُ المباحُ فمثالُه أن يريدَ شخصٌ السفرَ إلى بلادٍ لغَرَضٍ مباحٍ وحُكَّامُ تلك البلادِ يرفضون منحَه تأشيرةَ دخول إليها، فلجأ إلى كَذْبَةٍ ما ليسمحوا له بالدخول.. وما كان بإمكانهِ الوصولُ إلى غايتهِ الصحيحةِ إلّا بأن يكذِب، فهذا جائز.. كذلك إذا أراد أحدُهم أن يُلْحِقَ بكَ أذًى ظلمًا فلك أن تكذِب لتحفظَ نفسَك من الظلم..ا
-------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
ا[2]عن النبيِّ، صلَّى الله عليه وسلَّم، قال [[لم يكذِب إبراهيمُ النبيُّ، عليه السلام، قَطُّ إلّا ثلاثَ كَذَباتٍ: قولُه إنِّي سقيم، وقولُه بل فعَلَه كبيرُهم هذا، وواحدةٌ في شأن سارة]].. يعني لمَّا قال للجبَّار [[إنَّهَا أختي]].. وسارةُ، كما هو معلوم، زوجُ سيِّدنا إبراهيم.. والحديث رواه البخاريُّ ومسلمٌ والتِّرْمِذِيُّ وغيرُهم.. رَوَوْهُ من حديثِ أبي هريرة.. معناه فيما يظهر للناس الذين لا يعرفون الواقعَ فيظنُّون أنَّ هذا كَذِبٌ حقيقيٌّ.. وهو في الواقعِ ليس كَذِبًا حقيقيًّا، لأنَّ الأنبياءَ معصومون من جميع أنواعِ الكذِب.. حتَّى الكَذِبُ الواجبُ هم معصومون منه.. والكَذِبُ المباحُ أيضًا هم معصومون منه.. ومن زعم أنَّ نبيًّا من أنبياءِ الله كَذَبَ الكَذِبَ الحقيقيَّ فقد كفر وخرج من الإسلام..ا
-------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
ا[3]فقولُ إبراهيمَ للجبَّار الكافرِ الذي سأله عن زوجتهِ سارة [[إنَّهَا أختي]] هو ليس كَذِبًا حقيقيًّا وإنَّمَا هو كَذِبٌ صورةً.. هو تَوْرِيَة.. والتورية جائزةٌ في حقِّ الأنبياءِ في مِثْلِ هذه الحال.. وذلك لأنَّ إبراهيمَ لم يرتكب قبيحًا لمَّا عَمِلَ هذه التورية.. هو أراد أنَّ سارةَ أختُه في الإسلام.. والتَّوْرِيَةُ في مِثْلِ الحالِ التي كان إبراهيمُ عليها جائزة من الأنبياء وغيرِهم..ا
-------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
ا[4]وأمَّا قولُ إبراهيمَ لقومهِ المشركين [[إنِّي سقيم]] فهو أيضًا كَذِبٌ صورةً وليس كَذِبًا حقيقيًّا.. فقد قال الحافظُ ابنُ حَجَرٍ في (فتح الباري) ما نصُّه [[يحتمِل أن يكونَ إبراهيمُ أراد أنِّي سقيم أي سأسقم.. واسمُ الفاعل يُستعمل كثيرًا بمعنى المستقبل.. ويحتمِل أن يكونَ إبراهيمُ أراد أنِّي سقيم بما قُدِّرَ عليَّ من الموت.. ويحتمِل أنَّه أراد أنِّي سقيمُ الحُجَّةِ على الخروج معكم]]انتهى.. معنى [[إنِّي سقيم]] سأسقم قريبًا وأنا الآن لستُ سقيمًا.. فأتى بتوريةٍ حيث أوهمهم بأنَّه سقيمٌ الآن.. وهذا من قَبيل قول الله تعالى في سورة الزُّمَرِ ((إنَّك مَيِّتٌ وإنَّهم ميِّتون[30])).. معناه: أنت، يا محمَّد، ستموت، وأصحابُك أيضًا سيموتون، وهؤلاءِ الذين كذَّبوك سيموتون.. ليس معناه أنت، يا محمَّد، الآن مَيْتٌ وأصحابُك هم الآن أمواتٌ والذين يكذِّبونك هم الآن أيضًا أموات.. ليس هذا معنى الآية.. بل معناها: أنت، يا محمَّد، ستموت وأصحابُك أيضًا سيموتون وهؤلاء الذين كذَّبوك سيموتون.. فاسمُ الفاعلِ ليس دائمًا يفيد الحاضِر، إذ قد يأتي في مواضعَ بمعنى المستقبل كقولك [[إنِّي مسافرٌ غدًا]].. فإن قيل [[وما أدراه بأنَّه سيسقَم في المستقبل القريب؟]]، نقول [[كانت تأتي إبراهيمَ حُمَّى تُقْلِعُ عنه مُدَّةً من الوقت ثمّ تعود إليه.. وفي ذلك الوقت لمَّا خرج قومُه لعبادةِ الأوثان طلبوا منه أن يَخْرُجَ معهم، فقال لهم [[إنِّي سقيم]]، أي جاء الآنَ وقتُ الحُمَّى التي تصيبُني.. وكانت علامةُ اقتراب الحُمَّى ظهورُ نَجمٍ معهودٍ في السماء]].. يقولُ الله تعالى في سورة الصَّافَّاتِ إخبارًا عن سيِّدنا إبراهيمَ ((فنَظَرَ نظرةً في النجوم[88].. فقال إنِّي سقيم[89]))ا
-------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
ا[5]ورد في[(سنن التِّرْمِذِيِّ)/كتاب تفسير القرءان عن رسول الله]ما نصُّه [[حدَّثنا سعيدُ بنُ يحيى الأُمَوِيُّ حدَّثني أبي حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ إسحاقَ عن أبي الزِّنادِ عن عبدِ الرحمن الأعرجِ عن أبي هريرةَ قال قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم [[لم يكذِب إبراهيمُ، عليه السلام، في شيءٍ قَطُّ إلّا في ثلاث: قولهِ إنِّي سقيم ولم يكن سقيمًا، وقولهِ لسارةَ أختي، وقولهِ بل فعَلَه كبيرُهم هذا]].. وقد رُوِيَ من غير وجهٍ عن أبي هريرةَ عن النبيِّ، صلَّى الله عليه وسلَّم، يُسْتَغْرَبُ من حديثِ ابنِ إسحاقَ عن أبي الزِّناد .. قال أبو عيسى هذا حديثٌ حسن صحيح]]انتهى كلامُ التِّرْمِذِيِّ..ا
-------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
ا[6]وأمَّا قولُ إبراهيمَ لقومه ((بل فعَلَه كبيرُهم هذا فاسألوهم إن كانوا ينطِقون)) فهذا ليس كَذِبًا حقيقيًّا، بل هذا صِدْقٌ من حيث الباطنُ والحقيقةُ لأنَّ كبيرَ الأصنام هو الذي حمَلَه على الفتك بالأصنام الأخرى من شدَّة اغتياظِ إبراهيمَ من الصَّنَمِ الكبيرِ لمبالغةِ المشركينَ في تعظيمه بتجميلِ هيأتهِ وصورته.. فهذا الأمرُ هو الذي حمَل إبراهيمَ على أن يكسِّر الصغارَ ويُهِينَ الكبير.. فيكون إسنادُ الفعلِ إلى الكبير إسنادًا مَجَازِيًّا.. فلا كَذِبَ في ذلك.. أنظر قولَ إبراهيمَ ((بل فعَلَه كبيرُهم)) في الآية 64 من سورة الأنبياء..ا
-------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
ا[7]وليس في هذه الأعمالِ الثلاثةِ جميعِها ما يُستقبح من إبراهيم، بدليل أنَّ نبيَّنا مُحَمَّدًا، صلَّى الله عليه وسلَّم، قال [[واللهِ إنْ حاولَ بهن إلّا عن دين الله]].. معناه ما جادلَ إبراهيمُ بهِنَّ إلّا عن دين الله.. وهو ما أكَّده ابنُ حجَر في (فتح الباري)، ورواه الإمامُ أحمد في (مسنده).. ومِثْلَ ذلك روى التِّرْمِذِيُّ في[(سننه)/كتاب تفسير القرءان عن رسول الله]..ا
-------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
ا[8]التَّوْرِيَةُ ذِكْرُ لفظٍ ذي مَعْـنَـيَـيْنِ: قريبٍ وبعيد، فيرادُ البعيدُ ويُوَرَّى القريبُ..ا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق