بيان معنى حديث الجارية
وأما حديث الجارية مع اضطرابه باختلاف الروايات فقد قال بعض العلماء: إن الرواية الموافقة للأصول هي رواية مالك عـن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها: "أتشهدين أن لا إله إلا الله" قالت: نعم، قال: "أتشهدين أني رسول الله" قالت: نعم، أخرجها أحمد ومالك. أما أحمد فأخرج عن رجل من الأنصار أنه جاء بأمة سوداء فقال يا رسول الله إن علي رقبة مؤمنة فإن كنت ترى هذه مؤمنة فاعتقها، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أتشهدين أن لا إله إلا الله" قالت: نعم، قال: "أتشهدين أني رسول الله" قالت: نعم، قال: "أتؤمنين بالبعث بعد الموت" قالت: نعم، قال: "أعتقها" ورجاله رجال الصحيح.
قال الشيخ محمد زاهد الكوثري في تعليقه على السيف الصقيل في الرد على ابن زفيل عند ذكر حديث الجارية (ص/107) ما نصه: (وراوي هذا الحديث عن ابن الحكم هو عطاء ابن يسار وقد اختلفت ألفاظه فيه، ففي لفظ له: "فمد النبيّ عليه الصلاة والسلام يده إليها وأشار إليها مستفهما مَن في السماء" ... الحديث، فتكون المحادثة بالإشارة على أن اللفظ يكون ضائعا مع الخرساء الصماء، فيكون اللفظ الذي أشار إليه الناظم والمؤلف لفظ أحد الرواة على حسب فهمه لا لفظ الرسول صلى الله عليه وسلم ومثل هذا الحديث يصح الأخذ به فيما يتعلق بالعمل دون الاعتقاد، ولذا أخرجه مسلم في باب تحريم الكلام في الصلاة دون كتاب الإيمان حيث اشتمل على تشميت العاطس في الصلاة ومنع النبيّ عليه الصلاة والسلام عن ذلك ولم يخرجه البخاري في صحيحه وأخرج في جزء خلق الأفعال ما يتعلق بتشميت العاطس من هذا الحديث مقتصرا عليه دون ما يتعلق بكون الله في السماء بدون أي إشارة إلى أنه اختصر الحديث). اهـ
وقال الحافظ البيهقي في كتابه الأسماء والصفات ( /164) بعد أن ذكر الحديث بلفظ: "أين الله"؟ (وهذا صحيح قد أخرجه مسلم مقطعا من حديث الأوزاعي وحجاج الصواف عن يحيى بن أبي كثير دون قصة الجارية وأظنه إنما تركها من الحديث لاختلاف الرواة في لفظه وقد ذكرت في كتاب الظهار من السنن مخالفة من خالف معاوية بن الحكم في لفظ الحديث). اهـ
وقال الشيخ محمد زاهد الكوثري في تعليقه على الأسماء والصفات (ص/422) ما نصه: (وقصة الجارية مذكورة فيما بأيدينا من نسخ مسلم لعلها زيدت فيما بعد إتماما للحديث، أو كانت نسخة المصنف ناقصة، وقد أشار المصنف ـ أي البيهقي ـ إلى اضطراب الحديث بقوله: (وقد ذكرت في كتاب الظهار مخالفة من خالف معاوية بن الحكم في لفظ الحديث) وقد ذكر في السنن الكبرى اختلاف الرواة في لفظ الحديث مع أسانيد كل لفظ من ألفاظهم وهي: "أين الله" فقالت: في السماء. مع لفظ: "فإنها مؤمنه" وبدونه. "وأين الله" فأشارت إلى السماء بإصبعها و "من ربك" قالت: الله ربي. و "تشهدين أن لا إله إلا الله" قالت: نعم. و "من ربك" قالت: الله. وقد توسعنا في شرح الحديث وبيان مبلغ اضطرابه سندا ومتنًا فيما كتبناه على نونية ابن القيم (ص/106)). اهـ
وقد قال النووي في شرحه على صحيح مسلم ج5 ص22 : في شرح حديث الجارية ما نصه : (كان المراد امتحانها هل هي مؤمنة موحدة تقر بأن الخالق المدبر الفعال هو الله وحده، وهو الذي إذا دعاه الداعي استقبل السماء كما إذا صلى المصلي استقبل الكعبة وليس ذلك لأنه منحصر في السماء كما أنه ليس منحصرا في جهة الكعبة بل ذلك لأن السماء قبلة الداعين كما أن الكعبة قبلة المصلين. أو هي من عبدة الأوثان العابدين للأوثان التي بين أيديهم فلما قالت: في السماء علم أنها موحدة وليست عابدة للأوثان. قال القاضي عياض: لا خلاف بين المسلمين قاطبة فقيههم ومحدثهم ومتكلمهم ونظارهم ومقلدهم أن الظواهر الواردة بذكر الله تعالى في السماء كقوله تعالى: {ءَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء أَن يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ} ونحوه ليست على ظاهرها بل متأولة عند جميعهم). اهـ.
وقد ترجم للقاضي عياض الحافظ السيوطي في طبقات الحفاظ ص470 فقال: (وكان إمام أهل الحديث في وقته وأعلم الناس بعلومه، وبالنحو واللغة وكلام العرب وأيامهم وأنسابهم). اهـ
وقد ترجمه النووي في تهذيب الأسماء واللغات ( 2/43) فقال ما نصه: (وهو إمام بارع متفنن متمكن في علم الحديث والأصولين والفقه والعربية وله مصنفات في كل نوع من العلوم المهمة، وكان من أصحاب الأفهام الثاقبة). اهـ
فانظر إلى هذين الإمامين الذين ينقلان إجماع المسلمين على أن هذه الآيات ليست على ظاهرها بل هي مأولة عند جميع المسلمين.
وكذلك قال الحافظ جلال الدين السيوطي في شرحه على سنن النسائي ( 3/18) عندما
تكلم على شرح حديث الجارية وبيان معناه حيث نقل كلام الإمام النووي السابق وكلام القاضي عياض رحمهما الله وأقرهما على ذلك.
وكذلك قال الحافظ أبو العباس القرطبي شيخ الأمام القرطبي المفسر في الفهم شرح صحيح مسلم ( 2/144ـ145) ما نصه: (تنبيه: ثم اعلم أنه لا خلاف بين المسلمين قاطبة، محدثهم وفقيههم ومتكلمهم ومقلدهم ونظارهم، أن الظواهر الواردة بذكر الله تعالى في السماء كقوله: {ءَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء} [الملك/16] ليست على ظاهرها، وأنها متأولة عند جميعهم)….. إلى أن قال: (ويكون العلو بمعنى الغلبة، وأما من يعتقد نفي الجهة في حق الله تعالى فهو أحق بإزالة ذلك الظاهر، وإجلال الله تعالى عنه، وأولى الفرق بالتأويل. وقد حصل من هذا الأصل المحقق: أن قول الجارية: في السماء ليس على ظاهره باتفاق المسلمين، فيتعين أن يعتقد فيه أنه معرض لتأويل المتأولين، وأن من حمله على ظاهره فهو ضال من الضالين). اهـ
وقال الحافظ ابن الجوزي في دفع شبه التشبيه (ص/59) عند كلامه على قوله تعالى: {ءَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء} ما نصه: (قلت: وقد ثبت قطعا أنها ليست على ظاهرها، لأن لفظة: {فِي} للظرفية والحق غير مظروف، وإذا امتنع الحس أن يتصرف في مثل هذا، بقي وصف التعظيم بما هو عظيم عند الخلق). اهـ
وقال الحافظ أبو بكر بن العربي في العارضة (1/273) ما نصه: (المراد بالسؤال بأين عنه تعالى المكانة، فإن المكان يستحيل عليه تعالى). اهـ
وقال الإمام أبو حنيفة رحمه الله في الفقه الأبسط (ص/53) ما نصه: (قلت أرأيتَ لو قيل: أين الله تعالى؟ فقال ـ أي أبو حنيفة ـ: يقال له كان الله تعالى ولا مكان قبل أن يخلق الخلق، وكان الله تعالى ولم يكن أين ولا خَلق ولا شىء، وهو خالق كل شىء). اهـ
وقال الشيخ محمد زاهد الكوثري في تعليقه على السيف الصقيل للسبكي (ص/107) ما نصه: (وأما عدم صحة الاحتجاج بحديث الجارية في إثبات المكان له تعالى فللبراهين القائمة في تنـزه الله سبحانه عن المكان والمكانيات والزمان والزمانيات، قال الله تعالى:{قُل لِّمَن مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ قُل لِلّهِ} [الأنعام:12] وهذا مشعر بأن المكان وكل ما فيه ملك لله تعالى، وقال تعالى: {وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ} [الأنعام/13] وذلك يدل على أن الزمان وكل ما فيه ملك لله تعالى، فهاتان الآيتان تدلان على أن المكان والمكانيات والزمان والزمانيات كلها ملك لله تعالى وذلك يدل على تنـزيه الله سبحانه عن المكان والزمان. كما في أساس التقديس للفخر الرازي). اهـ
وقال العلامة البياضي الحنفي في إشارات المرام (ص/197ـ 198) ما نصه: (السادس: ما أشار إليه بقوله فيه: (وأنه تعالى يدعى من أعلى) للإشارة إلى ما هو وصف للمدعوّ تعالى من نعوت الجلال، وصفات الكبرياء والألوهية والاستغناء (لا من أسفل، لأن الأسفل) أي الإشارة إليه (ليس من وصف الربوبية والألوهية) والكبرياء والفوقية بالاستيلاء (في شىء) فأشار إلى الجواب بأن رفع الأيدي عند الدعاء إلى جهة السماء ليس لكونه تعالى فوق السماوات العلى بل لكونها قبلة الدعاء، إذ منها يتوقع الخيرات، ويستنـزل البركات لقوله تعالى: {وَفِي السَّمَاء رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ} [سورة الذاريات/22] مع الإشارة إلى اتصافه تعالى بنعوت الجلال وصفات الكبرياء، وكونه تعالى فوق عباده بالقهر والاستيلاء وإلى الجواب بمنع حمل ما ورد في الآيات والأحاديث على الاستقرار والتمكن، ومنع رفع الأيدي لاعتقاده بل كل ذلك بالمعنى الذي ذكرنا هاهنا، وهو الذي لا ينافي وصف الكبرياء، ولا يتطرق إليه سمات الحدوث والفناء كما أشار إليه بقوله فيه: (وعليه) أي يخرَّج على أنه يدعى من أعلى، ويوصف بنعوت الجلال وصفات الكبرياء (ما روي في الحديث أن رجلا) وهو عمرو بن الشريد كما رواه أبو هريرة، وعبد الله ابن رواحة كما بينه الإمام في مسنده بتخريج الحارثي وطلحة والبلخي والخوارزمي أتى إلى النبي عليه الصلاة والسلام بأمة سوداء فقال: وجب علي عتق رقبة مؤمنة قال: إن أمي هلكت وأمرت أن أعتق عنها رقبة مؤمنة، ولا أملك إلا هذه وهي جارية سوداء أعجمية لا تدري ما الصلاة أفتجزيني هذه؟ عما لزم بالوصية كما في مصنف الحافظ عبد الرزاق، وليس في الروايات الصحيحة أنها كانت خرساء كما قيل فقال لها النبي عليه الصلاة والسلام: "أمؤمنة أنت"؟ قالت نعم، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: "أين الله"؟ سائلا عن المنـزلة والعلو على العباد علو القهر والغلبة، ومشيرا أنه إذا دعاه العباد استقبلوا السماء دون ظاهره من الجهة، لكن لما كان التنـزيه عن الجهة مما يقصر عنه عقول العامة فضلا عن النساء حتى يكاد يجزم بنفي ما ليس في الجهة كان الأقرب إلى إصلاحهم، والأليق بدعوتهم إلى الحق ما يكون ظاهرًا في الجهة كما في شرح المقاصد فأشارت إلى السماء) إشارة إلى أعلى المنازل كما يقال فلان في السماء أي رفيع القدر جداً كما في التقديس للرازي فقال: "أعتقها فإنها مؤمنة"اهـ
وقال الإمام أبو عبد الله القرطبي المفسر في كتاب التذكار في أفضل الأذكار: (لأن كل من في السموات والأرض وما فيهما خلق الله تعالى وملك له، وإذا كان كذلك يستحيل على الله أن يكون في السماء أو في الأرض إذ لو كان في شىء لكان محصورا أو محدودا ولو كان كذلك لكان محدثا وهذا مذهب أهل الحق والتحقيق، وعلى هذه القاعدة قوله تعالى: {ءَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء} وقوله عليه السلام للجارية: "أين الله"؟ قالت: في السماء، ولم يُنكر عليها وما كان مثله ليس على ظاهره بل هو مؤول تأويلات صحيحة قد أبداها كثير من أهل العلم في كتبهم). اهـ
وقال الإمام أبو الوليد الباجي في المنتقى ( /274) ما نصه: (فيقال: مكان فلان في السماء بمعنى علو حاله ورفعته وشرفه). اهـ
وقال قاضي القضاة الحافظ بدر الدين بن جماعة في إيضاح الدليل (ص/172) ما نصه: (يجوز أن يراد بـ (أين) المنـزلة والرتبة في صدرها، كما يقال: أين فلان من فلان؟ وأين زيد منك؟ توسعا في الكلام، ولا يراد بذلك إلا الرتبة والمنـزلة. ويقول الإنسان لصاحبه: أين محلي منك؟ فيقول: في السماء. يريد أغلى محل). اهـ
وقال الحافظ أبو بكر بن فورك في مشكل الحديث وبيانه (ص/158ـ159) بعد أن ذكر استعمالات أين في الرتبة والمنـزلة والدرجة وفي التقريب والتبعيد والإكرام والإهانة ما نصه: فإذا كان ذلك مشهورا في اللغة احتمل أن يقال: إن معنى قوله صلى الله عليه وسلم: "أين الله" استعلام لمنـزلته وقدره عندها وفي قلبها، وأشارت إلى السماء ودلت بإشارتها على أنه في السماء عندها على قول القائل: إذا أراد أن يخبر عن رفعة وعلو منـزلة فلان في السماء. أي هو رفيع الشأن عظيم المقدار). اهـ
وكذلك قال الحافظ أبو العباس القرطبي شيخ الأمام القرطبي المفسر في الفهم شرح صحيح مسلم ( /142ـ143) ما نصه: (وقوله عليه الصلاة والسلام للجارية: "أين الله"؟ هذا السؤال من النبيّ عليه الصلاة والسلام تنـزل مع الجارية على قدر فهمها، إذ أراد أن يظهر منها ما يدل على أنها ليست ممن يعبد الأصنام ولا الحجارة التي في الأرض، فأجابت بذلك، وكأنها قالت: إن الله ليس من جنس ما يكون في الأرض. و "أين" ظرفٌ يسأل به عن المكان، كما أن: متى، ظرف يسأل به عن الزمان، وهو مبني لما تضمّنه من حرف الاستفهام، وحرّك لالتقاء الساكنين، وخص بالفتح تخفيفًا، وهو خبر المبتدأ الواقع بعده، وهو لا يصح إطلاقه على الله تعالى بالحقيقة، إذ الله تعالى منـزه عن المكان. كما هو منـزه عن الزمان، بل هو خالق الزمان والمكان، ولم يزل موجوداً ولا زمان ولا مكان، وهو الآن على ما عليه كان. ولو كان قابلا للمكان لكان مختصا به، ويحتاج إلى مخصص، ولكان فيه إما متحركا وإما ساكنا، وهما أمران حادثان، وما يتصف بالحوادث حادث، على ما يبسط القول فيه في علم الكلام، ولما صدق قوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَئٌ} [الشورى/11] إذ كانت تماثله الكائنات في أحكامها، والممكنات في إمكانها، وإذا ثبت ذلك ثبت أن النبيّ عليه الصلاة والسلام إنما أطلقه على الله بالتوسع والمجاز، لضرورة إفهام المخاطبة القاصرة الفهم، الناشئة مع قوم معبوداتهم في بيوتهم). اهـ
ثم قال في الصفحة التالية من نفس الكتاب ما نصه: (وقيل في تأويل هذا الحديث: أن النبيّ عليه الصلاة والسلام إنها سألها بأين عن الرتبة المعنوية، التي هي راجعة إلى جلاله تعالى وعظمته التي بها بايَنَ كل من نسبت إليه الإلهية، وهذا كما يقال: أين الثريا من الثرى؟ والبصر من العمى؟ أي بَعُدَ ما بينهما. واختصت الثريا والبصر بالشرف والرفعة. على هذا يكون قولها: في السماء، أي: في غاية العلو والرفعة، وهذا كما يقال: فلان في السماء، ومناط الثريا، وهذا كما قال:
إن بني عوفٍ كما قد عَلِمْتُم==مناط الثريا قد تعالت نجوهما). اهـ
وقال الإمام الحافظ ابن الجوزي في كتابه دفع شبه التشبيه (ص/94) ما نصه: (قلت: قد ثبت عند العلماء أن الله تعالى لا يحويه السماء والأرض ولا تضمه الأقطار، وإنما عرف بإشارتها تعظيم الخالق عندها). اهـ
قال الإمام القرطبي في تفسيره (6/390) عند قوله تعالى: {وَهُوَ اللّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الأَرْضِ} [الأنعام/ 3] ما نصه: (يقال: ما عامل الإعراب في الظرف من {فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الأَرْضِ} ؟ ففيه أجوبة:
أحدها: أي وهو الله المعظم أو المعبود في السماوات وفي الأرض، كما تقول: زيد الخليفة في الشرق والغرب، أي حكمه. ويجوز أن يكون المعنى وهو الله المنفرد بالتدبير في السماوات وفي الأرض، كما تقول: هو في حاجات الناس وفي الصلاة، ويجوز أن يكون خبراً بعد خبر ويكون المعنى: وهو الله في السماوات وهو الله في الأرض. وقيل: المعنى وهو الله يعلم سركم وجهركم في السماوات وفي الأرض فلا يخفى عليه شىء، قال النحاس: وهذا من أحسن ما قيل فيه. وقال محمد بن جرير: وهو الله في السماوات ويعلم سركم وجهركم في الأرض، فيعلم مقدَّم في الوجهين، والأول أسلم وأبعد من الإشكال. وقيل غير هذا. والقاعدة: تنـزيهه ـ جل وعز ـ عن الحركة والانتقال وشغل الأمكنة. {وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ} أي من خير وشر). اهـ
وقد قال شيخنا العبدري الهرري حفظه الله ما نصه: (ثم إن رواية مسلم فيها مخالفة للأصول، فإنه لا يحكم بالإيمان والإسلام لشخص يريد الدخول في الإسلام إلا بالشهادتين كما نص على ذلك علماء الإسلام. فالقول بأن الرسول كما في رواية مسلم حكم بمجرد الإشارة إلى السماء بالإسلام مخالف للأصول، لأن القول الله في السماء يشترك فيه اليهود وغيرهم من الكفار، فكيف يجوز للرسول أن يحكم بمجرد الإشارة لهذه الجارية بالإيمان والإسلام؟ ومن لم يضعف رواية مسلم هذه من المحدثين فمن كان من أهل التنـزيه أوّل كلمة: "أين الله" بما تعظيمك لله، والإشارة إلى السماء معناه رفيع القدر جدا، وعلة الاضطراب فيه تكفي لعدم ثبوته لأن هناك رواية: "أين ربك" فقالت: (في السماء). وفي رواية: (أشارت إلى السماء) ). اهـ
وقد أشار الحافظ ابن حجر أيضا في كتابه التلخيص الحبير (3/250) بعد أن ذكر روايات الحديث إلى اضطرابه بقوله: (وفي اللفظ مخالفة كثيرة).اهـ
وكذلك أشار الإمام البزار إلى اضطراب الحديث أيضا في مسنده فقال بعد أن روى الحديث: (وهذا قد روي نحوه بألفاظ مختلفة). اهـ
وقد قال المحدث عبد الله بن صديق الغماري في تعليقه على كتاب التمهيد لابن عبد البر عن لفظ: "أين الله" ما نصه: (رواه مسلم وأبو داود والنسائي وقد تصرف الرواة في ألفاظه فروي بهذا اللفظ كما هنا وبلفظ: "من ربك"؟ قالت: الله ربي، وبلفظ: "أتشهدين أن لا إله إلا الله"؟ قالت: نعم، وقد استوعب تلك الألفاظ بأسانيدها الحافظ البيهقي في السنن الكبرى بحيث يجزم الواقف عليها أن اللفظ المذكور هنا مروي بالمعنى حسب فهم الراوي). اهـ
وقد قال المحدث الكوثري في تعليقه على الأسماء والصفات (ص/422) ما نصه: (وقد فعلت الرواية بالمعنى في الحديث ما تراه من الاضطراب). اهـ
يتبع بإذن الله
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق