بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين خالق السموات والأرضين، وصلى الله وسلم على رسول الله محمد الأمين وعلى ءاله وصحبه الطيبين الطاهرين وبعد
أن شَرَفَ العلمِ بِشَرَفِ المعلوم وعلم التوحيد يتعلق بمعرفة الله ورسوله لذلك هو أشرف العلوم على الإطلاق والدليل على ذلك قوله تعالى
{فاعلم أنه لا اله الا الله واستغفر لذنبك}قدّم الله تعالى بهذه الآية ذكر العلم به وهو إشارة إلى علم التوحيد على الإستغفار اللساني الذي يشير إلى العلم بالفروع .
وقد ثبت عن الامام الشافعي انه قال ( أحكمنا ذاك قبل هذا ). معناه أتقنّا علم التوحيد قبل علم فروع الفقه
وقد ألّف الإمام ابو حنيفة خمس رسائل في علم التوحيد: منها الفقه الأكبر والفقه الأصغر ورسالة العالم والمتعلم ورسالة الى عثمان البتي ذكر فيها عقيدة أهل السنة والجماعة في تنزيه الله عن مشابهة الخلق في الذات والصفات والأفعال وقد سافر أبو حنيفة أكثر من عشرين مرة من بغداد إلى نواحٍ شتى للرد على المخالفين في العقيدة.كذلك ألف الإمام الشافعي رسالة القياس للرد على البراهمه المخالفين في العقيدة .
وقد ألف الامام أحمد بن سلامة أبو جعفر الطحاوي المتوفى في أوائل القرن الرابع الهجري رسالة في العقيدة ذكر في أولها أنها ذكر بيان عقيدة اهل السنة والجماعة وقد تلقاها المسلمون واعتنوا بتعليمها من ذلك الوقت الى يومنا هذا لأن في ذلك حفظًا للعقيدة من الانحراف .
قال العلماء : (إذا فسد الأصل فسد الفرع )فمن فسدت عقيدته لم يُقبَل منه أي عمل، لذلك كانت العناية بالعقيدة اهم من العناية بغيرها من علوم الدين .
قال الغزالي (لا تصح العبادة إلا بعد معرفة المعبود )
وقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم عدّة أحاديث في فضل تعلّم علم الدين رواه البيهقي "طلبُ العلمِ فريضةٌ على كلِّ مُسلم"كقوله أي علمُ الدين الضروري وقال ( يا أيها الناسُ تعلَّموا فإنما العلمُ بالتعلُّمِ والفقهُ بالتفقُّه مَنْ يُرِد اللهُ به خيراً يفقههُ في الدين ) رواه البخاري .
"فَضْلُ العالِمِ على العابدِ كفضلِ القمرِ على سائرِ الكواكب"وقال "لَفقيهٌ واحِدٌ أشدُّ على الشيطانِ مِن ألفِ عابِد"وقال
وقال لصاحِبهِ أبي ذر (يا أبا ذر لَئِنْ تغْدو فتتعلَّمَ آيةً من كتابِ اللهِ خيرٌ لكَ مِن أنْ تُصلّي مِئةَ ركعة، يا أبا ذر لَئِنْ تغدو فتتعلّمَ باباً مِن العلمِ خيرٌ لك مِن أنْ تُصلّي ألفَ ركعة ) أي من النوافِل رواهُ ابن ماجه في سُننِ .
لذلك قال الإمامُ الشافعي (طلَبُ العِلمِ أفضلُ مِن صلاةِ النّافِلة )
اخواني اخواتي هناك قدر من علم الدين قال العلماء يجب معرفته على كل مسلم وهو ( الفرض العيني من علم الدين ) وسمي بالفرض العني لان علم الدين منه ماهو فرض كفاية اي اذا قام به بعض المسلمين لا يجب على البقية كتعلم علم الميراث ومنه ماهو فرض عيني اي يجب على كل مسلم تعلمه بعينه اي بنفسه فلا يكفي ان يتعلمه قسم من المسلمين .
والفرض العيني من علم الدين هو القدر الذي يجب تعلمه من علم الإعتقاد ومن المسائل الفقهية ومن أحكام المعاملات لمن يتعاطاها وغيرها ، كمعرفة معاصي القلب والجوارح كاللسان وغيره ، ومعرفة الظاهر من أحكام الزكاة لمن تجب عليه والحج للمستطيع .
بسم الله الرحمان الرحيم
يَجِبُ عَلَى كَافَّةِ الْمُكَلَّفِينَ غير المسلمين الدُّخُولُ في دِينِ الإِسْلاِمِ والثُّبُوتُ فِيهِ عَلَى الدَّوَامِ وَالْتِزَامُ مَا لَزِمَ عَلَيهِ مِنَ الأَحْكَام .ِ
الشَّرْحُ:
أَنَّ الْمُكَلَّفَ الذي هُوَ غَيْرُ مُسْلِمٍ يَجِبُ عَلَيْهِ فَوراً الدُّخُولُ في الإِسْلاَمِ، وَالْمُكَلَّفُ هُوَ الْبَالِغُ الْعَاقِلُ الذي بَلَغَتْهُ دَعْوَةُ الإِسْلاَمِ ولم يكن أصم، أما الأصم الذي بلغته الدعوى بطريقة من الطرق يصير مكلفا .
الْبُلُوغُ لِلذَّكَرِ يَكُونُ بِأَحَدِ أَمْرَينِ: رُؤْيَةِ المنيّ أَو بُلُوغِ سِنِّ الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ قَمَرِيَّةً، وَالأُنْثى بِأَحَدِ ثَلاَثَةِ أُمُورٍ: رُؤْيَةِ المنيّ أَوْ بُلُوغِ سِنِّ الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ قَمَرِيَّةً أَوْ رُؤْيَةِ دَمِ الْحَيْضِ، أَمَّا الْعَاقِلُ فَمَعْنَاهُ غَيْرُ الْمَجْنُونِ، وَالَّذِى بَلَغَتْهُ دَعْوَةُ الإِسْلاَمِ هُوَ الذي بَلَغَهُ أَصْلُ الدَّعْوَةِ أي الشَّهَادَتَانِ، وَلَيْسَ شَرْطاً أَنْ تَبْلُغَهُ التَّفَاصِيلُ وَالأَدِلَّةُ، إِنَّمَا إِذَا كَانَ الشَّخْصُ بَالِغاً عَاقِلاً وَبَلَغَتْهُ دَعْوَةُ الإِسْلاَمِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الدُّخُولُ في هَذَا الدِّينِ فَوراً، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ وَمَاتَ عَلَى الْكُفْرِ اسْتَحَقَّ الْخُلُودَ الأَبَدِىَّ في نَارِ جَهَنَّمَ، أَمَّا مَنْ لَمْ تَبْلُغْهُ الدَّعْوَةُ لَوْ كَانَ بَالِغاً عَاقِلاً فَإِنَّهُ في الآخِرةِ لاَ مَسْئُولِيَّةَ عَلَيْهِ أي لاَ يُعَذَّبُ بِالنَّارِ لأَنَّ رَبَّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَالَ (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً )كَذَلِكَ الذي مَاتَ قَبْلَ الْبُلُوغِ هُوَ في الآخِرَةِ نَاجٍ وَلَوْ كَانَ يَعْبُدُ الْحَجَرَ، وَكَذَلِكَ الْمَجْنُونُ الذي عَاشَ حَيَاتَهُ كُلَّهَا عَلَى الْجُنُونِ، يعني قَبْلَ الْبُلُوغِ جُنَّ ثُمَّ اسْتَمَرَّ عَلَى الْجُنُونِ بَعْدَ الْبُلُوغِ إِلَى أَنْ مَاتَ ، وذلك لحديث النبي صلى الله عليه وسلم (رفع القلم عن ثلاث : عن الصبي حتى يبلغ ، وعن النائم حتى يستيقظ وعن المجنون حتى يفيق) رواه ابن حجر العسقلاني .
وَيَجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِ الْمُكَلَّفِ أَدَاءُ جَمِيعِ الْوَاجِبَاتِ وَاجْتِنَابُ جَمِيعِ الْمُحَرَّمَاتِ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِنا "وَالْتِزَامُ مَا لَزِمَ عَلَيْهِ مِنَ الأَحْكَامِ" .
فمما يجب علمه واعتقاده مطلقا والنطق به في الحال إن كان كافرا وإلا ففي الصلاة الشهادتان وهما : أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله . ومعنى أشهد أن لا إله إلا الله أعلم وأعتقد وأعترف أن لا معبود بحق إلا الله. الواحد الأحد الأول القديم الحيّ القيوم الدائم الخالق الرازق العالم القدير الفعال لما يريد ماشاء الله كان ومالم يشألم يكن الذي لا حول ولا قوة الا به الموصوف بكل كمال يليق به المنزه عن كل نقص في حقة ليس كمثله شيء وهو السميع البصير
فهو الازلي وما سواه حادث(1) وهو الخالق وما سواه مخلوق وكل ما دخل في الوجود من الأعيان(2) والأعمال من الذرة إلى العرش , ومن كل حركة للعباد وسكون والنوايا والخواطر فهو بخلق الله لم يخلقه أحد سواه الله لا طبيعة ولا علة .
قال النسفي) : فإذا ضرب إنسان زجاجا بحجر فكسره فالضرب والكسر والانكسار بخلق الله تعالى)فليس للعبد إلا الكسب وأما الخلق فليس لغير الله قال الله تعالى { لها ماكسبت وعليها ما اكتسبت }
اي ان الخير الذي تعمله النفس لها أي تنتفع به والشر الذي تعمله تكتسبه عليها اي ضرره عليها الإنسان يكتسب ولا يخلق ٬ الله الخالق والعبد يكتسب فقط .
معنى قولنا ( فهو الازلي ) اي ان الله لم يسبق وجوده عدم (1)
ومعنى قولنا (وماسواه حادث) اي كل ماسوا الله مخلوق فمعنى حادث اي حدث بعد عدم اي كل ماسوا الله من الاعمال والاحجام لم يكن موجود قبل ان يخلقه الله اما الله فهو ازلي اي لم يكن معدوما قبل وجوده فهو موجود في الازل .
(2) ومعنى قولنا (الاعيان ) اي كل ماله عيين اي حجم .
وكلام الله تعالى ازلي كسائر صفاته
الشرح : اي ان الله لا يوصف بالحدوث لا في ذاته ولا في صفاته فهو سبحانه متكلم في الازل اي لم يكن غير موصوف بالكلام ثم حدثت له صفة الكلام بل هو موصوف بالكلام في الازل فكلامه ازلي ابدي كسائر صفاته لان الاتصاف بالحدوث اي التغير من حال الى حال من صفات المخلوقين لذلك قال الامام ابو حنيفة رضي الله عنه في الفقه الاكبر : ( وصفاته في الازل غير محدثة ولا مخلوقة فمن قال إنها محدثة او مخلوقة او وقف او شك فيها فهو كافر بالله تعالى ) ومعنى قوله (او وقف او شك فيها) اي من قال في صفات الله (انا لا اقول انها حادثة ولا اقول انها ازلية) هذا معنى توقف فيها فمن توقف في حدوث صفات الله فهو كافر اما الشك فمعناه ان يقول في قلبه ( هل هي حادث اوازلية ) فمن شك في ازلية صفات الله فهو كافر ايضا والشك يختلف عن الخاطر فالشك بفعل العبد وهو محاسب عليه اما الخاطر فهو بلا قصد من العبد وهو غير محاسب عليه بل له ثواب اذا كرهه فقد روى مسلم عن ابي هريرة قال جاء ناس من اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فسألوه : إنا نجد في أنفسنا مايتعاظم احدنا ان يتكلم به قال (وقد وجدتموه ) قالوا نعم قال (ذاك صريح الايمان) رواه في صحيحه في باب بيان الوسوسة في الايمان وما يقوله من وجدها .
اي ان هؤلاء الصحابة رضي الله عنهم خطر على قلبهم اشياء لا يرضونها بل هم يكرهونها فقل النبي (وقد وجدتموه) اي وجدتم هذا الكره لها فقال نعم فقال ( ذاك صريح الايمان ) .ويتميز الشك عن الخاطر ان الخاطر يكون بلا إرادة فلا ينافي الجزم بالقلب اما الشك فينافيه لان معناه التردد في القلب .
وقد قال الله تعالى : {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا}الحجرات15 . والارتياب هو الشك .
فالواجب على المسلم ان يعتقد جازماً بلا توقف ولا شك ان صفات الله كلها ازلية لا توصف بالحدوث والذي يتصف بالحدوث اي التغير يحتاج الى من غيره من حال الى حال فمثلا نحن قبل وجودنا كنا معدومين الله اوجدنا فتغيرنا من حال العدم الى الوجود ولو لا ان الله اوجدنا ما وجدنا لان المعدوم لا يوجد نفسه وكذلك كل مافي هذا العالم لو لا ان الله اوجده ماوجد فكل هذا العالم متغير حادث مخلوق .
وهناك قول مشهور على لسان عوام الناس في لبنان وهو قول صحيح يوافق الحق وهو قولهم : ( سبحان الذي يغير ولا يتغير ) .
قال الله تعالى {وَكَلَّمَ اللّهُ مُوسَى تَكْلِيماً } سورة النساء 164
الله تعالى وصف نفسه بالقرءان الكريم بالكلام وقال الله تعالى ايضا { ليس كمثله شيء } فعلمنا ان كلام الله ليس ككلامنا فكلام الله ليس بحرف ولا صوت ولا يوصف بالتقطع فهو تعالى متكلم بلا شفة ولا لسان وقد نُقِلَ هذا التفصيلُ عن أبيحنيفة رضي الله عنه في كتابه الفقه الأبسط قال عن الله : "ويتكلم لا ككلامنا ، نحن نتكلم بالالات من المخارج والحروف والله متكلم بلا ءلة ولا حرف "
القرءانُ له إطلاقان يطلَقُ على اللفظِ المنزلِ على محمدٍ وعلى الكلامِ الذاتيّ الأزلي الذي ليسَ هُوَ بحرفٍ ولا صوتٍ ولا لغةٍ عربيةٍ ولا غيرها. فإن قُصِدَ به الكلامُ الذاتيُّ فهو أزليٌّ ليسَ بحرفٍ ولا صوتٍ، وإن قُصِدَ بها وبسائرِ الكتبِ السماويةِ اللفظُ المُنزَّلُ فمنهُ ما هو باللغةِ العبريةِ ومنهُ ما هو باللغةِ السريانيةِ وهذه اللغاتُ وغيرُها من اللغاتِ لم تكن موجودةً في الأزلِ فخلقها الله تعالى فصارت موجودةً، والله تعالى كانَ قبلَ كلّ شئٍ وكانَ متكلمًا قبلَها ولم يزل متكلمًا وكلامُهُ الذي هو صفتهُ أزليٌّ أبديٌّ وهو كلام واحد وهذه الكتبُ المنزلةُ كلها عباراتٌ تدل على ذلك الكلامِ الذاتي الأزلي الأبدي، ولا يلزمُ من كونِ العبارةِ حادثةً كونُ المعبَّر عنه حادثًا ألا ترى أننا إذا كتبنا على لوحٍ أو جدارٍ "الله" فقيلَ هذا الله فهل معنى هذا أن أشكالَ الحروف المرسومة هي ذات الله لا يتوهَّمُ هذا عاقلٌ إنَّما يُفهمُ من ذلك أن هذه الحروف عبارةٌ تدل على الإلهِ الذي هو موجودٌ معبودٌ خالقٌ لكلّ شئٍ ومعَ هذا لا يقالُ القرءانُ وغيره من الكتب المنزلة مخلوقٌ لكن يُبَيَّنُ في مقامِ التعليمِ أن اللفظَ المنّزلَ ليسَ قائمًا بذاتِ الله بل هوَ مخلوقٌ للهِ لأنه حروفٌ يسبقُ بعضُها بعضًا وما كانَ كذلكَ حادثٌ مخلوقٌ قطعًا، لكنهُ ليسَ من تصنيفِ مَلَكٍ ولا بشرٍ فهوَ عبارةٌ تدل على الكلامِ الذاتي الذي لا يُوصَفُ بأنهُ عربيٌّ ولا بأنهُ عبرانيٌّ ولا بأنه سُرياني، وكلٌّ يُطلَقُ عليهِ كلامُ الله أيْ أنَّ صفةَ الكلامِ القائمةِ بذاتِ الله يقالُ لها كلامُ الله، واللفظُ المُنزَّلُ الذي هو عبارةٌ تدل عليهيقالُ له كلامُ الله.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق