بيانُ أنَّ قراءةَ القرءانِ على قبر المسلمِ مستحبَّة
تستحبُّ قراءةُ القرءانِ على قبر المسلم، وهذا الأمرُ نافعٌ للقارئ ولمن قُرِئَ على قبرِه من المسلمين..ا
فعن ابنِ عُمَرَ، رضي الله عنه، عن رسولِ الله، صلَّى الله عليه وسلَّم، أنَّه قال :[[(إذا مات أحدُكم فلا تحبسوه وأسرعوا به إلى قبره وليُقرأ عند رأسهِ بفاتحة البقرة وعند رجلَيه بخاتمةِ سورة البقرة)]]ا
رواه الحافظُ البيهقيُّ في (شُعَبِ الإيمان)..ا
ورواه الطَّبَرَانِيُّ أيضًا عن ابنِ عُمَرَ عن رسولِ الله، صلَّى الله عليه وسلَّم، بلفظ :[[(إذا مات أحدُكم فلا تحبسوه وأسرعوا به إلى قبره وليُقرأ عند رأسهِ بفاتحةِ الكتاب وعند رجلَيه بخاتمةِ سورة البقرة)]]ا
قال الهيثميُّ في (مجمع الزوائد) :[[فيه يحيى بنُ عبدِ الله البابلتي وهو ضعيف]]ا
.
ومِمَّا يشهد لانتفاعِ الميِّت بقراءةِ غيرِه حديثُ مَعْقِلِ بنِ يسارٍ عن رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم :[[(اقرؤوا يس على موتاكم)]]ا
وفي لفظ :[[(اقرؤوا على موتاكم يس)]]ا
ومَعَ أنَّ هذا الحديثَ ضَعَّفَهُ بعضُهم لكنَّ أبا داودَ الذي رواه في (سننه) سكت عنه، وقد قال في رسالته لأهلِ مَكَّةَ :[[وكلُّ ما سكتُّ عنه فهو صالح]]ا
وصَحَّحَهُ ابنُ حِبَّانَ في (بلوغ الْمَرامِ) وابنُ الملقِّن في (شرح البخاريِّ) وحَسَّنَهُ السيوطيُّ في (الجامع الصغير)..ا
.
وعن مَعْقِلِ بنِ يسارٍ عنه، صلَّى الله عليه وسلَّم، وهو :[[(يس قلبُ القرءان، لا يقرؤها رجلٌ يريد اللهَ تبارك وتعالى والدارَ الآخرة إلّا غُفِرَ له.. واقرؤوها على موتاكم)]]ا
رواه الإمامُ أحمد بنُ حنبلٍ في (مسنده)..ا
قال المنذِريُّ في (الترغيب والترهيب) :[[إسناده صحيح أو حسن أو ما قاربهما]]ا
.
وأمَّا حديث :[[(ما من ميِّت يموتُ فيُقرأ عندَه يس إلّا هوَّن اللهُ عليه)]] فقد أخرجه ابنُ حِبَّانَ في (صحيحه)، ورواه أبو نُعَيْمٍ الأصبهانيُّ في (أخبار أصبهان) عن أبي الدرداء، وعزاه الحافظُ ابنُ حَجَرٍ في (التلخيص الحبير) للديلميِّ عن أبي الدرداءِ وأبي ذَرٍّ معًا..ا
قال الحافظُ البُوصِيرِيُّ في (إتحافِ الخِيَرَةِ الْمَهَرَة) :[[سنده ضعيف، وله شاهد]]ا
.
وكان الإمامُ أحمدُ بنُ حنبلٍ قد أنكر في بَدءِ أمره على مَنْ يقرأ على القبر ثمَّ أبلغه أصحابُه أثرًا عن بعض الصحابةِ وهو عبدُ الله بنُ عُمَرَ فرجَع عن رأيهِ وقال :[[إذا دخلتم المقابر فاقرءوا بفاتحةِ الكتاب والمعوِّذتين وقل هو الله أحد، واجعلوا ثوابَ ذلك لأهل المقابر فإنَّه يصل إليهم]]ا
روى ذلك عنه أحمدُ بنُ مُحَمَّدٍ الْمَرْوَذِيُّ الحنبليُّ..ا
وقد ذكَر مشروعيَّة قراءةِ القرءان على أمواتِ المسلمينَ الْمَرْداوِيُّ الحنبليُّ في كتابه (الإنصاف) وكثيرون غيرُه..ا
ومِمَّا يدلُّ أيضًا على أنَّ ثوابَ قراءةِ القرءانِ يَصِلُ إلى أمواتِ المسلمينَ قولُ الإمامِ أبي جعفرٍ الطحاويِّ في كتابه (العقيدةُ الطَّحَاوِيّة) التي ذكَر في مطلِعها أنّها عقيدة أهلِ السُّنَّةِ والجماعةِ قاطبةً :[[وفي دعاءِ الأحياءِ وصدقاتِهم منفعةٌ للأموات]]ا
.
القراءةُ لأمواتِ المسلمينَ من بعيدٍ تنفعُهم إذا دعا القارئُ بعد القراءةِ بقوله :[[اللهمَّ أوصِل ثوابَ ما قرأتُ إلى فلان]]، أو :[[اللهمَّ أوصِل مثلَ ثوابِ ما قرأتُ إلى فلان]].. يُفْهَمُ ذلك من حديثِ البخاريِّ حيث قال فيه الرسولُ لزوجته عائشةَ :[[(ذاكِ لو كان وأنا حيٌّ فأستغفرَ لكِ وأدعوَ لكِ)]]ا
فقولُه عليه الصلاة والسلام :[[(وأدعوَ لك)]] يُفْهَمُ منه الدعاءُ بأنواعه.. فدخل في ذلك دعاءُ الرجل بعد قراءةِ شيءٍ من القرءان لإيصال الثوابِ للميِّت بنحو :[[اللهمَّ أوصِل ثوابَ ما قرأتُ إلى فلان]]ا
وأمَّا القولُ الذي شُهِرَ عن الشافعيِّ :[[إنَّ القراءةَ لا تصِل إلى الميِّت]]، فهو محمولٌ على غير ما إذا كانتِ القراءةُ مع الدعاء بالإيصالِ وبغير ما إذا كانتِ القراءةُ على القبر، فإنَّ الشافعيَّ أقرَّ ذلك، أي أقرَّ بوصولِ القراءةِ إلى الميِّت إذا دعا القارئُ بذلك أو كانتِ القراءةُ على القبر ولو بغير دعاء.. فإذا لم تكنِ القراءةُ على القبر فإنَّ أثرَ القراءةِ لا يصِل إلى الميِّت إلّا إذا قال القارئ :[[اللهمَّ أوصِل ثوابَ ما قرأتُ إلى فلان]]، أو :[[اللهمَّ أوصِل مثلَ ثوابِ ما قرأتُ إلى فلان]]، ونحوَ ذلك من العبارات..ا
.
فالحاصلُ أنَّ مَنْ قرأ شيئًا من القرءانِ ثمّ قال :[[اللهمَّ أوصِل ثوابَ ما قرأتُ إلى فلان]] أو قال :[[اللهمَّ أوصِل مثلَ ثوابِ ما قرأتُ إلى فلان]] فإن كان ذاك الميِّت من أهلِ التقوى كان ذلك زيادةً في رفعِ درجاته، وأمَّا إن كان من العصاةِ فربَّما يخلِّصه اللهُ من نَكَدٍ هو فيه في القبر بسببِ هذه القراءة..ا
.
إذا قرأ المسلمُ القرءانَ في بيته ونوى بقلبه أن يَصِلَ ثوابُ القراءةِ إلى ميِّت مسلمٍ من غير أن يدعوَ بذلك فإنَّ ثوابَ القراءةِ لا يَصِلُ إلى هذا الميِّت إلّا إذا دعا القارئُ ربَّه بقوله :[[اللهمَّ أوصِل ثوابَ ما قرأتُ إلى فلان]] أو نحوَ ذلك فإنَّه يصِل..ا
أمَّا لو قرأ المسلمُ القرءانَ على ميِّت مسلمٍ في غرفةٍ قبل أن يُنْقَلَ إلى القبر فإنّ هذه القراءةَ تنفعُه، وذلك لأنَّ القرءانَ إذا قُرِئَ فإنَّ الرحمةَ تنزل فيستفيد هذا الميِّت، وكذلك إذا قُرِئَ على قبر ميِّت مسلم.. إذا ذُكِرَ اللهُ عند قبرِ مسلمٍ أو صُلِّيَ على النبيِّ فإنَّ البركاتِ تنزل على هذا الميِّت المسلمِ في قبره ولو لم يقل الذاكرُ الواقفُ عند القبر {{اللهمَّ أوصِل ثوابَ ما قرأتُ إلى هذا الميت}}ا
.
وذهب بعضُ أهلِ البدع إلى عدمِ وصولِ شيءٍ البتَّة، لا الدعاءُ ولا غيرُه.. وما زعموه باطلٌ مردود بالكتابِ والسُّنَّة.. واستدلالُهم بقولهِ تعالى في سورة النجم ((وأنْ ليس للإنسانِ إلّا ما سعى)) مدفوعٌ بأنَّ اللهَ لم يَنْفِ انتفاعَ الرجلِ بسعي غيرِه وإنَّما نفَى مِلْكَ غيرِ سعيه، وأمَّا سعيُ غيرِه فهو مِلْكٌ لساعيه، فإنْ شاء يبذلُه لغيره وإن شاء يُبْقيهِ لنفسه..ا
.
فـــوائـــد مـــهـــمَّـــة
.
ا[1]المسلمُ إذا مات وهو من أهلِ الكبائرِ وكان مستوجِبًا للعذابِ فدعا له مسلمٌ بقوله :[[اللهمَّ ارحمه]]، أو :[[اللهمَّ اغفر له]]، فإنَّ الله قد يُعْفيهِ من العذاب.. فالموتى ينتظرون ما يأتيهم من أقاربهم وأحبابهم الأحياءِ من قراءةِ القرءانِ والاستغفارِ ونحوِ ذلك.. حتَّى إنَّ الوليَّ الميِّت إذا دعا له مسلمٌ حيٌّ بقوله :[[رضي الله عنه]] فإنَّ الله قد يرفعُ هذا الوليَّ درجاتٍ كثيرةً بسبب دعاءِ هذا المسلم..ا
.
ا[2]ذكَر الإمامُ المحدِّث الفقيهُ الحافظُ اللغويُّ محمَّد مرتضَى الزَّبيدِيُّ في كتابه[(شرحُ إحياءِ علومِ الدين)/ج10/ص369]نقلًا عن السُّيُوطِيِّ أنّه قال في كتابه (شرح الصدور) ما نصُّه :[[وأمَّا قراءةُ القرءانِ على القبور فقد جزم بمشروعيَّتها أصحابُنا وغيرُهم.. وقال النوويُّ في (شرح المهذَّب) :[[يستحبُّ لزائر القبور أن يقرأ ما تيسَّر من القرءان وأن يدعوَ لهم عقِبها.. نَصَّ على ذلك الشافعيُّ واتَّفق عليه الأصحاب.. وإن ختَموا القرءانَ على القبر كان أفضلَ.. ونقل الزعفرانيُّ عن الشافعيِّ أنّه صرَّح بجواز القراءةِ على القبور]]انتهى..ا
.
ا[3]ورد في (صحيحَي البخاريِّ ومسلم) عن رسولِ الله، صلَّى الله عليه وسلَّم، أنَّه مَرَّ بقبرين فقال :[[(إنَّهما لَيُعَذَّبانِ وما يُعَذَّبانِ في كبير.. أمَّا أحدُهما فكان لا يستتِر من البولِ وأمَّا الآخَرُ فكان يمشي بالنميمة)]].. ثمَّ دعا بعَسيبٍ رَطْبٍ فشقَّه نصفين فغَرَسَ على قبرٍ واحدًا وعلى الآخَرِ واحدًا، ثمَّ قال :[[(لعلَّه يُخَفَّفُ عنهما ما لم ييبَسا)]]ا
قال القرطبيُّ :[[وقد استدلَّ بعضُ علمائنا على جوازِ قراءةِ القرءان على القبر بحديثِ العَسيبِ الرَّطْبِ الذي شقَّه رسولُ الله نصفين ثمَّ غرس على قبرٍ نصفًا وعلى الآخَرِ نصفًا]]ا
وقال النوويُّ :[[إذا وصل النفعُ إلى الميِّت بتسبيح الجريدتَين حالَ رطوبتِهما قبل أن ييبَسا فانتفاعُ الميِّت بقراءةِ القرءانِ عند قبرِه أولى، فإنَّ قراءةَ القرءانِ من إنسانٍ أعظمُ وأنفعُ من التسبيح من عود]]ا
.
ا[4]أوصى العلاءُ بنُ اللَجْلاجِ ابنَه عبدَ الرحمن فقال له :[[يا بُنَيَّ إذا وضعتَني في لحدي فقل بسمِ الله وفي سبيل الله وعلى مِلَّةِ رسولِ الله، ثمَّ سُنَّ عليَّ الترابَ سَنًّا، ثمَّ اقرأ عند رأسي بفاتحةِ البقرة وخاتمتِها فإنِّي سمعتُ أبي يقول سمعتُ رسولَ الله يقول ذلك]].. رواه الطبرانيُّ في (معجمه)..ا
والحمد للهِ رَبِّ العالَمين..ا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق