قال الله تعالى في محكم كتابه :هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هُـنَّ أمُّ الكتاب وأخـرُ متشابهـات فأمَّـا الذين في قـلوبهم زيـغ فيـتـبعون ما تـشابه منه ابتـغـاء الفـتنة وابـتـغـاء تأويـله وما يعلم تأويله إلا اللهُ والراسـخـون في العلم يقولـون آمـنا به كــل من عــند ربـِّـنا وما يتـذكـّـرُ ألاَّ أولــوا الألــبـاب . صـدق الله العــظـيـم
فقوله هو : اي الله تبارك وتعالى انزل عليك الكتاب : عليك اي يا محمد صلى الله عليه وسلم أنزل عليك الكتاب :
اي ان الله تعالى امر جبريل عليه السلام ان يأخذ القرءان الكريم من اللوح المحفوظ دفعة واحدة ونزل به الى بيت العزة
وأمرَ اللهُ الملك جبريل عليه السلام ان ينزل به منجما ( اي متفرقا حسب ما امره الله تعالى ) على رسول الله محمد صلى الله عليه وءاله وسلم حتى اكتمل جميعـه في فترة ثلاث وعشرين سنة وقوله منه ايات محكمات : اي ان القرءان الكريم بعض اياته محكمات
، ومعنى المُحكم أي ما لا يحتمل من التأويل بحسب وضـــع اللغة إلاّ وجْـها واحـــدا ، أوْ ما عُــرفَ بوضـوح المعنى المــراد منه وهو اكثر أيات القـرءان الكريموقوله هُـنَّ أمُّ الكـتاب : أي المَرجـِـع الذي يُـرجع اليه لفهم الآيات المتـشـابهات ، فـتـُـرَدُّ الآيات المُتـشابهات الى الآيـات المحـكمات لفهمها على الوجـه الموافـق للأصل
ومعنى هُـنَّ أمّ الكتاب : اي المرجع والاصل ، فكل فرد منـّـا له اصل خرج منه وهو فـرع عنه فينبغي ردُّ الفـرع الى الاصل ليظهر الحق .وقوله وأخَـرُ مُتـشابهات : اي وقليل من أيات القرءان هي من المتشابه
ومعــنى المُـتشابـه : فهو ما لم تـتـضِـح دِلالـته ، أو يُـحتمل أوجُـهـًـا عـديــدة وأحْــتِـيـجَ إلى النـظـر لحمله على الوجـه المُـطابق ( للمحكم ) فإذا حُـمِـلَ بهـذه الطريقة فَـيَـصِل الناظر ( مَـن هـداهُ الله تعالى ) الى تعاضـد كلام الله تعالى وتصديق بعضه بعضـاكما
قال ربنا عــــــزّ وجــلّ في سورة النـساء : أفـلا يـتـدبّـرون القـرءان ولو كان من عند غـير الله لـوجـدوا فيه اختـلافـا كـثـيرالان الجميع من عـند الله تعالى وليس شئ من عـند الله بـمُـختـلف ولا مُـتَـضاد .فكل مَن كان من اهل القـرءان وامتلك الادوات لفهم كتاب الله تعالى علم علما يقينا من غير شك ولا ريب انه كلام الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تـنـزيل من حـكـيم حـميــد
قال الامام النووي في شرحه على صحيح مسلم نقلا عن الامام الغـزالي في المُـسـتصـفى : بعد ان ذكر ما قيل في المحكم والمُتـشابه فقال : بل الصحيح أن المحكم يرجع الى معـنيـين : أحدهـما المكشوف المعنى الذي لا يتـطـرّق اليه إشكال واحتمــال والمُـتـشابه ما يتعـارض فـيه الاحـتـمال .
والثاني أن المحكم ما انتظم تــرتــيــبه مفيدا أما ظاهـرا وإما بتأويل ، وأمَّـا المُـتـشابه فالأسمـاء المُـشتركة كالقـُــرء وكالذي بيده عقدة النكاح ، وكاللمس . فالأول متردد بين الحيض والطهر ، والثاني بين الولي والزوج والثالث بين الوطئ واللمس باليد ، ونحوها . اهـ .
وقوله فأما الذين في قلوبهم زيـغ : فالله تعالى يُحـذرنا من اهل الزيـغ والضلال حتى نبتعـد عـن اقوالهم وعن عـقـادهم الباطلة
والزيــغ هو الانحراف عن الحق وهـو الضــلال
وقوله فيـتـَّــبـِـعـون ما تـشـابه منه : فأهل الزيــغ والضـلال لا يـَـتـَّـبـعون المحكم من كلام الله بل يـتـَّـبـعون المُـتـشـابـه ( كما هو حـال الوهابية ومن سبقهم من المجسِّــمَـة ، نسأل اللهَ لهم الهداية الرشــاد بجاه سيـد الأنبيـاء صلى الله عليه وسلم ) فمنطوق الآية ان أهل الزيـغ والضـلال يتبـعـون المُـتـشابه
ومـفـهوم الآية ان أهـل الهدايـة والصدق والرشـاد يتبـعـون المُـحكم ويتمسكون به ويجعلونه الاصلوقوله ابـتـغـاء الفـتنـة : اي يتركون المحـكم ويتبـعـون المُـتـشابه ليتوصـلوا الى الضلال والابتـعـاد عن الحـق فيما اعـتـقـدوه من الباطـــل
فأصل معنى الفتنة هو الاختبار والامتحان والذين تركوا المحكم واتبعوا المتـشـابه وضلوا عن الحــــــــــق ، نسألُ اللهَ السلامة في الدين
وقوله وابتـغاء تأويله : أي تـفـسير المُـتـشابـه بما يخالف المُـحكم من القـرءان الكريم فهذا ميل عن الحق وسلوك في طريق الباطل والعياذ بالله تعالىوقوله وما يعلمُ تـأويلـَــهُ إلاَّ اللهُ والراسـخـون في العِـلـم :
وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه وقف عند قوله تعالى ( وما يعلمُ تأويله إلاَّ اللهُ ) فعلى هذه القراءة فيكون المعنى أن مآل الأمور لا يعلم حقيـقـتـها الا الله وحده كـوقت قيام الساعــة على التحـديد لا يعلمه الا الله وحده وكذلك نزول عيسى عليه الصلاة والسلام على التحديد لا يعلمه الا الله وظهور المهدي عليه السلام على التحديد لا يعلمه الا اللهوثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم انه وقف عند قوله تعالى (وما يعلمُ تـأويلـَــهُ إلاَّ اللهُ والراسـخـون في العِـلـم ) فالتـأويل بمعنى التفـسـير والبيـان والتعـبـير هذا ثابت للراسـخـين في العلم .فيكون المعنى أن الراسخـين في العلم يعلمون مـعـاني الآيات المتـشـابهـات لان الله وصفهم بالرسوخ في العلم وهذا مـدح فإن لم يكن يعرفون معاني المتشابه من الكتاب والسنة فما فائــدة هذا المـدح ان كان الراسخون في العلم يتساوون معي ومعك في عدم معـرفة معاني المتـشـابهات ويدل على انهم علموا معاني المتـشـابهات من الكتاب والسنة تكـمـلة الآية ، والمعنى يظهر من سياق الايات فهذا امر مهم السير عليه لفهم كتاب الله تعالى وقوله تعـالى والراسـخـون في العلم يقولون آمنا به :
الراسـخـون فـي العلم = يَـعْــلـَـــمـــونواهل الجهل والزيـغ والضـلال جعـلوا انفسهم من الراسخين في العلم فـتـجدهم لا يُحسنون قرءاة الفاتحة ويتكلمون في الآيات المُتـشابهات بعـقـولهم الفاسـدة وقـلـوبهم المُـسْـوَدَّة ، سبحانك ربي ما أحْـلـَـمَــك فالايـمان بالشـئ لا يصـح إلاّ بـعـد المعرفة والعلم ، وهـذا امر واضح لا احتاج معه لطول بسط وشـرح لانه لا يَـتـأتـى الايـمان الا بعــد العــلـم لانه لا يصـحّ اعــتقـاد امـر الا بعـــد معـرفــته وعِـلـمه وادراك المعنى ، والعِـلم معـرفة الشـئ على ما هو عـلـيه في الحقيـقة والواقـــع – لذلك المجسمة لم يعرفوا الله فكيف يعــبـدونه !! ؟
وقوله كل من عـند ربـِّـنا : اي ان المنزه والموحد لله ربِّ العالمين لا يجد تضاد وتضارب بين الآيات المُـحكمات والآيات المُـتـشابهات بل القرءان يعـضـد بعضه بعضا ويصدق بعضه بعضا كما هو حالنا ولله الحمد والمِـنـَّـة ، فكل مَـن جعل المحكم هو الاصل وردّ المتـشـابه لفهمه الى المُـحكم يقول كلٌّ من عــنـد رَبـِّــنا ، أي انه آمن بجميع الآيات ايمانا صحيحا لا ضلال فيه ولا زيـــغوقوله وما يَـذّكـَّــرُ إلاَّ أولــوا الألــبـاب :
أي إنما يفهم ويعـقـل ويـتـدَبـَّـر المعاني على وَجـهـها الصحـيح أولو العـقـول السـلـيمة والفـُـهـوم المُـسـتقـيـمة
وأختم بما رواه البخاري ومسلم في صحـيـحـيهما من حـديث ام المؤمنين السيـدة عائـشـة رضي الله عنها وعن ابيهاعن ام المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت : تَــلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هُـنَّ أمُّ الكتاب وأخـرُ متشابهـات فإمَّـا الذين في قـلوبهم زيـغ فيـتـبعون ما تـشابه منه ابتـغـاء الفـتنة وابـتـغـاء تأويـله وما يعلم تأويله إلا اللهُ والراسـخـون في العلم يقولـون آمـنا به كــل من عــند ربـِّـنا وما يتـذكـّـرُ ألاَّ أولــوا الألــبـاب ، قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا رأيتم الذين يـتـبـعـون ما تـشـابه منه فأولـئــك الذين سَـمَّــى اللهُ فـاحـــــــذروهـــم
واختم بقوله تعالى من الاية التي بعـد هذه الاية من سورة ءال عمران فأقول :ربنا لا تُـزغ قلـوبنا بعـد إذ هـديـتنا وهـب لنا مِـن لَـدُنـك رحمة إنك انت الــوهـاب والله أعــلـم واحـكم وصلى الله وسلم على محمد وءاله
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق