شرح موسع ومفصل
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدُ للهِ ربّ العالمينَ، والصلاةُ والسلامُ على خاتمِ النبيينَ والمرسلينَ، سيدِنا محمدٍ طه الأمين، وعلى ءالهِ وأصحابهِ الطيبينَ الطاهرين، ومن تبعهم بإحسانٍ واهتدى بهديهم إلى يومِ الدين. وبعدُ،
فإن في اللغة العربية يوجد شىء يقال له حقيقة وشىء يقال له مجاز أنتم تعرفون أن اللغات الأصلية إنما أُوحى بها إلى الأنبياء فاللغة شىء عرفه الناس بالوحى ليس بمجرد التوافق بين الناس من هذه اللغات اللغة العربية أُوحى بها إلى ءادم عليه السلام كما أوحى إليه لغات أخرى
فى اللغة العربية يوجد كلمات ومقابل كل كلمة يوجد معنى أو أكثر كل كلمة من هذه الكلمات تدل على معنى أو أكثر مثلاً كلمة أسد فى العربية معناها الحيوان المعروف المفترس أما مثلاً كلمة بيضة فتعنى بيضة الدجاج أو الحمام أو النعام أو ما شابه وتعنى أيضًا ما يلبسه الشخص فى الحرب لحماية رأسه فبحسب اللغة فى الأصل تعنى هذا وتعنى هذا أحيانًا الكلمة تستعمل فى غير معناها الأصلى فى غير المعنى الذى وضعت له بحسب اللغة بل فى معنى ءاخر لعلاقة بين هذا المعنى الأصلى والمعنى الآخر ويكون هناك قرينة شىء دليل شىء يدل على أنه لا يُراد بها المعنى الأصلى إنما يُراد بها هذا المعنى الآخر مثل هذه الكلمة عندما تستعمل فى غير المعنى الذى وضعت له لقرينة يُقال عنها مجاز الكلمة إذا استُعمِلت فى معناها الأصلى الذى وُضعت له فى اللغة فى معناها الأصلى بحسب وضع اللغة يقال عنها حقيقة إذا استعملت بمعنى ءاخر لوجود قرينة تدل على هذا المعنى الآخر يقال عنها مجاز مثال ذلك كلمة أسد التى ذكرناها تُستعمل ويراد بها الحيوان المفترس فهذا حقيقة فإذا استُعملت فى نحو قولك زيد أسد فهى هنا مجاز لأنه لا يُراد هنا بكلمة أسد المعنى الأصلى بحسب وضع اللغة إنما يُراد أن زيدًا شجاع قوىٌّ كالأسد فيقال هذا مجاز هذا هو الحقيقة والمجاز إذا كان الكلام فى مقام اللغة .
أيش إذا كان الكلام فى مَقام الشرع أيضًا فى مقام الشرع يوجد حقيقة ومجاز هناك أمور تُعُورِفَ فى الشرع على تسميتها بأسماء معينة فصار الذهن عند سماعها لا ينصرف إلا إلى تلك المعانى الشرعية إذا كان الكلام فى مَقام الشرع ولو كان فى اللغة أصلاً لها معنى ءاخر مثل لفظ الصلاة الصلاة فى أصل اللغة معناها الدعاء بخير لكن فى مقام الشرع عند الكلام فى الشرعيات إذا قيل الصلاة لا ينصرف ذهن الشخص إلا إلى الصلاة المعهودة فى الشرع المعروفة الأفعال المعروفة الأفعال والأقوال المفتتحة بالتكبير المختتمة غالبًا بالتسليم لا ينصرف الذهن إلا إليها فإذا كان الكلام فى مقام الشرع يكون لفظ الصلاة بهذا المعنى الشرعى حقيقة فإذا استُعمل بمعنى ءاخر كالدعاء بخير الذى هو المعنى الأصلى فى اللغة فى مقام الشرع هذا مجاز لأن الكلام بالشرعيات، الصلاة بمعنى الأفعال المعلومة فى الشرع المفتتحة بالتكبير إلى ءاخره استعمال لفظ الصلاة بهذا المعنى حقيقة شرعية واستعمالها بمعنى الدعاء بخير الذى هو المعنى الأصلي فى اللغة لكن بمقام الشرع مجاز. هذا بالنسبة لمقام الشرع أيضًا فى مقام العُرف الأمر هكذا هناك حقيقة عرفية ومجاز عرفي كيف ذلك مثلاً فى الأصل لفظ اللحم فى اللغة العربية معناه يشمل لحم الضأن لحم المعز لحم البقر لحم الدجاج لحم الطير لحم السمك كله يقال له لحم الله قال فى القرءان عن السمك {ولحمًا طريًّا} لكن بعد ذلك فى عُرف الناس صار الناس عندما يذكرون اللحم لا يريدون السمك السمك ليس داخلاً فى ذلك فإذا كان الكلام فى مقام العرف إذا كان الكلام على حسب ما تعارف الناس عليه وأُطلق لفظُ اللحم صار ما يتبادر إلى الذهن هو اللحم ما عدى السمك صار السمك غير داخلٍ فيه، استعمال لفظ اللحم فى مقام العرف مع عدم دخول السمك فيه حقيقة فى مقام العرف حقيقة حقيقة عرفية، استعماله فى لحم السمك فى مقام العُرف مجاز مجاز عرفى مع أنه فى أصل اللغة ليس مجازًا فى أصل اللغة يشمل هذا لكن لأن العرف بين الناس تَغَيَّر فإذا كان الكلام على مقتضى العرف يكون استعماله فى السمك مجازًا الدابة فى الأصل كل ما يَدِب على وجه الأرض يشمل الإنسان والدودة والأسد والفيل والحية كله دابة والحمار والبغل والحصان لكن بعد ذلك تعارف الناس على إطلاق الدابة على ذوات الأربع فقط فإذا كان الكلام على حسب العرف فى مقام العرف إطلاق الدابة على ذوات الأربع كالحمار والبغل والحصان حقيقة حقيقة عرفية فإذا أُطلق لفظ الدابة على الإنسان مثلاً فهو مجاز عرفى إذا كان الكلام فى مقام العرف فهو مجاز. إذًا نحن تكلمنا عن ثلاثة أنواع من الحقيقة حقيقة لغوية حقيقة شرعية حقيقة عرفية. فإذا أطلقنا القرءان بمعنى الكلام القائم بذات الله الصفة التى لا تشبه صفاتنا فهذا حقيقة وإذا أطلقنا القرءان بمعنى اللفظ المنزل على سيدنا محمد فهذا أيضًا حقيقة حقيقة شرعية ليست مجازًا جاء فى الشرع إطلاق القرءان على اللفظ المنزل على سيدنا محمد لأن هذا حقيقة شرعية فإذا قال يومًا واحد مشبه إذا قال أنتم تقولون القرءان له إطلاقان يطلق بمعنى الكلام الذاتى ويطلق بمعنى اللفظ المنزل على سيدنا محمد إذا أطلقتموه بمعنى اللفظ المنزل على سيدنا محمد يكون هذا مجازًا وهذا يخالف عبارات السلف لأن السلف قالوا حقيقة يُقال له لا ليس مجازًا هذا حقيقة شرعية من قال لك مجاز أنت لا تعرف أنواع الحقيقة هذا ليس مجازًا بل هذا حقيقة شرعية هذا الإطلاق حقيقة شرعية فنحن كلامنا متفق مع كلام السلف ما فيه مخالفة لكلام السلف.اهـ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق