معنى الأمنِ من مَكْرِ الله واليأسِ من رحمةِ الله
يقولُ الله تعالى في سورة ءال عمران (( ومَكَرُوا ومَكَرَ الله والله خيرُ الماكرين )) ..
وفي سورة الأنفال (( ويَمْكُرُونَ ويَمْكُرُ الله والله خيرُ الماكرين )) ..
وفي سورة الأعراف (( أَفَأَمِنُوا مَكْرَ الله ، فلا يَأْمَنُ مَكْرَ الله إلَّا القومُ الخاسرون )) ..
أجمعَ المفسِّرون على أنَّ مَكْرَ الله معناه عقوبةُ الله ، لكنِ اختلفوا في معنى الأمنِ من مَكْرِ الله .
فهو ، عند بعضِهم ، أن يُنْكِرَ الشَّخْصُ دخولَ أحدٍ من عصاةِ المسلمينَ النَّارَ يومَ القيامة .. ولذلكَ عَدُّوا الأمنَ من مكر الله كُفْرًا .. اعتقادُ أهلِ السُّـنَّةِ والجماعةِ أنَّ بعضَ عصاةِ المسلمينَ لا بُدَّ سيدخلونَ النَّارَ يومَ القيامة وإنْ كانوا ، لا شَكَّ ، سيخرجون منها .. فالذي يُنْكِرُ دخولَ أحدٍ مِنْ عصاةِ المسلمينَ النَّارَ يومَ القيامة فقد أَمِنَ مَكْرَ الله . هكذا فَسَّرَ كثيرٌ من علماء أهلِ السُّـنَّةِ الأمنَ من مَكْرِ الله . والأمنُ من مَكْرِ الله على هذا التفسيرِ يَكُونُ كُفْرًا . وممَّن فَسَّرَ الأمنَ من مَكْرِ الله بهذا التفسيرِ الإمامُ أبو جعفرٍ الطَّحَاوِيُّ في كتابهِ (العقيدة الطَّحَاوِيَّة ) .
.
ولا يخفَى أنَّ اعتقادَ أنَّ الله لا يُعَذِّبُ على المعاصي بالمرَّة بعدَ ثبوت الإيمان هو عقيدةُ الْمُرْجِـئَـةِ .. الْمُرْجِـئَـةُ طائفةٌ انتسبوا إلى الإسلامِ وهم في الحقيقة كُفَّارٌ .. هم يعتقدونَ أنَّ العبدَ المؤمنَ مهما عَمِلَ من الكبائرِ فلا عذابَ عليهِ في الآخرة إذا ماتَ من دون توبة .. وهذا سببُ كفرِهم .. وأمَّا نحنُ ، أهلَ السُّـنَّة ، فاعتقادُنا أنَّه تحتَ مشيئة الله : إن شاء عذَّبه وإن شاء عفا عنه .. وأمَّا الْمُرْجِئَةُ فيقولون :" لا يَضُرُّ مَعَ الإسلامِ ذنبٌ لمنْ عَمِلَهُ كما لا تَنْفَعُ مَعَ الكفرِ طاعة " . قاسُوا هذه على هذه فضَلُّوا وهلكوا .. وأمَّا قولهم :" لا يَنْفَعُ مَعَ الكفرِ طاعة " فصحيح . لأنَّ الكافرَ مهما قامَ بصُوَرِ أعمال الطَّاعة ، وهو على كفرِه ، لا ينتفعُ بذلك . وأمَّا قولُهم :" لا يَضُرُّ مَعَ الإيمان ذنبٌ لمنْ عَمِلَهُ " فهو كفـرٌ وضلالٌ لأنَّ المؤمنَ ينضرُّ بالمعاصي التي يرتكبُها ..
.
والإرجاء ، لغةً ، معناه التأخيرُ . وإنما سُمُّوا بالمرجئةِ لأنَّهم أخَّروا عن عصاةِ المسلمينَ العذابَ ، أي قالوا لا يصيبُهم العذابُ .. معناه : الإيمانُ يُؤَخِّرُ عنهم العذابَ أيْ لا يَلْحَقُهُمُ العذابُ ..
والسَّبَبُ في هلاكهم في هذه المسئلةِ أنَّهم فهِموا بعضَ الآياتِ على غيرِ وجهها . وذلكَ كقولهِ تعالى في سورة سبأ (( وهل نجازي إلَّا الكَفُورَ )) .. فظنُّوا أنَّ غيرَ الكافرِ لا يُعَذَّبُ .
يقولُ الله تعالى في سورة سبأ (( ذلكَ جَزَيْناهُمْ بما كَفَرُوا وهل نجازي إلَّا الكَفُورَ )) ..
معناه : إنَّ هذا الذي فعلناهُ بهؤلاء القومِ من سَبَإٍ من إرسالنا عليهم سَيْلَ العَرِمِ حتَّى هَلَكَتْ أموالُهم وخَرِبَتْ جَنَّاتُهُمْ هو جَزاءٌ منَّا على كفرِهم بنا وتكذيبهِم رُسُلَنا .
قولُه تعالى (( ذلكَ جَزَيْنَاهُمْ )) معناه : جَزَيْنَاهُمْ ذلكَ .. معناه جَزَيْنَاهُمْ ذلكَ الجزاءَ .. فيكونُ اسمُ الأشارة في موضعِ نصب مفعول به ثانٍ مُقَدَّم ..
(( وهل نجازي إلَّا الكَفُورَ )) معناه لا نعاقبُ مثلَ هذا العقاب في الدُّنيا إلَّا مَنْ كَفَرَ بالله .. معنى الآيةِ أنَّ ذلكَ العذابَ الذي ذُكِرَ لا يَلْقَى مثلَه في الدُّنيا إلَّا مَنْ كَفَرَ بالله .
لكنِ المرجئةُ فَهِمَتْ من هذه الآيةِ أَنَّ الله لا يُعَذِّبُ يومَ القيامةِ المسلمَ الفاسق ، قالوا :" لا يعاقبُ اللهُ يومَ القيامة إلَّا الكافرَ ولا يَضُرُّ مَعَ الإسلامِ ذنبٌ لمنْ عَمِلَهُ كما لا تَنْفَعُ مَعَ الكفرِ حسنةٌ " .
كلامُ المرجئةِ فيه رَدٌّ للنصوص ، ورَدُّ النصوص كُفْرٌ كما قال النَّسَفِيُّ في (عقيدتهِ) المشهورة .
وقد قال شيخُ أهلِ السُّنَّةِ أبو جعفرٍ الطَّحَاوِيُّ :" والأمنُ والإياسُ يَنْقُلانِ عن مِلَّةِ الإسلام" .
كيفَ تجرَّأ المرجئةُ على أن يقولوا :" لا يَضُرُّ مَعَ الإسلامِ ذنبٌ لمنْ عَمِلَهُ " ورسولُ الله ، صلَّى الله عليه وسلَّم ، يقول :"يخرجُ من النَّارِ مَنْ قال لا إله إلَّا الله وفي قلبه وَزْنُ ذَرَّةٍ من خير " !!، أي من إيمان .. رَوَاهُ البُخَارِيُّ ..
وروايةُ التِّرْمِذِيِّ :" يخرجُ من النَّارِ مَنْ كان في قلبهِ مثقالُ ذَرَّةٍ من الإيمان " ..
وهذا يعني أنَّ من المسلمين يومَ القيامةِ من يدخلُ النَّار .
هؤلاء المرجئةُ كأنَّهم انقرضوا .. منذ زمنٍ لم يبقَ منهم أحدٌ فيما نعلم ، وإنَّما لهم ذكرٌ في بعضِ الكتب .
.
ورد في (سنن أبي داود) ما نصُّه :" حدَّثنا موسى بنُ إسمعيلَ حدَّثنا عبدُ العزيزِ بنُ أبي حازمٍ قال حدَّثني بمِنًى عن أبيهِ عن ابنِ عُمَرَ عن النبيِّ ، صلَّى الله عليه وسلَّم ، قال :"القَدَرِيَّةُ مجوسُ هذه الأُمَّةِ ، إنْ مَرِضُوا فلا تَعُودُوهُم وإنْ ماتوا فلا تَشْهَدُوهُمْ " ."ا.هـ.. ..
.
وقال عليه الصَّلاةُ والسَّلام :" صِنفان منْ أمَّتي ليسَ لهما نصيبٌ في الإسلام : القَدَرِيَّةُ والْمُرْجِئَةُ " .. وهذا الحَدِيثُ ثابتٌ عن رسول الله ، رواهُ الإمامُ الطَّبَرِيُّ وصَحَّحَهُ في كتابهِ (تهذيب الآثار) .. وممَّن صَحَّحَهُ أيضًا أبو سعيدٍ القَطَّانُ وأبو حنيفة ..
.
وأمَّا اليأسُ من رحمةِ الله ، ويقالُ له أيضًا القُنُوطُ من رحمةِ الله ، فهو ، عند كثيرٍ من أهلِ السُّـنَّةِ ، أنْ يعتقدَ الشَّخْصُ أنَّ الله لا يَغْفِرُ ذنوبَ عصاةِ المسلمينَ يومَ القيامة إذا ماتوا من دون توبة . فلا بُدَّ ، على زعمه ، أن يدخلوا جميعُهم جَهَنَّمَ ، وإن عادوا وخرجوا منها .
.
إنَّ الذي يُنْكِرُ مغفرةَ الله ، يومَ القيامة ، لبعضِ عصاةِ المسلمينَ من أهلِ الكبائرِ الذينَ ماتوا ولم يتوبوا ، قد يئسَ من رحمة الله .. هكذا فَسَّرَ كثيرٌ من علماء أهل السُّنَّةِ اليَأْسَ من رحمة الله ..
واليأسُ من رحمة الله على هذا التفسير يَكُونُ كُفْرًا . وممَّن فَسَّرَ اليأسَ من رحمة الله بهذا التفسير الإمامُ أبو جعفرٍ الطَّحَاوِيُّ في كتابهِ (العقيدة الطَّحَاوِيَّة) .
يقولُ الله تعالى في سورة يوسف (( إنَّه لا يَيْأَسُ من رَوْحِ الله إلَّا القومُ الكافرون )) ..
.
اعتقادُنا ، أهلَ السُّنَّةِ ، أنَّ مَنْ ماتَ من المسلمينَ فاسقًا مُتَلَوِّثًا بذنب كبيرٍ أو ذنوبٍ كبيرةٍ فهو تحتَ مشيئةِ الله : إن شاء عذَّبه وإنْ شاء عفا عنه . ولا بُدَّ أنْ يُعَذِّبَ اللهُ بعضَهم في جَهَنَّمَ بعدلهِ ثمَّ يخرجَهم إلى الجَنَّةِ ويُعْفِيَ بعضَهم من عذابهِ بفضلهِ ويدخلَهم الجَنَّةَ بلا عذاب .
يقولُ الله تعالى في سورة النِّساء (( إنَّ الله لا يَغْفِرُ أنْ يُشْرَكَ به ويَغْفِرُ ما دُونَ ذلكَ لمنْ يشاء )) ..
.
فإذا كانَ الأمنُ من مَكْرِ الله واليأسُ من رحمةِ الله محظورانِ على المؤمنِ فما هو طريقُ النَّجَاةِ الذي ينبغي أن يكونَ عليه المؤمن ؟؟..
الجواب :" ينبغي للمؤمنِ أن يَكُونَ ، إذا أساء ، خائفًا راجيًا يخافُ عقابَ الله ويرجو رحمتَه كما قال الإمامُ أبو جعفر الطَّحَاوِيُّ في (عقيدته) المشهورة :" وسبيلُ الحَقِّ بينهما لأهلِ القِبلة " ، أي للمسلمينَ الذينَ يكونونَ بينَ الخوفِ والرَّجاء .
.
قال بعضُ العلماء :" لو وُزِنَ خوفُ المؤمنِ ورجاؤه لاعتدلا كجَنَاحَيْ طائر " .
.
يقولُ الله تعالى في سورة الإسراء (( أُولـٰـئكَ الذينَ يَدْعُونَ يبتغونَ إلى رَبِّهِمُ الوسيلةَ أيُّهُمْ أقربُ ويَرْجُونَ رحمتَه ويخافونَ عذابَه ، إنَّ عذابَ ربِّك كانَ محذورًا )) ..
(( يبتغونَ إلى رَبِّهِمُ الوسيلةَ )) معناه يطلبونَ القُرْبَةَ إلى الله عزَّ وجَلَّ .
(( إنَّ عذابَ ربِّك كانَ محذورًا )) أي جديرًا بأن يَحْذَرَهُ كُلُّ أحدٍ من مَلَكٍ مُقَرَّبٍ ونبيٍّ مُرْسَلٍ فضلًا عن غيرِهم ..
.
يقولُ الله تعالى في سورة الزُّمَرِ (( أَمَّنْ هو قانتٌ ءاناءَ اللَّيْلِ ساجدًا وقائمًا يَحْذَرُ الآخرةَ ويرجو رحمةَ ربِّه ، قُلْ هل يستوي الذينَ يعلمونَ والذينَ لا يعلمون ، إنَّما يَتَذَكَّرُ أُولوا الألباب )) ..
قال النَّسَفِيُّ في (تفسيره) :" في الآيةِ كلامٌ مُقَدَّر . والتقدير : أمَّن هو قانتٌ ءاناءَ اللَّيْلِ ساجدًا وقائمًا يَحْذَرُ الآخرةَ ويرجو رحمةَ رَبِّهِ كغيرِه ؟!.. والقانتُ هو المطيعُ لله عَزَّ وجَلَّ .. (( ءاناءَ اللَّيْلِ )) : ساعاتُه ..
(( ساجدًا )) حالٌ من الضَّمير في قانت ..
(( يَحْذَرُ الآخرةَ )) أي يَحْذَرُ عَذَابَ الآخرة ..
(( ويرجو رحمةَ ربِّه )) أي ويَرْجُو الجنَّة ..
ولقد دَلَّتِ الآيةُ على أنَّ المؤمنَ يجبُ أنْ يكونَ بينَ الخوفِ والرَّجاء يرجو رحمةَ الله ويَحْذَرُ عقابَه .
.
ثمَّ إنَّ الرَّجاءَ إذا جاوزَ حَدَّهُ يَكُونُ أمنًا ، والخوفَ إذا جاوزَ حَدَّهُ يكونُ إياسًا . .
وقد قال الله تعالى في سورة الأعراف (( فلا يأْمَنُ مَكْرَ الله إلَّا القومُ الخاسرون )) ..
وقال في سورة يوسف (( إنَّه لا يَيْأَسُ من رَوْحِ الله إلَّا القومُ الكافرون )) ..
.
يقولُ الله تعالى في سورة الأنبياء (( وزكريَّا إذْ نادَى رَبَّهُ رَبِّ لا تَذَرْني فَرْدًا وأنتَ خيرُ الوارثين . فاستجبنا له ووهبنا له يحيى وأصلحنا له زَوْجَه ، إنَّهم كانوا يسارعونَ في الخيراتِ ويدعوننا رَغَبًا ورَهَبًا وكانوا لنا خاشعين )) ..
قال النَّسَفِيُّ في (تفسيره) :" (( ويدعوننا رَغَبًا ورَهَبًا )) أي طَمَعًا وخوفًا كقوله تعالى في سورة الزُّمَرِ (( يَحْذَرُ الآخرةَ ويرجو رحمةَ ربِّه )) .. والرَّغَبُ والرَّهَبُ مصدران .. وهما في الآيةِ مصدرانِ في موضعِ الحال أو المفعول له ، أي يعبُدوننا للرغبة فينا والرهبة منَّا .. (( وكانوا لنا خاشعين )) أي متواضعينَ خائفين " ..
يقولُ الله تعالى في سورة السَّجدة (( إنَّما يُؤْمِنُ بآياتِنا الذينَ إذا ذُكِّرُوا بها خَرُّوا سُجَّدًا وسبَّحوا بحمدِ ربِّهم وهم لا يستكبرون . تتجافى جنوبُهم عن المضاجعِ يَدْعُونَ ربَّهم خوفًا وطمعًا ومِمَّا رزقناهم ينفقون )) ..
قال النَّسَفِيُّ في (تفسيره) :" (( يدعون ربَّهم )) أي داعينَ ربَّهم عابدينَ له .. (( خوفًا وطمعًا )) مفعول له .. أي لأجلِ خوفِهم من سَخَطهِ وطمعِهم في رحمته " ..
ولَمَّا كانَ الله هو وحدَه الْمُتَصَرِّفُ في قلب العبدِ كيفَ يشاء ، سبحانَه وتعالى ، من دون أن يكونَ للعبدِ سلطانٌ على قلب نفسهِ وَجَبَ أنْ يبقَى العبدُ خائفًا من الله يَحْذَرُ الآخرةَ طامعًا في رحمةِ الله يرجو جَنَّـتَه ..
رَوَى الإمامُ مسلمٌ في (صحيحه) عن رسول الله ، صلَّى الله عليه وسلَّم ، أنَّه قال :" إنَّ قلوبَ بني ءادَمَ كُلَّهَا بينَ إصْبَعَيْنِ منْ أصابعِ الرَّحْمٰنِ كَقَلْبٍ واحدٍ يُصَرِّفهُ حيثُ يشَاء" .
ورَوَاهُ ابنُ ماجَهْ في (سننهِ) بلفظ :" ما منْ قلبٍ إلَّا بينَ إصْبَعَيْنِ مِنْ أصابعِ الرَّحْمٰنِ إن شاء أقامه وإن شاء أزاغه " .
ومعنى الحديثِ أنَّ اللهَ الذي ليسَ كَمِثْلهِ شيءٌ هو وحدَه الذي له سلطانٌ على قلوبنا . يخلقُ الله الإيمانَ في قلوب مَنْ شاء الله في الأزل لهم الإيمانَ ويخلقُ الله الكفرَ في قلوب مَنْ شاء الله في الأزل لهمُ الكفرَ . ولذلكَ فإنَّ المسلمينَ المؤمنينَ الرَّاسِخينَ في العِلْمِ يقولون ((ربَّنا لا تُزِغْ قلوبَنا بعْدَ إذْ هديتَنا وهَبْ لنا منْ لَدُنْكَ رحمةً إنَّكَ أنتَ الوَهَّاب ))[ءال عِمْران/3]..
وهكذا ينبغي أن يكونَ حالُ المؤمن ، دائمًا بينَ الخوف والرَّجاء ..
.
رَوَى الحاكمُ في[(المستدرَك)/كتاب الدُّعاء والتكبير]عن أبي هريرةَ عن رسولِ الله ، صلَّى الله عليهِ وسلَّم ، قال :" مَنْ قالَ لا حولَ ولا قُوَّةَ إلَّا بالله كانَ دواءً من تسعةٍ وتسعينَ داءً أيسرُها الْهَمُّ " .. وقال :" هذا حديثٌ صحيح " ..
.
وعن جابرِ بنِ عبدِ الله عن رسولِ الله ، صلَّى الله عليهِ وسلَّم ، قال :" أكثِروا من قولِ لا حولَ ولا قُوَّةَ إلَّا بالله فإنَّها تدفعُ تسعةً وتسعينَ بابًا من الضُّرِّ أدناها الْهَمُّ " .. رواهُ الطَّبَرَانِيُّ في (المعجمِ الأوسطِ) .. وفي روايةٍ عندَه في (المعجمِ الصَّغير) :" أدناها الْهَمُّ والفَقْرُ " ..
فمَنْ كان يشكو كَثْرَةَ الهَمِّ فليكثِر من قول :" لا حولَ ولا قُوَّةَ إلَّا بالله العَلِيِّ العَظيم " .. وليكثِر كذلكَ من قول :" يا حَيُّ يا قَيُّومُ برحمتكَ أستغيث " ..
قال الإمامُ أبو جعفرٍ الطَّحَاوِيُّ في كتابه (العقيدة الطَّحَاوِيَّة) ما نصُّه :" ونقولُ في تفسيرِ لا حولَ ولا قُوَّةَ إلَّا بالله : لا حِيلَةَ لأحدٍ ولا حركةَ لأحدٍ ولا تَحَوُّلَ لأحدٍ عن معصيةِ الله إلَّا بمعونةِ الله ، ولا قُوَّةَ لأحدٍ على إقامةِ طاعةِ الله والثَّبَاتِ عليها إلَّا بتوفيقِ الله"ا.هـ..
معنى لا حولَ ولا قُوَّةَ إلَّا بالله : لا حولَ عن معصيةِ الله إلَّا بعِصْمَةِ الله ولا قُوَّةَ على طاعةِ الله إلَّا بعونِ الله .. جاءَ تفسيرُها في حديثٍ رَوَاهُ أبو يَعْلَى بإسنادٍ حَسَنٍ عن ابنِ مسعودٍ عن رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم . كما وَرَدَ ذلكَ في الحديثِ الصَّحيحِ الذي أخرجه البَزَّارُ في (مسندِه) .. أنظر[(كشفَ الأستار)/ج4/ص15]للحافظ الهيثميِّ ..
.
وأمَّا قولُ سَيِّدِنا عليِّ بنِ أبي طالب :" وبهِ الحولُ والقوَّة " فالحولُ هو التَّحَفُّظُ عن الشَّرِّ . والقُوَّةُ هي القُوَّةُ على فعلِ الخيرِ التي تحصلُ في العباد . معناه أنَّ العبدَ لا يستطيعُ أن يدفعَ عن نفسه شرًّا ولا يستطيعُ أن يحترزَ عن سُوءٍ وشَرٍّ وفسادٍ ومعصيةٍ إلَّا بالله ، أي إلَّا بعونِ الله ، أي إلَّا أن يحفظَه الله .
وهكذا ينبغي أن يكونَ حالُ المؤمن .. بينَ الخوف والرَّجاء دائمًا .. يرجو توفيقَه ويخافُ خِذْلانَهُ ..
والحمدُ لله رَبِّ العالمين
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق