بحث هذه المدونة الإلكترونية

الجمعة، 24 أغسطس 2018

مما لا أصل له قول بعضهم إن الرسول سُحر وأثر السحر على عقله.



مما لا أصل له قول بعضهم إن الرسول سُحر وأثر السحر على عقله.
الـــــــرد:

نقول وبالله التوفيق :

ان الله سبحانه وتعالى يبتلي رسله عليهم الصلاة والسلام بأنواع البلاء ، فيزداد بذلك أجرهم ، ويعظم ثوابهم ، فقد ابتلى رسله بتكذيب أقوامهم لهم ، ووصل ايذاؤهم إليهم ، وابتلى بعض الرسل بالمرض ، ومن الابتلاء الذي أوذي به الرسول صلى الله عليه وسلم ما أصابه من السحر ، واعلم أن ما ورد في أمر سحر رسول الله صلى الله عليه وسلم رواه البخاري في صحيحه وهو مما استشكل على البخاري،

فذهب بعض أهل العلم إلى أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يُسحر البتة وذهب البعض الآخر إلى أنه سُحر ولكن ذلك لم يؤثر في عقله.

فالسحر لم يوثر على النبي صلى الله عليه وسلم

ثبت في الصحيحين وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم سحر، ولكن هذا السحر لم يضره في بدنه ولا في عقله وإدراكه ودينه وعبادته ولا في شيء مما يتعلق برسالته

اما الآية 47 من سورة الإسراء: نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوَى إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَسْحُورًا

وقد كان ما وقع له صلى الله عليه وسلم من السحر بعد الهجرة في المدينة المنورة وبعد صلح الحديبية، ولذلك فلا علاقة له بالآية المذكورة، لأنها نزلت بمكة، وما وقع له صلى الله عليه وسلم من تأثير السحر لا يستلزم نقصاً ولا محالاً شرعياً، لأنه من نوع الأعراض البشرية، والأمراض الجائزة في حق الأنبياء والرسل - عليهم السلام - ولم يكن له تأثير فيما يتعلق بالتبليغ كما بينه الحافظ ابن حجر في الفتح وغيره،

وما جاء في الآية الكريمة هو من قول كفار قريش وجماعة المستهزئين الذين هلكوا قبل ذلك في بدر وغيرها،

قال القرطبي: إذا يقول الظالمون ـ أبو جهل والوليد بن المغيرة وأمثالهما ـ فهو مثل قولهم: مجنون وكاهن وشاعر.

ولا دليل في الفعل المضارع ـ يقول ـ من سورة الإسراء ولا في الماضي من قولهم في سورة الفرقان: وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِن تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَّسْحُورًا.{ الفرقان: 8 }.على ما ذهب إليه هؤلاء، فالله تعالى يخبر نبيه صلى الله عليه وسلم أنه يعلم ما تناجى به المشركون وما يتناجون به حين يقولون هذا القول.

في صحيح البخاري ومسلم عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا اشتكى قرأ على نفسه بالمعوذتين وينفث ، كلما اشتد وجعه كنت أقرأ عليه ، وأمسح عنه بيده، رجاء بركتها.

في لباب النزول للسيوطي: وأخرج أبو نعيم في الدلائل من طريق أبي جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أنس بن مالك قال: صنعت اليهود لرسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا فأصابه من ذلك وجع شديد فدخل عليه أصحابه فظنوا أنه لما به، فأتاه جبريل بالمعوذتين فعوذه بهما فخرج إلى أصحابه صحيحا. اهـ

وقد قال بهذا البغوي والقرطبي وابن الجوزي

وقال ابن حجر في الفتح: وفي حديث زيد بن أرقم عند عبد بن حميد وغيره: فأتاه جبريل فنزل عليه بالمعوذتين وفيه فأمره أن يحل العقد ويقرأ آية فجعل يقرأ ويحل حتى قام كأنما نشط من عقال. اهـ

عن الأعمش ، عن يزيد بن حيان عن زيد بن أرقم قال: سَحَرَ النبي صلى الله عليه وسلم رجلٌ من اليهود ، فاشتكى لذلك أيامًا ، قال: فأتاه جبريل ، فقال: إن رجلاً من اليهود سحرك وعقد لذلك عُقدًا ، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم عليًا فاستخرجها فجاء بها ، فجعل كلما حل عقدة وَجَد لذلك خفةً ، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنما نشط من عِقال ، فما ذكر ذلك لليهودي ، ولا رآه في وجهه قط.

وقال ابن عباس وعائشة: كان غلام من اليهود يخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فدنت إليه اليهود ، فلم يزالوا حتى أخذوا مُشَاطة رأس النبي صلى الله عليه وسلم وعدة أسنان من مشطه ، فأعطاها اليهود؛ فسحروه فيها ، وتولى ذلك لبيد بن الأعصم ـ رجل من اليهود ـ فنزلت هاتان السورتان فيه.

قال البغوي: وقيل: كانت مغروزة بالإبر ، فأنزل الله ـ عز وجل ـ هاتين السورتين ، وهما إحدى عشرة آية: سورة الفلق خمس آيات ، وسورة الناس ست آيات ، فكلما قرأ آية انحلت عقدة ، حتى انحلت العقدة كلها ، فقام النبي صلى الله عليه وسلم كأنما نشط من عقال ، قال: وروي أنه لبث فيه ستة أشهر ، واشتد عليه ثلاثة أيام ، فنزلت المعوذتان "تفسير البغوي": (4/547).

قالوا: والسحر الذي أصابه كان مرضًا من الأمراض عارضًا شفاه الله منه ، ولا نقص في ذلك ولا عيب بوجه ما؛ فإن المرض يجوز على الأنبياء ، وكذلك الإغماء ، فقد أغمي عليه صلى الله عليه وسلم في مرضه ، ووقع حين انفكت قدمه وجُحش شقه ، وهذا من البلاء الذي يزيده الله به رفعة في درجاته ونيل كرامته. وأشد الناس بلاء الأنبياء؛ فقد ابتلوا من أممهم بما ابتلوا به: من القتل ، والضرب ، والشتم ، والحبس ، فليس ببدع أن يُبتلى النبي صلى الله عليه وسلم كما ابتلي بالذي رماه فشجه ، وابتلي بالذي ألقى على ظهره السَّلا وهو ساجد ، وغير ذلك ، فلا نقص عليهم ، ولا عار في ذلك ، بل هذا من كمالهم وعلو درجاتهم عند الله.

قالوا: وقد ثبت في "الصحيح" عن أبي سعيد الخدري أن جبريل أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ((يا محمد ، أشتكيت؟)) فقال: ((نعم)). فقال: ((باسم الله أرقيك من كل شيء يؤذيك ، من شر كل نفس أو عين حاسد الله يشفيك ، باسم الله أرقيك)). فعوذه جبريل ـ لما اشتكى ـ من شر كل نفس وعين حاسد ، فدل على أن هذا التعويذ مزيل لشكايته صلى الله عليه وسلم ، وإلا فلا يعوذه من شيء وشكايته من غيره. انتهى.

وقال الحافظ في "الفتح": وقد بين الواقدي السنة التي وقع فيها السحر كما أخرجه عنه ابن سعد بسند له إلى عمر بن الحكم ، مرسل. قال: لما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحديبية في ذي الحجة ، ودخل المحرم سنة سبع ، وفرغ من وقعة خيبر ، جاءت رؤساء اليهود إلى لبيد بن الأعصم ـ وكان حليفًا في بني زريق وكان ساحرًا ـ فقالوا: أنت أسحرنا ـ أي: أعلمنا بالسحر ـ وقد سحرنا محمدًا؛ فلم نصنع شيئًا ، ونحن نجعل لك جعلاً على أن تسحره لنا سحرًا يؤثر فيه. فجعلوا له ثلاثة دنانير[طبقات ابن سعد": (2/197) ، و"فتح الباري": (10/226]. اهـ.

وفي الخطيب قال ابن عباس وعائشة: كان غلام من اليهود يخدم النبي صلى الله عليه وسلم ، فأتت إليه اليهود ، فلم يزالوا به حتى أخذوا مُشَاطة رأس النبي صلى الله عليه وسلم وعدة أسنان من مشطه ، وأعطاها اليهود؛ فسحروه فيها ، وتولى ذلك لبيد بن الأعصم ـ رجل من اليهود ـ اهـ.

وفي "فتح الباري": وكان في جملة السحر صورة من شمع على صورة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد جعلوا في تلك الصورة إبرًا مغروزة فيها إحدى عشرة ووتر فيه إحدى عشرة عقدة ، فنزل جبريل بالمعوذتين وكان النبي صلى الله عليه وسلم كلما قرأ آية انحلت عقدة ، وكلما نزع إبرة وجد ألمًا في بدنه ، ثم يجد بعدها راحة[الفتح" (10/230)]. اهـ.

قال: وكانت مدة سحره صلى الله عليه وسلم أربعين يومًا ، وقيل: ستة أشهر ، وقيل: عامًا. قال الحافظ ابن حجر: وهو المعتمد[الفتح" (10/226]. اهـ.

قال الراغب: تأثير السحر في النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن من حيث إنه نبي ، وإنما كان في بدنه من حيث إنه إنسان أو بشر ، كما كان يأكل ، ويتغوط ، ويغضب ، ويشتهي ، ويمرض ، فتأثيره فيه من حيث هو بشر ، لا من حيث هو نبي. وإنما يكون ذلك قادحًا في النبوة لو وُجد للسحر تأثير في أمر يرجع للنبوة ، كما أن جرحه وكسر ثنيته يوم أحد لم يقدح فيما ضمن الله له من عصمته في قوله: {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} [المائدة: 67] ، وكما لا اعتداد بما يقع في الإسلام من غلبة بعض المشركين على بعض النواحي فيما ذُكر من كمال الإسلام في قوله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة: 3].

وقد بين الإمام النووي رحمه الله تعالى حقيقة السحر الذي أصيب به النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: قال الإمام المازري رحمه الله: مذهب أهل السنة وجمهور علماء الأمة على إثبات السحر، وأن له حقيقة كحقيقة غيره من الأشياء الثابتة خلافاً لمن أنكر ذلك ونفى حقيقته، وأضاف ما يقع منه إلى خيالات باطلة لا حقائق لها، وقد ذكره الله تعالى في كتابه، وذكر أنه مما يتعلم، وذكر ما فيه إشارة إلى أنه مما يكفر به، وأنه يفرق بين المرء وزوجه، وهذا كله لا يمكن فيما لا حقيقة له، وهذا الحديث أيضاً مصرح بإثباته، وأنه أشياء دفنت وأخرجت، وهذا كله يبطل ما قالوه، فإحالة كونه من الحقائق محال، ولا يستنكر في العقل أن الله سبحانه وتعالى يخرق العادة عند النطق بكلام ملفق، أو تركيب أجسام، أو المزج بين قوى على ترتيب لا يعرفه إلا الساحر، وإذا شاهد الإنسان بعض الأجسام منها قاتلة كالسموم، ومنها مسقمة كالأدوية الحادة، ومنها مضرة كالأدوية المضادة للمرض لم يستبعد عقله أن ينفرد الساحر بعلم قوى قتالة، أو كلام مهلك، أو مؤد إلى التفرقة.

قال: وقد أنكر بعض المبتدعة هذا الحديث بسبب آخر، فزعم أنه يحط منصب النبوة، ويشكك فيها، وأن تجويزه يمنع الثقة بالشرع، هذا الذي ادعاه هؤلاء المبتدعة باطل، لأن الدلائل القطعية قد قامت على صدقه وصحته وعصمته فيما يتعلق بالتبليغ، والمعجزة شاهدة بذلك، وتجويز ما قام الدليل بخلافه باطل. فأما ما يتعلق ببعض أمور الدنيا التي لم يبعث بسببها، ولا كان مفضلاً من أجلها، وهو مما يعرض للبشر فغير بعيد أن يخيل إليه من أمور الدنيا ما لا حقيقة له، وقد قيل: إنما كان يتخيل إليه أنه وطئ زوجاته وليس بواطئ، وقد يتخيل الإنسان مثل هذا في المنام، فلا يبعد تخيله في اليقظة، ولا حقيقة له، وقيل: إنه يخيل إليه أنه فعله وما فعله، ولكن لا يعتقد صحة ما يتخيله، فتكون اعتقاداته على السداد.

قال القاضي عياض: وقد جاءت روايات هذا الحديث مبينة أن السحر إنما تسلط على جسده وظواهر جوارحه لا على عقله وقلبه واعتقاده، ويكون معنى قوله في الحديث: حتى يظن أنه يأتي أهله ولا يأتيهن، ويروى: يخيل إليه أي يظهر له من نشاطه ومتقدم عادته القدرة عليهن، فإذا دنا منهن أخذته أخذة السحر فلم يأتهن، ولم يتمكن من ذلك كما يعتري المسحور.

وكل ما جاء في الروايات من أنه يخيل إليه فعل شيء ثم لا يفعله ونحوه، فمحمول على التخيل بالبصر، لا لخللٍ تطرق إلى العقل، وليس في ذلك ما يدخل لبساً على الرسالة، ولا طعناً لأهل الضلالة. انتهى

والله أعلم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

تعريف البدعة ....والفرق بين الحسن منها والقبيح

 بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم الحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى سَيِّدِنا مُحَمَّدٍ أشْرَفِ المُرْسَلِ...