بحث هذه المدونة الإلكترونية

الخميس، 23 أغسطس 2018

تفسير الآية: إذ قال الله يا عيسى إني متوفيك ورافعك إلي



تفسير الآية: إذ قال الله يا عيسى إني متوفيك ورافعك إلي
ان تمسك مشبهة هذا العصر وخوارجه في إثبات المكان لله تعالى وأنه في السماء بقوله تعالى{إذ قال الله يا عيسى إني متوفيك ورافعك إليَّ} فهو مردود لقيام الدليل العقلي والنقلي على خلافه فوجب رد الآية إلى قوله تعالى{ليس كمثله شىء} فقد قال الإمام أبو حيان في تفسيره: الرفع نقل من سفل إلى علو و {إلي} إضافة تشريف والمعنى إلى سمائي ومقر ملائكتي، وقد علم أن البارئ تعالى ليس في جهة، وقد تعلق بهذا المشبهة في ثبوت المكان لـه تعالى، وقيل إلى مكان لا يملك الحكم فيه في الحقيقة ولا في الظاهر إلا أنا بخلاف الأرض فإنه قد يتولى المخلوقون فيها الأحكام ظاهرا، وقيل إلى محل ثوابك، قال ابن عباس رفعه إلى السماء سماء الدنيا فهو فيها يسبح مع الملائكة.اهـ.

وفي كتاب الغنية في أصول الدين لأبي سعيد المتولي: وأما قوله تعالى{ورافعك إليَّ} معناه إلى كرامتي ورحمتي. قال الإمام الفخر الرازي: والمشبهة يتمسكون بهذه الآية في إثبات المكان لله تعالى وأنه في السماء، وقد دللنا في المواضع الكثيرة من هذا الكتاب أي التفسير الكبير بالدلائل القاطعة على أنه يمتنع كونه تعالى في المكان فوجب حمل اللفظ على التأويل وهو من وجوه:

الوجه الأول: أن المراد إلى محل كرامتي، وجعل ذلك رفعا إليه للتفخيم والتعظيم ومثله قوله{إني ذاهب إلى ربي} وإنما ذهب إبراهيم صلى الله عليه وسلم من العراق إلى الشام، وقد يقول السلطان: ارفعوا هذا الامر إلى القاضي. وقد يُسمى الحجاج زُوار الله، ويسمى المجاورون جيران الله. والمراد من كل ذلك التفخيم والتعظيم فكذا ههنا. 

الوجه الثاني: في التأويل أن يكون قوله{ورافعك إلي} معناه أنه يرفع إلى مكان لا يملك الحكم عليه فيه غير الله، لأن في الأرض قد يتولى الخلق أنواع الأحكام فأما السموات فلا حاكم هناك في الحقيقة وفي الظاهر إلا الله. اهـ. وقال الرازي أيضا في تفسيره: وأما قولـه تعالى{بل رفعه الله إليه} المراد الرفع إلى موضع لا يجري فيه حكم غير الله تعالى كقوله{وإلى الله ترجع الأمور} وقال تعالى{ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله} وكانت الهجرة في ذلك الوقت إلى المدينة وقال إبراهيم{إني ذاهب إلى ربي سيهدين}.اهـ

ثم إن من أصرح الأدلة العقلية على استحالة كونه في جهة فضلا عن كونه في مكان أن جملة العالم ليس في مكان وإلا لزم التسلسل وهذا محال وقد قال الإمام عبد الغني النابلسي: ومجموع الكائنات كلها لا مكان لها ولا حيز لها فكيف الله تعالى يكون له مكان أو حيّز تعالى الله عن ذلك.اهـ ومثله قال أبو الحسن الأشعري. وقد نقل الاجماع على إحالة كونه في جهة الفقيه المالكي محمد بن أحمد ميارة في كتابه الدر الثمين حيث قال: وأما الاجماع فأجمع أهل الحق قاطبة على أن الله لا جهة له فلا فوق ولا تحت ولا شمال ولا خلف.اهـ
قول الله تعالى : [ إذ قال اللهُ يا عيسى إني مُتوفيك ورافعُك إلي ومُطهرُك من الذين كفرُوا وجاعلُ الذين اتبعُوك فوق الذين كفرُوا إلى يوم القيامة ثُم إلي مرجعُكُم فأحكُمُ بينكُم فيما كُنتُم فيه تختلفُون ]. ءال عمران 55

فبحسب اللفظ متوفيك مقدم أما بحسب المعنى متوفيك مؤخر ورافعك مقدم فالترتيب بحسب المعنى : إني رافعُك إلي أي الى محل كرامتي أي المكان الذي هو مشرف عندي وهو السماء ومُطهرُك من الذين كفرُوا و مُتوفيك أي بعد إنزالك الى الأرض أي مميتك بعد إنزالك الى الأرض هذا هو القول الصحيح الموافق للأحاديث وهكذا فسر عبد الله بن عباس ترجمان القرءان الآية أي من باب المقدم والمؤخر كما في قوله تعالى [ والذي أخرج المرعى فجعلهُ غُثاءً أحوى ] الأعلى 4و5 الغثاء اليابس المتكسر والأحوى الأخضر والنبات أولا يكون أحوى أي أخضر ثم يكون غثاء أي يابسا متكسرا .

ويجوز تفسير مُتوفيك أي قابضك من الأرض وأنت حي ورافعُك إلي أي الى محل كرامتي وقال الحسن وابن جُريج : معنى مُتوفيك قابضك ورافعك إلى السماء من غير موت ; مثل توفيت مالي من فُلان أي قبضته . كلا التفسرين جائز .

ومما يدل على أن كلمة متوفيك تأتي لمعان عديدة قوله تعالى :وهُو الذي يتوفاكُم بالليل وقوله تعالى :اللهُ يتوفى الأنفُس حين موتها والتي لم تمُت في منامها

إنما الذي لا يجوز تفسير مُتوفيك بمعنى مميتك قبل رفعك الى السماء وإنزالك الى الأرض لأن هذا يعارض حديث أحمد وأبي داود الآتي ذكره .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

تعريف البدعة ....والفرق بين الحسن منها والقبيح

 بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم الحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى سَيِّدِنا مُحَمَّدٍ أشْرَفِ المُرْسَلِ...