بحث هذه المدونة الإلكترونية

الجمعة، 3 أغسطس 2018

التّأويل ليس تعطيلا

الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسول الله
السؤال: ما الردّ على من يقول التّأويل تعطيل أي نفي لوجود الله أو صفاته؟
الجواب: التأويل، تأويل الآيات القرءانية أو الأحاديث النّبويّة إذا كان هناك دليل حقّ اتّفق عليه أهل السنة، إن كان في الآيات التي فيها ذكر الله تعالى وإن كان ءايات الأحكام.
التأويل أمر اتفق عليه علماء السلف وعلماء الخلف، من ينكر التأويل فهو ضال وذلك لأن ءايات القرءان والأحاديث قسمان بعضها معانيها ظاهرة وبعضها معانيها المرادة لله ورسوله غير ظاهرة، بل ظاهرها يوهم ما لا يجوز على الله. الآيات التي معانيها ظاهرة ليس فيها إشكال يقال لها الآيات المحكمات، وهي الأصل المقدّم. والآيات المتشابهات تُردّ إلى هذه الآيات المحكمات، هذا الذي عليه السلف والخلف، الآيات المحكمات منها: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءٌ﴾ هذه الآية ما فيها إشكال لأنها تنفي عن الله مشابهة الخلق من كل الوجوه تعطي أنّ الله ليس جسما كثيفا ولا جسما لطيفا ولا هو محل للأعراض أي لا تجوز عليه الأعراض التي تقوم بالحجم.
الحجم له أعراض صغر وكبر وكثافة ولطافة وحرارة وبرودة ولون بياض أو غيره، الحجم محل لهذه الأعراض، هذه الآية: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءٌ﴾ تدل على نفي هذا كله، تدل على أنّ الله موجود ليس كشيء من هذه الأشياء، كذلك سورة الإخلاص فيها: ﴿وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفْوًا أَحَد﴾ هاتان الآيتان من المحكمات.
أما المتشابِهات فهي قسمان: قسم ظاهره يدل على أنّ الله متحيّز في جهة فوق، وقسم من المتشابِهات يدل ظاهره على أنّ الله في جهة تحت، وبعض المتشابهات ظاهرها يدل على أن الله مخالط للبشر أينما ذهبوا فهو مرافقهم. فلما كان الأمر كذلك وجب التأويل لأنه إن ترك التأويل أي حملت هذه الآيات كلّها على الظواهر يكون تناقض في القرءان، والتناقض في القرءان مستحيل.
القرءان كله حقّ لا يدخله تناقض، الذين يقولون: "التأويل تعطيل"، بعيدون من الحقّ ويلزم على كلامهم أن يكون القرءان متناقض، بعضه يعطي ظاهره أنّ الله متحيز في جهة فوق وبعضه ظاهره يدل على أن الله متحيز في جهة تحت وبعض المتشابهات يدل ظاهره على أن الله بين جلد العنق واللحم من الإنسان، ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (16)﴾ هذه الآية ظاهرها أن الله هنا بين عرق الوريد الذي هو في العنق من الجانبين وبين اللحم. الوريد: عرقان في جانبي العنق أحدهما في الجانب الأيمن والآخر في الجانب الأيسر من العنق، فلا بد من التأويل، كيف يكون التأويل؟ التأويل يكون برَدّ هذه الآيات المتشابِهات إلى الآيات المحكمات كآية: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءٌ﴾ وسبيل ذلك أن يقال:" أنّ تلك الآيات المتشابِهة ظواهرها غير مرادة، بل لها معانٍ غيرُ ظواهرها.
بعض السلف أوّلوا أي أظهروا معنىً يليق بالمحكمات، أظهروا معاني معينة لهذه المتشابِهات تليقُ بالمحكمات. وبعضهم قالوا تأويلاً إجماليا ما عيّنوا معنىً معيّناً، بل قالوا بلا كيف، ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى (5)﴾ بلا كيف ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (16)﴾ بلا كيف. أي معناه أنّه ليسَ المرادُ الظاهرُ. وبعض أهل السنة من السلف والخلف أوّلوا تأويلا تفصيليّا فقالوا في ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى (5)﴾ استوى أي قهر، التأويل التفصيلي في الخلف أكثر.
الفرقُ بين هؤلاء وأولئك وكلٌّ من أهل السنّة، أنّ أولئك ما عينوا معنى معيناً بل قالوا بلا كيف، يقولون بلا كيف وأحيانا يقولون على ما يليق به، هؤلاء من أهل السنة الفريقان من أهل السنة.
أما المشبِّهة كالوهّابية قالوا نأخذ بظواهر الآيات المتشابهات التي تدل على أنّ الله متحيّز في جهة فوق، فاعتقدوا ظاهر ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى (5)﴾ وءاية ﴿إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ﴾ وأمثالهما، قالوا:" هذه نفسّرها على الظواهر فنعتبر أنّ الله متحيز في جهة فوق". وأما الآيات المتشابِهات التي ظواهرها أنّ الله في جهة تحت كآية: ﴿وَللهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ إِنَّ اللهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (115)﴾ قالوا:" لا نحملها على ظواهرها"، فإن قيل لهم هذا قرءان وهذا قرءان لمَ حملتم الآيات التي ظواهرها أنّ الله متحيّز في جهة فوق على ظواهرها فقلتم:"أنّ الله مستقر متحيز في جهة فوق بذاته"، ولم تأخذوا بظواهر الآيات التي ظواهرها تدلّ على أنّ الله متحيز في جهة تحت كهذه الآية ﴿فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ﴾ هذه الآية ظاهرها أنّ الله هنا في محيط الأرض بحيث يكون الذي يصلّي السنة في السفر على الدابة إن شرّق أو غرّب وإن أخذ إلى الجنوب وإن أخذ إلى الشمال يكون متجها إلى ذات الله، هذه الآية ما أخذوا بظواهرها.
هؤلاء المشبِّهة الوهّابيّة ومن قبلهم من المشبِّهة ما أخذوا بظواهر هذه الآيات، مع أنّ هذا قرءان وذاك قرءان.
فإن قيل لهم لماذا فعلتم هذا؟ يقولون: "لأنّ جهة فوق تعظيم لله أما جهة تحت تنقيص لله".
وقولهم هذا باطل لأنّ الفَضْلَ بعلوِّ القَدْرِ وليس بعلوّ الحيز والمكان، أليس الملوك تسكن في السهول والحراس يسكنون في أعالي الجبال، إما لحراسة الملوك من عدوّ يطلّ عليهم من أعالي الجبال أو لكون السهول أرفق للمعيشة؟ لا جواب لهم. ثمّ يقال لهم أيضا، الأنبياء هم أفضل خلق الله عاشوا في هذه الأرض ثم صارت هذه الأرض مدفناً لهم إذا ماتوا ثمّ يحشرون منها يوم القيامة، والملائكة الذين هم دونهم في الدرجات عند الله قسمٌ منهم حافّون من حول العرش وقسم منهم في السموات السبع وقسم منهم في الجنّة، خزان الجنّة وقسم منهم في جهنّم،خزّان جهنّم، فلو كان الفضل بعلوّ الحيّز والمكان لكان الأنبياء مستقرّهم حول العرش،يقال لهم الفضل بعلو القدر ليس بعلو المكان، وبالنسبة إلى الله العرش والأرض السفلى سواء لا يتشرّف الله بالعرش ولا بالجزء الأعلى من العالم ولا بالأرض السفلى لا بهذا ينتفع ولا بهذا ينتفع، ومن جعل الله متشرفا بالجهة العليا كالجلوس على العرش على زعمهم هذا تعظيم لله، وهو في الحقيقة تنقيص وشتم لله، لأنّ الجلوس من صفات البشر والجن والملائكة والبهائم،فمن جعل الله متشرفا منتفعا بغيره هذا تنقيص لله، ما خلق الله شيئا من العالم لينتفع به.
استدلالهم بحديث الجارية، الوهابية عندهم أكبر حجة يزلقون بها الناس إلى عقيدتهم هو هذا الحديث في مسلم: أنّ رجلا غضب من جارية له كانت ترعى الغنم فأكل الذئب شاة من ذلك الغنم فصكّها ضربها في وجهها ضربا شديدا، ثمّ ندم وأراد أن يعتق هذه الجارية فأتى بها إلى الرسول فقال الرجل أردت أن أعتقها إن كانت مؤمنة، فقال لها الرسول: ((أَيْنَ الله)) فقالت: في السماء، فقال: ((وَمَنْ أَنَا)) فقالت :أنت رسول الله، قال: ((أَعْتِقْهَا فَإِنَّهَا مُؤْمِنَة)) هذا الحديث هؤلاء الوهابية يحتجون به على أنّ الله ساكن السماء، يقولون: "الرسول حكم لها بأنها مؤمنة بعد أن قالت الله في السماء أجابته بقولها الله في السماء.
الجواب عن هذا:
يقال لهم هذا حديث الجارية رُوِيَ عن واحد من الصحابة أنّ الرسول سأل، وهناك حديث رواه خمسة عشر صحابيا مشهور متواتر وهو: ((أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتى يَشْهَدُوا أَنْ لا إِلهَ إِلا اللهُ وَأَنِّي رَسُولُ الله)) هذا الحديث مشهور متواتر رواه خمسة عشر صحابيا عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وهذا الحديث حديث الجارية الذي يعارض هذا الحديث المتواتر لا يعمل به لماذا؟ لأنّ حديث الجارية ظاهره أنّ الرسول حكم لتلك الجارية لقولها الله في السماء وقولها أنت رسول الله، وهذا ضِد الإسلام، الرسول لا يحكم بالإسلام لقول الله في السماء، لأنّ هذه الكلمة (الله في السماء) قول اليهود والنصارى وكثير من الكفار هذه عقيدتهم، كيف يحكم الرسول بمجرد قول هذه الجارية الله في السماء بأنّها مؤمنة، هذا ضد هذا الحديث الذي هو متواتر الذي رواه خمسة عشر من الصحابة: ((أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتى يَشْهَدُوا أَنْ لا إِلهَ إِلا اللهُ وَأَنِّي رَسُولُ الله)) فيه أن الشرط للحكم على الإنسان بالإسلام أن يشهد الشّهادتين، فهذا الحديث القوي المتواتر الذي كل أهل الحديث يعترف به إنّه من كلام الرسول، يشترط للحكم على الإنسان بالإيمان والإسلام أن يشهد الشهادتين، لا يُترك هذا الحديث الذي رواه خمسة عشر صحابيا لأجل هذا الحديث الذي يُرْوى عن واحد عن رسول الله، يقال لهم لا حجة لكم، بل الحجة للحديث الذي رواه خمسة عشر من الصحابة عن رسول الله.
فإن قالوا كيف يكون هذا الحديث في مسلم ويقال عنه ضعيف؟
يقال لهم: مسلم دخل فيه عدد قليل من الحديث الضعيف اعترض عليها بعض علماء الحديث، لما ألفه صاحبه عَرَضَه على أربعة من كبار علماء الحديث اعترفوا به إلا أربعة أحاديث ما اعترفوا بصحتها ويمكن أن يكون حديث الجارية من تلك الأربعة، هكذا يقال لهؤلاء الأنجاس الملاعين الذين لا يعرفون ما هو شتم لله مما هو تعظيم لله، (الجلوس على العرش) كيف يكون مدحا لله، العرش الذي هو في نهاية الجهة العليا والأرض السابعة التي هي في نهاية الجهة السفلى كلاهما الله غني عنهما، ما خلق هذا لينتفع به ولا خلق هذا لينتفع به.
ثم بعض العلماء أولوا حديث الجارية ما فسروه كما فسرته الوهابية بأن الله ساكن فوق في السماء، بل قالوا معنى قول الرسول: ((أَيْنَ الله)) ماذا تعتقدين من عظمة الله وقول الجارية في السماء معناه عالي القدر جدا هكذا أولوه، وليس معنى قول الرسول أين الله بأن تجيبه بمكان لله إنما معناه على غير الظاهر، هكذا بعض العلماء أولوا لم يحملوه على الظاهر كما حملته الوهابية على الظاهر، من يحمله على الظاهر فهو كافر، لا يحمله على الظاهر إلا الكفار الوهابية وأمثالهم الذين لا يعرفون الفرق بين الخالق والمخلوق، فالوهابية جعلوا لله أمثالا لا يحصون الملائكة يجلسون ونحن البشر نجلس والطيور تجلس والبهائم تجلس والحشرات تجلس والجن بما فيهم الشياطين يجلسون، لما قالوا الله جالس على العرش جعلوا لله أمثالا لا يدخلون تحت الحصر وكذبوا قول الله ليس كمثله شئ جعلوا لله أمثالا كثيرة كثيرة، الله الذي كان قبل المكان والجهات الست وقبل كل شئ كيف يخلق خلقا ثم يتخذ واحدا مستقرا له فيجلس عليه، الجلوس صفة البشر والبهائم الكلب والقرد والبقر والحمار كل يجلسون، كيف يوصف رب العالمين بصفة يشترك بها الخلق.
بعضهم من خبثهم وتفننهم في الكفر قال: "جلوس لا كجلوس غيره"، أيّ معنى لهذا الكلام، الجلوس لا يكون إلا باتصال جسم أعلى بجسم أسفل ويكون هذا الجسم الأعلى منثنيا كالإنسان الإنسان له نصف أعلى ونصف أسفل فيقال يجلس. أما الشيء الذي ليس له نصف أعلى ونصف أسفل لا يقال في لغة العرب جالس.
الآن شجرة النخل وغيرها لا يقال في اللغة جالسة يقال قائمة، كما جاء في القرءان: ﴿مَا قَطَعْتُم مِّن لِّينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ (5)﴾ اللينة هي شجر النخل إن قطعتم لكم رخصة، الله رخص لكم معناه ليس عليكم عتاب ليس عليكم معصية، نخل الكفار الذين قاتلهم الرسول إن قطعتم أشجارهم أو تركتموها قائمة على أصولها يجوز لكم لأنه مال العدو فبإتلاف مالهم إضعاف قوّتهم، الله تعالى أذن للمسلمين أن يقطعوا أشجار الكفار أشجار النخيل وأن يتركوها قائمة ما قال جالسة، ما قال أو تركتموها جالسة بل قال قائمة، القرءان لا يفسر إلا على حسب اللغة الأصلية التي كان العرب يتكلمون بها في زمن نزوله، لأنه بعد ذلك دخل في لغة العرب تحريفات لما انتشر الإسلام إلى بلاد فارس بلاد إيران ولغتهم غير لغة العرب وغيرهم من العجم اختلط العجم بالعرب بكثرة، لما دخلوا في الإسلام صاروا يسكنون الحجاز ويختلطون بالمسلمين العرب تغيرت اللغة، لذلك العلماء عملوا النحو والصرف ووضعوا قواميس للُّغة حفظا للغة القرءان حتى لا يُفَسَّر القرءان إلا على حسب تلك اللغة الأصلية، الجلوس في تلك اللغة الأصلية هو انثناء النّصف الأعلى على النّصف الأسفل كالإنسان، هؤلاء لما قالوا الله جالس على العرش جعلوا الله كالإنسان له نصفان نصف أعلى ونصف أسفل، ماذا بقي لهم في التشبيه، بقي أن يقولوا الله إنسان، هؤلاء جاهلون باللغة وبالعقيدة، يقولون جالس لا كجلوسنا، أي معنى لهذا الكلام، الله تعالى يكفي المسلمين شرهم، أما الإنسان له قيام وله جلوس، الشجر ليس له قيام وجلوس ما داما منتصبا يقال له قائم، إذا سقط منطرح على الأرض معترض على الأرض لا يقال جالس.
الجلوس لا يكون إلا من شيء له نصف أعلى ونصف أسفل ينثني الأعلى على الأسفل هذا الجلوس، هؤلاء جعلوا لله نصفين كالبشر، قالوا من سخافتهم:"جلوس لا كجلوسنا" في طرابلس أحد جهلائهم الكبار قال: "جلّ جلوس الله" يتفنّنون في الكفر.
والله أعلم وأحكم

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

حسن التفهم والدرك لمسئلة الترك

  حسن التفهم والدرك لمسئلة الترك تأليف: أبي الفضل عبد الله محمد الصديقي الغماري تقديم الترك ليس بحجة في شرعنا … لا يقتضي منعًا ولا إيجابا فم...