بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
أما بعد
قال المحدث الشيخ عبد الله الهرري رحمه الله وغفر الله له ولوالديه :
المحدود عند علماء التوحيد ما له حجم صغيرا كان أو كبيرا والحد عندهم هو الحجم إن كان صغيرا وإن كان كبيرا ، الذرة محدودة والعرش محدود والنور والظلام والريح كل محدود .
قال الإمام أبو جعفر الطحاوي المولود سنة 227 هـ والمتوفى سنة 321 هـ
" تعالى " يعني الله " عن الحدود والغايات والأركان والأعضاء والأدوات ولا تحويه الجهات الست كسائر المبتدعات " وقال : ومن وصف الله بمعنى من معاني البشر فقد كفر .
قال الإمام عليّ رضي الله عنه "من زعم أن إلهنا محدود فقد جهل الخالق المعبودً" .
" عليك بطول الصمت ياصاحب الحجا لتسلم في الدنيا ويوم القيامة "
قال الإمام الرفاعي رضي الله عنه : صونوا عقائدكم من التمسك بظاهر ما تشابه من الكتاب والسنة فإن ذلك من أصول الكفر .
قال الله تعالى : " ليس كمثله شىء " .
وقال الإمام الرفاعي : غاية المعرفة بالله الإيقان بوجوده تعالى بلا كيف ولا مكان .
قال المحدث الشيخ عبد الله الهرري حفظه الله :
المحدود عند علماء التوحيد ما له حجم صغيرا كان أو كبيرا والحد عندهم هو الحجم إن كان صغيرا وإن كان كبيرًا الذرة محدودة والعرش محدود والنور والظلام والريح كل محدود .
الشرح : قال الله تعالى : " الحمد لله الذي خلق السموات والأرض وجعل الظلمات والنور "
ذكر الله تعالى في هذه الأية السموات والأرض وهما من العالم الكثيف والنور والظلام وهما من العالم اللطيف ليفهمنا أنه لم يكن في الأزل شئ من العالم الكثيف ولا من العالم اللطيف . ومعنى ذلك أن الله تعالى ليس كالعالم الكثيف ولا كالعالم اللطيف . الله تعالى جعل العالم على قسمين : اجرام واعراض والاجرام إما كثيفة وهي ما تضبط باليد كالإنسان والشجر والشمس والماء والنار وإما لطيفة وهي ما لا تضبط باليد كالنور والظلام والروح والهواء . وكل له حد ومقدار وحجم وكمية . قال الله تعالى " وكل شئ عنده بمقدار " . أما عن الجسم الكثيف فشئ ظاهر وأما عن الجسم اللطيف أن له تحيز ذلك يفهم بإمعان النظر والفكر لأن النور له حيز يحل فيه ، نور الشمس يمتد الى مساحة يعلمها الله ، مقداره واسع وأما مقدار نور الشمعة أصغر وتلك الحشرة التي في الليل بين الحشيش تمشي تظهر يكون لها لمعان خفيف هذه أيضا جعل الله نورها بهذا القدر الصغير ، وأما أعظم الأنوار فنور الجنة . فكلٌ له حد ومقدار ينتهي إليه .
والظلام له حيز مقدار يحله إما مقدار ضيق وإما مقدار واسع كبير وهكذا الريح لها حيز تحله وذلك أن الملائكة يزنونها ويرسلونها على حسب ما علمهم الله تعالى وأمرهم به ، فالريح الباردة والريح الحارة والريح المهلكة التي يرسلها الله لعذاب قوم والتي يرسلها للرحمة كل بوزن ، وكذلك الروح له كمية ومقدار لما يكون في بدن الإنسان يكون بقدر حجم الإنسان ولما يفارق هذا الجسد الكثيف يكون متحيزا في الهواء من دون ان يكون متصلا بجسده الذي فارقه .
فالمخلوق لا بد أن يكون له حيز صغير أو كبير .
وأصغر حجم خلقه الله مما تراه العيون الهباء . الأشياء الخفيفة التي تظهر اذا دخلت الشمس من النافذة الى البيت كالغبار تظهر للعين هذه القطع يقال لها الهباء . ويوجد أصغر منها لا تراه العيون من شدة تناهيه في القلة والصغر . وله حجم وهو أصغر حجم خلقه الله وهو الجوهر الفرد الجزء الذي لا يتجزأ. هذا أصغر كمية خلقها الله تعالى وهو أصل الاجسام والحجوم فكل هذه الاجرام لها حد أي كمية ومقدار فهي تحتاج الى من خصصها بهذا المقدار فلا تصح لها الألوهية إنما تصح الألوهية لمن ليس له حد أي حجم بالمرة وهو الله تعالى المنزه عن أن يكون محدودا ، وليس معنى المحدود مخصوص بمن له حجم صغير بل من كان له حجم كبير فهو محدود أيضا .
وأما الأعراض وهي صفات الاجرام كالحركة والسكون واللون والطعوم ونحو ذلك. فالاجرام من صفاتها الحركة والسكون ، بعض الاجرام دائما متحركة وهي النجوم حتى نجم القبلة لكن حركته بطيئة في مكانه ، وبعض الاجرام دائما ساكنة كالسموات السبع . وبعض الاجرام مرة ساكنة ومرة متحركة كالإنسان والملائكة والجن والبهائم .
وكذلك من صفات الاجرام اللون وقد يكون أبيض وقد يكون أحمر وقد يكون اصفر وقد يكون أخضر . والشمس لها صفات من صفاتها الحرارة . والريح لها صفات ومن صفاتها البرودة والحرارة وشدة الهبوب وخفة الهبوب . فالله تعالى خالق هذا العالم على اختلاف انواعه وأشكاله فلا يشبهه بوجه من الوجوه .
لا يشبه الجرم الكثيف ولا الجرم اللطيف ولا يتصف بصفات الجرم فهو ليس كشئ من هذه الأشياء لذلك أهل السنة يقولون : " الله تعالى موجود بلا مكان ولا جهة " فالله تعالى جعل جهة فوق حيزا للعرش وللملائكة الذين يدورون حوله وللوح المحفوظ وغيرهم وجعل الإنسان والبهائم والحشرات وغيرهم حيزها جهة تحت ، فالذي خصص أولئك بجهة العرش وخصص الآخرين بجهة تحت لا يجوز ان يكون له جهة . لأنه لو كان له جهة من الجهات أو كان يحل في جميع الجهات لكان له أمثال والله تعالى يقول : " ليس كمثله شئ " وعلى هذا كل بلاد الإسلام في اندنوسيا ومصر والعراق وتركيا والمغرب والجزائر وتونس واليمن والصومال وبر الشام وغيرهم على هذا تعاليمهم .
وأما من اعتقد ان الله جسم بقدر العرش ملأ العرش أو نصف العرش أو انه أوسع من العرش من جميع الجهات إلا جهة تحت .
أو أنه نور يتلألأ او انه جسم لا نهاية له أو أنه بصورة شاب أمرد أو أنه بصورة شيخ أشمط فهؤلاء كلهم ما عرفوا الله تعالى ، لا يعبدون الله ، وإن ظنوا أنهم مسلمون ، فهم ليسوا عابدين لله ، انما يعبدون شيئا تخيلوه وتوهموه في نفوسهم ليس له وجود . ومصيبة هؤلاء الكبرى انهم لا يفهمون موجودا غير جسم فلذلك يستفرغون جهدهم في جعل الله جسمًا متصفًا بصفات الجسم فكيف يدعى هؤلاء انهم عرفوا قول الله تعالى " ليس كمثله شئ " وءامنوا به لو عرفوا ذلك وءامنوا به لما جعلوه جسما لأن العالم جسم وصفات قائمة به
فلو صارت مناظرة بين هؤلاء المشبهة كالوهابية الذين يعتقدون ان الله جسم ، له مساحة ، وبين عابد الشمس . فقال الوهابي لعابد الشمس انت هذه الشمس التي تعبدها لا تستحق أن تكون إلها فقال عابد الشمس للوهابي كيف لا تستحق أن تعبد وحجمها جميل ونفعها عظيم أنت تراها وأنا أراها وكل الناس يرونها ويرون منفعتها فكيف يكون ديني باطلا ودينك حقا وانت الذي تعبد شيئا توهمته في نفسك لا رأيته ولا رأيناه وتقول انه حجم كبير قاعد فوق العرش.
الوهابي ليس له دليل عقلي فإن قال الوهابي القرءان يشهد بأن الله خالق العالم وأنه هو الذي يستحق العبادة لا شئ سواه يستحق أن يعبد . يقول عابد الشمس له : أنا لا اؤمن بكتابك أعطني دليلا عقليا على أن الشمس لا تستحق أن تكون إلها معبودا وأن ما تعبده انت مما هو متوهم يستحق ان يعبد فالوهابي يخرس.
أما نحن أهل السنة عندنا جواب عقلي نقول لعابد الشمس : الشمس التي أنت تعبدها لها حجم مخصوص ولها شكل مخصوص تحتاج الى من أوجدها على هذا الشكل ، أما معبودنا فهو موجود لا كالموجودات لا يشبه شيئا ليس له حجم ليس له شكل ليس له جهة ليس له مكان وليس لوجوده ابتداء، ذلك الموجود الذي نحن نعبده الذي يسمى الله هو الذي يستحق ان يكون معبودًا وهو الذي أوجد الشمس التي أنت تعبدها وهذا البشر وكل ما سوى ذلك .
السنى لما يحتج بهذه الحجة العقلية من دون ان يقول قال الله تعالى كذا يكسر ذلك الكافر عابد الشمس . فالحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله .
- قال الإمام ابو جعفر الطحاوي رضي الله عنه المولود سنة 227 هـ والمتوفى سنة 321 هـ : تعالى "يعني الله " عن الحدود والغايات والأركان والأعضاء والأدوات ولا تحويه الجهات الست كسائر المبتدعات .
الشرح : الإمام الطحاوي هو احمد بن سلامة ولد سنة 227 ه وهو داخل في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم : " خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم " رواه الترمذي .
ذكر رحمه الله في عقيدته التي هي بيان عقيدة أهل السنة والجماعة والتي تلقتها الأمة بالقبول طبقة بعد طبقة .
تعالى " يعني الله " أي تنزه الله وتقدس
عن الحدود : أي ان الله تعالى منزه عن الحد بالمرة وهو الحجم والكمية إن كانت كبيرة أو صغيرة فالحجم لا بد ان يكون متحيزًا في مكان وجهة وأما الله فهو منزه عن الحجم اذا هو موجود بلا مكان فلو كان له حجم لكان له أمثال وأشباه . قال الله تعالى " فلا تضربوا لله الامثال " فمن قال له حد لا نعلمه هو يعلمه فقد كفر .
والغايات : الأطراف
والأركان : الجوانب
والأعضاء : كالرأس والرجل الجارحة
والأدوات : الأعضاء الصغيرة كاللسان واللهاة
لا تحويه الجهات الست : أي لا يجوز ان يكون الله متحيزا في جهة من الجهات ولا في جميع الجهات لأنه موجود بلا مكان وجهة ، والجهات الست هي فوق وتحت ويمين وشمال وأمام وخلف .
كسائر المبتدعات : أي المخلوقات تحويهم الجهات أما الله فلا يشبه خلقه بوجه من الوجوه ولا يتصور في القلب ، قال الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه مهما تصورت ببالك فالله بخلاف ذلك . رواه أبو الفضل التميمي .
فإن قيل كيف ذلك ، يقال : من المخلوق ما لا نستطيع أن نتصوره لكن نؤمن به وهو أن النور والظلام لم يكونا ، فلا يستطيع أحد منا أن يتصور في نفسه كيف يكون وقت ليس فيه نور ولا ظلام ومع هذا واجب علينا أن نؤمن بأنه مضى وقت لم يكن فيه نور ولا ظلام لأن الله تعالى قال : " وجعل الظلمات والنور " أي أوجد الظلام والنور بعد ان كانا معدومين .
فبالأولى عن الله الذي قال عن نفسه " ليس كمثله شىء " لا يتصور في الوهم ولا تحيط به العقول . فهو سبحانه وتعالى موجود لا حجم له ولا كمية ، موجود بلا مكان وجهة .
- قال الإمام ابو جعفر الطحاوي رحمه الله : ومن وصف الله بمعنى من معاني البشر فقد كفر .
الشرح : أن من وصف الله بصفة من صفات البشر فقد كفر ، وصفات البشر كثيرة وأولها الحدوث أي الوجود بعد العدم ، ومنها الموت ، ومنها التغير والتحول من حال الى حال ،ومنها الحركة والسكون والانفعالات والنزول الحسي والصعود والانتقال واللون والجسم والطول والقصر ، والتحيز في جهة ومكان والاحتياج وتجدد العلم وطروء النسيان والجهل والجلوس والاستقرار والمحاذاة والمسافة والاتصال والانفصال ونحو ذلك .
فمن وصف الله بصفة من هذه الصفات فقد كفر .
قال الإمام عليّ رضي الله عنه " من زعم أن إلهنا محدود فقد جهل الخالق المعبود".
الشرح : روى ذلك عنه الحافظ أبو نعيم في كتابه " حلية الأولياء " ومعنى كلامه رضي الله عنه أن الذي يعتقد أو يدعى أن الله تعالى حجم كبير أو صغير فهو كافر غير عارف بالله كمن يعتقد أن الله متحيز في جهة من الجهات كجهة فوق لأنه جعل الله محدودًا والمحدود يحتاج يحتاج لمن حده بهذا الحد والمحتاج عاجز والعاجز لا يكون إلها
ففي كلام سيدنا عليّ رضي الله عنه دليل واضح أن الله تعالى منزه عن الحد بالمرة . فمن نسب إليه الجلوس والاستقرار والمحاذاة فقد جهل الله ، ومن جهل الله تعالى فهو كافر .
الهباء له حد والنملة لها حد والإنسان له حد والشمس لها حد والسماء لها حد والعرش له حد فكل يحتاج لمن حده بهذا الحد والكمية .
اذًا كل ما كان له حد وكمية فهو مخلوق محتاج عاجز لا تصح له الالوهية ، إنما تصح الألوهية لمن ليس له حد بالمرة وهو الله سبحانه وتعالى الغني عن العالمين الذي لا حجم له ولا كمية .
قال الغزالي : لا تصح العبادة إلا بعد معرفة المعبود .
فمن لم يعرف الله كأن جعل له حدا لا نهاية له فهو كافر . ولا تصح عبادته من صلاة وصيام وزكاة وحج ونحو ذلك .
قال المحدث اللغوي الشيخ عبد الله الهرري حفظه الله : عليك بطول الصمت ياصاحب الحجا لتسلم في الدنيا ويوم القيامة
الشرح : هذا مأخوذ من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبى ذر رضي الله عنه : عليك بطول الصمت إلا من خير فإنه مطردة للشيطان عنك وعون لك على أمر دينك "رواه ابن حبان ".
فالعاقل الفطن هو الذي يتدبر في معنى قول الله تعالى : " ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد " فلا يتكلم إلا بخير . وأما معنى يا صاحب الحجا أي يا صاحب العقل " . فطول الصمت إلا من خير سلامة في الدنيا وسلامة في الآخرة.
قال الإمام احمد الرفاعي رضي الله عنه : صونوا عقائدكم من التمسك بظاهر ما تشابه من الكتاب والسنة فإن ذلك من أصول الكفر .
الشرح : هذا الإمام الرفاعي كان في القرن السادس الهجري ، وكان محدثًا ومفسرًا أشعريًا شافعيًا أفضل وأعلم أهل زمانه كان شديد الحرص على تنزيه الله تبارك وتعالى ومن جملة ما قال في ذلك هذه العبارة : صونوا عقائدكم من التمسك بظاهر ما تشابه من الكتاب والسنة ، ذكر ذلك في كتابه البرهان المؤيد . ومعنى هذه العبارة : أن الذي يأخذ بظاهر بعض الايات والأحاديث التي توهم أن الله جسم مستقر في جهة العرش أو أنه في جهة الأرض أو أن له أعضاء أو أنه يتحرك ونحو ذلك فهو كافر .
كالذي يفسر الأية : " الرحمن على العرش استوى " بالجلوس فهو كافر . وهذا شتم لله لأن الجلوس من صفات الملائكة والجن والبشر والكلاب والخنازير والقرود ، إنما معنى الأية قهر العرش ، وهذا يليق بالله لأن الله سمى نفسه فقال :
" الله الواحد القهار " لذا يسمى المسلمون أبناءهم عبد القاهر وعبد القهار ولم يسم أحد من المسلمين ابنه بعبد الجالس أو عبد القاعد .
حتى ولو قال إنه يحاذى العرش من غير مماسة فهو كافر أيضا لأن الذي يحاذى الشئ إما أن يكون مثله أو أكبر أو أصغر . وكل شئ دخله التقدير فهو مخلوق محتاج لمن خصصه بهذا .
واما ادعاء المشبهة كالوهابية ان الله متحيز فوق العرش حيث لا مكان فهو مردود بما رواه البخاري والبيهقي وغيرهما ان الرسول صلى الله عليه وسلم قال : " ان الله لما قضى الخلق كتب في كتاب فهو موضوع عنده فوق العرش ان رحمتى غلبت غضبى" .
وفي رواية لابن حبان : " وهو مرفوع فوق العرش "
ففي هذا دليل على ان فوق العرش مكان ولولا ذلك لم يقل النبى صلى الله عليه وسلم عن ذلك الكتاب انه مرفوع فوق العرش .
واما معنى عنده أي ذلك الكتاب مشرف لأن كلمة " عند " تأتي للتشريف كما قال الله تعالى عن الصالحين : وانهم عندنا لمن المصطفين الاخيار " عندنا بمعنى التشريف لا بمعنى انهم يجاورون الله يتحيزون في مكان هو متحيز لله تعالى . فالمشبهة باعتقادهم هذا جعلوا الكتاب عديلاً لله تعالى ومثيلاً له فكذبوا قول الله تعالى " ليس كمثله شئ "
وكالذي يفسر قول الله تعالى : " إن ربكم الله الذي خلق السموات والارض في ستة ايام ثم استوى على العرش " بأن الله كان في جهة الارض ثم صعد الى السماء فرتبها وخلقها ثم صعد الى العرش فاستقر عليه فهو كافر وانما معنى الاية ان الله خلق السموات والارض وكان قبل ان يخلقها قاهرًا للعرش . وثم هنا بمعنى الواو قال الامام ابو منصور الماتريدي رحمه الله " ثم استوى على العرش " أي وقد استوى على العرش .
وكالذي يفسر قول الله تعالى : " فأينما تولوا فثم وجه الله " بالجارحة أو انه في جهة الارض فهو كافر وإنما معنى " فثم وجه الله " قبلة الله كما قال مجاهد تلميذ عبد الله بن عباس رضي الله عنهم.
وكالذي يفسر قول الله تعالى " كل شئ هالك الا وجهه " بأن العالم شئ فيفنى والله شئ فيفنى ولا يبقى من الله الا هذا الجزء المعهود فهو كافر كما فسر المشبه بيان بن سمعان التميمى وانما معنى الوجه هنا المُلك أو ما يتقرب به الى الله كما أوّل البخاري وسفيان الثوري رحمهما الله .
وكالذي يفسر قول الله تعالى " تجرى بأعيننا " بمعنى الجارحة فهو كافر .إنما العين هنا بمعنى الحفظ كما قال المفسرون .
وكالذي يفسر قول الله تعالى : " يد الله فوق أيديهم " بالجارحة فهو كافر . وإنما اليد هنا بمعنى العهد كما ذكر أهل العلم .
وكالذي يفسر قول الله تعالى : وجاء ربك بان الله يتحرك وينتقل من مكان الى ءاخر فهو كافر وانما المعنى وجاءت قدرته أي اثر من اثار قدرته كما اول الامام احمد بن حنبل رضي الله عنه روى ذلك عنه الحافظ البيهقي باسناد صحيح .
وكالذي يفسر الأية : " ءامنتم من في السماء " بأن الله متحيز في السماء فهو كافر . وإنما معناها الملائكة كما قال شيخ الحفاظ زين الدين عبد الرحيم العراقي رحمه الله في أماليه المصرية عند تفسيره الحديث : ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء . بالرواية الأخرى: ارحموا أهل الأرض يرحمكم أهل السماء .
وكالذي يفسر حديث الجارية السوداء الذي في مسلم بأن الله متحيز في جهة فوق فهو كافر . وإنما هذا الحديث انتقده بعض العلماء واعتبروه مضطرباً معلولاً مخالفاً للأصول لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يستحيل عليه ان يحكم على الشخص بالاسلام لمجرد قوله : " الله في السماء " لأن هذه الكلمة مشتركة بين اليهود والنصارى فكيف تكون هذه علامة الإيمان ؟ وبعض العلماء أوردوه وأولوه بأن سؤال النبى لها على معنى ما مدى تعظيمك لله ومعنى كلامها أن الله رفيع القدر جدا ، وعلى كلا القولين لا حجة للوهابية فيه .
وكالذي يفسر حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم : ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة الى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر يقول من يدعوني فأستجيب له من يسألني فأعطيه من يستغفرني فأغفر له بأن الله يتحرك وينزل من أعلى الى السماء الدنيا فيمكث فيها حتى الفجر ثم يصعد الى العرش ، فهو كافر . والعجب من هؤلاء كالوهابية الذين يعتقدون ان الله بقدر العرش يقولون إنه ينزل نزولا حسياً الى السماء الدنيا وهم يعرفون ان السماء امام العرش كقطرة في جنب بحر فهذا دليل على سخافة عقولهم . ثم يلزم من قولهم أيضا ان يبقى الله تعالى في نزول وصعود حتى يوافق الليالي كلها في الارض وذلك لأن الليل يختلف باختلاف البلاد وهذا دليل ءاخر على سخافة عقولهم.
إنما معنى الحديث أن الملائكة تنزل بأمر الله الى السماء الدنيا فيمكثون فيها الثلث الاخير من الليل فيبلغون عن الله ويرددون حتى يطلع الفجر: إن ربكم يقول من ذا الذي يسألني فأعطيه ، من ذا الذي يدعوني فأستجيب له ، من ذا الذي يستغفرني فأغفر له ، ثم يصعدون الى اماكنهم كما جاء ذلك في رواية النسائي الصحيحة ان الله يمهل حتى يمضي شطر الليل الأول فيأمر مناديا فينادي ..."
بل ضبط بعض رواة البخاري الحديث بلفظ : إن الله ينزل كل ليلة الى السماء الدنيا، بضم الياء أي يأمر ملكا أن ينزل .
فالذي يشبه الله بخلقه ولو بصفة من صفات خلقه فهو مشبه مجسم والمجسم كافر كما قال الإمام الشافعي رضي الله عنه .
قال الله تعالى : " ليس كمثله شىء ".
الشرح : هذه الأية أصرح ءاية في كتاب الله تعالى في تنزيه الله تعالى التنزيه الكليّ عن مشابهة المخلوقين ، فما أوسع معناها ، فيؤخذ منها أن الله منزه عن الحجم وعن أن يكون متحيزاً في جهة من الجهات أو في كل الجهات ، فهو تعالى منزه عن أن يكون فوق العرش ، أو تحت العرش أو عن يمين العرش أو عن يسار العرش وهو تعالى منزه عن صفات الحجم كالحركة والسكون والتغير والتحول من حال الى حال ونحو ذلك .
قال الإمام ابو حنيفة رضي الله عنه : أنّى يشبه الخالق مخلوقه . أي يستحيل أن يشبه الخالق مخلوقه ، فالله تعالى لا يشبه خلقه بوجه من الوجوه .
وقال الإمام مالك رضي الله عنه : وكيف عنه مرفوع ، روى ذلك عنه الحافظ البيهقي باسناد جيد ، ومعناه يستحيل على الله الكيف بالمرة والكيف هو كل ما كان من صفات المخلوقين كالجلوس والاستقرار والمحاذاة ونحو ذلك .
ومعنى قول الرفاعي : فإن ذلك من أصول الكفر معناه أن التمسك بظواهر المتشابه من القرءان والحديث أوقع كثيراً من الناس في الكفر لأنه أوقعهم في التشبيه .
قال الإمام الرفاعي : غاية المعرفة بالله الإيقان بوجوده تعالى بلا كيف ولا مكان .
الشرح : أن غاية وأقصى ما يستطيع أن يصل إليه الانسان بالنسبة لمعرفة الله هو أن يجزم بوجوده تعالى بلا كيف ولا مكان ، وهذا غاية معرفة الأنبياء والملائكة والأولياء بالله سبحانه وتعالى لأن معرفة الله ليست بالتصور ليست بالتقدير والتمثيل لأن الله ليس حجما وليس له مثيل كيف يتصور ؟؟
الشىء الذي له حجم يتُصور أما الشىء الذي لا حجم له ولا كمية لا نستطيع أن نتصوره إنما معرفته أن نعتقد أنه موجود من غير أن نتصوره أنه في جهة من الجهات كجهة فوق ، إن قال الوهابي الموجود لا بد أن يكون في جهة من الجهات فكيف تقولون الله موجود بلا جهة بلا مكان ، يقال له لأنه لو كان في جهة ومكان لكان له أمثال ولو كان له جهة لكان له مخصص خصصه بالوجود في هذه الجهة والذي يكون له مخصص يكون مخلوقا لا يكون إلها هذا معنى كلام الرفاعي رضي الله عنه وهو من نفائس علم العقيدة وقد ذكر هذا الكلام في كتابه البرهان المؤيد .
نعم لقد اسفر الصبح لذى عينين .
وسبحان الله والحمد لله رب العالمين
الشيخ سليم علوان
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق