العبادةُ نهايةُ التذلُّل.. وهذا هو المرادُ في نحو قولِ الله تعالى في سورة الفاتحة ((إيَّاكَ نعبُد))، وكذلك هو المرادُ في قولِ المشركينَ الذين حكَى اللهُ قولَهم في سورة الزُّمَرِ ((ما نعبُدُهم إلّا ليقرِّبونا إلى اللهِ زُلْفَى[3]))، لأنَّ هؤلاءِ كانوا يتذلَّلون غايةَ التذلُّل لأوثانهم، وهذه هي العبادةُ التي هي شِرك..
وقد تُطْلَقُ العبادةُ بمعنى القُرْبَةِ من القُرَبِ كالصلاةِ والذِكر، وذلك كحديثِ التِّرْمِذِيِّ عن رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم :[[الدعاءُ مُخُّ العبادة]]..
المعنى أنَّ الدعاء، أي الرغبةَ إلى الله في طلب حاجةٍ أو دفعِ شَرٍّ، من أعظمِ ما يُقَرِّبُ إلى الله.. هذا معناه.. وليس معنى هذا الحديثِ ما تدَّعيه الوهَّابيَّة من أنَّ التوسُّل بنبيٍّ أو وليٍّ شركٌ وعبادةٌ لغير الله.. هم يحتجُّون بهذا الحديث :[[الدعاءُ مُخُّ العبادة]] لمنعِ المسلمين من أن يقولوا :[[يا رسولَ الله أغثني]]، أو :[[اللهمَّ إنِّي أسألُك بجاه رسولِ الله كذا وكذا]].. هم يزعُمون أنَّ هذا النداءَ هو بمثابةِ قولِ المشركين ((ما نعبُدُهم إلّا ليقرِّبونا إلى الله زُلْفَى[3]))[الزُّمَر].. وكذَبوا، فإنَّ أولئك المشركينَ كانوا يتذلَّلون للأوثان غايةَ التذلُّل ويُقِرُّونَ بأنَّهم يعبُدون الأوثان، أي يخضَعون للأوثان ويتذلَّلون لهم غايةَ التذلُّل، ليقرِّبوهم إلى الله.. وفرقٌ كبير بينَهم وبين المسلمينَ الذين لا يتذلَّلون غايةَ التذلُّل إلّا للهِ تعالى ويستغيثون بالأنبياءِ والأولياءِ ليَقْضِيَ اللهُ لهم حاجاتِهم أو يدفعَ عنهم الكُرَبَ..
لأنَّ هؤلاءِ المسلمينَ المتوسِّلينَ بأنبياءِ الله والمستغيثينَ بهم ما تذلَّلوا غايةَ التذلُّل للأنبياءِ والأولياءِ وإنَّما يَتَشَفَّعُونَ بهم إلى الله.. ولو عَرَفَتِ الوهَّابيَّة معنى العبادةِ في لغةِ العرب لَمَا قالوا ذلك ولكنَّهم جاهلون.. وزعيمُهم مُحَمَّدُ بنُ عبدِ الوَهَّابِ لم يكن عالمًا فقيهًا ولا مُحَدِّثًا ولا مُفَسِّرًا بل كان أبوه غاضبًا عليه لأنه لم يشتغل بالعلم كعادة أسلافه، لأنَّ أباه وجَدَّهُ كانا عالمَين بالمذهبِ الحنبليِّ..
ثمَّ هذا الرجلُ ما شهِد له أحد من علماءِ الحنابلةِ في عصره بالعلمِ ولا أدخَلَه أحد في طبقاتِ فقهاءِ الحنابلة.. العالِم الجليلُ الحنبليُّ مُحَمَّدُ بنُ حُمَيْدٍ، مفتي الحنابلةِ بمَكَّةَ المكرَّمة، ترجم ثمانِمِائةِ عالِم وعالمةٍ من فقهاء الحنابلةِ في كتابٍ له سمَّاه (السُّحُبُ الوابلةُ على ضرائح الحنابلة) وذكَر فيه أباه عبدَ الوَهَّابِ وأخاه الشيخَ سليمانَ بنَ عبدِ الوهَّاب.. وكانت وفاةُ مُحَمَّدِ بنِ عبدِ الوَهَّابِ سنةَ 1206 للهجرة، وكانت وفاةُ الشيخ مُحَمَّدِ بنِ حُمَيْدٍ بعد مُحَمَّدِ بنِ عبدِ الوَهَّابِ بنحو ثمانينَ سنة..ا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق