بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 7 أغسطس 2018

كتاب الباز الأشهب المنقض على مخالفي المذهب لابن الجوزي (4)

كتاب الباز الأشهب المنقض على مخالفي المذهب لابن الجوزي (4)


باب
ذكر الأحاديث التي سموها أخبار الصفات
اعلم أن للأحاديث دقائق وآفات لا يعرفهما إلا العلماء الفقهاء، تارة في نظمها، وتارة في كشف معناها، وسنوضح إن شاء الله تعالى.

الحديث الأول

روى البخاري ومسلم في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خلق الله آدم على صورته).
قلت: للناس في هذا مذهبان أحدهما: السكوت عن تفسيره، والثاني: الكلام في معناه، واختلف أرباب هذا المذهب في الهاء على من تعود..؟ على ثلاثة أقوال: أحدها: تعود على بعض بني آدم، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم مر برجل يضرب رجلاً وهو يقول: قبح الله وجهك ووجه من أشبه وجهك. فقال: (إذا ضرب أحدكم فليتق الوجه فإن الله تعالى خلق آدم على صورته).
قالوا: وإنما اقتصر بعض الرواة على بعض الحديث فيحمل المقتصر على المفسر قالوا: فوجه من أشبه وجهك يتضمن سب الأنبياء والمؤمنين.
إنما خص آدم بالذكر، لأنه هو الذي ابتدأت خلقته ووجهه على هذه الصورة التي احتذى عليها من بعده، وكأنه نبه على أنك سببت آدم وأنت من أولاده وذلك مبالغة في زجره، فعلى هذا تكون الهاء كناية عن المضروب، ومن الخطأ أن ترجع إلى الله عز وجل بقوله: ووجه من أشبه وجهك فإنه إذا نسب إليه شبه سبحانه وتعالى كان تشبيهاً صريحاً.
وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (إذا قاتل أحدكم فليتق الوجه، فإن الله تعالى خلق آدم على صورته).
القول الثاني: (إن الهاء كناية عن اسمين ظاهرين، فلا يصح أن يضاف إلى الله عز وجل لقيام الدليل على أنه ليس بذي صورة، فعادت إلى آدم، ومعنى الحديث: إن الله خلق آدم على صورته التي خلقها عليها تاماً لم ينقله من نطفة إلى علقة هذا مذهب أبي سليمان الخطابي، وقد ذكره ثعلب في أماليه.
القول الثالث: (إنها تعود إلى الله تعالى) وفي معنى ذلك قولان: أحدهما: أن تكون صورة ملك، لأنها فعله وخلقه، فتكون إضافتها إليه من وجهين: أحدهما: التشريف بالإضافة كقوله تعالى: (وَطَهَرا بَيتي لِلطائِفين).
والثاني: لأنه ابتدعها على غير مثال سابق وقد روي هذا الحديث من طريق ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا تقبح الوجه فإن آدم خُلق على صورة الرحمن).
قلت: هذا الحديث فيه ثلاثة علل، أحدها: ان الثوري والأعمش اختلفا فيه فأرسله الثوري ورفعه الأعمش.
الثانية: أن الأعمش كان يدلس فلم يذكر أنه سمعه من حبيب بن أبي ثابت.
والثالثة: أن حبيباً كان يدلس فلم يعلم أنه سمعه من عطاء.
قلت: وهذه أدلة توجب وهناً في الحديث ثم هو محمول على إضافة الصورة إليه ملكاً.
والقول الثاني: أن تكون صورة بمعنى الصفة. تقول: هذا صورة هذا الأمر: أي صفته ويكون المعنى خلق آدم على صفته من الحياة والعلم والقدرة والسمع والبصر والإرادة والكلام فميزه بذلك على جميع الحيوانات، ثم ميزه عن الملائكة بصفة التعالي حين أسجدهم له. وقال ابن عقيل إنما خص آدم بإضافة صورته إليه لتخصيصه وهي السلطنة التي تشاكلها الربوبية استعباداً وسجوداً وأمراً نافذاً وسياسات تعمر بها البلاد ويصلح به العباد وليس في الملائكة والجن من تجمع على طاعته نوعه وقبيله سوى الآدمي.
وإن الصورة هاهنا معنوية لا صورة تخاطيط، وقد ذهب أبو محمد بن قتيبة في هذا الحديث إلى مذهب قبيح فقال: لله صورة لا كالصور فخلق آدم عليها..؟؟ وهذا تخليط وتهافت لأن معنى كلامه: إن صورة آدم كصورة الحق.
وقال القاضي (المجسم) : يطلق على الحق تسمية الصورة لا كالصور، نقض لما قاله، وصار بمثابة من يقول: جسم لا كالأجسام، فإن الجسم ما كان مؤلفاً، فإذا قال: لا كالأجسام نقض ما قال.



الحديث الثاني
روى عبد الرحمن بن عياش - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: رأيت ربي في أحسن صورة، فقال لي: فيم يختصم الملأ الأعلى يا محمد قلت: أنت أعلم يا رب، فوضع كفه بين كتفي، حتى وجدت بردها بين ثديي، فعلمت ما بين السموات والأرض).قال أحمد رضي الله عنه: أصل هذا الحديث وطرقه مضطربة يرويه معاذ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وكل أسانيده مضطربة ليس فيها صحيح، ورواه قتادة عن أنس واختلف على قتادة فرواه يوسف بن عطية عن قتادة ووهم فيه، ورواه هشام عن قتادة عن ابن قلابة عن خالد بن الحلاج عن ابن عباس ووهم في قوله عن ابن عباس وإنما رواه خالد عن عبد الرحمن بن عياش وعبد الرحمن لم يسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما رواه عن مالك بن يخامر عن معاذ. قلت: قد ذكرنا أنه لا يصح، وقال أبو بكر البيهقي: فقد روي عن أوجه كلها ضعيفة وأحسن طرقه تدل على أن ذلك كان في النوم.
وقد روي من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم -: (أتاني آت في أحسن صورة).
فقال: فيم يختصم الملأ الأعلى..؟ فقلت: لا أدري، فوضع كفه بين كتفي، فوجدت بردها بين ثديي، فعرفت كل شيء يسألني عنه.
وروي من حديث ثوبان قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد صلاة الصبح، فقال: (إن ربي أتاني اليلة في أحسن صورة فقال لي: يا محمد فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قلت: لا أدري يا رب، فوضع كفه بين كتفي، حتى وجدت برد أنامله في صدري، فتجلى لي ما بين السماء والأرض).
وروي عن أبي عبيد بن الجراح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لما كنت ليلة أسري بي رأيت ربي في أحسن صورة).
قلت: وهذه أحاديث مختلفة، وليس فيها ما يثبت وفي بعضها أتاني آت وذلك يرفع الأشكال، وإن قلنا إنه رآه في اليقظة فالصورة إن قلنا ترجع إلى الله تعالى، فالمعنى رأيته على أحسن صفاته في الإقبال عليّ والرضى عني، وإن قلنا ترجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فالمعنى رأيته وأنا على أحسن صورة.
قلت: والعجب مع اضطراب هذه الأحاديث وكون مثلها لا يثبت به حكم في الوضوء وروى ابن حامد من حديث ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (ولما أسري بي رأيت الرحمن تعالى في صورة شاب أمرد، له نور يتلألأ، وقد نهيت عن وصفه لكم، فسألت ربي أن يكرمني برؤيته، وإذا هو كأنه عروس حين كشف عن حجابه مستوٍ على عرشه).
قلت: هذا الحديث كذب قبيح. ما روي قط في صحيح ولا في كذب مشهور. فأبعد الله من عمله فقد كنا نقول ذلك في المنام، فذكر هذا في ليلة الإسراء كافأهم الله وجزاهم النار، يشبهون الله بعروس..؟ ما قال هذا مسلم..؟؟ وأما ذكر البرد في الحديث الماضي، فإن البرد عرض، لا يجوز أن ينسب إلى الله تعالى. وقد ذكر القاضي في كتاب الكفاية عن أحمد: رأيت ربي في أحسن صورة، أي في أحسن موضع.


الحديث الثالث


روت أم طفيل امرأة أبي رضي الله عنهما، أنها سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يذكر، أنه رأى ربه عز وجل في المنام في أحسن صورة، شاباً موقراً، رجلاه في خضر عليه نعلان من ذهب، على وجهه فراش من ذهب.
قلت: هذا الحديث يرويه نعيم بن حماد بن معاوية قال ابن عدي: كان يضع الحديث. وقال يحيى بن معين: ليس نعيم بشيء في الحديث. وفي إسناده مروان بن عثمان عن عمارة بن عامر، قال أبو عبد الرحمن النسائي: ومن مروان حتى يصدق على الله عز وجل؟ وقال مهنى بن يحيى، سئلت أحمد عن هذا الحديث، فأعرض بوجهه وقال: هذا حديث منكر مجهول يعني مروان بن عثمان قال ولا يعرف أيضاً عمارة، وقد روى عبيد الله بن أبي سلمة قال: بعث ابن عمر إلى عبد الله بن عباس هل رأى محمد ربه فأرسل إليه أن نعم قد رآه فرد الرسول إليه كيف رآه؟ قال: رآه على كرسي من ذهب يحمله أربعة من الملائكة في صورة رجل.
قلت: وهذا الحديث تفرد به إسحاق وكذبه جماعة من العلماء وفي رواية عن ابن عباس (رآه كان قدميه على خضرة دونه ستر من لؤلؤ).
قلت: وهذا يرويه أبو إبراهيم بن الحكم بن ابان وقد ضعفه يحيى بن معين وغيره وفي رواية ابن عباس - رضي الله عنه - عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (رأيت ربي أجعد أمرد عليه حلة خضراء).
قلت: وهذا يروى عن طريق حماد بن سلمة وكان ابن أبي العوجاء لزنديق ربيب حماد، وكان يدس في كتبه هذه الأحاديث، على أن هذا كان مناماً والمنام خيال.
ومثل هذه الأحاديث لا ثبوت لها، ولا يحسن أن يحتج بمثلها في الوضوء، فقد أثبت بها القاضي صفات الله تعالى فقال: قوله: شاب، وأمرد، وجعد، وقطط، والفراش والنعلان والتاج. قال: ثبت ذلك تسميد لا يعقل معناها، وليس في إثباتها أكثر من تقريب المحدث من القديم وذلك جائز كما روي (يدني عبده إليه) يعني يقربه إلى ذاته.
ومن يثبت بالمنام، وبما لا يصح نقله صفات، وقد عرفنا معنى الشاب والأمرد ما هو.
ثم يقول: ما هو كما نعلم، كمن يقول: قام فلان وما هو قائم، وقعد وليس بقاعد.
قال ابن عقيل: هذا الحديث مقطوع فإنه كذب، ثم لا تنفع ثقة الرواة إذا كان المتن مستحيلاً، وصار هذا كما لو أخبرنا جماعة من المعدلين: بأن جمل بالبزاز دخل في خرم إبرة الخياط. فإنه لا حكم لصدق الرواة مع استحالة خبرهم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

كثيرا ما تستدلّ الوهابية المشبهة الخارجة عن الحق لتحريم قراءة القرآن على موتى المسلمين، بقول الله تعالى “وأن ليس للإنسان إلا ما سعى”

 كثيرا ما تستدلّ الوهابية المشبهة الخارجة عن الحق لتحريم قراءة القرآن على موتى المسلمين، بقول الله تعالى “وأن ليس للإنسان إلا ما سعى” قال اب...