بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 7 أغسطس 2018

كتاب الباز الأشهب المنقض على مخالفي المذهب لابن الجوزي (5)

كتاب الباز الأشهب المنقض على مخالفي المذهب لابن الجوزي (5)


الحديث الرابع

روي عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (انتهيت ليلة أسري بي إلى السماء فرأيت ربي، فرايت كل شيء من ربي، حتى لقد رأيت تاجاً مخوصاً من لؤلؤ).
قلت: هذا يرويه أبو القاسم عبد الله بن محمد بن اليسع عن القاسم بن إبراهيمز قال الأزهري: كنت أقعد مع ابن اليسع ساعة فيقول: (قد ختمت الختمة منذ قعدت وقاسم ليس شيء).
قال الدارقطني: هو كذاب.
قلت: كافأ الله عن عمل مثل هذا الحديث.
روى البخاري ومسلم في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (يجمع الله الناس فيقول: من كان يعبد شيئاً فليتبعه، فيتبعون ما كانوا يعبدون، وتبقى هذه الأمة فيها منافقوها، فيأتهم الله عز وجل في غير الصورة التي كانو يعرفون فيقول: أنا ربكم.
فيقولون: أنت ربنا...؟ وفي الصحيحين من حديث ابن سعيد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: فيأتيهم الجبار في غير صورة رأوه فيها أول مرة.
فيقول أنا ربكم، فلا يكلمه إلا الأنبياء. فيقال: هل بينكم وبينه آية تعرفونها..؟ فيقولون: الساق. فيكشف عن ساقه فيسجد له كل مؤمن).
قلت: إعلم أنه يجب على كل مسلم أن يعتقد أن الله سبحانه وتعالى، لا تجوز عليه الصورة التي هي هيئة وتأليف.
قال أبو سليمان الخطابي: معنى (فيأتيهم الله) أي يكشف الحجاب لهم حتى يرونه عياناً كما كانوا عرفوه في الدنيا استدلالاً.
وأما الصورة فتتأول على وجهين أحدهما: أنها بمعنى الصفة، يقال صورة الأمر كذا.
والثاني: أن المذكورات من المعبودات في أول الحديث صور يخرج الكلام على نوعين من المطابقة، وقوله (في غير صورة رأوه فيها) دليل على أن المراد بالصورة الصفة لأنهم ما رأوه قبلها فعلمت أن المراد الصفة التي عرفوه فيها.
وقال غيره من العلماء: يأتيهم بأهوال القيامة، وصور الملائكة، ما لم يعهدوا مثله في الدنيا، فيستعيذون من تلك الحال ويقولون: إذا جاء ربناه عرفناه، أي أتى بما يعرفونه من لطفه، وهي الصورة التي يعرفون فيكشف عن ساق: أي عن شدة كأنه يرفع تلك الشدائد المهولة، فيسجدون شكراً، وقال بعضهم: صورة يمتحن إيمانهم بها، كما يبعث الدجال فيقولون: نعوذ بالله منك.
وفي حديث أبي موسى عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن الناس يقولون: إن لنا رباً كنا نعبده في الدنيا فيقال: وتعرفونه إذا رأيتموه...؟ فيقولون: نعم فيقال: كيف تعرفونه ولم تروه...؟ فيقولون: إنه لا شبيه له، فيكشف الحجاب فينظرون إلى الله عز وجل فيخرون سجداً، قال ابن عقيل: الصورة على الحقيقة تقع على الأشكال والتخاطيط، وذلك من صفات الأجسام، والذي صرفنا عن كونه جسماً. الأدلة القطعية كقوله: (لَيسَ كَمَثَلِهِ شَيء).

ومن الأدلة العقلية: أنه لو كان جسماً لكان صورة وعرضاً، ولو كان حاملاً الأعراض، جاز عليه ما يجوز على الأجسام، وافتقر إلى صانع، ولو كان جسماً مع قدمه، جاز عليه ما يجوز على الأجسام، وافتقر إلى صانع، ولو كان جسماً مع قدمه، جاز قدم أحدنا، فاحوجتنا الأدلة إلى تأويل صورة تليق أضافتها إليه، وما ذلك إلا الحال الذي يوقع عليه أهل اللغة اسم صورة فيقولون كيف صورتك مع فلان؟ وفلان... على صورة من الفقر. والحال التي أنكروها العنف، والتي يعرفونها اللطف. فيكشف عن الشدة، والتغيرات أليق بفعله، فإما ذاته، فتعالى عن التغيير. نعوذ بالله أن يحمل الحديث على ما قالته المجسمة إن الصورة ترجع إلى ذاته، فإن في ذلك تجويز التغير على صفاته. فخرجوه في صورة إن كانت حقيقة، فذلك استحالة. وإن كانت تخيلاً فليس ذلك هو، إنما يريهم غيره.

الحديث السادس


روى مسلم في صحيحه من حديث المغيرة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ولا شخص أغير من الله، ولا شخص أحب إليه العذر من الله، ولا شخص أحب إليه المدحة من الله).
قلت: لفظة الشخص يرويها بعض الرواة، ويروي بعضهم (لا شيء أغير من الله).
والرواة يروون بما يظنون به المعنى فيكون ذلك الشخص من تغيير الرواة، (والشخص لا يكون إلا جسماً مؤلفاً، وسمي شخصاً فإن له شخوصاً وارتفاعاً والصواب أنه يرجع ذكر الشخص إلى المخلوقين لا أن الخالق يقال له شخص، ويكون المعنى (ليس منكم أيها الأشخاص أغير من الله)، لأنه لما اجتمع الكل بالذكر، سمي بأسمائهم، ومثل هذا قول ابن مسعود: (ما خلق الله من جنة ولا نار أعظم من آية الكرسي).
قال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى: الخلق يرجع إلى الجنة، والنار إلى المخلوق لا إلى القرآن ومن هذا الجنس قوله تعالى (الجَنةَ يَومَئذ خَيرَ مُستَقراً وَأَحسنَ مَقيلاً) ومعلوم أن أهل النار لا مستقر لهم ولا مقيل. ويمكن أن يكون هذا من باب المستثنى من غير الجنس كقوله تعالى: (ما لَهُم بِهِ مِن عِلم إِلا اِتباع الظَن). وقد أجاز بعضهم إطلاق الشخص على الله تعالى وذلك غلط لما بيناه.
وأما الغيرة: فقد قال العلماء: كل من غلب من شيء اشتدت كراهيته له، فلما حرم الفواحش وتوعد عليها وصفه رسوله بالغيرة.



الحديث السابع


روى أبو موسى الأشعري رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (إن الله خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض). المعنى مقدار قبضته وليست على ما يتصور من قبضات المخلوقين فإن الحق منزه عن ذلك.
وإنما أضيفت القبضة إليه لأن أفعال المملوك نسب إلى المالك، وذلك أنه بعث من قبض كقوله تعالى: (فَطَمَسنا أَعيُنُهُم).
وقد روي محمد بن سعد في كتاب الطبقات: أن الله تعالى بعث إبليس فأخذ من أديم الأرض فخلق من آدم فمن ثم قال (أَأَسجُد لِمَن خَلَقتُ طيناً).
قال القاضي لا يمتنع إطلاق اسم القبض إليه وإضافة القبضة لا على معنى الجارحة ولا على المعالجة والممارسة.
قلت: فيقال له: أطلقت وما تدري.
قال أبو عمر الزاهد: الجبار ها هنا الطويل، يقال: نخلة جبارة.
قال ابن قتيبة: الجبار ههنا الملك، والجبابرة الملوك.
قال القاضي: نحمله على ظاهره. وان الجبار هو الله تعالى، لانا لا نثبت ذراعاً هو جارحة.
قلت: واعجباً اذ ذهبت العقول على هذا الحد؟ قال: ويجوز ان يقال: إن الذراع إثنان وأربعون مرة، حتى يبلغ جلد الكافر، ويضاف إلى الذات القديم، ثم قال: ليس بجارحة، فإذا لم يكن جارحة كيف ينشئ أربعين تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً.


الحديث الثامن


روى القاضي عن مجاهد أنه قال: إذا كان يوم القيامة يذكر داود سعيد، فقرصها قرصة شديدة فقال أبو سعيد: سبحان الله يا ابن آدم أوجعتني.
فقال: ذلك أردت ان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (إن الله لما قضى خلقه، استلقى ثم وضع إحدى رجليه على الأخرى، ثم قال: لا ينبغي لأحد من خلقي أن يفعل هذا).
قال أبو سعيد: لا جرم لا أفعله هذا).
قال أبو سعيد: لا جرم لا أفعله أبداً.
قلت: وقد رواه عبد الله بن أحمد عن أبي بكر محمد بن إسحاق الصاغاني قال: حدثني إبراهيم بن المنذر، قال: حدثنا محمد بن فليح عن سعيد بن الحارث عن عبيد الله بن حنين قلت: قال عبد الله بن أحمد بن حنبل: وما رأيت هذا في الحديث في ديوان من دواوين الشريعة المعتمد عليها. وكان أحمد بن حنبل يذم إبراهيم بن المنذر ويتكلم فيه، وقال زكريا الساجي عنده مناكير، وقال يحيى بن معين: فليح ليس حديثه بالجائز. وقال مرة: هو ضعيف، وقال النسائي: ليس بالقوي.
وأما عبيد بن حنين فقال البخاري، لا يصح حديثه في أهل المدينة، وقال أبو بكر البيهقي: إذا كان فليح مختلف في جواز الاحتجاج عند الحفاظ لم يثبت بروايته مثل هذا الأمر العظيم قال: وفي الحديث علة أخرى، وهي أن قتادة بن النعمان مات في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وعبيد بن حنين مات سنة خمس ومائة. وله خمس وسبعون سنة، في قول الواقدي، فتكون روايته عن قتادة بن النعمان منقطعة. وقول الراوي: فانطلقنا حتى دخلنا على أبي سعيد لا يرجع إلى عبيد بن حنين وإنما يرجع إلى من أرسله عنه ونحن لا نعرفه قال: ولا نقبل المراسيل في الأحكام فكيف هذا الأمر العظيم.
فقال أحمد: ثم لو صح طريقه احتمل أن يكون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حدث به عن بعض أهل الكتاب على طريق الإنكار عليهم، فلم يفهم قتادة إنكاره عليهم.
قلت: ومن هذا الفن حديث رويناه، أن الزبير سمع رجلاً يحدث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاستمع له الزبير حتى إذا قضى الرجل حديثه، قال له الزبير: (أنت سمعت هذا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -..؟ قال: نعم، قال: هذا وأشباهه يمنعنا أن نحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال: لعمري سمعت هذا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا يومئذ حاضر ولكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ابتدأ بهذا الحديث. فحدثناه عن رجل من أهل الكتاب حدثه إياه، فجئت أنت يومئذ بعد انقضاء صدر الحديث، وذكر الرجل الذي من أهل الكتاب فظننت به أنه من حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
قلت: وغالب الظن أن الإشارة في حديث الزبير إلى حديث قتادة، فإن أهل الكتاب قالوا: إن الله تعالى لما خلق السموات والأرض استراح فنزل قوله تعالى: (وَما مَسَنا مِن لَغوب).
فيمكن أن يكون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حكى ذلك عنهم، ولم يسمع قتادة أول الكلام.
وقد روى عبد الرحمن بن أحمد في كتاب السنة عن أبي سفيان قال: (رأيت الحسن قد وضع رجله اليمنى على شماله وهو قاعد، فقلت: يا أبا سعيد تكره هذه العقدة.؟ فقال: قاتل الله اليهود ثم قرأ: (وَلَقَد خلَقنا السَمواتِ وَالأرض وَما بَينَهُما في سِتَةِ أَيام وَما مَسَنا من لَغوب) فعرفت ما عنى فأمسكت.
قلت: وإنما أشار الحسن إلى ما ذكرنا عن اليهود.
قلت: إنما أشار الحسن إلى ما ذكرناه عن اليهود. وروينا عن العوام بن حوشب قال: سألت أبا مجلز عن رجل يجلس فوضع إحدى رجليه على الأخرى قال: لا بأس وانما ذكره ذاك اليهود زعموا ان الله عز وجل خلق السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام.
قلت: وقد تأول بعض العلماء الحديث الذي نحن فيه على تقدير الصحة فقال: معنى استلقى أتم خلقه، وفرغ يقال فلان بنى لفلان داره واستلقى على ظهره أي لم يبق له فيها عمل. وقوله: وضع رجلاً على رجل أي وضع بعض المخلوقات على بعض، وذهب القاضي (المجسم) إلى جعل الاستلقاء صفة وان وضع رجلاً على رجل ثم قال: لا على وجه يعقل معناه. قال: ويفيد الحديث إثبات رجلين.
قلت: ولو لم يعقله ما أثبت رجلين ولم نثبت بمثل هذا الحديث المعلول، ولو لم يكن معلولاً لم نثبت صفة باخبار احاد ولم لم يعقل معناه ما قال لا يصلح للبشر ولا كان يقع هي وانما النهي أشبه ما بين الفعلين.
وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر وعمر، أنهم كانوا يستلقون ويضعون رجلاً على رجل وإنما يكره هذا لمن لا سراويل له.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

كثيرا ما تستدلّ الوهابية المشبهة الخارجة عن الحق لتحريم قراءة القرآن على موتى المسلمين، بقول الله تعالى “وأن ليس للإنسان إلا ما سعى”

 كثيرا ما تستدلّ الوهابية المشبهة الخارجة عن الحق لتحريم قراءة القرآن على موتى المسلمين، بقول الله تعالى “وأن ليس للإنسان إلا ما سعى” قال اب...