كتاب الباز الأشهب المنقض على مخالفي المذهب لابن الجوزي (6)
الحديث التاسع
روى القاضي عن ابن عطية ان رجلاً من المشركين سب رسول الله صلى الله عليه وسلم فحمل عليه رجل من المسلمين فقاتله وقتل الرجل.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما تعجبون من نصر الله ورسوله لقي الله متكئاً فقعد له).
قلت: هذا حديث مقطوع بعيد الصحة، ولو كان له وجه كان المعنى: فاقبل عليه وأنعم.
الحديث العاشر
روى البخاري ومسلم في الصحيحين من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تزال جهنم يلقي فيها وتقول: هل من مزيد..؟ حتى يضع رب العزة فيها قدمه فينزوي بعضها إلى بعض فتمتلئ).
قلت: الواجب علينا أن نعتقد أن ذات الله تعالى لا تتبعض ولا يحويها مكان ولا توصف بالتغير ولا بالانتقال.
وقد حكى أبو عبيد الهروي عن الحسن البصري أنه قال: القدم: هم الذين قدمهم الله تعالى من شرار خلقه وأثبتهم لها، وقال الأمام ابن الأعرابي: القدم المتقدم، وروى أبو بكر البيهقي عن النضر بن شميل أنه قال: القدم ههنا الكفار الذين سبق في علم الله أنهم من أهل النار.
وقال: أبو منصور الأزهري، القدم هم الذين قدم الله بتخليدهم في النار فعلى هذا يكون في المعنى وجهين أحدهما: كل شيء قدمه.
يقال: لما قدم، ولما هدم هدم ويؤيد هذا قوله في تمام الحديث (وأما الجنة فينشئ لها خلقاً).
ووجه ثان: إن لكل قادم عليها سمي قادماً، فالقدم جمع قادم.
فبعض الرواة رواه بما يظنه المعنى من ان المقدم الرجل، وقد رواه الطبراني من طرق، فقال: قدمه ورجله قلت: وهذا دليل على تغير الرواة بما يظنونه على أن الرجل في اللغة جماعة.
ومن يرويه بلفظ الرجل فإنه يقول: رجل من جراد. فيكون المراد يدخلها جماعة يشبهون في كثرتهم رجل الجراد، فيسرعون التهافت فيها.
قال القاضي: القدم صفة ذاتية. وقال ابن الزاغوني: نقول إنما وضع قدمه في النار ليخبرهم أن أصنافهم تحترق وأنا لا أحرق. قلت: وهذا اثبات تبعيض، وهو من أقبح الاعتقادات.
قلت: ورأيت أبا بكر بن خزيمة قد جمع كتاباً في الصفات وبوبه فقال: باب إثبات اليد، باب امساك السموات على أصابعه، باب إثبات الرجل وإن رغمت انوف المعتزلة ثم قال: قال الله تعالى: (أَلَهُم أَرجُلٌ يَمشونَ بِها أَم لَهُم أَيدٍ يَبطُشونَ بِها).
فأعلمنا أن من لا يد له ولا رجل فهو كالأنعام.
قلت: واني لأعجب من هذا الرجل مع علو قدره في علم النقل، يقول هذا ويثبت الله ما ذم الأصنام بعدمه من اليد الباطشة والرجل الماشية، ويلزمه أن يثبت الأذن، ولو رزق الفهم ما تكلم بهذا، وأفهم ان الله تعالى عاب الأصنام عند عابديها، والمعنى: لكم أيد وارجل فكيف عبدتم ناقصاً ولا يد له يبطش ولا رجل يمشي بها.
قال ابن عقيل: تعالى الله أن يكون له صفة تشغل الأمكنة، هذا عين التجسيم، وليس الحق بذي أجزاء وأبعاض يعالج بها، ثم أنه لا يعمل في النار أمره وتكوينه حتى يستعين بشيء من ذاته ويعالجها بصفة من صفاته وهو القائل.
(كوني بَرداً وَسَلاماً).
فما أسخف هذا الاعتقاد وأبعده عن مكون الأملاك والأفلاك فقد نطق بتكذيبهم فقال تعالى: (لَو كانَ هَؤُلاء آلهة ما وردوها).
فكيف يظن بالخالق أنه يردها..؟ تعالى الله عن تجاهل المجسمة.
الحديث الحادي عشر
روى أبو هريرة - رضي الله عنه - عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ضرس الكافر مثل أحد، وكثافة جلده إثنان وأربعون ذراعاً بذراع الجبار).
(في شرح صحيح مسلم للإمام النووي ما نصه: قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( ضِرْس الْكَافِر مِثْل أُحُد ، وَغِلَظ جِلْده مَسِيرَة ثَلَاث وَمَا بَيْن مَنْكِبَيْهِ مَسِيرَة ثَلَاث )
هَذَا كُلّه لِكَوْنِهِ أَبْلَغ فِي إِيلَامه ، وَكُلّ هَذَا مَقْدُور لِلَّهِ تَعَالَى يَجِب الْإِيمَان بِهِ لِإِخْبَارِ الصَّادِق بِهِ .
الحديث الثاني عشر
روى سليمان قال: إن الله تعالى لما خمر طينة آدم ضرب بيده فيه، فخرج كل طيب في يمينه، وكل خبيث في يده الأخرى، ثم خلط بينهما، فمن ثم يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي).
قلت: وهذا مرسل وقد ثبت بالدليل أن الله سبحانه وتعالى لا يوصف بمس شيء، فإن صح فضرب مثل لما جرت به الأقدار.
وقال القاضي: تخمير الطين وخلط بعضه ببعض مضاف إلى اليد التي خلق بها آدم.
قلت: وهذا التشبيه المحض..
الحديث الثالث عشر
روى عبيد بن حنين قال: بينما أنا جالس في المسجد، إذ جاء قتادة بن النعمان فجلس يتحدث ثم قال: (انطلق بنا إلى أبي سعيد الخدري، فإني قد أخبرت أنه قد اشتكى، فانطلقنا حتى دخلنا على أبي سعيد فوجدناه مستلقياً واضعاً رجله اليمنى على اليسرى، فسلمنا عليه وجلسنا، فرفع قتادة يده إلى رجل أبي ذنبه فيقول الله: (كن أمامي، فيقول: يا رب ذنبي، فيقول: كن خلفي، فيقول: يا رب ذنبين فيقول: خذ بقدمي).
قال: وفي لفظ عن ابن سيرين قال الله تعالى: (ليقرب داود حتى يضع يده على فخذه).
قلت: والعجب من إثبات صفات الحق سبحانه وتعالى بأقوال التابعين، وما تصح عنهم ولو صحت فإنما يذكرونها عن أهل الكتاب، كما يذكر وهب بن منبه.
قال القاضي: نحمله على ظاهره، لأنا لا نثبت قدماً ولا فخذاً هو جارحة وكذلك لا نثبت الإمام. قلت: واعجباً لقد كملوا هيئة البدن باثبات فخذ وساق، وقدم، ووجه، ويدين وأصابع، وخنصر وابهام وجنب، وحقو وصعود ونزول، ويقولون تحمل على ظاهرها وليست جوارح، وهل يجوز لعاقل ان يثبت لله تعالى خلفاً وإماماً وفخذاً..؟ ما ينبغي أن يحدث هؤلاء.
ولا نا قد عرفنا الفخذ فيقال: ليس بفخذ، والخلف ليس بخلف، ومثل هؤلاء لا يحدثون، فإنهم يكابرون العقول، وكأنهم يحدثون الأطفال.
الحديث الرابع عشر
روى البخاري ومسل في الصحيحين من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يضحك الله من رجلين يقتل أحدهما الآخر يدخلان الجنة).
وفي إفراد مسلم من حديث ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عن آخر من يدخل الجنة وضحك، فقيل: مم تضحك..؟ فقال: من ضحك رب العالمين حين قال: أتستهزئي بي..).
قلت: اعلم ان الضحك له معان ترجع إلى معنى البيان والظهور، وكل من أبدى من أمر كان مستوراً قيل قد ضحك. يقال: ضحكت الأرض بالنبات إذا ظهر ما فيها، وانفتحت عن زهره، كما يقال: بكت السماء.
قال الشاعر:
كُلُ يَومٍ بِالاقحُوانِ جَديد
تَضحَكُ الأَرضَ مِن بَكاء السَماء
وكذلك الضحك الذي يعتري البشر إنما هو انفتاح الفم عن الإنسان، وهذا يستحيل على الله تعالى فوجب حمله على ابداء الله كرمه، وإبانة فضله. ومعنى: ضحكت لضحك ربي، أبديت عن أسناني بفتح فمي، لإظهار فضله وكرمه وقول الآخر: لن نعدم من رب يضحك خيراً، أي يكشف الكرب، فرقاً بينه وبين الأجسام التي لا يرجى خيرها.
قلت: وهذا تأويل جماعة من العلماء، وقال الخطابي: معنى ضحك الجبار عز وجل عن الرضى وحسن المجازاة.
وقد روي في حديث موقوف: (فضحك حتى بدت لهواته وأضراسه) ذكره الخلال في كتاب السنة. وقال المروزي: قلت لأبي عبد الله: ما تقول في هذا الحديث..؟ قال: هذا بشع.
قال: ثم على تقدير الصحة يحتمل امرين: أحدها: أن يكون ذلك راجعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم، كأنه ضحك حين أخبر بضحك الرب، حتى بدت لهواته وأضراسه، كما روي أنه ضحك حتى بدت نواجذه، وهذا هو الصحيح لو ثبت الحديث. وإنما هو مقطوع.
الثاني: أن يكون تجوزاً من كثرة الكرم وسعة الرضا، كما جوز بقوله: (ومن أتاني يمشي أتيته هرولة).
قال القاضي: لا يمتنع الأخذ بظاهر الأحاديث في امرارها على ظواهرها من غير تأويل. لأنا لا نثبت ضحكاً هو فتح الفم ولا أضراساً ولهوات وجوارح وأبعاضاً.
قلت: واعجباً قد أثبت الله صفات بأحاديث وألفاظ لا تصح.
قال أحدهم وإذا لم يثبته ضحكاً معقولاً فقد تأول ولا يدري، وواعجباً قد عرف ان الضحك يشار به إلى الفضل والإنعام. فالأضراس ما وجهها؟ والله لو رويت في الصحيحين وجب ردها، فكيف وما ثبتت أصلاً، وقد روى أحمد لو ان الناس اعتزلوهم يعني الأمراء فقال: اضرب على هذا وهذا الحديث في الصحيحين فكيف بحديث لا يثبت يخالف المنقول والمعقول. ومن أثبت الأضراس صفة فما عنده من الإسلام خبر.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق