بحث هذه المدونة الإلكترونية

الجمعة، 24 أغسطس 2018

معنى قولِ نبيِّ اللهِ إبراهيمَ للكوكبِ: هذا ربِّي

معنى قولِ نبيِّ اللهِ إبراهيمَ للكوكبِ: هذا ربِّي


ا[1]يقولُ الله تعالى في سورةِ الأنعام ((فلَمَّا جَنَّ عليهِ الليلُ رأى كوكبًا، قال هذا ربِّي، فلمَّا أفَلَ قال لا أحِبُّ الآفلين[76])).. هذا إخبارٌ عن سيِّدنا إبراهيمَ عليه السلام.. والكوكبُ هو النجم.. وأمَّا قولُ سيِّدنا إبراهيمَ لمَّا رأى الكوكبَ ((هذا ربِّي)) فليس معناه أنَّ إبراهيمَ كان يَظُنُّ أنَّ الكوكبَ ربُّه، وإنَّمَا كلامُه محمولٌ على تقدير الاستفهام الإنكاريِّ، فكأنَّه قال لقومه المشركين [[هل يُعْقَلُ أنْ يكونَ هذا ربِّي كما تزعُمون؟!]].. ثمَّ لمَّا غاب الكوكبُ قال إبراهيمُ عليه السلام ((لا أحِبُّ الآفلين))، أي لا يُعْقَلُ أنْ يكونَ الكوكبُ ربًّا لأنه يأفُل، أي يغيب.. هو أراد أن يبيِّن لهم أنَّ الذي يتغيَّر من حالٍ إلى حالٍ لا يُعْقَلُ أنْ يكونَ إلَهًا.. قال النسفيُّ في (تفسيره) {{أي قال لهم [[هذا ربِّي في زعمِكم]].. أو المرادُ [[أهذا ربِّي؟!!]]، إستهزاءً بهم وإنكارًا عليهم.. والعَرَبُ تكتفي عن حرفِ الاستفهام بنغمة الصوت}}انتهى.. ولهذا التأويل الذي ذكرناه نظائرُ في القرءان الكريم.. منها قولُ الله تعالى في سورة فُصِّلَتْ ((ويومَ يناديهم أينَ شركائي قالوا ءاذَنَّاكَ ما مِنَّا مِنْ شهيد[47])).. واللهُ ليس له شركاءُ كما هو معلوم.. فيكونُ معنى الآيةِ: ويومَ يناديهم ربُّهم أين الذين تزعُمونهم شركائي.. و((ءاذَنَّاكَ)) معناه أخبرناك.. وقولُهم ((ما مِنَّا مِنْ شهيد)) معناه: ما مِنَّا أحدٌ اليومَ يشهَد بأنَّ لك شريكًا.. ففي الآيةِ كلامٌ مقدَّر إذ لا يُعْقَلُ أن يكونَ للهِ شركاء.. ولا يُعْقَلُ أنْ يَنْسُبَ اللهُ إلى نفسه الشريكَ.. فلا بُدَّ من أن يكونَ في الآيةِ كلامٌ مقدَّر.. والتقدير: أين شركائيَ الذين كنتم تزعُمون.. وهذا التأويلُ مفهومٌ من قولِ الله تعالى في سورة القَصَصِ ((ويومَ يناديهم فيقولُ أين شركائيَ الذين كنتم تزعُمون[62])).. كذلك قولُ إبراهيمَ ((هذا ربِّي)) هو من هذا الباب، معناه: هذا ربِّي في زعمِكم..ا
-------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
ا[2]ثمَّ بعد ذلك رأى إبراهيمُ القمرَ بازغًا، فقال مثلَ ذلك، أي قال ((هذا ربِّي)).. أي على تقدير الاستفهام الإنكاريِّ أيضًا أو على معنى أنَّ هذا ربِّي في زعمِكم من غير أن يَظُنَّ إبراهيمُ لحظةً واحدةً أنَّ القمرَ ربُّه.. ثمَّ لمَّا أفَلَ القمرُ، أي غاب، قال إبراهيمُ ((لَئِنْ لم يهدِني ربِّي لأكُونَنَّ من القوم الضَّالِّين[77])).. أنظر سورةَ الأنعام.. أي لولا تثبيتُ اللهِ إيَّايَ على الهدى لكنتُ ضالًّا.. وهو، عليه الصلاة والسلام، العالِمُ بأنَّ الله لن يُضِلَّهُ، وأنَّه اصطفاه كما اصطفى سائرَ رسُله.. المسلم يقرأ الفاتحةَ كلَّ يوم في صلاته ويقول ((إهدنا الصِّراطَ المستقيم)).. وليس المرادُ أنا يا رَبِّ ضَالٌّ عن الصراط المستقيم وأنا الآنَ أطلبُ منك الهداية.. ليس هذا معناه.. وإنَّمَا معناه: أسألك يا رَبِّ أن تُـثَـبِّـتَـنِي على الصراطِ المستقيم الذي هو الإسلام.. كذلك قولُ إبراهيمَ ((لَئِنْ لم يهدِني ربِّي لأكُونَنَّ من القومِ الضَّالِّين)) هو من هذا الباب.. معناه لولا تثبيتُ اللهِ إيَّايَ على الهدى لكنتُ ضالًّا.. وهو، عليه الصلاة والسلام، العالِمُ بأنَّ الله لن يُضِلَّهُ، وأنَّه اصطفاه كما اصطفى سائرَ رُسُلهِ..ا
-------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
ا[3]ثمَّ لمَّا ظَهَرَتِ الشمسُ قال مثلَ ذلك، أي قال ((هذا ربِّي)) أي على تقدير الاستفهام الإنكاريِّ أيضًا أو على معنى أنَّ هذا ربِّي في زعمِكم مِنْ غير أن يَظُنَّ إبراهيمُ لحظةً واحدةً أنَّ الشمسَ ربُّه.. فلمَّا أفَلَتِ الشمس، أي غابت، أظهر لهم أنَّه بريءٌ من عبادتها وأنَّهَا لا تصلُح للربوبيَّة.. فقال ((يا قومِ إنِّي بريءٌ مِمَّا تشركون[78])).. أنظُر سورةَ الأنعام.. وأمَّا هو، عليه السلام، فقد كان يعلَم قبل ذلك أنَّ الرُّبوبيَّة لا تكونُ إلّا لله.. والدليلُ على أنَّ إبراهيمَ كان عالِمًا بربِّه قبل تلك المناظرة التي جرت بينه وبين قومهِ قولُه تعالى في سورةِ الأنبياء ((ولقد ءاتينا إبراهيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ[51]))، أي ألهمناه الصوابَ والحكمةَ والإيمانَ مِنْ قَبْلِ هذه المناظرةِ التي جرت بينَه وبين قومه المشركين.. وكذلك قولُه تعالى في سورة ءالِ عِمْرانَ ((ما كان إبراهيمُ يهوديًّا ولا نصرانيًّا ولكن كان حنيفًا مسلمًا وما كان من المشركين[67])).. صدق الله العظيم..ا
-------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
ا[4]إنَّ مِنَ الكفر الصريح أنْ يُظَنَّ في نبيٍّ من أنبياءِ الله أنَّه مَرَّ في فترةِ شَكٍّ لم يَدْرِ فيها مَنْ هو ربُّه، أو أنَّه عبَد غيرَ اللهِ فترةً من الزمن قبل أن يهتديَ إلى عبادته، أو أنَّه شكَّ في الكوكبِ أو الشمسِ أو غيرِهما من الجماداتِ أتستحِقُّ العبادةَ أم لا.. ولا يُعْذَرُ الجاهلُ فيما ذكرناه، إذ إنَّ مِمَّا هو مقرَّر عند علماءِ الأصولِ أنَّه لا يُعْذَرُ أحد في موجِبات الكفر بالجهل..ا
-------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
ا[5]ولقد ذكَر اللهُ في موضِع ءاخَرَ من القرءان الكريم هذه المناظرةَ التي جرت بين إبراهيمَ وقومهِ المشركينَ عُبَّادِ الكواكبِ والنجوم والأصنام.. فقد ورد في القرءان الكريم في سورة الشعراء عن سيِّدنا إبراهيمَ الذي، لا شكَّ، كان يعيش بين قومه قبل أن يوحَى إليه، ورد عنه ما أخبر الله تعالى به في سورة الشعراء ((واتلُ عليهم نبأَ إبراهيم[69].. إذ قال لأبيه وقومهِ ما تعبُدون[70].. قالوا نعبُد أصنامًا فنَظَلُّ لها عاكفين[71])).. فإن قيل [[وما فائدةُ سؤال إبراهيمَ لقومه ((ما تعبدون)) وهو يعلَم أنَّهم يعبُدون الأصنام؟؟]].. قلنا [[هذا ليس استفهامًا من إبراهيمَ، ولكن هذا تقريعٌ لهم وتوبيخٌ على عبادتهم الأصنامَ وإنكارٌ]].. فلا يَصِحُّ أن يُظَنَّ في إبراهيمَ أنَّه كان يعلَم أنَّ قومَه سيؤكِّدون شركَهم بقولهم ((نعبُد أصناما)) إذا قال لهم ((ما تعبُدون))، لأنَّ النبيَّ لا يستدرج الكافرَ إلى الإقرار بكفره لأنَّ الكافر يزداد كفرًا كلَّما أقرَّ بكفره، والنبيُّ لا يستدرجُ الكافرَ إلى أن يُقِرَّ بكفره، أي لا يستدرجُه إلى الكفر، بل هو، عليه السلام، بقولهِ لهم ((ما تعبُدون)) أراد أن ينكِر عليهم، لكن هم أجابوا بهذا الجواب.. فكلام إبراهيمَ في الحقيقةِ إنكارٌ عليهم، ولكنَّه، عليه السلام، ساقَ كلامَه هذا بصيغةِ سؤال.. وهذا من ضروب البلاغةِ في اللغة..ا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

حسن التفهم والدرك لمسئلة الترك

  حسن التفهم والدرك لمسئلة الترك تأليف: أبي الفضل عبد الله محمد الصديقي الغماري تقديم الترك ليس بحجة في شرعنا … لا يقتضي منعًا ولا إيجابا فم...