بسم الله الرحمن الرحيم
" الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجَا قَيِّماً لِيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً حَسَناً " الحمد لله المبدىءُ المعيد الفعال لما يريد والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى ءاله وصحبه أولى الوفا و التسديد .
يقول الله تعالى في كتابه العزيز "لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ " (الواقعة:79) في تفسير هذه الآية الكريمة يقول الإمام الرازي رحمه الله (لا يَمَسُّهُ) هنا الضمير عائد إلى الكتاب على الصحيح ولقد ذهب الإمام الشافعي رحمه الله تعالى على تحريم مس المصحف للمحدث سواء كان اصغر أو أكبر ، وجاء في السنة أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى عمرو بن حزم " لا يمس القرءان من هو على غير طهر " وإن مس المصحف بطهر صفة من الصفات الدالة على التعظيم والمس بغير طهور نوع إهانة في المعنى , فالمس بالمطهر في مقابلة المس على غير طهر وترك المس خروج عن كل واحدة أي أن من لا يمس المصحف لا يكون مكرما ولا مهينا وبترك المس خرج عن الضدين ففي المس على الطهر التعظيم وفي المس على الحدث إهانة فلا تجوز وهو معنى دقيق يليق بالشافعي رحمه الله ومن يقرب منه درجة فعند الإمام الشافعي رحمه الله يحرم على الحائض والنفساء حمل المصحف ومسه والقراءة فيه وكذلك الصلاة والصوم والطواف بالبيت وعبور المسجد إن خافت تلويثه ومعنى العبور بقصد المرور أما المكث فلا يجوز لها .
وعلى هذا ذهب الإمام أبو حنيفة ومالك وأحمد رضي الله عنهم انه لا يجوز للحائض مس المصحف والقراءة فيه وحمله ولو بحائل . هذا ما قاله ابن المنذر.
وقد ذكر تحريم قراءة القرءان ومسه وحمله الإمام النووي في روضة الطالبين وتقي الدين الحصني في كتاب كفاية الأخيار قال : ( واحتج على تحريم القراءة بقوله صلى الله عليه وسلم " لا يقرأ الجنب ولا الحائض شيئا من القرءان " رواه أبو داود والترمذي وقال في شرح المهذب واحتج لمس المصحف بقوله تعالى " لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ" ولقوله صلى الله عليه وسلم " لا يمس القرءان إلا طاهر " رواه الدار قطني عن ابن عمر رضي الله عنهما وإذا حرم مسه فحمله أولى إلا أن يكون في أمتعة ولم يقصد حمله بخصوصه فإن فرض انه المقصود حرم جزم بذلك الرافعي .
• تنبيه مهم : يجب الاعتقاد أن المرأة الحائض أو النفساء بدنها طاهر ويجوز لها لمس الأشياء الأخرى وأنها لا تنجس شيئا بلمسه ومن اعتقد أن الحائض إذا مست شيئا تنجسه فهو كافر لانه اعتقاد اليهود . أما مس القرءان فتحريم مسه مخصوص كما بينا ذلك .
• تنبيه مهم : أن المراد بطالب العلم الذي يجوز له مس المصحف من غير طهارة هم الصبيان وليس المراد المكلفين وإن الحائض أصبحت بحيضتها مكلفة ولا يجوز لها مس المصحف والقراءة فيه وحمله ويجوز لها القراءة في نفسها فقط .
==============================================
متى يحرم حمل المصحف ومسّه ؟!
الجواب :يحرم حمل المصحف ومسّه على من احدث حدثًا أصغر أو أكبر، ويمكّن من ذلك الصّبيّ للدّراسة.
شىء من التّفريع:فحرم على هؤلاء حمل المصحف وكذلك ما كتب للدّراسة فقد اشتهر وخاصّة في تلك البلاد الأفريقيّة بأنّ الصّبيّ كان يأتي إلى شيخه بلوح فيكتب له الشّيخ على هذا اللّوح ءاية او ءايتين
فيذهب ويحفظها ثمّ يعود ويسمّعها فإذا تمكّن منها غسل اللّوح بطريقة عموديّة ليزيل الكلمات وكان يجمع هذا الماء في كوب او وعاء فيشربه للبركة .
فإنّه يحرم على شيخه ان يحمل هذا اللّوح (والآيات عليه) إن لم يكن على طهارة أمّا الصّبيّ فيجوز له للدّراسة لا للّعب لمشقّة دوام طُهره، فيحرم على الأب أن يقول لابنه المميّز ايتني بالمصحف إن علم انّه ليس على طهارة. ولا يمكّن غير المُمَيّز .ولا يحرم حمل ما كتب لحرز.
وأمّا الحمل المحرّم هنا فلم يختص بالمباشرة بل ولو كان بحائل كورق أو نحو كمّه فلا يجوز، حتّى ولو جاء بصندوق فارغ مثلاً ووضع فيه هذا المصحف وحمل الصّندوق فهذا من الحمل المحرّم على من ذكرناه سابقًا.
وكذلك يحرّم الحدثُ مسّ المصحف أي مسّ ورقه وجلده وحواشيه( أي أطراف الكتاب الّتي ما عليها كتابة) إلاّ لضرورة كخوف تنجّسه أو كخوف من أن يهينه كافر بل ويجوز له في هذا الحال أن يحمله وينقله ليس مجرّد المس .
================================================
ويحرم عليها(الجنب والحائض) قراءة القرءان لقوله صلى الله عليه وسلم: لا تقرأ الحائض ولا الجنب شيئا من القرءان رواه أبو داود والترمذي،
وكذا مسه لقوله تعالى: {لا يمسه إلا المطهرون}
ولقول النبي صلى الله عليه وسلم في كتاب عمرو بن حزام: لا تمس القرءان إلا وأنت طاهر رواه الأثرم.
قال ابن المنذر في كتابه الأوسط ما نصه: باب ذكر مسّ الجنب والحائض المصحف والدنانير والدراهم: اختلف أهل العلم في مسّ الحائض والجنب المصحف فكره كثير منهم ذلك منهم ابن عمر،
حدَّثنا أبو سعيد أخبرنا محمد بن عثمان أخبرنا ابن نمير عن عبد الله عن نافع عن ابن عمر أنه قال: لا يمسّ المصحف إلا متوضىء، وكَرِه الحسن للجنب مسَّ المصحف إلا أن يكون له علاّقة، وروي ذلك عن الشعبي وطاوس والقاسم وعطاء
وقال عطاء: لا بأس أن تأتيك الحائض بالمصحف بعلاّقته، وقال الحكمُ وحمّاد في الرجل يمسُ المصحف وليس بطاهر قالا: إذا كان في علاّقةٍ فلا بأس،
وكره عطاء والزهري والقاسم والنخعي مسّ الدراهم التي فيها ذكر الله تعالى على غير وضوء،
وكره مالك أن يحملَ المصحف بعلاقته أو على وسادة أحد إلا وهو طاهر قال: ولا بأس أن يحمله في الخرُوج والتابوت والغِرارة ـ كيس من جلد ـ ذَكَر ذلك عن علي غير واحد ويحْمِل النصراني واليهودي المصحف في الغرارة والتابوت في مذهبه.
وقال الأوزاعي والشافعي: لا يحملُ المصحف الجنب والحائض.
وقال أحمد وأسحق: لا يقرأ في المصحف إلا متوضىء،
قال إسحق: لِـما صح من قول النبيّ عليه السلام: لا يمسّ القرءان إلا طاهر، وكذلك كان فعل أصحاب النبيّ عليه السلام،
وكرِه أحمد أن يمسّ المصحف أحدٌ على غير طهارة إلا أن يتصفّحه بعود أو شىء،
وقال أبو ثور: لا يمسُّ المصحف جنبٌ ولا حائض ولا غير متوضىء، قال: وذلك أن الله تعالى يقول: {ولا يمسُّه إلا المطهرون} قال: وهذا قول مالك وأبي عبيد،
وحكى يعقوب عن النعمان أنه قال في الرجل الجنب يأخذ الصرّة فيها دراهم فيها السورة من القرءان أو المصحف بعلاّقته قال: لا بأس، وقال: لا يأخذ الدراهم إذا كان جنبا وفيها السورة من القرءان في غير صرّة وكذلك المصحف في غير علاقته،
وقال أبو يوسف ومحمّد: لا يأخذ ذلك وهو على غير وضوء إلا في صرّة أو في علاقة. قال أبو بكر: أعلى ما احتج به من كره أن يمس المصحف غير الطاهر قوله تعالى: {لا يمسه إلا المطّهرون}
وحديث عمرو بن حزم حدثنا إسحق عن عبد الرزاق عن معمر عن عبد الله بن أبي بكر عن أبيه قال في كتاب النبي عليه السلام لعمرو: لا يمسّ القرءان إلا على طهور.
ورخَّص بعض ـ يعني بذلك البعض بعض المجتهدين لأن المجتهد لا يعتد بقول مقلد إلا المجتهد ـ من كان في عصرنا للجنب والحائض في مس المصحف ولُبس التعويذ ومسّ الدراهم والدنانير التي فيها ذكر الله تعالى على غير طهارة،
وقال: معنى قوله: {لا يمسّه إلا المطهرون} الملائكة،
كذلك قال أنس وابن جبير ومجاهد والضحاك وأبو العالية قال: وقوله: {لا يمسُّه إلا المطهرون} خبرٌ بضم السين ولو كان نهيا لقال لا يمسَّهُ،
واحتج بحديث أبي هريرة وحديثه عن النبيّ عليه السلام أنه قال: المؤمن لا ينجس، والأكثر من أهل العلم على القول الأول،
وقد روينا عن ابن جبير أنه بال ثم توضأ وضوءه إلا رجليه ثم أخذ المصحف، وروي عن الحسن وقتادة أنهما كانا لا يريان بأسا أن تمس الدراهم على غير وضوء يقولان بحل ذلك، واحتجت هذه الفرقة بقول النبيّ صلى الله عليه وسلم لعائشة: أعطيني الـخُمرة، قالت: إني حائض، قال: إن حيضتك ليست في يدِكِ، وبقول عائشة: كنتُ أغسل رأسَ النبيّ عليه السلام وأنا حائضٌ ،
قال: ففي هذا دليل على أن الحائض لا تُنجِّسُ ما تَمَس إذ ليس جميع بدنها بنجس ولما ثبت أن بدنها غير نجس إلا الفرج ثبت أن التنجس في الفرج بكون الدم فيه وسائر البدن طاهر.اهـ
وفي مذهب المالكية قال العلامة ميارة المالكي في مختصر الدر الثمين والمورد المعين ما نصه: وفُهم من كلامه أن الحيض والنفاس لا يمنعان القراءة وهو كذلك على المشهور.اهـ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق