بحث هذه المدونة الإلكترونية

السبت، 4 أغسطس 2018

الله موجود بلا مكان

الحمدّ لله ربّ العالمين الذي خلق العالم بأسره، العلوي والسفلي والعرش والكرسي والسموات والأرض وما فيهما وما بينهما جميع الخلائق مقهورون بقدرته لا تتحرك ذرة إلا بإذنه لا يتقيد بزمان ولا يتخصص بمكان كان قبل الزمان والمكان بلا مكان، بعد خلق المكان هو على ما عليه كان وأشهد أنْ لا إله ن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا شبيه له ولا مثيل له ولا ضد ولا ندّ له وأشهد أنَّ سيدنا ونبينا وعظيمنا وقائدنا وقرة أعيننا محمدا بلّغ الرسالة وأدّى الأمانة ونصح الأمة ومحى الظلمة وجاهد في الله حقّ جهاده.

الصلاة والسلام عليك يا سيدي يا أبا الزهراء يا رسول الله، أنت طب القلوب ودواؤها وعافية الأبدان وشفاؤها ونور الأبصار وضياؤها صلى عليك الله يا علم الهدى ما هبت النسائم وما ناحت على الأيك الحمائم.

فإن من أصول الإيمان وأساس العقيدة الإسلامية أن يعتقد الإنسان أنّ ربنا الذي خلق الأجسام كلها وخلق الكتل والأحجام كلها وأنّ ربنا الذي خلق الأماكن كلها وخلق الزمان منزه عن التقيد بالزمان ومنزه عن التخصص بالمكان لأن الذي يشغل فراغا ويملأ حيزا ويستقر بمكان وينحل بشىء ويحاذي مكانا ويماس مكانا لا يكون ربا وإلها بل يكون مخلوقا حادثا.

إنّ الذي يملأ فراغا ويشغل حيزا ومكانا يكون له مقدار، يكون له مقدار وتكون له مساحة ويكون جسما وحجما.

وربنا الذي خلق الخلق ليس جسما ولا حجما ولا كتلة كبيرة ولا يملأ فراغا ولا يشغل مكانا لأن الله الذي خلقنا بمقادير ومساحات لا يوصف بالمقادير والمساحات ومن هنا ننطلق، أول بأول إلى الدليل القرءاني، دليل قرءاني على أنّ الله تعالى موجود بلا مكان، ما هو الدليل القرءاني؟ إسمع معي، ربنا قال فلا تضربوا لله الأمثال، وربنا قال هل تعلم له سميا، وربنا قال ولله المثل الأعلى

وربنا قال ولم يكن له كفوا أحد وربنا يقول في محكم التنزيل في سورة الشورى ليس كمثله شىء وهو السميع البصير.

لو كان الله في مكان لكان له أمثال وأشباه لا تحصى، لو كان ساكنا في السماء لكان شبيها للملائكة الذين هم سكان السماء، ولو كان شبيها للملائكة لجاز عليه ما يجوز على الملائكة من تغير وتطور وتحيز ولو كان يشبه الملائكة لصحت لهم الألوهية كما صحت له وإلا فما الفرق بينه وبين الملائكة وإذا كان يشبه ملائكته، ربنا قال عن نفسه: ليس كمثله شىء، إذا ربنا كان موجود قبل خلق المكان،

أليس الله كان موجود قبل خلق المكان بلا مكان؟ بلى كان موجود قبل خلق المكان بلا مكان وبعد خلق المكان ربنا لا يتغير ولا يتحول ولا يتطور لأن التغير من صفات الخلق وربنا لا يوصف بصفات المخلوقين ولأن المتطور والمتغير من حال إلى حال يحتاج بالتالي لمن يغيره ويطوره والإحتياج ينافي الألوهية إذا ربنا قبل خلق المكان كان بلا مكان وبعد خلق المكان هو على ما عليه كان، أي بلا مكان.

ثم فإن الإمام البيهقي رضي الله عنه وهو من كبار أئمة الإسلام توفي قبل تسعمائة سنة.

قال رواية عن الأشعري: إنّ الله لا مكان له ويقول الإمام البيهقي "والباطن" يعني الله تعالى "فلا يصح كونه في مكان" والإمام جعفر الصادق رضي الله عنه الذي كان قبل 1300 سنة قال من زعم أنّ الله في شىء أو من شىء أو على شىء فقد أشرك، إسمعوا من زعم أنّ الله في شىء أو من شىء أو على شىء فقد أشرك إذ لو كان في شىء لكان محصورا ولو كان على شىء لكان محمولا ولو كان من شىء لكان محدثا أي مخلوقا.

وقد روى الشافعي الصغير شمس الدين الرملي الذي كان قبل خمسمائة سنة روى عن علي أنه قال: كان الله ولا مكان وهو الأن على ما عليه كان، أي بلا مكان.

وروى الإمام عبد القاهر التميمي البغدادي عن علي إن الله خلق العرش إظهارا لقدرته ولم يتخذه مكانا لذاته يتخذه مكانا لذاته إذا من هنا نقول: إن تفسير الآية {الرحمن على العرش إستوى} ليس معناها جلس ليس معنى إستوى على العرش أي جلس عليه لأن الجلوس من صفات المخلوقين والذي يجلس يكون له مؤخرة (وثنايا) وربنا لا يوصف بشىء من ذلك.

سيدنا أحمد بن حنبل قال: "استوى كما أخبر لا كما يخطر للبشر" ليس جلوسا ليس إستقرارا ليس مماسة أو محاذاة ليس كما يخطر للبشر لأن الله ليس كمثله شىء ولأنه مهما تصورت ببالك فالله بخلاف ذلك.

الرحمن على العرش استوى معناه ربنا حفظ العرش وأبقاه، من الذي حفظ العرش؟ الله، من الذي أثبت العرش وحفظه حتى لا يقع علينا، ليس بالمماسة.

عقيدة التنزيه هذه، تنزيه الله عن صفات الخلق، أن تعتقد بقلبك أن الله الذي خلق العالم بأسره لا يشبه شيئا من هذا العالم، عقيدة التنزيه هي من أصول الإيمان. لذا نختم الخطبة بدليل عقلي يؤكد تنزيه الله عن المكان.

لو كان الله مستقرا في مكان، محاذيا لمكان إما أن يكون مثل المكان أو أكبر من المكان أو أصغر من المكان، إحتمالات ثلاثة لا رابع لها، فإذا كان مثل المكان يأخذ شكل المكان، إذا كان المكان مربع يكون هو مربع، إذا كان المكان مثلث يكون هو مثلثا.

إذا كان مستطيلا يكون هو مستطيلا وربنا لا يوصف بذلك وإن كان أكبر من المكان فإن جزء منه في المكان والجزء الآخر خارج المكان مثل الشخص الثمين وهذا لا يليق بالله لأن الله ليس جسما ليس حجما، ولو كان أصغر من المكان لكان محصورا كما نحن محصورون في المسجد.

إذا العقل السليم لا يقبل أن يكون الله متخصصا في مكان وإنما الآية {وهو معكم أينما كنتم} معية العلم أي أن الله عالم 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

حسن التفهم والدرك لمسئلة الترك

  حسن التفهم والدرك لمسئلة الترك تأليف: أبي الفضل عبد الله محمد الصديقي الغماري تقديم الترك ليس بحجة في شرعنا … لا يقتضي منعًا ولا إيجابا فم...