عن صوت المرأة
إن قال أدعياء العلم: "أليس في قوله تعالى: {فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض} سورة الأحزاب. تحريم الاستماع إلى صوت المرأة؟
فالجواب: أنّ الأمر ليس كذلك، قال القرطبي في تفسيره: "أمرهنّ الله - يعني
نساء النبي- أن يكون قولهنّ جزلاً وكلامهنّ فصلاً ولا يكون على وجه يظهر في القلب علاقة بما يظهر عليه من اللّين كما كانت الحال عليه في نساء العرب من مكالمة الرجال بترخيم الصوت ولينه مثل كلام المُريبات والمومسات، فنهاهنّ عن مثل هذ. ا.هـ."
وقال أبو حيان في تفسير البحر المحيط: {فلا تخضعن بالقول} سورة الأحزاب قال ابن عباس: { فلا ترخصن بالقول} وقال الحسن: "لا تَكَلَّمْنَ بالرَّفَث".وقال الكلبي: "لا تكلّمن بما يَهوى المريب". وقال ابن زيد: "الخضوع بالقول ما يدخل في القلب الغزل" وقيل لا تُلِنَّ للرجال القول. أمر تعالى أن يكون الكلام خيرًا لا على وجه يظهر في القلب علاقة ما يظهر عليه من اللّين كما كان الحال عليه في نساء العرب من مكالمة الرجال برخيم الصوت ولينه مثل كلام المومسات، فنهاهنّ عن ذلك". ا.هـ.
فيعلم من ذلك أنه ليس المراد بهذه الآية أنه يحرم عليهنّ أن يتكلّمن بحيث يسمع الرجال أصواتهنّ، بل النهي عن أن يتكلمن بكلام رخيم يشبه كلام المريبات المومسات أي الزانيات،
فقد صحَّ عن عائشة رضي الله عنها أنها كانت تدرّس الرجال من وراء ستار، ذكر الحافظ ابن حجر العسقلاني في كتابه التلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير ما نصّه: "فإنه ثابت في الصحيح أنهم كانوا يسألون عائشة عن الأحكام والأحاديث مشافهة" ا.هـ.
وروى الحاكم في المستدرك عن الأحنف بن قيس قال: "سمعت خطبة أبي بكر الصدّيق وعمر بن الخطّاب وعثمان بن عفّان وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهم والخلفاء هلم جرّا إلى يومي هذا، فما سمعت الكلام من فم مخلوق أفخم ولا أحسن منه من فِيْ عائشة رضي الله عنها" ا.هـ.
وفي التفسير الكبير للفخر الرازي عند تفسير قوله تعالى: {وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن} [سورة النور] الآية ما نصّه: "وفي صوتها وجهان أصحهما أنّه ليس بعورة لأنّ نساء النبي صلى الله عليه وسلم كنّ يروين الأخبار للرجال". ا.هـ.
قلت: ومنهنَّ عائشة رضي الله عنها كانت تحدث الرجال بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وتفتيهم ولم تكن تُغيّر صوتها،
وكذلك كانت تُحدّث بعض النساء من ءال صلاح الدين الأيوبي حديث رسول الله للرجال، ومن راجع كتب طبقات المحدثين والحفاظ والفقهاء لوجدها عامرة بتراجم من أخذ منهم العلم سماعًا وقراءة عن النساء.
.
فهذا الإمام السبكي الجليل قد أخذ العلم وسمعه من أكثر من ثلاثمائة شيخ وثمانين شيخة
وهذا دليل على أن صوت المرأة ليس بعورة
وبعد هذا البيان فمن أين لمدع أن يدعي إجماع المسلمين على أنه يحرم على المرأة أن ترفع صوتها بالإنشاد؟؟؟
ومن أين لهم أن ينكروا تفسير قوله تعالى (فلا تخضعن بالقول)
بترخيم الصوت ولينه مثل المُريبات المومسات أي الزانيات
ويدعون إن إجماع المفسرين على خلاف هذا,
فهل يعتبرون القرطبي دخيلا على المفسرين وقد قال مثله أبو حيان في البحر المحيط وأبو السعود في تفسيره وغيرهما,فهذا مما أوحى لهم الشيطان به
ثم زعموا أنه حقيقة ونشروه بين الناس لحبهم التشنيع وإن ذلك يعيبهم ولا يعيبنا فلا تخوضوا فيما ليس لكم به علم.
القول المعوّل عليه في المذاهب الأربعة في صوت المرأة أنه ليس بعورة وكيف يُقال إنه عورة وقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم رخّص لجارية في الغناء عند إهداء العروس الى زوجها روى البخاري في الصحيح عن عائشة رضي الله عنها أنها زفت امرأة الى رجل من الأنصار فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم :" يا عائشة ما كان معكم لهوٌ فأن الأنصار يعجبهم اللهو" ، وفي رواية الطبراني عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " فهل بعثتم معها جارية تضرب بالدّف وتغني" قالت عائشة : تقول ماذا ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم تقول:
أتيناكم أتيناكم فحيونا نحيّيكم
ولولا الذهب الأحمر ما حلت بواديكم
ولولا الحنطة السمرا ء ما سمنت عذاريكم
ورواية الطبراني هذه صحيحة ، ومعنى الجارية في اللغة الفتاة كما في القاموس ولسان العرب وليس المعنى أنها صغيرة دون البلوغ وإلا لقيل جويرية.
وفي سنن ابن ماجه وغيره عن أنس رضي الله عنه أن النبي محمد صلى الله عليه وسلم مر ببعض المدينة فإذا هو بجوار يضربن بدفهن ويتغنين ويقلن:
نحن جوارٍ من بني النجار يا حبذا محمد من جار
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " الله يعلم إني لأحبكن" قال الحافظ البوصيري : "هذا إسناده صحيح رجاله ثقات".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق