حكم تارك الصلاة في الإسلام
إن جمهور الفقهاء لا يكفرون تارك الصلاة كسلا وإنما يعتبرونه فاسقا إلا إذا استخف بها أو جحد فرضيتها فيكفر عند ذلك.</p>
ودليلهم ما رواه الإمام أحمد في المسند ج5/317 من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:[ خمس صلوات افترضهن الله على عباده من أحسن وضوأهن وصلاتهن لوقتهن فأتم ركوعهن وسجودهن وخشوعهن كان له عند الله عهد ان يغفر له ومن لم يفعل فليس له عند الله عهد إن شاء غفر له وإن شاء عذبه] اهـ.
وفي رواية لأبي داود (ج1/451) ولمالك في الموطأ (ص111):[ إن شاء عذبه وإن شاء أدخله الجنة].
ووجه الدليل قوله صلى الله عليه وسلم:[ إن شاء غفر له]، ودليل ذلك قول الله تعالى:[ إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء] ويقول الإمام الطحاوي المولود سنة 227هـ في عقيدته التي ذكر أنها بيان عقيدة أهل السنة والجماعة:[ ولا نكفر أحدا من أهل القبلة بذنب ما لم يستحله] اهـ.
قال المحدث الشيخعبد الرؤؤف المناوي في فيض القدير شرح الجامع الصغير ج3/430 حرف الخاء: (خمس صلوات كتبهن اللّه على العباد فمن جاء بهنّ لم يضيع منهنّ شيئا استخفافاً بحقهنّ) قال الباجي: احترز عن السهو وقال ابن عبد البر: تضييعها أن لا يقيم حدودها (كان له عند اللّه عهد أن يدخل الجنة) أي مع السابقين أو من غير تقديم عذاب (ومن لم يأت بهنّ) على الوجه المطلوب شرعاً (فليس له عند اللّه عهد إن شاء عذبه) عدلاً (وإن شاء أدخله الجنة) برحمة فضلاًفعلم من هذا وما قبله وبعده أن تارك الصلاة لا يكفر وأنه لا يتحتم عذابه بل هو تحت المشيئة. (مالك حم د ن ه حب ك عن عبادة بن الصامت) قال الزين العراقي: وصححه ابن عبد البر.اهـ
قال الإمام النووي في شرح صحيح مسلم (ج/ص: 2/71): وأمَّا تارك الصَّلاة فإن كان منكرًا لوجوبها فهو كافر بإجماع المسلمين، خارج من ملَّة الإسلام إلاَّ أن يكون قريب عهد بالإسلام، ولم يخالط المسلمين مدَّة يبلغه فيها وجوب الصَّلاة عليه وإن كان تركه تكاسلاً مع اعتقاده وجوبها كما هو حال كثير من النَّاس، فقد اختلف العلماء فيه: فذهب مالك والشَّافعيُّ -رحمهما اللَّه- والجماهير من السَّلف والخلف: إلى أنَّه لا يكفر بل يفسق ويستتاب، فإن تاب وإلاَّ قتلناه حدَّاً كالزَّاني المحصن ولكنَّه يقتل بالسَّيف. وذهب جماعة من السَّلف إلى أنَّه يكفَّر، وهو مرويٌّ عن عليِّ بن أبي طالب -كَرَّمَ اللهُ وَجْهَهُ- وهو إحدى الرِّوايتين عن أحمد بن حنبل -رحمه اللَّه- وبه قال عبد الله بن المبارك، وإسحاق بن راهويه، وهو وجه لبعض أصحاب الشَّافعيِّ -رضوان اللهعليه- وذهب أبو حنيفة وجماعة من أهل الكوفة والمزنيُّ صاحب الشَّافعيِّ -رحمهما اللَّه-: أنَّه لا يكفر، ولا يقتل بل يُعَزَّر ويحبس حتَّى يصلِّي، احتجَّ من قال بكفره بظاهر الحديث الثَّاني المذكور (إِنَّ بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ تَرْكَ الصَّلاَةِ)، وبالقياس على كلمة التَّوحيد. واحتجَّ من قال: لا يقتل بحديث: "لاَ يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلاَّ بِإِحْدَى ثَلاثٍ" وليس فيه الصَّلاة.
واحتجَّ الجمهور على أنَّه لا يكفر بقوله تعالى: {إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 48]. وبقوله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم-: "مَنْ قَالَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله دَخَلَ الجَنَّةَ، مَنْ مَاتَ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله دَخَلَ الجَنَّةَ، وَلاَ يَلْقَى الله تعالى عَبْدٌ بِهِمَا غَيْرَ شَاكٍّ فَيُحْجَب عَنِ الجَنَّةِ". "حَرَّمَ اللهُ عَلَى النَّارِ مَنْ قَالَ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ" وغير ذلك
واحتجوا على قتله بقوله تعالى: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ} [التوبة: 5].
وقوله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم-: "أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا: لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله وَيُقِيْمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءهُمْ وَأَمْوَالَهُم".
وتأوَّلوا قوله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم-: "بَيْنَ العَبْدِ وَبَيْنَ الكُفْرِ تَرْكُ الصَّلاَةِ" على معنى: أنَّه يستحقُّ بترك الصَّلاة عقوبة الكافر وهي القتل، أو أنَّه محمول على المستحلِّ، أو على أنَّه قد يؤول به إلى الكفر، أو أنَّ فعله فعل الكفَّار، واللَّه أعلم. اهـ</p>
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق